فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم رفع الجُنَاح بقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ} أي يطوف بعضكم على بعض.
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيات} الكاف في موضع نصب؛ أي يبيّن الله لكم آياته الدالة على متعبّداته بيانًا مثل ما يبيّن لكم هذه الأشياء.
{والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} تقدم.
السابعة: قوله تعالى: {وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ العشاء} يريد العتمة.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تَغْلِبَنّكم الأعراب على اسم صلاتكم ألاَ إنّها العِشاء وهُمْ يعتِمون بالإِبل» وفي رواية «فإنها في كتاب الله العِشاءُ وإنها تُعْتِم بِحِلاب الإبل» وفي البخاري عن أبي بَرْزة: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يؤخّر العشاء.
وقال أنس: أخّر النبيّ صلى الله عليه وسلم العشاء.
وهذا يدل على العشاء الأولى.
وفي الصحيح: فصلاها، يعني العصر بين العشاءين المغرب والعشاء.
وفي الموَطّأ وغيره: ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتَوْهما ولوْ حَبْوًا.
وفي مسلم عن جابر بن سَمُرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلواتِ نحوًا من صلاتكم، وكان يؤخّر العَتَمة بعد صلاتكم شيئًا، وكان يُخِفّ الصلاة.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: وهذه أخبار متعارضة، لا يُعلم منها الأول من الآخر بالتاريخ، ونهيه عليه السلام عن تسمية المغرب عشاء وعن تسمية العشاء عَتَمة ثابت، فلا مردّ له من أقوال الصحابة فضلًا عمن عداهم.
وقد كان ابن عمر يقول: من قال صلاة العتمة فقد أثم.
وقال ابن القاسم قال مالك: {وَمِنْ بَعْد صَلاَةِ الْعِشَاءِ} فالله سماها صلاة العشاء فأحبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن تسمّى بما سمّاها الله تعالى به، ويعلّمها الإنسان أهله وولده، ولا يقال عَتَمة إلا عند خطاب من لا يفهم.
وقد قال حسان بن ثابت:
وكانت لا يزال بها أنيس ** خلالَ مُروجِها نَعَمٌ وَشاءُ

فدَعْ هذا ولكن مَنْ لِطَيْفٍ ** يؤرّقني إذا ذهب العشاء

وقد قيل: إن هذا النهي عن اتباع الأعراب في تسميتهم العشاء عَتَمة، إنما كان لئلا يُعدل بها عما سمّاها الله تعالى في كتابه إذ قال: {وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ العشاء}؛ فكأنه نَهْيُ إرشاد إلى ما هو الأوْلى، وليس على جهة التحريم، ولا على أن تسميتها العتمة لا يجوز.
ألا ترى أنه قد ثبت أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد أطلق عليها ذلك، وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
وقيل: إنما نهى عن ذلك تنزيهًا لهذه العبادة الشريفة الدّينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلة دُنْيَوِيّة، وهي الحَلْبة التي كانوا يحتلبونها في ذلك الوقت ويسمونها العتمة؛ ويشهد لهذا قوله: «فإنها تُعْتِم بحِلاب الإبل».
الثامنة: روى ابن ماجه في سننه حدّثنا عثمان بن أبي شيبة حدّثنا إسماعيل بن عيّاش عن عُمارة بن غَزِيّة عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «من صَلّى في جماعة أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء كتب الله له بها عِتْقًا من النار» وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصفَ الليل ومن صلّى الفجر في جماعة فكأنما قام الليلَ كلّه» وروى الدّارَقُطْنِيّ في سننه عن سُبيع أو تُبَيْع عن كعب قال: من توضأ فأحسن الوضوء وصلى العشاء الآخرة وصلّى بعدها أربع ركعات فأتمّ ركوعهن وسجودهن ويعلم ما يقترىء فيهن كن له بمنزلة ليلة القدر. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
روي أن عمر بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا من الأنصار يقال له مدلج، وكان نائمًا فدق عليه الباب ودخل، فاستيقظ وجلس فانكشف منه شيء فقال عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلاّ بإذن.
ثم انطلق إلى الرسول فوجد هذه الآية قد نزلت فخرّ ساجدًا.
وقيل: نزلت في أسماء بنت أبي مرثد قيل: دخل عليها غلام لها كبير في وقت كرهت دخوله، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا حالًا نكرهها.
{ليستأذنكم} أمر والظاهر حمله على الوجوب والجمهور على الندب.
وقيل: بنسخ ذلك إذ صار للبيوت أبواب روي ذلك عن ابن عباس وابن المسيب والظاهر عموم {الذين ملكت أيمانكم} في العبيد والإماء وهو قول الجمهور.
وقال ابن عمر وآخرون، العبيد دون الإماء.
وقال السلمي: الإماء دون العبيد.
{والذين لم يبلغوا الحلم منكم} عام في الأطفال عبيد كانوا أو أحرارًا.
وقرأ الحسن وأبو عمر وفي رواية وطلحة {الحلْم} بسكون اللام وهي لغة تميم.
وقيل {منكم} أي من الأحرار ذكورًا كانوا أو إناثًا.
والظاهر من قوله: {ثلاث مرات} ثلاث استئذانات لأنك إذا ضربت ثلاث مرات لا يفهم منه إلاّ ثلاث ضربات ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام: «الاستئذان ثلاث» والذي عليه الجمهور أن معنى {ثلاث مرات} ثلاث أوقات وجعلوا ما بعده من ذكر تلك الأوقات تفسيرًا لقوله: {ثلاث مرات} ولا يتعين ذلك بل تبقى {ثلاث مرات} على مدلولها.
{من قبل صلاة الفجر} لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة وقد ينكشف النائم.
{وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} لأنه وقت وضع الثياب للقائلة لأن النهار إذ ذاك يشتد حره في ذلك الوقت.
و{من} في {من الظهيرة} قال أبو البقاء: لبيان الجنس أي حين ذلك هو الظهيرة، قال: أو بمعنى من أجل حر الظهيرة و{حين} معطوف على موضع {من قبل} {ومن بعد صلاة العشاء} لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم {ثلاث عورات لكم} سمى كل واحد منها عورة لأن الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها، والعورة الخلل ومنه أعور الفارس وأعور المكان، والأعور المختل العين.
وقرأ حمزة والكسائي {ثلاث} بالنصب قالوا: بدل من {ثلاث عورات} وقدره الحوفي والزمخشري وأبو البقاء أوقات {ثلاث عورات} وقال ابن عطية: إنما يصح يعنى البدل بتقدير أوقات {عورات} فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
وقرأ باقي السبعة بالرفع أي هن {ثلاث عورات} وقرأ الأعمش {عَوَرات} بفتح الواو وتقدم أنها لغة هذيل بن مدركة وبني تميم وعلى رفع {ثلاث}.
قال الزمخشري: يكون {ليس عليكم} الجملة في محل رفع على الوصف والمعنى هن {ثلاث عورات} مخصوصة بالاستئذان، وإذا نصبت لم يكن له محل وكان كلامًا مقررًا بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة.
{بعدهن} أي بعد استئذانهم فيهن حذف الفاعل وحرف الجر بفي بعد استئذانهن ثم حذف المصدر وقيل {ليس} على العبيد والإماء ومن لم يبلغ الحلم في الدخول {عليكم} بغير استئذان {جناح} بعد هذه الأوقات الثلاث {طوافون} يمضون ويجيؤون وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره هم {طوافون} أي المماليك والصغار {طوافون عليكم} أي يدخلون عليكم في المنازل غدوة وعشية بغير إذن إلاّ في تلك الأوقات.
وجوّزوا في {بعضكم على بعض} أن يكون مبتدأ وخبرًا لكن الجر قدروه طائف على بعض وهو كون مخصوص فلا يجوز حذفه.
قال الزمخشري: وحذف لأن طوافون يدل عليه وأن يكون مرفوعًا بفعل محذوف تقديره يطوف بعضكم.
وقال ابن عطية {بعضكم} بدل من قوله: {طوافون} ولا يصح لأنه إن أراد بدلًا من {طوافون} نفسه فلا يجوز لأنه يصير التقدير هم {بعضكم على بعض} وهذا معنى لا يصح.
وإن جعلته بدلًا من الضمير في {طوافون} فلا يصح أيضًا إن قدر الضمير ضمير غيبة لتقدير المبتدأ هم لأنه يصير التقدير هم يطوف {بعضكم على بعض} وهو لا يصح.
فإن جعلت التقدير أنتم يطوف {عليكم بعضكم على بعض} فيدفعه أن قوله: {عليكم} بدل على أنهم هم المطوف عليهم، وأنتم طوافون، يدل على أنهم طائفون فتعارضا.
وقرأ ابن أبي عبلة طوافين بالنصب على الحال من ضمير {عليهم}.
وقال الحسن: إذا بات الرجل خادمه معه فلا استئذان عليه ولا في هذه الأوقات الثلاثة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يا أيها الذين ءَامَنُواْ}.
رجوع إلى بيان تتمةِ الأحكامِ السَّابقةِ بعد تمهيدِ ما يُوجب الامتثالَ بالأوامر والنَّواهي الواردة فيها وفي الأحكام اللاَّحقةِ من التمثيلات والتَّرغيبِ والتَّرهيبِ والوعدِ والوعيدِ. والخطابُ إمَّا للرِّجالِ خاصَّةً، والنِّساءُ داخلاتٌ في الحكم بدلالة النَّصِّ أو للفريقينِ جميعًا بطريقِ التَّغليبِ. رُوي أنَّ غلامًا لأسماءَ بنتِ أبي مَرْثَدٍ دخل عليها في وقتٍ كرهتْهُ فنزلتْ، وقيلَ: أرسلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِدْلَجَ بنَ عمروٍ الأنصاريَّ وكان غُلامًا وقتَ الظَّهيرةِ ليدعوَ عُمرَ رضي الله عنه فدخلَ عليه وهو نائمٌ قد انكشفَ عنه ثوبُه، فقال عمرُ رضي الله عنه: لوددتُ أنَّ الله تعالى نَهَى آباءَنا وأبناءَنا وخدمَنا أنْ لا يدخلوا علينا هذه السَّاعاتِ إلا بإذنٍ ثمَّ انطلقَ معه إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فوجدَه وقد أُنزلتْ عليه هذه الآيةُ.
{لِيَسْتَأْذِنكُمُ الذين مَلَكَتْ أيمانكم} من العبيدِ والجَوَاري {والذين لَمْ يَبْلُغُواْ الحلم} أي الصِّبيانُ القاصرُون عن درجة البلوغِ المعهود. والتَّعبيرُ عنه بالحُلُم لكونِه أظهرَ دلائلِه {مّنكُمْ} أي من الأحرارِ {ثَلاَثَ مَرَّاتٍ} أي ثلاثةَ أوقاتٍ في اليَّومِ واللَّيلةِ. والتَّعبيرُ عنها بالمرَّات للإيذانِ بأنَّ مدارَ وجوبِ الاستئذانِ مقارنةُ تلك الأوقاتِ لمرور المستأذنينَ بالمخاطبينَ لا أنفسِها {مّن قَبْلِ صلاة الفجر} لظهورِ أنَّه وقتُ القيامِ من المضاجعِ وطرحِ ثيابِ النَّومِ ولبسِ ثيابِ اليقظةِ، ومحلُّه النَّصبُ على أنَّه بدلٌ من ثلاثَ مرَّاتٍ أو الرَّفعُ على أنه خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي أحدُها من قبل الخ {وَحِينَ تَضَعُونَ ثيابكم} أي ثيابَكم التي تلبسونَها في النَّهارِ وتخلعونَها لأجل القَيلولةِ وقوله تعالى: {مّنَ الظهيرة} وهي شدَّةُ الحرِّ عند انتصافِ النَّهارِ بيانٌ للحينِ. والتَّصريحُ بمدارِ الأمرِ أعني وضعَ الثِّيابِ في هذا الحينِ دُون الأوَّلِ والآخرِ لما أنَّ التَّجردَ عن الثِّيابِ فيه لأجل القيلولةِ لقلَّة زمانِها كما ينبىءُ عنها إيرادُ الحين مُضافًا إلى فعلٍ حادثٍ منقضَ ووقوعُها في النَّهارِ الذي هُو مَئِنَّةٌ لكثرةِ الورودِ والصُّدورِ ومَظِنَّةٌ لظهورِ الأحوالِ وبروزِ الأمورِ ليسَ من التَّحقُّقِ والاطرادِ بمنزلةِ ما في الوقتينِ المذكورينِ فإنَّ تحقُّقَ التَّجردِ واطِّرادَه فيهما أمرٌ معروفٌ لا يحتاجُ إلى التَّصريحِ به {وَمِن بَعْدِ صلاة العشاء} ضرورةَ أنَّه وقتُ التَّجردِ عن اللِّباسِ والالتحافِ باللِّحافِ وليسَ المرادُ بالقبليَّةِ والبعديَّةِ المذكورتينِ مطلقَهُما المتحقِّقَ في الوقتِ الممتدِّ المتخللِ بينَ الصَّلاتينِ كما في قوله تعالى: {وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين} وقوله تعالى: {مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى} بل ما يعرض منهما لطرفي ذلك الوقتِ الممتدِّ المتصلين بالصَّلاتينِ المذكورتينِ اتِّصالًا عاديًّا. وقولُه تعالى: {ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ} خبرُ مبتدأ محذوفٍ. وقولُه تعالى: {لَكُمْ} متعلِّقٌ بمحذوفٍ هو صفةٌ لثلاثُ عوراتٍ أي كائنةٌ لكم والجملةُ استئنافٌ مسوقٌ لبيان علَّةِ وجوبِ الاستئذانِ أي هنَّ ثلاثةُ أوقاتٍ يختلُّ فيها التَّستُّر عادةً.
والعورةُ في الأصلِ هو الخللُ غلبَ في الخللِ الواقعِ فيما يهمُّ حفظُه ويُعتنى بسترِه. أُطلقتْ على الأوقاتِ المُشتملةِ عليها مبالغةً كأنَّها نفسُ العورةِ. وقرئ ثلاثَ عوراتٍ بالنَّصبِ بدلًا من ثلاثَ مرَّاتٍ.
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ} أي على المماليكِ والصِّبيانِ {جُنَاحٌ} أي إثمٌ في الدُّخولِ بغيرِ استئذانٍ لعدمِ ما يُوجبه من مخالفةِ الأمرِ والاطِّلاعِ على العوراتِ {بَعْدَهُنَّ} أي بعد كلِّ واحدةٍ من تلك العوراتِ الثَّلاثِ وهي الأوقاتُ المتخلِّلةُ بين كلِّ اثنتينِ منهنَّ وإيرادُها بعُنوان البعديَّةِ مع أنَّ كلَّ وقتٍ من تلكَ الأوقاتِ قبل عورةٍ من العَورات كما أنَّها بعد أخرى منهنَّ لتوفيةِ حقِّ التَّكليفِ والتَّرخيصِ الذي هو عبارةٌ عن رفعه إذ الرُّخصةُ إنَّما تتصور في فعل يقعُ بعد زمان وقوعِ الفعلِ المكلَّف، والجملة على القراءتينِ مستأنفةٌ مسوقة لتقرير ما قبلها بالطَّردِ والعكس وقد جُوِّز على القراءة الأولى كونُها في محلِّ رفعٍ على أنَّها صفة أخرى لثلاثُ عوراتٍ وأمَّا على القراءة الثَّانيةِ فهي مستأنفةٌ لا غير إذ لو جُعلت صفةً لثلاثُ عورات وهي بدلٌ من ثلاثَ مرَّاتٍ لكانَ التَّقديرُ ليستأذنكم هؤلاءِ في ثلاث عورات لا إثمَ في ترك الاستئذانِ بعدهنَّ وحيثُ كان انتفاءُ الإثمِ حينئذٍ ممَّا لم يعلمه السَّامعُ إلا بهذا الكلامِ لم يتسنَّ إبرازُه في معرض الصِّفةِ بخلافِ قراءة الرَّفع فإنَّ انتفاءَ الإثمِ حينئذٍ معلومٌ من صدر الكلام وقوله تعالى: {طوافون عَلَيْكُمْ} استئنافٌ ببيان العذر المرخَّص في ترك الاستئذان وهي المخالطةُ الضَّروريةُ وكثرةُ المداخلةِ وفيه دليلٌ على تعليل الأحكامِ وكذا في الفرق بين الأوقات الثَّلاثةِ وبين غيرِها بكونها عَورات.
{بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ} أي بعضكم طائفٌ على بعضٍ طوافًا كثيرًا أو بعضُكم يطوفُ على بعضٍ {كذلك} إشارةٌ إلى مصدرِ الفعلِ الذي بعدَه، وما فيه من معنى البُعد لما مرَّ مرارًا من تفخيم شأنِ المشار إليهِ حسًّا أي مثلَ ذلك التَّبيين {يُبيّنُ الله لَكُمُ الآيات} الدَّالة على الأحكامِ أي ينزلها بينةً واضحة الدلالاتِ عليها لا أنَّه تعالى يبينها بعد أنْ لم تكن كذلك والكافُ مقحمةٌ وقد مرَّ تفصيلُه في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} ولكم متعلِّق بيبين وتقديمُه على المفعول الصَّريحِ لما مرَّ مرارًا من الاهتمام بالمقدَّم والتَّشويقِ إلى المؤخَّر وقيل: يبين عللَ الأحكامِ وليس بواضحٍ مع أنَّه مؤدٍ إلى تخصيص الآياتِ مما ذُكر هاهنا {والله عَلِيمٌ} مبالغٌ في العلمِ بجميع المعلوماتِ فيعلم أحوالَكم {حَكِيمٌ} في جميع أفاعيلِه فيشرع لكُم ما فيه صلاحُ أمرِكم معاشًا ومعادًا. اهـ.