فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الجصاص:

وقَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
فَإِنَّ التَّسْبِيحَ هُوَ التَّنْزِيهُ لِلَّهِ تَعَالَى عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنْ الصِّفَاتِ، فَجَمِيعُ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ مُنَزَّهٌ لَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، وَالْعُقَلَاءُ الْمُطِيعُونَ يُنَزِّهُونَهُ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِقَادِ وَالْوَصْفِ لَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ.
وقَوْله تَعَالَى: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} يَعْنِي: صَلَاةَ مَنْ يُصَلِّي مِنْهُمْ فَاَللَّهُ يَعْلَمُهَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الصَّلَاةُ لِلْإِنْسَانِ وَالتَّسْبِيحُ لِكُلِّ شَيْءٍ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَالطَّيْرُ صَآفَاتٍ} أي مصطفة الأجنحة في الهواء.
{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الصلاة للإِنسان والتسبيح لما سواه من سائر الخلق، قاله مجاهد.
الثاني: أن هذا في الطير وإن ضرب أجنحتها صلاة وأن أصواتها تسبيح، حكاه النقاش.
الثالث: أن للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود، قاله سفيان. ثم فيه قولان:
أحدهما: أن كل واحد منهم قد علم صلاته وتسبيحه.
الثاني: أن الله قد علم صلاته وتسبيحه. اهـ.

.قال ابن عطية:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
{ألم تر} تنبيه، والرؤية رؤية الفكر، قال سيبويه كأنه قال انتبه الله يسبح له من في السماوات، والتسبيح هنا التعظيم والتنزيه فهو من العقلاء بالنطق وبالصلاة من كل ذي دين، واختلف في تسبيح {الطير} وغير ذلك مما قد ورد الكتاب بتسبيحه، فالجمهور على أنه تسبيح حقيقي وقال الحسن وغيره هو لفظ تجوز وإنما تسبيحه بظهور الحكمة فيه، فهو لذلك يدعو إلى التسبيح، وقال المفسرون قوله: {من في السماوات والأرض} عامة لكل شيء من له عقل وسائر الجمادات، لكنه لما اجتمع ذلك عبر عنه ب {من} تغليبًا لحكم من يعقل، و{صافات} معناه مصطفة في الهواء، وقرأ الأعرج {والطيرَ} بنصب الراء، وقرأ الحسن و{الطيرُ صافاتٌ} مرفوعتان وقوله: {كل قد علم صلاته وتسبيحه} قال الحسن المعنى كل قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه فهو يثابر عليها، قال مجاهد الصلاة للبشر والتسبيح لما عداهم، وقالت فرقة المعنى كل قد علم صلاة الله وتسبيح الله اللذين أمر بهما وهدى إليهما فهذه إضافة خلق إلى خالق، وقال الزجاج وغيره المعنى {كل قد علم} الله {صلاته وتسبيحه} فالضميران للكل، وقرأت فرقة {عُلم صلاتُه وتسبيحُه} بالرفع وبناء الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله ذكرها أبو حاتم، وقرأ الجمهور {يفعلون} بالياء على معنى المبالغة في وصف قدرة الله وعلمه بخلقه، وقرأ عيسى والحسن {تفعلون} بالتاء من فوق ففيه المعنى المذكور وزيادة الوعيد والتخويف من الله تعالى وإعلام بعد بكون الملك على الإطلاق له وتذكيره بأمر المصير إليه والحشر يقوي أمر التخويف من الله تعالى وفي مصحف أبي بن كعب وابن مسعود {والله بصير بما تفعلون}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السماوات والأرض والطير صَآفَّاتٍ}.
لما ذكر وضوح الآيات زاد في الحجة والبيّنات، وبيّن أن مصنوعاته تدلّ بتغييرها على أن لها صانعًا قادرًا على الكمال؛ فله بِعْثة الرسل، وقد بعثهم وأيّدهم بالمعجزات، وأخبروا بالجنة والنار.
والخطاب في {ألم تر} للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعناه: ألم تعلم؛ والمراد الكُلّ.
{أَنَّ الله يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السماوات} من الملائكة.
{والأرض} من الجن والإنس.
{والطير صَآفَّاتٍ} قال مجاهد وغيره: الصلاة للإنسان والتسبيح لما سواه من الخلق.
وقال سفيان: للطير صلاةٌ ليس فيها ركوع ولا سجود.
وقيل: إنّ ضربها بأجنحتها صلاة، وإن أصواتها تسبيح؛ حكاه النقاش.
وقيل: التسبيح هاهنا ما يرى في المخلوق من أثر الصنعة.
ومعنى {صافاتٍ} مصطفات الأجنحة في الهواء.
وقرأ الجماعة {والطّيْرُ} بالرفع عطفًا على {مَنْ}.
وقال الزجاج: ويجوز {والطيرَ} بمعنى مع الطير.
قال النحاس: وسمعته يخبر قمتُ وزيدًا بمعنى مع زيد.
قال: وهو أجود من الرفع.
قال: فإن قلت قمت أنا وزيد، كان الأجود الرفع، ويجوز النصب.
{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} يجوز أن يكون المعنى: كلٌّ قد علم الله صلاته وتسبيحه؛ أي علم صلاة المصلِّي وتسبيحَ المسبِّح.
ولهذا قال: {والله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} أي لا يخفى عليه طاعتهم ولا تسبيحهم.
ومن هذه الجهة يجوز نصب {كل} عند البصريين والكوفيين بإضمار فعل يفسّره ما بعده.
وقد قيل: المعنى قد علم كلُّ مُصَلٍّ ومسبّح صلاة نفسه وتسبيحه الذي كُلِّفه.
وقرأ بعض الناس {كلٌّ قد عُلِم صلاتُه وتسبيحُه} غير مسمّى الفاعل.
وذكر بعض النحويين أن بعضهم قرأ {كلٌّ قد عَلَّم صلاتَه وتسبيحه}؛ فيجوز أن يكون تقديره: كلٌّ قد علّمه الله صلاته وتسبيحه.
ويجوز أن يكون المعنى: كلٌّ قد علّم غيرَه صلاته وتسبيحه، أي صلاة نفسه؛ فيكون التعليم الذي هو الإفهام والمراد الخصوص؛ لأن من الناس من لم يُعَلِّم.
ويجوز أن يكون المعنى كلٌّ قد استدل منه المستدِلّ، فعبّر عن الاستدلال بالتعليم؛ قاله المهدوِيّ.
والصلاة هنا بمعنى التسبيح، وكرر تأكيدًا؛ كقوله: يَعْلمُ السِّرَّ والنَّجْوَى.
والصلاة قد تسمَّى تسبيحًا؛ قاله القُشَيْرِيّ.
{وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وإلى الله المصير} تقدّم في غير موضع. اهـ.

.قال أبو السعود:

وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ} الخ، استئنافٌ خُوطب به النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للإيذانِ بأنَّه تعالى قد أفاضَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أعلى مراتب النُّور وأجلاها وبيَّن له من أسرار المُلكِ والمَلَكُوت أدقَّها وأخفَاها. والهمزةُ للتَّقرير أي قد علمتَ علمًا يقينيًّا شبيهًا بالمشاهدة في القوَّة والرَّصانةِ بالوحي الصَّريحِ والاستدلالِ الصَّحيحِ {أَنَّ الله يُسَبّحُ لَهُ} أي ينزهه تعالى على الدَّوام في ذاته وصفاتِه وأفعاله عن كلِّ ما لا يليقُ بشأنه الجليلِ من نقص أو خللٍ {مَن في السموات والأرض} أي ما فيهما إما بطريق الاستقرارِ فيهما من العُقلاء وغيرِهم كائنًا ما كان أو بطريق الجُزئية منهما تنزيهًا معنويًّا تفهمه العقولُ السَّليمةُ فإنَّ كلَّ موجود من الموجوداتِ المُمكنة مُركبًّا كان أو بسيطًا فهو من حيثُ ماهيتُه ووجودُه وأحوالُه يدلُّ على وجود صانعٍ واجبِ الوجود متَّصفٌ بصفاتِ الكمال مقدَّسٌ عن كلِّ ما لا يليقُ بشأنٍ من شؤونِه الجليلةِ وقد نبَّه على كمالِ قُوَّةِ تلك الدِّلالةِ وغاية وضوحِها حيثُ عبَّر عنها بما يخصُّ العقلأَ من التَّسبيح الذي هو أقوى مراتب التَّنزيه وأظهرها تنزيلًا للسان الحالِ منزلةَ لسانِ المقالِ وأكَّدَ ذلك بإيثار كلمةِ مَن على مَا كأنَّ كلَّ شيءٍ ممَّا عزَّ وهان وكلَّ فردٍ من أفراد الأعراضِ والأعيان عاقلٌ ناطقٌ ومخبرٌ صادقٌ بعلُّوِ شأنِه تعالى وعزَّةِ سُلطانه، وتخصيصُ التَّنزيه بالذِّكر مع دلالةِ ما فيهما على اتِّصافِه تعالى بنعوتِ الكمالِ أيضًا لما أنَّ مساقَ الكلامِ لتقبيح حالِ الكَفَرة في إخلالهم بالتَّنزيه بجعلهم الجماداتِ شركاءَ له في الأُلوهيَّةِ ونسبتهم إيَّاه إلى اتخاذ الولد تعالى عن ذلك عُلُّوًا كبيرًا.
وحملُ التَّسبيح على ما يليقُ بكلِّ نوعٍ من أنواع المخلوقات بأنْ يُرادَ به معنى مجازيٌّ شاملٌ لتسبيحِ العُقلاءِ وغيرهم حسبما هو المتبادَرُ من قوله تعالى: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} يردُّه أنَّ بعضًا من العُقلاءِ وهم الكفرةُ من الثَّقلينِ لا يسبِّحونَهُ بذلك المعنى قطعًا وإنَّما تسبيحُهم ما ذُكر من الدِّلالةِ التي يُشاركهم فيها غيرُ العُقلاءِ أيضًا وفيه مزيدُ تخطئةٍ لهم وتعبيرٌ ببيان أنَّهم يسبِّحونه تعالى باعتبارِ أخسِّ جهاتهم التي هي الجماديَّةُ والجسميَّةُ والحيوانيَّةُ ولا يسبِّحونه باعتبارِ أشرفها التي هي الإنسانيَّةُ {والطير} بالرَّفعِ عطفًا على مَن وتخصيصُها بالذِّكرِ مع اندراجها في جُملة ما في الأرضِ لعدم استمرارِ قرارها فيها واستقلالها بصنعٍ بارعٍ وإنشاءٍ رائعٍ قُصد بيانُ تسبيحها من تلك الجهةِ لوضوح إنبائِها عن كمال قُدرةِ صانعِها ولطفِ تدبير مُبدعِها حسبما يُعرب عنه التَّقييدُ بقوله تعالى: {صافات} أي تُسبِّحه تعالى حال كونِها صافاتٍ أجنحتَها فإنَّ إعطاءه تعالى للأجرام الثَّقيلةِ ما تتمكنُ به من الوقوف في الجوِّ والحركةِ كيف تشاءُ من الأجنحةِ والأذنابِ الخفيفةِ وإرشادها إلى كيفيَّةِ استعمالها بالقبضِ والبسط حجَّةٌ نيِّرةٌ واضحة المكنونِ وآيةٌ بيِّنة لقومٍ يعقلون دالَّةٌ على كمال قُدرة الصَّانعِ المجيد وغايةِ حكمةِ المبدىءِ المُعيدِ، وقولُه تعالى: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} بيانٌ لكمالِ عراقةِ كلِّ واحدٍ ممَّا ذُكر في التَّنزيه ورسوخ قدمِه فيه بتمثيل حالِه بحالِ مَن يَعلمُ ما يصدرُ عنه من الأفاعيلِ فيفعلها عن قصدٍ ونيَّةٍ لا عن اتفاقٍ بلا رويَّةٍ وقد أدمج في تضاعيفِه الإشارة إلى أنَّ لكلِّ واحدٍ من الأشياء المذكورةِ مع ما ذُكر من التَّنزيه حاجةً ذاتيَّةً إليه تعالى واستفاضة منه لما يهمه بلسان استعدادِه وتحقيقه أنَّ كلَّ واحدٍ من الموجُوداتِ الممكنةِ في حدِّ ذاته بمعزلٍ من استحقاق الوجود لكنَّه مستعدٌّ لأنْ يفيضَ عليه منه تعالى ما يليقُ بشأنه من الوجودِ وما يتبعه من الكمالاتِ ابتداءً وبقاء فهو مستفيضٌ منه تعالى على الاستمرار فيفيض عليه في كلِّ آنٍ من فيوض الفُنونِ المتعلِّقةِ بذاته وصفاته ما لا يحيطُ به نطاقُ البيانِ بحيث لو انقطعَ ما بينه وبين العناية الربَّانيَّةِ من العلاقة لانعدمَ بالمرَّة وقد عبَّر عن تلك الاستفاضةِ المعنويَّةِ بالصَّلاةِ التي هي الدُّعاءُ والابتهالُ لتكميل التَّمثيل وإفادة المزايا المذكُورة فيما مرَّ على التَّفصيلِ وتقديمها على التَّسبيحِ في الذِّكرِ لتقدمها عليه في الرُّتبةِ هذا ويجوز أنْ يكونَ العلمُ على حقيقتِه ويراد به مطلقُ الإدراكِ وبما ناب عنه التَّنوينُ في كلِّ أنواع الطَّيرِ وأفرادها وبالصَّلاة والتَّسبيح ما ألهمه الله تعالى كلَّ واحدٍ منها من الدُّعاءِ والتَّسبيحِ المخصوصينِ به لكن لا على أنْ يكونَ الطَّيرُ معطُوفًا على كلمة مَن مرفوعًا برافعِها فإنَّه يؤدِّي إلى أنْ يُرادَ بالتَّسبيح معنى مجازيٌّ شاملٌ للتَّسبيحِ المقاليِّ والحاليِّ من العُقلاءِ وغيرهم وقد عرفتَ ما فيه، بل بفعل مُضمرٍ أريد به التَّسبيحُ المخصوص بالطَّيرِ معطوف على المذكور كما مرَّ في قولِه تعالى: {وَكَثِيرٌ مّنَ الناس} أي وتسبيحُ الطَّيرِ تسبيحًا خاصًّا بها حالَ كونِها صافاتٍ أجنحتَها وقوله تعالى: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} أي دعاءَهُ وتسبيحَه اللَّذينِ ألهمهما الله عزَّ وجلَّ إيَّاه لبيان كمال رُسوخه فيهما وأنَّ صدورَهما عنه ليس بطريقِ الإنفاق بلا رويَّةٍ بل عن علمٍ وإيقانٍ من غير إخلالٍ بشيءٍ منهما حسبما ألهمَه الله تعالى فإنَّ إلهامَه تعالى لكلِّ نوعٍ من أنواعِ المخلوقاتِ علومًا دقيقةً لا يكادُ يهتدِي إليه جهابذةُ العُقلاءِ ممَّا لا سبيلَ إلى إنكاره أصلًا، كيف لا وإنَّ القُنفذَ مع كونه أبعدَ الأشياءِ من الإدراك قالُوا: إنَّه يحسُّ بالشَّمالِ والجَنوبِ قبل هبوبِها فيغير المدخلَ إلى جُحرِه حتَّى رُوي أنَّه كان بقُسطنطينيَّةَ قبل الفتحِ الإسلاميِّ رجلٌ قد أثرى بسببِ أنَّه كان يُنذر النَّاسَ بالرِّياحِ قبل هبوبِها وينتفعون بإنذارِه بتدارُكِ أمورِ سفائنِهم وغيرها وكانَ السَّببُ في ذلك أنَّه كان يقتنِي في دارِه قُنفذًا يستدلُّ بأحوالِه على ما ذُكر، وتخصيص تسبيحِ الطَّيرِ بهذا المَعْنى بالذِّكرِ لما أنَّ أصواتَها أظهرُ وجُودًا وأقربُ حملًا على التَّسبيحِ وقولُه تعالى: {والله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} أي ما يفعلونَهُ اعتراضٌ مقررٌ لمضمون ما قبله، وما على الوجه الأوَّل عبارةٌ عمَّا ذُكر من الدِّلالة الشَّاملةِ لجميع الموجُوداتِ من العُقلاءِ وغيرِهم والتَّعبيرُ عنها بالفعل مسندًا إلى ضميرِ العُقلاء لما مرَّ غيرَ مرَّةٍ وعلى الثَّاني إمَّا عبارة عنها وعن التَّسبيح الخاصِّ بالطَّير معًا أو عن تسبيح الطَّيرِ فقط فالفعلُ على حقيقته وإسناده إلى ضميرِ العُقلاء لما مرَّ والاعتراضُ حينئذٍ مقررٌ لتسبيح الطَّيرِ فقط وعلى الأوَّلينِ لتسبيح الكلِّ.
هذا وقد قيل إنَّ الضَّمير في قوله تعالى: {قَدْ عَلِمَ} لله عزَّ وجلَّ وفي صلاته وتسبيحه لكلٌّ أي قد علَم الله تعالى صلاةَ كلِّ واحدٍ ممَّا في السَّمواتِ والأرضِ وتسبيحه فالاعتراضُ حينئذٍ مقررٌ لمضمونه على الوجهينِ لكن لا على أنْ تكونَ ما عبارةً عمَّا تعلَّق به علمُه تعالى من صلاتِه وتسبيحِه بل عن جميع أحوالِه العارضةِ له وأفعاله الصَّادرةِ عنه وهما داخلتانِ فيها دخولًا أوليًّا.
{وَللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض} لا لغيرِه لأنَّه الخالقُ لهما ولما فيهما من الذَّواتِ والصِّفاتِ وهو المتصرفُ في جميعِها إيجادًا وإعدامًا بدءًا وإعادةً. وقولُه تعالى: {وإلى الله} أي إليهِ تعالى خاصَّة لا إلى غيرِه {المصير} أي رجوعُ الكلِّ بالفناء والبعثِ بيانٌ لاختصاصِ المُلك به تعالى في المعادِ إثرَ بيانِ اختصاصِه به تعالى في المبدإِ. وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في موقع الإضمارِ لتربية المهابةِ والإشعارِ بعلَّةِ الحُكم. اهـ.