فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ}.
يحتمل وجهين:
أحدهما: طاعة صادقة خير من أيمان كاذبة.
الثاني: قد عرف نفاقكم في الطاعة فلا تتجملوا بالأيمان الكاذبة.
قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي أعرضوا عن الرسول.
{فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ} أي عليه ما حمل من إبلاغكم، وعليكم ما حملتم من طاعته.
ويحتمل وجهًا ثانيًا: أن عليه ما حمل من فرض جهادكم، وعليكم ما حملتم من وزر عباده.
{وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ} يعني إلى الحق.
{وَمَا عَلَى الرَّسُولَِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} يعني بالقول لمن أطاع وبالسيف لمن عصى. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَأَقْسَمُواْ بالله}.
وجهد اليمين بلوغ الغاية في تعقيدها و{ليخرجن} معناه إلى الغزو وهذه في المنافقين الذين تولوا حين {دعوا إلى الله ورسوله} وقوله: {قل لا تقسموا طاعة معروفة} يحتمل معاني أحدها النهي عن القسم الكاذب إذ عرف أن طاعتهم دغلة رديئة.
فكأنه يقول لا تغالطوا فقد عرف ما أنتم عليه، والثاني أن يكون المعنى لا تتكلفوا القسم طاعة متوسطة على قدر الاستطاعة أمثل وأجدى عليكم، وفي هذا الوجه إبقاء عليهم، والثالث أن يكون المعنى لا تقنعوا بالقسم طاعة تعرف منكم وتظهر عليكم هو المطلوب منكم، والرابع أن يكون المعنى لا تقنعوا لأنفسكم بإرضائنا بالقسم، طاعة الله معروفة وشرعه وجهاد عدوه مهيع لائح، وقوله: {إن الله خبير} متصل بقوله: {لا تقسموا} و{طاعة معروفة} اعتراض بليغ، وقوله: {قل أطيعوا الله} الآية مخاطبة لأولئك المنافقين وغيرهم من الكفار وكل من يتعتى عن أمر محمد عليه السلام، وقوله: {تولوا} معناه تتولوا محذوف التاء الواحدة يدل على ذلك، قوله: {وعليكم ما حملتم} ولو جعلنا {تولوا} فعلًا ماضيًا وقدرنا في الكلام خروجًا من خطاب الحاضر إلى ذكر الغائب لاقتضى الكلام أن يكون بعد ذلك وعليهم ما حملوا، والذي حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التبليغ ومكافحة الناس بالرسالة وإعمال الجهد في إنذارهم، والذي حمل الناس هو السمع والطاعة واتباع الحق وباقي الآية بين، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ونافع في رواية ورش {ويتقهي} بياء بعد الهاء قال أبو علي وهو الوجه.
وقرأ قالون عن نافع {ويتقهِ} بكسر الهاء لا يبلغ بها الياء، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر {ويتقهْ} جزمًا للهاء، وقرأ حفص عن عاصم {ويتقه} بسكون وكسر الهاء. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وأَقسَموا بالله}.
قال المفسرون: لمّا نزل في هؤلاء المنافقين ما نزل من بيان كراهتهم لحكم الله، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: والله لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا، فكيف لا نرضى حكمك؟! فنزلت هذه الآية.
وقد بيَّنَّا معنى {جَهْدَ أيمانهم} [المائدة: 53] {لئن أمرتَهم لَيَخْرُجُنَّ} من أموالهم وديارهم، وقيل: ليخرجُنّ إِلى الجهاد، {قل لا تُقْسِموا} هذا تمام الكلام؛ ثم قال: {طاعةٌ معروفةٌ} قال الزجاج: المعنى: أَمْثَلُ من قَسَمِكم الذي لا تصدُقون فيه طاعةٌ معروفة.
قال ابن قتيبة: وبعض النحويين يقول: الضمير فيها: لتكن منكم طاعة معروفة، أي: صحيحة لا نِفاق فيها.
قوله تعالى: {فإن تَوَلَّوا} هذا خطاب لهم، والمعنى: فإن تتولَّوا، فحذف إِحدى التاءين، ومعنى التولِّي: الإِعراض عن طاعة الله ورسوله، {فإنما عليه} يعني: الرسول، {ما حُمِّل} من التبليغ {وعليكم ما حُمِّلْتُم} من الطاعة؛ وذكر بعض المفسرين أن هذا منسوح بآية السيف، وليس بصحيح.
قوله تعالى: {وإِن تُطيعوه} يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم {تهتدوا} وكان بعض السلف يقول: مَنْ أمَّر السُّنَّة على نفسه قولًا وفعلًا، نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولًا وفعلًا، نطق بالبدعة، لقوله: {وإِن تُطيعوه تهتدوا}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}.
عاد إلى ذكر المنافقين، فإنه لما بيّن كراهتهم لحكم النبيّ صلى الله عليه وسلم أتَوْه فقالوا: والله لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا ونساءنا وأموالنا لخرجنا، ولو أمرتنا بالجهاد لجاهدنا؛ فنزلت هذه الآية.
أي وأقسموا بالله أنهم يخرجون معك في المستأنف ويطيعون.
{جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي طاقة ما قدروا أن يحلفوا.
وقال مقاتل: من حلف بالله فقد أجهد في اليمين.
وقد مضى في الأنعام بيان هذا.
و{جَهْدَ} منصوب على مذهب المصدر تقديره: إقسامًا بليغًا.
{قُل لاَّ تُقْسِمُواْ} وتم الكلام.
{طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ} أوْلَى بكم من أيمانكم؛ أو ليكن منكم طاعة معروفة، وقول معروف بإخلاص القلب، ولا حاجة إلى اليمين.
وقال مجاهد: المعنى قد عُرفت طاعتكم وهي الكذب والتكذيب؛ أي المعروف منكم الكذب دون الإخلاص.
{إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل.
قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} بإخلاص الطاعة وترك النفاق.
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي فإن تتوَلّوْا، فحذف إحدى التاءين.
ودلّ على هذا أن بعده {وعليكم} ولم يقل وعليهم.
{فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} أي من تبليغ الرسالة.
{وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ} أي من الطاعة له؛ عن ابن عباس وغيره.
{وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ} جعل الاهتداء مقرونًا بطاعته.
{وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ} أي التبليغ {المبين}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَأَقْسَمُواْ بالله}.
ولما بلغ المنافقين ما أنزل تعالى فيهم أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأقسموا إلى آخره أي {ليخرجن} عن ديارهم وأموالهم ونسائهم و{لئن أمرتهم} بالجهاد {ليخرجن} إليه وتقدم الكلام في {جهد أيمانهم} في الأنعام.
ونهاهم تعالى عن قسمهم لعلمه تعالى أنه ليس حقًا.
{طاعة معروفة} أي معلومة لا شك فيها ولا يرتاب، كطاعة الخلص من المؤمنين المطابق باطنهم لظاهرهم، لا أيمان تقسموا بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها، أو طاعتكم طاعة معروفة بالقول دون الفعل، أو طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة قاله الزمخشري.
وقال ابن عطية: يحتمل معاني.
أحدها: النهي عن القسم الكاذب إذ قد عرف أن طاعتهم دغلة رديئة فكأنه يقول: لا تغالطوا فقد عرف ما أنتم عليه.
والثاني: لا تتكلفوا القسم طاعة معروفة متوسطة على قدر الاستطاعة أمثل وأجدى عليكم، وفي هذا الوجه إبقاء عليهم.
والثالث: لا تقنعوا بالقسم طاعة تعرف منكم وتظهر عليكم هو المطلوب منكم.
والرابع: لا تقنعوا لأنفسكم بإرضائنا بالقسمة طاعة الله معروفة وجهاد عدوه مهيع لائح انتهى.
و{طاعة} مبتدأ و{معروفة} صفة والخبر محذوف، أي أمثل وأولى أو خبر مبتدأ محذوف أي أمرنا أو المطلوب {طاعة معروفة}.
وقال أبو البقاء: ولو قرئ بالنصب لكان جائزًا في العربية وذلك على المصدر أي أطيعوا طاعة انتهى.
وقدراه بالنصب زيد بن عليّ واليزيدي وتقدير بعضهم الرفع على إضمار ولتكن {طاعة معروفة} ضعيف لأنه لا يحذف الفعل ويبقى الفاعل، إلاّ إذا كان ثم مشعر به نحو {رجال} بعد {يسبح} مبنيًا للمفعول أي يسبحه رجال، أو يجاب به نفي نحو: بلى زيد لمن قال: ما جاء أحد.
أو استفهام نحو قوله:
ألا هل أتى أم الحويرث مرسل ** بلى خالد إن لم تعقه العوائق

أي أتاها خالد.
{إن الله خبير بما تعملون} أي مطلع على سرائركم ففاضحكم.
والتفت من الغيبة إلى الخطاب لأنه أبلغ في تبكيتهم.
ولما بكتهم بأن مطلع على سرائرهم تلطف بهم فأمرهم بطاعة الله والرسول وهو أمر عام للمنافقين وغيرهم.
{فإن تولوا} أي فإن تتولوا.
{فإنما عليه} أي على الرسول {ما حمل} وهو التبليغ ومكافحة الناس بالرسالة وإعمال الجهد في إنذارهم.
{وعليكم ما حملتم} وهو السمع والطاعة واتّباع الحق.
ثم علق هدايتهم على طاعته فلا يقع إلا بطاعته {وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين} تقدم الكلام على مثل هذه الجملة في المائدة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَأَقْسَمُواْ بالله} حكايةً لبعضٍ آخرَ من أكاذيبِهم مؤكَّد بالإيمان الفاجرةِ وقوله تعالى: {جَهْدَ أيمانهم} نُصبَ على أنَّه مصدرٌ مؤكِّد لفعله الذي هو في حيِّز النَّصبِ على أنَّه حالٌ من فاعلِ أقسمُوا أي أقسمُوا به تعالى يجهدون أيمانَهم جَهدًا ومعنى جَهد اليمينِ بلوغُ غايتِها بطريقِ الاستعارةِ من قولِهم: جهدَ نفسَه إذا بلغَ أقصى وُسعِها وطاقتِها أي جاهدين بالغينَ أقصى مراتبِ اليمينِ في الشدَّةِ والوكادةِ، وقيل: هو مصدرٌ مؤكِّد لأقسمُوا أي أقسمُوا إقسامَ اجتهادٍ في اليمينِ. قال مقاتلٌ: مَن حلفَ بالله فقدِ اجتهدَ في اليمينِ {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ} أي بالخروجِ إلى الغزوِ لا عن ديارِهم وأموالِهم كما قيل لأنَّه حكايةٌ لما كانُوا يقولون لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أينما كنتَ نكُنْ معك لئن خرجتَ خرجنَا وإنْ أقمتَ أقمنَا وإن أمرتَنا بالجهادِ جاهدنَا وقوله تعالى: {لَيُخْرِجَنَّ} جوابٌ لأقسمُوا بطريقِ حكايةِ فعلِهم لا حكايةِ قولِهم وحيثُ كانتْ مقالتُهم هذه كاذبةً ويمينُهم فاجرةً أُمرَ عليه السَّلامُ بردِّها حيثُ قيل: {قُلْ} أي ردًّا عليهم وزَجْرًا لهم عن التَّفوه بها وإظهارًا لعدمِ القَبُول لكونِهم كاذبينَ فيها {لاَّ تُقْسِمُواْ} أي على ما ينبىءُ عنه كلامُكم من الطَّاعةِ وقوله تعالى: {طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ} خبرُ مُبتدأٍ محذوفٍ والجملةُ تعليلٌ للنَّهيِ أي لا تقسمُوا على ما تدَّعُون من الطَّاعةِ لأنَّ طاعتَكم طاعةٌ نفاقيةٌ واقعةٌ باللِّسان فَقَط من غيرِ مُواطأةٍ من القلبِ، وإنَّما عبر عنها بمعروفةٌ للإيذانِ بأنَّ كونَها كذلك مشهورٌ معروفٌ لكلِّ أحدٍ. وقرئ بالنَّصبِ والمعنى تُطيعون طاعةً معرُوفةً هذا وحملُها على الطَّاعةِ الحقيقيَّةِ بتقديرِ ما يُناسبها من مبتدأ أو خبرٍ أو فعلٍ، مثلُ الذي يُطلب منكم طاعةٌ معروفةٌ حقيقيةٌ لا نفاقيةٌ أو طاعةٌ معروفةٌ أمثلُ أو ليكُن طاعةً معروفةً أو أطيعوا طاعةً معروفةً ممَّا لا يُساعده المقامُ.