فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



و{أن يضعن} متعلق ب {جناح} بتقدير في.
والمراد بالثياب بعضها وهو المأمور بإدنائه على المرأة بقرينة مقام التخصيص.
والوضع: إناطة شيء على شيء، وأصله أن يعدى بحرف على وقد يعدى بحرف عن إذا أريد أنه أزيل عن مكان ووضع على غيره وهو المراد هنا كفعل ترغبون في قوله تعالى: {وترغبون أن تنكحوهن} في سورة النساء (127)، أي أن يزلن عنهن ثيابهن فيضعنها على الأرض أو على المشجب.
وعلة هذه الرخصة هي أن الغالب أن تنتفي أو تقل رغبة الرجال في أمثال هذه القواعد لكبر السن فلما كان في الأمر بضرب الخُمُر على الجيوب أو إدناء الجلابيب كلفة على النساء المأمورات اقتضاها سد الذريعة، فلما انتفت الذريعة رفع ذلك الحكم رحمة من الله، فإن الشريعة ما جعلت في حكم مشقة لضرورة إلا رفعت تلك المشقة بزوال الضرورة وهذا معنى الرخصة.
ولذلك عقب هذا الترخيص بقوله: {وأن يستعففن خير لهن}.
والاستعفاف: التعفف، فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل استجاب، أي تعففهن عن وضع الثياب عنهن أفضل لهن ولذلك قيد هذا الإذن بالحال وهو {غير متبرجات بزينة} أي وضعًا لا يقارنه تبرج بزينة.
والتبرج: التكشف.
والباء في {بزينة} للملابسة فيؤول إلى أن لا يكون وضع الثياب إظهارًا لزينة كانت مستورة.
والمراد: إظهار ما عادة المؤمنات ستره.
قال تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب: 33]، فإن المرأة إذا تجلت بزينة من شأنها إخفاؤها إلا عن الزوج فكأنها تعرض باستجلاب استحسان الرجال إياها وإثارة رغبتهم فيها، وهي وإن كانت من القواعد فإن تعريضها بذلك يخالف الآداب ويزيل وقار سنها، وقد يرغب فيها بعض أهل الشهوات لما في التبرج بالزينة من الستر على عيوبها أو الإشغال عن عيوبها بالنظر في محاسن زينتها.
فالتبرج بالزينة: التحلي بما ليس من العادة التحلي به في الظاهر من تحمير وتبييض وكذلك الألوان النادرة، قال بشار:
وإذا خرجتتِ تقنَّعي ** بالحُمْر إن الحسن أحمر

وسألت عائشة أم المؤمنين عن الخضاب والصباغ والتمايم أي حقاق من فضة توضع فيها تمايم ومعاذات تعلقها المرأة والقرطين والخَلخَال وخاتم الذهب ورقاق الثياب فقالت: أحل الله لكن الزينة غير متبرجات لمن لا يحل لكن أن يروا منكن محرَّمًا.
فأحالت الأمر على المعتاد والمعروف، فيكون التبرج بظهور ما كان يحجبه الثوب المطروح عنها كالوشام في اليد أو الصدر والنقش بالسواد في الجيد أو الصدر المسمى في تونس بالحرقوص غير عربية.
وفي الموطأ: دخلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر على عائشة أم المؤمنين وعلى حفصة خمار رقيق فشقته عائشة وكستها خمارًا كثيفًا أي شقته لئلا تختمر به فيما بعد.
وقيل: إن المعنيَّ بقوله: {غير متبرجات بزينة} غير منكشفات من منازلهن بالخروج في الطريق، أي أن يضعن ثيابهن في بيوتهن، أي فإذا خرجت فلا يحل لها ترك جلبابها، فيؤول المعنى، إلى أن يضعن ثيابهن في بيوتهن، ويكون تأكيدًا لما تقدم في قوله تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} [النور: 31] أي كونهن من القواعد لا يقتضي الترخيص لهن إلا في وضع ثيابهن وضعًا مجردًا عن قصد ترغيب فيهن.
وجملة: {والله سميع عليم} مسوقة مساق التذييل للتحذير من التوسع في الرخصة أو جعلها ذريعة لما لا يحمد شرعًا، فوصف السميع تذكير بأنه يسمع ما تحدثهن به أنفسهن من المقاصد، ووصف العليم تذكير بأنه يعلم أحوال وضعهن الثياب وتبرجهن ونحوها. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا}.
الطفل حين كان طفلًا لم يبلغ الحُلُم كان يدخل دون استئذان في غير هذه الأوقات، فإنْ بلغ الحُلُم فعليه أنْ يستأذن، لا نقول: إنه تعوَّد الاستئذان في هذه الأوقات فقط، لا، إنما عليه أنْ يستأذن في جميع الأوقات فقد شَبَّ وكَبِر، وانتهتْ بالنسبة له هذه الحالة.
وبلوغ الحلم أن ينضج الإنسان نُضْجًا يجعله صالحًا لإنجاب مثله، فهذه علامة اكتمال تكوينه، وهذا لا يتأتّى إلا باستكمال الغريزة الجنسية التي هي سَبَب النَّسْل والإنجاب، ومثّلْنا ذلك بالثمرة التي لا تحلو إلا بعد نُضْجها، فإنْ تركتَها بعد النضج سقطتْ من نفسها، وهذه آية من آيات الله لبقاء النوع، فلو أكلنا الثمرة قبل نُضْجها لا تنبت بذرتها وينقرض نوعها، فمن حكمة الله في الخَلْق ألاَّ تحلو الثمرة إلا بعد النُّضْج.
كذلك الولد حين يبلغ يصبح صالحًا للإنجاب، ونقول له، انتهتْ الرخصة التي منحها لك الشرع، وعليك أن تستأذن في جميع الأوقات.
لذلك يقول تعالى في موضع آخر: {أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عَوْرَاتِ النساء} [النور: 31].
وجاء بالطفل بصيغة المفرد؛ لأن الأطفال في هذه السِّنِّ لم تتكوّن لديهم الغريزة، وليست لهم هذه الميول أو المآرب، فكأنهم واحد، أمّا بعد البلوغ وتكوُّن الميول الغريزية قال: {الأطفال} [النور: 59] لأن لكل منهم بعد البلوغ ميوله وشخصيته وشطحاته.
وقوله: {كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ} [النور: 59] أي: من الكبار الذين يستأذنون في كل الأوقات {كذلك} [النور: 59] أي: مثل ما بينَّا في الاستئذان الأول {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ} [النور: 59] لأنه سبحانه {عَلِيمٌ} [النور: 59] بما يُصلِحكم {حَكِيمٌ} [النور: 59] لا يُشرِّع لكم إلا بحكمة.
ثم يقول سبحانه: {والقواعد مِنَ النساء اللاتي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا}.
نعلم أن الشارع الحكيم وضع للمرأة المسلمة قواعد تسير عليها في زِيِّها وسلوكها ومِشْيتها، حمايةً لها وصيانةً للمجتمع من الفتنة، وحتى لا يطمع فيها أصحاب النفوس المريضة، فجعل لها حجابًا يسترها يُخفي زينتها لا يكون شفافًا ولا واصفًا، وقال: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59].
لكن القواعد من النساء والكبيرات منهن لَهُنَّ حكم آخر.
والقواعد: جمع قاعد لا قاعدة، قاعدة تدل على الجلوس، أمّا القاعد ذكرًا أو أنثى فهو الذي قعد عن دورة الحياة، ولم يَعُدْ له مهمة الإنجاب، ومثل هؤلاء لم يَعُدْ فيهنَّ إِرْبة ولا مطمع؛ لذلك لا مانعَ أن يتخفَّفْنَ بعض الشيء من اللباس الذي فُرِض عليهن حال وجود الفتنة، ولها أن تضع طرحتها مثلًا.
لكن هذه مسألة مقولة بالتشكيك: نسبية يعني: فمِن النساء مَنْ ينقطع حَيْضها ويدركها الكِبَر، لكن ما يزال فيها جمال وفتنة؛ لذلك ربنا تبارك وتعالى وضع لنا الحكم الاحتياطي {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] ثم يدلُّهُن على ما هو خير من ذلك {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ} [النور: 60].
والمقصود بوَضْع الثياب: التخفّف بعض الشيء من الثياب الخارجية شريطة {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] فلا يجوز للمرأة أن تضع ثيابها أَخْذًا بهذه الرخصة، ثم تضع الزينة وتتبرج. ونخشى أن نُعلِّم النساء هذا الحكم فلا يأخذْنَ به حتى لا نقول عنهن: إنهن قواعد!!
وتعجب حين ترى المرأة عندما تبلغ هذه السِّنَّ فتجدها وَرِعة في ملبسها، وَرِعة في مظهرها، وَرِعة في سلوكها، فتزداد جمالًا وتزداد بهاءً وآسرية، على خلاف التي لا تحترم سِنّها فتضع على وجهها المساحيق والألوان فتبدو مَسْخًا مُشوَّهًا.
ومعنى {يَسْتَعْفِفْنَ} [النور: 60] أي: يحتفظْنَ بملابسهن لا يضعْنَ منها شيئًا، فهذا أَدْعى للعفة. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الذين مَلَكَتْ أيمانُكم}.
في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجَّه غلامًا من الأنصار يقال له: مُدْلج بن عمرو إِلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر على حالة كره عمرُ رؤيتَه عليها، فقال: يا رسول الله، وددتُ لو أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
والثاني: أن أسماء بنت مرثد كان لها غلام، فدخل عليها في وقت كرهتْه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إِنَّ خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حالة نكرهها، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
ومعنى الآية: ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم؛ وفيهم قولان:
أحدهما: أنه أراد الذكور دون الإِناث، قاله ابن عمر.
والثاني: الذكور والإِناث، رواه أبو حصين عن أبي عبد الرحمن.
ومعنى الكلام: ليستأذنكم مماليككم في الدخول عليكم.
قال القاضي أبو يعلى: والأظهر أن يكون المراد: العبيد الصغار والإِماء الصغار، لأن العبد البالغ بمنزلة الحر البالغ في تحريم النظر إلى مولاته، فكيف يضاف إِلى الصبيان الذين هم غير مكلفين؟!
قوله تعالى: {والذين لم يبلغوا الحُلُم} وقرأ عبد الوارث: {الحُلْم} باسكان اللام {منكم} أي: من أحراركم من الرجال والنساء، {ثلاث مرات} أي: ثلاثة أوقات؛ ثم بيَّنها فقال: {من قبل صلاة الفجر} وذلك لأن الإِنسان قد يَبِيت عُريانًا، أو على حالة لا يحب أن يُطَّلع عليه فيها {وحين تضعون ثيابكم من الظَّهيرة} أي: القائلة {ومن بعد صلاة العشاء} حين يأوي الرجل إِلى زوجته.
{ثلاثُ عَوْرات} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {ثلاثُ عورات} برفع الثاء من {ثلاث} والمعنى: هذه الأوقات هي ثلاث عورات، لأن الإِنسان يضع فيها ثيابه، فربما بدت عورته.
وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {ثلاثَ عورات} بنصب الثاء؛ قال أبو علي: وجعلوه بدلًا من قوله: {ثلاثَ مَرَّات} والأوقات ليست عورات، ولكن المعنى: أنها أوقات ثلاث عورات، فلما حذف المضاف أعرب بإعراب المحذوف.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وسعيد بن جبير، والأعمش: {عَوَرات} بفتح الواو، {ليس عليكم} يعني: المؤمنين الأحرار {ولا عليهم} يعني: الخدم والغلمان {جُنَاح} أي: حرج {بَعْدَهُنَّ} أي: بعد مُضي هذه الأوقات، أن لا يستأذنوا.
فرفع الحرج عن الفريقين، {طَوَّافُون عليكم} أي: هم طوافون عليكم {بعضُكم على بعض} أي: يطوف بعضكم وهم المماليك على بعض وهم الأحرار.
فصل:
وأكثر علماء المفسرين على أن هذه الآية محكمة، وممن روي عنه ذلك ابن عباس، والقاسم بن محمد، وجابر بن زيد، والشعبي.
وحكي عن سعيد بن المسيب أنها منسوخة بقوله: {وإِذا بلغ الأطفال منكم الحُلُم فليستأذِنوا}؛ والأول أصح، لأن معنى هذه الآية: وإِذا بلغ الأطفال منكم، أو من الأحرار الحلم، فليستأذنوا، أي: في جميع الأوقات في الدخول عليكم {كما استأذن الذين مِنْ قَبْلهم} يعني: كما استأذن الأحرار الكبار، الذين هم قبلهم في الوجود، وهم الذين أُمروا بالاستئذان على كل حال؛ فالبالغ يستأذن في كل وقت، والطفل والمملوك يستأذنان في العورات الثلاث.
قوله تعالى: {والقواعدُ من النِّساء} قال ابن قتيبة: يعني: العُجْزَ، واحدها: قاعدٌ، ويقال: إِنما قيل لها: قاعدٌ، لقعودها عن الحيض والولد، وقد تقعد عن الحيض والولد ومِثْلُها يرجو النكاح، ولا أُراها سميتْ قاعدًا إِلا بالقعُود، لأنها إِذا أسَنَّتْ عجزتْ عن التصرُّف وكثرة الحركة، وأطالت القعود، فقيل لها: قاعد بلا هاء، ليدلّ حذف الهاء على أنه قعود كِبَر، كما قالوا: امرأةٌ حاملٌ، ليدلُّوا بحذف الهاء على أنه حمل حَبَل، وقالوا في غير ذلك: قاعدةٌ في بيتها، وحاملةٌ على ظَهرها.
قوله تعالى: {أن يَضَعْنَ ثيابهُنَّ} أي: عند الرجال؛ ويعني بالثياب: الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخِمار، هذا المراد بالثياب، لا جميع الثياب، {غيرَ متبرِّجاتٍ بزِينَةٍ} أي: من غير أن يُرِدْنَ بوضع الجِلباب أن تُرى زينتُهن، والتبرُّج: إِظهار المرأة محاسنها، {وأن يَسْتَعْفِفْنَ} فلا يَضَعْنَ تلك الثياب {خَيْرٌ لَهُنَّ} قال ابن قتيبة: والعرب تقول: امرأةٌ واضعٌ: إِذا كبِرتْ فوضعت الخِمار، ولا يكون هذا إِلا في الهرِمة.
قال القاضي أبو يعلى: وفي هذه الآية دلالة على أنه يُباح للعجوز كشف وجهها ويديها بين يدي الرجال، وأما شعرها، فيحرم النظر إِليه كشعر الشابَّة. اهـ.