فصل: (سورة النور: الآيات 41- 42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النور: الآيات 41- 42]:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)}.
{صَافَّاتٍ} يصففن أجنحتهنّ في الهواء. والضمير في {عَلِمَ} لكل أو للّه. وكذلك في {صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} والصلاة: الدعاء. ولا يبعد أن يلهم اللّه الطير دعاءه وتسبيحه كما ألهمها سائر العلوم الدقيقة التي لا يكاد العقلاء يهتدون إليها.

.[سورة النور: الآيات 43- 44]:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (44)}.
{يُزْجِي} يسوق. ومنه: البضاعة المزجاة: التي يزجيها كل أحد لا يرضاها. والسحاب يكون واحدا كالعماء، وجمعا كالرباب. ومعنى تأليف الواحد: أنه يكون قزعا فيضم بعضه إلى بعض. وجاز بينه وهو واحد، لأنّ المعنى بين أجزائه، كما قيل في قوله:
بين الدّخول فحومل

والركام: المتراكم بعضه فوق بعض. والودق: المطر {مِنْ خِلالِهِ} من فتوقه ومخارجه: جمع خلل، كجبال في جبل. وقرئ: من خلله {وَيُنَزِّلُ} بالتشديد. ويكاد سنا: على الإدغام.
فإن قلت: ما الفرق بين من الأولى والثانية والثالثة في قوله: {مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ}، {مِنْ بَرَدٍ}؟
قلت: الأولى لابتداء الغاية. والثانية للتبعيض. والثالثة للبيان. أو الأوليان للابتداء، والآخرة للتبعيض. ومعناه: أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها، وعلى الأوّل مفعول {ينزل} {من جبال}. فإن قلت: ما معنى {مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ}؟ قلت: فيه معنيان: أحدهما: أن يخلق اللّه في السماء جبال برد كما خلق في الأرض جبال حجر. والثاني: أن يريد الكثرة بذكر الجبال، كما يقال: فلان يملك جبالا من ذهب.

.[سورة النور: آية 45]:

{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)}.
وقرئ: {خالق كل دابة}.
ولما كان اسم الدابة موقعا على المميز وغير المميز، غلب المميز فأعطى ما وراءه حكمه، كأن الدواب كلهم مميزون. فمن ثمة قيل: فمنهم، وقيل: من يمشى في الماشي على بطن والماشي على أربع قوائم. فإن قلت: لم نكر الماء في قوله: {مِنْ ماءٍ}؟
قلت: لأنّ المعنى أنه خلق كل دابة من نوع من الماء مختص بتلك الدابة. أو خلقها من ماء مخصوص وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات من النطفة، فمنها هوام ومنها بهائم ومنها ناس.
ونحوه قوله تعالى: {يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ}. فإن قلت: فما باله معرّفا في قوله: {وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}؟ قلت: قصد ثمة معنى آخر: وهو أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس الذي هو جنس الماء، وذلك أنه هو الأصل وإن تخللت بينه وبينها وسائط. قالوا: خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء، والجنّ من نار خلقها منه. وآدم من تراب خلقه منه. فإن قلت: لم جاءت الأجناس الثلاثة على هذا الترتيب؟ قلت:
قدم ما هو أعرق في القدرة وهو الماشي بغير آلة مشى من أرجل أو قوائم، ثم الماشي على رجلين، ثم الماشي على أربع. فإن قلت: لم سمى الزحف على البطن مشيا؟ قلت: على سبيل الاستعارة، كما قالوا في الأمر المستمرّ: قد مشى هذا الأمر. ويقال: فلان لا يتمشى له أمر.
ونحوه استعارة الشقة مكان الجحفلة، والمشفر مكان الشفة. ونحو ذلك. أو على طريق المشاكلة لذكر الزاحف مع الماشين.

.[سورة النور: الآيات 46- 47]:

{لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47)}.
{وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} إشارة إلى القائلين آمنا وأطعنا. أو إلى الفريق المتولى، فمعناه على الأوّل: إعلام من اللّه بأنّ جميعهم منتف عنهم الإيمان لا الفريق المتولى وحده. وعلى الثاني:
إعلام بأنّ الفريق المتولى لم يكن ما سبق لهم من الإيمان إيمانا، إنما كان ادّعاء باللسان من غير مواطأة القلب، لأنه لو كان صادرا عن صحة معتقد وطمأنينة نفس لم يتعقبه التولي والإعراض.
والتعريف في قوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ} دلالة على أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين عرفت: وهم الثابتون المستقيمون على الإيمان، الموصوفون في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا}.

.[سورة النور: الآيات 48- 49]:

{وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)}.
معنى {إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى رسول اللّه كقولك: أعجبنى زيد وكرمه، تريد: كرم زيد.
ومنه قوله:
غلّسنه قبل القطا وفرّطه

أراد: قبل فرط القطا. روى: أنها نزلت في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض، فجعل اليهودىّ يجرّه إلى رسول اللّه، والمنافق يجرّه إلى كعب بن الأشرف ويقول: إن محمدا يحيف علينا. وروى أنّ المغيرة بن وائل كان بينه وبين علي بن أبى طالب رضي الله عنه خصومة في ماء وأرض، فقال المغيرة: أمّا محمد فلست آتيه ولا أحاكم إليه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف علي {إِلَيْهِ} صلة يأتوا، لأنّ أتى وجاء قد جاءا معدّيين بإلى، أو يتصل بمذعنين لأنه في معنى مسرعين في الطاعة. وهذا أحسن لتقدّم صلته ودلالته على الاختصاص. والمعنى: أنهم لمعرفتهم أنه ليس معك إلا الحق المرّ والعدل البحت. يزورّون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق، لئلا تنتزعه من أحداقهم بقضائك عليهم لخصومهم، وإن ثبت لهم حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك، لتأخذ لهم ما ذاب لهم في ذمّة الخصم.

.[سورة النور: آية 50]:

{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)}.
المنهل: الوادي ومسيل الماء. والفيافي: الصحارى، جمع فيفاء. والظاهر أن أوسطه صفة منهل المجرور برب المحذوفة، وهاؤه للسكت، ولو جعلته بدل بعض والهاء ضمير المنهل: لزم جر المعرفة برب، مع إمكان التخلص عنه إلا عند من جعل ضمير النكرة نكرة فلا محذور. ويروى: من الفلا في أوسطه. والفلا واحده فلاة، أى: مفازة.
والرواية: غلسنه بالتشديد، أي سرنه في وقت الغلس وهو ظلمة الفجر، أو وردنه فيه. والفرط من القطا: المتقدمات السابقات لغيرها، جمع فارط، كركع وراكع. وخصها لأنها أسرع الطير خروجا من أوكارها.
وأجاج المقيظ: شعاع الشمس يرى في شدة القيظ أي الحر كأنه يسير. وأجت النار: اشتعلت، والحر: اشتد، والظليم: أسرع وله حفيف، والأمر: اختلط. وأجاج: صفة مبالغة منه. وأغبط الشيء فهو مغبط: دام واستمر فمغبطه الدائم الكثير منه. والمعنى: أنه يبتدئ السير قبل السابقات من القطا، ويستمر عليه مع اشتداد الحر في ظل شعاع الشمس، لا يظله إلا هو إن كان له ظل، وهذا من المبالغة في النفي. ويجوز أنه اعتاده فصار عنده كالظل.
ويجوز أن المعنى: تحت كنفه وسترته وجاهه الشبيه بالظل.
ثم قسم الأمر في صدودهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم بين أن يكونوا مرضى القلوب منافقين، أو مرتابين في أمر نبوّته، أو خائفين الحيف في قضائه. ثم أبطل خوفهم حيفه بقوله: {بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أي لا يخافون أن يحيف عليهم لمعرفتهم بحاله، وإنما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم ويتمّ لهم جحوده، وذلك شيء لا يستطيعونه في مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فمن ثمة يأبون المحاكمة إليه.

.[سورة النور: آية 51]:

{إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)}.
وعن الحسن: قول المؤمنين، بالرفع والنصب أقوى، لأنّ أولى الاسمين بكونه اسما لكان.
أوغلهما في التعريف، وأن يقولوا: أوغل، لأنه لا سبيل عليه للتنكير، بخلاف قول المؤمنين، وكان هذا من قبيل كان في قوله: {ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ}، {ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا} وقرئ، ليحكم، على البناء للمفعول. فإن قلت: إلام أسند يحكم؟ ولابد له من فاعل. قلت: هو مسند إلى مصدره، لأن معناه: ليفعل الحكم بينهم، ومثله: جمع بينهما، وألف بينهما.
ومثله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} فيمن قرأ {بَيْنَكُمْ} منصوبا: أي وقع التقطع بينكم. وهذه القراءة مجاوبة لقوله: {دُعُوا}.

.[سورة النور: آية 52]:

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52)}.
قرئ: {ويتقه}، بكسر القاف والهاء مع الوصل وبغير وصل. وبسكون الهاء. وبسكون القاف وكسر الهاء: شبه تقه بكتف فخفف، كقوله:
قالت سليمى اشتر لنا سويقا

ولقد جمع اللّه في هذه الآية أسباب الفوز. وعن ابن عباس في تفسيرها {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ} في فرائضه {وَرَسُولَهُ} في سننه {وَيَخْشَ اللَّهَ} على ما مضى من ذنوبه {وَيَتَّقْهِ} فيما يستقبل.
وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه الآية. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عزّ وجلّ: {الله نور السموات والأرض}.
قال ابن عباس: معناه الله هادي السموات والأرض فهم بنوره إلى الحق يهتدون، وبهدايته من حيرة الضلالة ينجون وقيل معناه الله منور السموات والأرض، نور السماء بالملائكة ونور الأرض بالأنبياء وقيل: معناه مزين السموات والأرض زين السماء بالشمس والقمر والنجوم، وزين الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين، ويقال: زين الأرض بالنبات والأشجار، وقيل: معناه إن الأنوار كلها منه وقد يذكر هذا اللفظ على طريق المدح كما قال الشاعر:
إذا سار عبد الله عن مرو ليلة ** فقد سار عنها نورها وجمالها

{مثل نوره} أي مثل نور الله في قلب المؤمن، وهو النور الذي يهتدي به وقال ابن عباس مثل نوره الذي أعطى المؤمن، وقيل الكناية عائدة إلى المؤمن أي مثل نور قلب المؤمن وقيل أراد بالنور القرآن وقيل هو محمد صلى الله عليه وسلم وقيل هو الطاعة سمي طاعة الله نورًا، وأضاف هذه الأنوار إلى نفسه تشريفًا وتفصيلًا {كمشكاة} هي الكوة التي لا منفذ لها قيل: هي بلغة الحبشة {فيها مصباح} أي سراج وأصله من الضوء {المصباح في زجاجة} يعني القنديل وإنما ذأر الزجاجة لأن النور، وضوء النار فيها أبين من كل شيء وضوءه يزيد في الزجاج ثم وصف الزجاجة، فقال تعالى {الزجاجة كأنها كوكب دري} من درأ الكوكب إذا اندفع منقضًا، فيتضاعف نوره في تلك الحال، وفي ذلك الوقت وقيل هو من درأ النجم إذا طلع، وارتفع وقيل دري أي شديد الإنارة نسب إلى الدر، في صفائه وحسنه وإن كان الكوكب أضوأ من الدر لكنه يفضل الكوكب بصفائه كما يفضل الدر على سائر اللؤلؤ وقيل الكوكب الدري أحد الكواكب الخمسة السيارة، التي هي زحل والمريخ والمشتري والزهرة وعطارد، قيل: شبهه بالكواكب ولم يشبهه بالشمس والقمر، لأنهما يلحقهما الكسوف بخلاف الكواكب {يوقد} أي اتقد المصباح {من شجرة مباركة زيتونة} أي من زيت شجرة مباركة كثيرة البركة، وفيها منافع كثيرة لأن الزيت يسرج به ويدهن به وهو إدام وهو أصفى الأدهان وأضوأها، وقيل: إنها أول شجرة نبتت بعد الطوفان وقيل: أراد به زيتون الشام لأنها هي الأرض المباركة، وهي شجرة لا يسقط ورقها، عن أسيد بن ثابت أو أبي أسيد الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا الزيت وادهنوا به فإنه شجرة مباركة» أخرجه الترمذي.