فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الجمهور: {وليَبُدّلنهم} بفتح الموحدة وتشديد الدال.
وقرأه ابن كثير وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بسكون الموحدة وتخفيف الدال والمعنى واحد.
وجملة: {يعبدونني} حال من ضمائر الغيبة المتقدمة، أي هذا الوعد جرى في حال عبادتهم إياي.
وفي هذه الحال إيذان بأن ذلك الوعد جزاء لهم، أي وعدتُّهم هذا الوعد الشامل لهم والباقي في خلفهم لأنهم يعبدونني عبادة خالصة عن الإشراك.
وعبر بالمضارع لإفادة استمرارهم على ذلك تعريضًا بالمنافقين إذ كانوا يؤمنون ثم ينقلبون.
وجملة: {لا يشركون بي شيئًا} حال من ضمير الرفع في {يعبدونني} تقييدًا للعبادة بهذه الحالة لأن المشركين قد يعبدون الله ولكنهم يشركون معه غيره.
وفي هاتين الجملتين ما يؤيد ما قدمناه آنفًا من كون الإيمان هو الشريطة في كفالة الله للأمة هذا الوعد.
وجملة: {ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} تحذير بعد البشارة على عادة القرآن في تعقيب البشارة بالنذارة والعكس دفعًا للاتكال.
والإشارة في قوله: {بعد ذلك} إلى الإيمان المعبر عنه هنا ب {يعبدونني لا يشركون بي شيئًا} والمعبر عنه في أول الآيات بقوله: {وعد الله الذين آمنوا} أي ومن كفر بعد الإيمان وما حصل له من البشارة عليه فهم الفاسقون عن الحق.
وصيغة الحصر المأخوذة من تعريف المسند بلام الجنس مستعملة مبالغة للدلالة على أنه الفسق الكامل.
ووصف الفاسقين له رشيق الموقع، لأن مادة الفسق تدل على الخروج من المكان من منفذ ضيق.
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)}.
عطف على جملة: {يعبدونني لا يشركون بي شيئًا} [النور: 55] لما فيها من معنى الأمر بترك الشرك، فكأنه قيل: اعبدوني ولا تشركوا وأقيموا الصلاة، لأن الخبر إذا كان يتضمن معنى الأمر كان في قوة فعل الأمر حتى أنه قد يجزم جوابه كما في قوله تعالى: {تؤمنون بالله ورسوله} إلى قوله: {يغفرْ لكم ذنوبكم} [الصفّ: 11 12] بجزم {يغفرْ} لأن قوله: {تؤمنون} في قوة أن يقول: آمنوا بالله.
والخطاب موجه للذين آمنوا خاصة بعد أن كان موجهًا لأمة الدعوة على حد قوله تعالى: {يوسفُ أعرِضْ عن هذا واستغفري لذنبك} [يوسف: 29]، فالطاعة المأمور بها هنا غير الطاعة التي في قوله: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا} [النور: 54] الخ لأن تلك دعوة للمعرضين وهذه ازدياد للمؤمنين.
وقد جمعت هذه الآية جميع الأعمال الصالحات فأهمها بالتصريح وسائرها بعموم حذف المتعلق بقوله: {وأطيعوا الرسول} أي في كل ما يأمركم وينهاكم.
ورتب على ذلك رجاء حصول الرحمة لهم، أي في الدنيا بتحقيق الوعد الذي من رحمته الأمن وفي الآخرة بالدرجات العلى.
والكلام على لعل تقدم في غير موضع في سورة البقرة.
{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)}.
استئناف ابتدائي لتحقيق ما اقتضاه قوله: {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا} [النور: 55]، فقد كان المشركون يومئذٍ لم يزالوا في قوة وكثرة، وكان المسلمون لم يزالوا يخافون بأسهم فربما كان الوعد بالأمن من بأسهم متلقىً بالتعجب والاستبطاء الشبيه بالتردد فجاء قوله: {لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض} تطمينًا وتسلية.
والخطاب لمن قد يخامره التعجب والاستبطاء دون تعيين.
والمقصود من النهي عن هذا الحسبان التنبيه على تحقيق الخبر.
وقراءة الجمهور: {تحسبن} بتاء الخطاب.
وقرأ ابن عامر وحمزة وحده بياء الغيبة فصار {الذين كفروا} فاعلّ {يحسبن} فيبقى ل {يحسبن} مفعول واحد هو {معجزين}.
فقال أبو حاتم والنحاس والفراء: هي خطأ أو ضعيفة لأن فعل الحسبان يقتضي مفعولين.
وهذا القول جرأة على قراءة متواترة.
وقال الزجاج: المفعول الأول محذوف تقديره: أنفسهم، وقد وفق لأن الحذف ليس بعزيز في الكلام.
وفي الكشاف أن {في الأرض} هو المفعول الثاني، أي لا يحسبوا ناسًا معجزين في الأرض يعني ما من كائن في الأرض إلا وهو في متناول قدرة الله إن شاء أخذه، أي فلا ملجأ لهم في الأرض كلها قال: وهذا معنى قوي جيّد.
والمعجز: الذي يُعجز غيره، أي يجعله عاجزًا عن غلبه.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {إن ما توعدون لآتتٍ وما أنتم بمعجزين} في سورة الأنعام (134).
وكذلك المعاجز بمعنى المحاول عجز ضده تقدم في قوله تعالى: {والذين سعوا في آياتنا معاجزين} في سورة الحج (51).
والأرض: هي أرض الدنيا، أي هم غير غالبين في الدنيا كما حسبوا أنه ليس ثمة عالم آخر.
و{في الأرض} متعلق ب {بمعجزين} على قراءة الجمهور وعلى بعض التوجيهات من قراءة حمزة وابن عامر، أو هو مفعول ثان على بعض التوجيهات كما علمت.
وقوله: {ومأواهم النار} أي هم في الآخرة معلوم أن مأواهم النار فقد خسروا الدارين. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا استخلف الذين مِن قَبْلِهِمْ}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هذه الأمة ليستخلفنّهم في الأرض: أي ليجعلنهم خلفاء الأرض، الذين لهم السيطرة فيها، ونفوذ الكلمة، والآيات تدل على أنّ طاعة الله بالإيمان به، والعمل الصالح سبب للقوّة والاستخلاف في الأرض ونفوذ الكلمة، كقوله تعالى: {واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرض تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ الناس فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} [الأنفال: 26] الآية. وقوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الذين إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة وَأَمَرُواْ بالمعروف وَنَهَوْاْ عَنِ المنكر وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور} [الحج: 40- 41] وقوله تعالى: {إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] إلى غير ذلك من الآيات.
ومن الآيات الموضحة لذلك: قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} [القصص: 56] وقوله تعالى عن موسى عليه السلام وعلى نبيّنا الصلاة والسلام: {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129] وقوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا التي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف: 137] الآية. إلى غير ذلك من الآيات. وقوله تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} اللام موطئة لقسم محذوف: أي وعدهم الله، وأقسم في وعده ليستخلفنهم.
قوله تعالى: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذي ارتضى لَهُم} هذا الدين الذي ارتضاه لهم هو دين الإسلام بدليل قوله تعالى: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسلام دِينًا} [المائدة: 3]. وقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام} [آل عمران: 19]. وقوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين} [آل عمران: 85]. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُم}. قال الزمخشري تمكينه هو تثبيته وتوطيده.
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)}.
هذه الآية الكريمة تدل على أن إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم سبب لرحمة الله تعالى سواء قلنا إنّ لعل في قوله: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} حرف تعليل أو ترج، لأنها إن قلنا: إنها حرف تعليل؛ فإقامة الصلاة وما عطف عليه سبب لرحمة الله، لأن العلل أسباب شرعية. وإن قلنا: إنّ لعل للترجي: أي أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة على رجائكم أن الله يرحمكم بذلك؛ لأن الله ما أطمعهم بتلك الرحمة عند عملهم بموجبها إلا ليرحمهم لما هو معلوم من فضله وكرمه وكون: لعل هنا للترجي إنما هو بحسب علم المخلوقين كما أوضحناه في غير هذا الموضع، وهذا الذي دلت عليه هذه الآية من أنهم إن أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطاعوا الرسول رحمهم الله بذلك جاء موضحًا في آية أخرى، وهي قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر وَيُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ الله} [التوبة: 71] الآية. وقوله تعالى في هذه الآية: {وَأَطِيعُواْ الرسول} بعد قوله: {وَأَقِيمُواْ الصلاة} من عطف العام على الخاص، لأن إقام الصلاة وعكسه كلاهما من الإطناب المقبول إذا كان في الخاص مزية ليست في غيره من أفراد العام.
قوله تعالى: {لاَ تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض}.
نهى الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يحسب أي يظن الذين كفروا معجزين في الأرض، ومفعول معجزين محذوف: أي لا يظنهم معجزين ربِّهم، بل قارد على عذابهم لا يعجز عن فعل ما أراد بهم لأنه قادر على كل شيء.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء مبيّنًا في آيات أخر كقوله تعالى: {واعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله وَأَنَّ الله مُخْزِي الكافرين} [التوبة: 2] وقوله تعالى: {وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فاعلموا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله وَبَشِّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 3] وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 4] وقوله تعالى: {قُلْ إِي وربي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس: 53]. وقوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَلاَ فِي السماء وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [العنكبوت: 2122] الآية. وقوله في الشورى: {وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [الشورى: 31] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {لاَ تَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ} قرأه ابن عامر وحمزة: {لا يحسبن} بالياء المثناة التحتية على الغيبة. وقرأه باقي السبعة: {لاَ تَحْسَبَنَّ} بالتاء الفوقية. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة بفتح السين وباقي السبعة بكسرها.
والحاصل أن قراءة ابن عامر وحمزة بالياء التحتية وفتح السين، وقراءة عاصم بالتاء الفوقية وفتح السين، وقراءة الباقين من السبعة بالتاء الفوقية وكسر السين، وعلى قراءة من قرأ بالتاء الفوقية فلا إشكال في الآية مع فتح السين وكسرها، لأن الخطاب بقوله: لا تحسبن للنبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: {الذين كَفَرُوا} هو المفعول الأوّل. وقوله: {مُعْجِزِين} هو المفعول الثاني لتحسبَنَّ. وأما على قراءة: {لا يحسبن} بالياء ففي الآية إشكال معروف وذكر القرطبي الجواب عنه من ثلاثة أوجه:
الأول: أن قوله: {الذين كَفَرُوا} في محل رفع فاعل {يحسبن} والمفعول الأوّل محذوف تقديره: {أنفسهم}. و{معجزين}: مفعول ثان: أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين الله في الأرض، وعزا هذا القول للزجاج، والمفعول المحذوف قد تدّل عليه قراءة من قرأ بالتاء الفوقيّة كما لا يخفى، ومفعولا الفعل القلبي يجوز حذفهما أو حذف أحدهما إن قام عليه دليل كما أشار له ابن مالك في الخلاصة بقوله:
ولا تجز هنا بلا دليل ** سقوط مفعولين أو مفعول

ومثال حذف المفعولين معًا مع قيام الدليل عليهما في قوله تعالى: {أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 6274] أي تزعمونهم شركائي. وقول الكُمَيت:
بأيِّ كتابٍ أمْ بأيَّةِ سُنَّةٍ ** تَرَى حُبَّهم عارًا علَيَّ وتَحْسَبُ

أي وتحسب حبهم عارًا عليَّ، ومثال حذف أحد المفعولين قول عنترة:
ولقد نزلت فلا تطنِّي غيره ** مني بمنزلة المحبّ المكرم

أي لا تظني غيره واقعًا.
الجواب الثاني: أن فاعل {يحسبن} النبي صلى الله عليه وسلم، لأنّه مذكور في قوله تعالى قبله: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} [النور: 54] أي لا يحسبن محمد صلى الله عليه وسلم الذين كفروا معجزين. وعلى هذا فالذين كفروا مفعول أوّل، ومعجزين مفعول ثان. وعزا هذا القول للفراء، وأبي علي.
الجواب الثاني: أن المعنى: لا يحسبن الكفار الذين كفروا معجزين في الأرض وعزا هذا القول لعلي بن سليمان، وهو كالذي قبله، إلا أن الفاعل في الأول النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الثاني الكافر. وقال الزمخشري: وقرئ {لا يحسبن} بالياء وفيه أوجه أن يكون معجزين في الأرض هما المفعولان.
والمعنى: لا يحسبن الذين كفروا أحدًا يعجز الله في الأرض، حتى يطمعوا هم في مثل ذلك، وهذا معنى قوي جيد، وأن يكون فيه ضمير الرسول لتقدم ذكره في قوله: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} وأن يكون الأصل: لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين، ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول، وكأن الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت لشيء واحد، اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث. اهـ.
وما ذكره النحاس وأبو حاتم وغيرهما من أن قرأءة من قرأ: {لا يحسبن} بالياء التحتية خطأ أو لحن كلام ساقط لا يلتفت إليه، لأنها قراءة سبعية ثابتة ثبوتًا لا يمكن الطعن فيه، وقرأ بها من السبعة: ابن عامر، وحمزة كما تقدم.
وأظهر ألأجوبة عندي: أن معجزة في الأرض هما المفعولان، فالمفعول الأول معجزين، والمفعول الثاني دل عليه قوله: {فِي الأرض} أي لا تحسبن معجزين الله موجودين أو كائنين في الأرض، والعلم عند الله تعالى. اهـ.