فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن عباس: أخبر الله أن في السماء جبالًا من برد وقيل معناه وينزل من السماء مقدار جبال في الكثرة من برد.
فإن قلت: ما الفرق بين من الأولى والثانية والثالثة.
قلت: من الأولى لابتداء الغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء للتبعيض لأن ما ينزله الله بعض تلك الجبال التي في السماء، والثالثة للتجنيس لأن تلك الجبال من جنس البرد {فيصيب به} أي البرد {من يشاء} فيهلكه وأمواله {ويصرفه عمن يشاء} أي فلا يضره {يكاد سنا برقه} أي ضوء برق السحاب {يذهب بالأبصار} أي من شدة ضوئه وبريقه {يقلب الله الليل والنهار} أي يصرفهما في اختلافهما وتعاقبهما فيأتي بالليل ويذهب بالنهار ويأتي بالنهار ويذهب بالليل ق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمن أقلب الليل والنهار» معنى هذا الحديث: أن العرب كانوا يقولون عند النوازل والشدائد أصابنا الدهر ويذمونه في أشعارهم فقيل لهم: لا تسبوا الدهر فإن فاعل ذلك هو الله والدهر مصرف تقع فيه التأثيرات كما تقع بكم، وقوله تعالى: {إن في ذلك} أي الذي ذكر من هذه الأشياء {لعبرة لأولي الأبصار} أي دلالة لأهل العقول والبصائر على قدرة الله وتوحيده.
قوله: {والله خلق كل دابة من ماء} أي من نطفة وأراد به كل حيوان يشاهد في الدنيا ولا يدخل فيه الملائكة والجن، لأنا لا نشاهدهم وقيل: إن أصل جميع الخلق من الماء وذلك أن الله خلق ماء فجعل بعضه ريحًا ونورًا فخلق منه الملائكة وجعل بعضه نارًا فخلق منه الجن، وجعل بعضه طينًا فخلق منه آدم {فمنهم من يمشي على بطنه} أي كالحيات والحيتان والديدان ونحو ذلك {ومنهم من يمشي على رجلين} يعني مثل بني آدم والطير {ومنهم من يمشي على أربع} يعني كالبهائم والسباع.
فإن قلت كيف قال: خلق كل دابة من ماء مع أن كثيرًا من الحيوانات يتولد من غير نطفة.
قلت ذلك المخلق من غير نطفة، لابد أن يتكون من شيء، وذلك الشيء أصله من الماء فكان من الماء.
فإن قلت: فمنهم من يمشي ضمير العقلاء، فلم يستعمل في غير العقلاء.
قلت ذكر الله تعالى ما لا يعقل مع من يعقل لأن جعل الشريف أصلًا، والخسيس تبعًا أولى.
فإن قلت: لم قدم ما يمشي على بطنه على غيره من المخلوقات.
قلت قدم الأعجب، والأعرف في القدرة وهو الماشي بغير آلة المشي، وهي الأرجل والقوائم ثم ذكر ما يمشي على رجلين ثم ما يمشي على أربع.
فإن قلت: لم اقتصر على ذكر الأربع وفي الحيوانات ما يمشي على أكثر من أربع، كالعناكب والعقارب والرتيلا وما له أربع وأربعون رجلًا ونحو ذلك.
قلت هذا القسم كالنادر فكان ملحقًا بالأغلب وقيل: إن هذه الحيوانات اعتمادها على أربع في المشي والباقي تبع لها {يخلق الله ما يشاء} أي مما لا يعقل ولا يعلم {إن الله على كل شيء قدير} أي هو القادر على الكل العالم بالكل المطلع على الكل، يخلق ما يشاء كما يشاء لا يمنعه مانع ولا دافع.
{لقد أنزلنا آيات مبينات} يعني القرآن هو المبين للهدى والأحكام والحلال والحرام {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} يعني إلى دين الإسلام الذي هو دين الله وطريقه إلى رضاه وجنته.
قوله تعالى: {ويقولون} يعني المنافقين {آمنا بالله وبالرسول وأطعنا} أي يقولونه: بألسنتهم من غير اعتقاد {ثم يتولى فريق منهم} أي يعرض على طاعة الله ورسوله {من بعد ذلك} أي من بعد قولهم آمنًا، ويدعو إلى غير حكم الله قال الله تعالى {وما أولئك بالمؤمنين} نزلت هذه الآية في بشر المنافق، كان بينه وبين يهودي خصومة في أرض، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقال المنافق بل نتحاكم إلى كعب بن الأشرف فإن محمدًا يحيف فأنزل الله هذه الآية {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم} أي الرسول يحكم بحكم الله بينهم {إذا فريق منهم معرضون} يعني عن الحكم وقيل عن الإجابة {وإن لم يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين} أي مطيعين منقادين لحكمه أي إذا كان الحكم لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم أنه، كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضًا {في قلوبهم مرض} أي كفر ونفاق {أم ارتابوا} أي شكوا وهذا استفهام ذم وتوبيخ والمعنى هم كذلك {أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله} أي بظلم {بل أولئك هم الظالمون} أي لأنفسهم بإعراضهم عن الحق.
قوله عزّ وجلّ: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله} أي إلى كتاب الله {ورسوله ليحكم بينهم} هذا تعليم أدب الشرع على أي من هذه صفته {هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله} قال ابن عباس فيما ساءه وسره {ويخش الله} أي على ما عمل من الذنوب {ويتقه} أي فيما بعد {فأولئك هم الفائزون} يعني الناجون. اهـ.

.قال ابن جزي:

{الله نُورُ السماوات والأرض}.
النور يطلق حقيقة على الضوء الذي يدرك بالأبصار، ومجازًا على المعاني التي تدرك بالقلوب، والله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، فتأويل الآية الله ذو نور السموات والأرض؛ ووصف نفسه بأنه نور كما تقول زيد كرَم إذا أردت المابلغة في أنه كريم، فإن أراد بالنور المدرك بالأبصار، فمعنى نور السموات والأرض أنه خلق النور الذي فيهما من الشمس والقمر والنجوم، أو أنه خلقهما وأخرجهما من العدم إلى الوجود، فإنما ظهرت به كما تظهر الأشياء بالضوء، ومن هذا المعنى قرأ عليّ بن أبي طالب: {الله نُورُ السماوات والأرض} بفتح النون والواو والراء وتشديد الواو: أي جعل فيهما النور وإن أراد بالنور المدرك بالقلوب، فمعنى نور السموات والأرض جاعل النور في قلوب أهل السموات والأرض ولهذا قال ابن عباس: معناه هادي أهل السموات والأرض.
{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} المشكاة هي الكوة غير النافذة تكون في الحائط، ويكون المصباح فيها شديد الإضاءة وقيل: المشكاة العمود الذي يكون المصباح على رأسه، والأول أصح وأشهر، والمعنى صفة نور الله في وضوحه كصفة مشكاة فيها مصباح، على أعظم ما يتصوّره البشر من الإضاءة والإنارة، وإنما شبه بالمشكاة وإن كان نور الله أعظم، لأن ذلك غاية ما يدركه الناس من الأنوار، فضرب المثل لهم بما يصلون إلى إدراكه. وقيل: الضمير في نوره عائد على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: على القرآن، وقيل: على المؤمن، وهذه الأقوال ضعيفة لأنه لم يتقدم ما يعود عليه الضمير، فإن قيل: كيف يصح أن يقال الله نور السموات والأرض فأخبر أنه هو النور ثم أضاف النور إليه في قوله: {مَثَلُ نُورِهِ} والمضاف عين المضاف إليه؟ فالجواب أن ذلك يصح مع التأويل الذي قدمناه أي الله ذو نور السموات والأرض، أو كما تقول: زيد كرم، ثم تقول: ينعش بكرمه {المصباح فِي زُجَاجَةٍ} المصباح هو الفتيل بناره، والمعنى أنه في قنديل من زجاج لأن الضوء فيه أزهر، لأنه جسم شفاف {الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} شبه الزجاجة في إنارتها بكوكب دريّ، وذلك يحتمل معنيين إما أن يريد أنها تضيء بالمصباح الذي فيها، وإما أن يريد أنها في نفسها شديدة الضوء لصفائها ورقة جوهرها، وهذا أبلغ الاجتماع نورها مع نور المصباح، والمراد بالكوكب الدرّي أحد الدراري المضيئة: كالمشتري، والزهرة، وسهيل، ونحوها، وقيل: أراد الزهرة، ولا دليل على هذا التخصيص، وقرأ نافع {دُرِّيٌّ} بضم الدال وتشديد الياء بغير همزة ولهذا القراءة وجهان: إما أن ينسب الكوكب إلى الدرّ لبياضه وصفائه، أو يكون مسهلًا من الهمز، وقرأ حمزة وأبو بكر: {دُرِّيٌّ} بالهمز وكسر الدال، بالهمز وضم الدال، وهو مشتق من الدرء بمعنى الدفع.
{يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} من قرأ يوقد بالياء أو تَوَقَّدَ بالفعل الماضي فالفعل مسند إلى المصباح، ومن قرأ توقد بالتاء والفعل المضارع فهو مسند إلى الزجاجة، والمعنى: توقد من زيت شجرة مباركة، ووصفها بالبركة لكثرة منافعها، أو لأنها تنبت في الأرض المباركة وهي الشام {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} قيل: يعني أنها بالشام فليست من شرق الأرض ولا من غربها، وأجود الزيتون زيتون الشام، وقيل: هي منكشفة تصيبها الشمس طول النهار، فليست خالصة للشرق فتسمى شرقية، ولا للغرب فتسمى غربية بل هي غربية شرقية، لأن الشمس تستدير عليها من الشرق والغرب، وقيل إنها في وسط دوحة لا في جهة الشرق من الدوحة ولا في جهة الغرب، وقيل: إنها من شجرة الجنة ولو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية {يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} مبالغة في وصف صفائه وحسنه {نُّورٌ على نُورٍ} يعني اجتماع نور المصباح وحسن الزجاجة وطيب الزيت، والمراد بذلك كمال النور الممثل به {يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ} أي يوفق الله من يشاء لإصابة الحق.
{فِي بُيُوتٍ} يعني المساجد، وقيل: بيوت أهل الإيمان من مساجد أو مساكن، والأول أصح، والجار يتعلق بما قبله: أي كمشكاة في بيوت، أو توقد في بيوت، وقيل: بما بعده وهو يسبح، وكرر الجارّ بعد ذلك تأكيدًا، وقيل: بمحذوف: أي سبحوا {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ} والمراد بالإذن الأمر، ورفعها بناؤها، وقيل: تعظيمها {بالغدو والآصال} أي غدوة وعيشة وقيل: أراد الصبح والعصر وقيل: صلاة الضحى والعصر {رِجَالٌ} فاعل {يُسَبِّحُ} على القراءة بكسر الباء، وأما على القراءة بالفتح فهو مرفوع بفعل مضمر يدل عليه الأول {لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} أي لا تشغلهم، ونزلت الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة تركوا كل شغل وبادروا إليها، والبيع من التجارة، ولكنه خصه بالذكر تجريدًا كقوله: {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]، أو أراد بالتجارة الشراء {تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار} أي تضطرب من شدة الهول والخوف، وقيل: تفقه القلوب وتبصر الأبصار بعد العمى، لأن الحقائق تنكشف حنيئذ، والأول أصبح كقوله: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر} [الأحزاب: 10]، وفي قوله: {تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب} تجنيس {لِيَجْزِيَهُمُ الله} متعلق بما قبله، أو بفعل من معنى ما قبله {أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} تقديره جزاء أحسن ما عملوا {وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ} يعني زيادة على ثواب أعمالهم {بِغَيْرِ حِسَابٍ} ذكر في البقرة.
{والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} لما ذكر الله حال المؤمنين أعقب ذلك بمثالين لأعمال الكافرين: الأول يقتضي حال أعمالهم في الآخرة، وأنها لا تنفعهم، بل يضمحل ثوابها كما يضمحل السراب، والثاني يقتضي حال أعمالهم في الدنيا، وأنها في غاية الفساد والضلال كالظلمات التي بعضها فوق بعض، والسراب هو ما يرى في الفلوات من ضوء الشمس في الهجيرة حتى يظهر كأنه ماء يجري على وجه الأرض، والقيعة جمع قاع وهو المنسبط من الأرض، وقيل: بمعنى القاع وليس بجمع {يَحْسَبُهُ الظمآن مَاءً} الظمآن العطشان: أي يظن العطشان أن السراب ماء، فيأتيه ليشربه، فإذا جاء خاب ما أمل، وبطل ما ظنّ، وكذلك الكافر يظن أن أعماله تنفعه، فإذا كان يوم القيامة لم تنفعه فهي كالسراب {حتى إِذَا جَاءَهُ} ضمير الفاعل للظمآن، وضمير المفعول للسراب أو ضمير الفاعل للكافر وضمير المفعول لعمله {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} أي شيئًا ينتفع به أو شيئًا موجودًا على العموم لأنه معدوم، ويحتمل أن يكون ضمير الفاعل للظمآن وضمير المفعول للسراب. أو ضمير الفاعل للكافر وضمير المفعول لعمله {وَوَجَدَ الله عِندَهُ} ضمير الفاعل في وجد الكافر، والضمير في عنده لعمله، والمعنى وجد الله عنده بالجزاء، أو وجد زبانية الله.
{أَوْ كَظُلُمَاتٍ} هذا هو المثال الثاني، وهو عطف على قوله: {كَسَرَابٍ} والمشبه بالظلمات أعمال الكافر: أي هم من الضلالة والحيرة في مثل الظلمات المجتمعة من ظلمة البحر تحت الموج تحت السحاب {فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ} منسوب إلى اللج، وهو معظم الماء، وذهب بعضهم إلى أن أجزاء هذا المثال قوبلت به أجزاء الممثل به: فالظلمات أعمال الكافر، والبحر اللجي صدره، والموج جهله، والسحاب الغطاء الذي على قلبه، وذهب بعضهم إلى أنه تمثيل بالجملة من غير مقابلة وفي وصف هذه الظلمات بهذه الأوصاف مبالغة كما أن وصف النور المذكور قبلها مبالغة {إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} المعنى مبالغة في وصف الظلمة، والضمير في أخرج وما بعده للرجل الذي وقع في الظلمات الموصوفة، واختلف في تأويل الكلام: فقيل: المعنى إذا أخرج يده لم يقارب رؤيتها، فنفى الرؤية ومقاربتها، وقيل: بل رآها بعد عسر وشدة، لأن كاد إذا نفيت تقتضي الإيجاب، وإذا أوجبت تقتضي النفي، وقال ابن عطية: إنما ذلك إذا دخل حرف النفي على الفعل الذي بعدها، فأما إذا دخل حرف النفي على كاد كقوله: لم يكد، فإنه يحتمل النفي والإيجاب.
{وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا} أي من لم يهده الله لم يهتد، فالنور كناية عن الهدى، والإيمان، في الدنيا، وقيل: أراد في الآخرة أي من لم يرحمه الله فلا رحمة له، والأول أليق بما قبله، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السماوات والأرض والطير صَآفَّاتٍ} الرؤية هنا بمعنى العلم والتسبيح التنزيه والتعظيم، وهو من العقلاء بالنطق، وأما تسبيح الطير وغيرها مما لايعقل، فقال الجمهور: إنه حقيقي، ولا يبعد أن يلهمها الله التسبيح، كما يلهمها الأمور الدقيقة التي لا يهتدي إليها العقلاء، وقيل: تسبيحه ظهور الحكمة فيه {صَآفَّاتٍ} يصففن أجنحتهن في الهواء {قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} الضمير في {عَلِمَ} لله، أو لكل، والضمير في {صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} لكل {يُزْجِي} معناه يسوق، والإزجاء إنما يستعمل في سوق كل ثقيل كالسحاب {رُكَامًا} متكاثف بعضه فوق بعض {الودق} المطر {مِنْ خِلاَلِهِ} أي من بينه، وهو جمع خلل كجبل وجبال {وَيُنَزِّلُ مِنَ السماء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} قيل: إن الجبال هنا حقيقة وأن الله جعل في السماء جبالًا من برد، وقيل: إنه مجاز كقولك عند فلان جبال من مال أو علم: أي هي في الكثرة كالجبال، و{مَن} في قوله: {مِنَ السماء} لابتداء الغاية، وفي قوله: {مِن جِبَالٍ} كذلك، وهي بدل من الأولى، وتكون للتبعيض، فتكون مفعول ينزل، و{مِن} في قوله: {مِن بَرَدٍ}: لبيان الجنس أو للتبعيض فتكون مفعول ينزل، وقال الأخفش: هي زائدة، وذلك ضعيف، وقوله: {فِيهَا} صفة للجبال، والضمير يعود على السماء {سَنَا بَرْقِهِ} السنا بالقصر الضوء، وبالمدّ المجد والشرف {يُقَلِّبُ الله الليل والنهار} أي يأتي بهذا بعد هذا.
{خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ} يعني بن آدم والبهائم والطير لأن ذلك كله يدب {مِّن مَّاءٍ} يعني المنيّ، وقيل: الماء الذي في الطين الذي خلق منه آدم وغيره {على بَطْنِهِ} كالحيات والحوت.
{وَيَِقُولُونَ آمَنَّا} الآية: نزلت في المنافقين، وسببها أن رجلًا من المنافقين كانت بينه وبين يهودي خصومة، فدعاه اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه، ودعاه إلى كعب بن الأشرف.
{مُذْعِنِينَ} أي منقادين طائعين لقصد الوصول إلى حقوقهم.
{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} توقيف سؤال يراد به التوبيخ، وكذلك ما بعده {أَن يَحِيفَ} معناه أن يجور، والحيف الميل، وأسنده إلى الله، لأن الرسول إنما يحكم بأمر الله وشرعه.
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين} الآية. معناه إنما الواجب أن يقول المؤمنون: سمعنا وأطعنا إذا دعوا إلى الله ورسوله، وجعل الدعاء إلى الله من حيث هو إلى شرعه.
{وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} الآية. قال بان عباس: معناها من يطع الله في فرائضه، ورسوله في سننه {وَيَخْشَ الله} فيما مضى من ذنوبه {وَيَتَّقْهِ} فيما يستقبل، وسأل بعض الملوك عن آية كافية جامعة فذكرت له هذه الآية، وسمعها بعض بطارقة الروم فأسلم، وقال إنها جمعت كل ما التوراة والإنجيل. اهـ.