فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {والقواعد}:
جمع قاعِد من غيرِ تاءِ تأنيثٍ. ومعناه: القواعدُ عن النكاحِ، أو عن الحيضِ، أو عن الاستمتاعِ، أو عن الحَبَل، أو عن الجميع. ولولا تَخَصُّصُهُنَّ بذلك لوَجَبَتِ التاءُ نَحو: ضارِبة وقاعِدة من القعود المعروف. وقوله: {مِنَ النساء} وما بعدَه بيانٌ لهن و{القواعدُ} مبتدأٌ. و{من النساء} حالٌ و{اللاتي} صفةٌ للقواعد لا للنساء. وقوله: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ} الجملةُ خبرُ المبتدأ، وإنما دَخَلَتْ لأَنْ المبتدأَ موصوفٌ بموصول، لو كان ذلك الموصولُ مبتدًا لجاز دخولُها في خبرِه، ولذلك مَنَعْتُ أَنْ تكونَ {اللاتي} صفةً للنساء؛ إذ لا يبقى مسوِّغٌ لدخولِ الفاءِ في خبر المبتدأ. وقال أبو البقاء: ودَخَلَتْ الفاءُ لِما في المبتدأ من معنى الشرطِ؛ لأنَّ الألفَ واللامَ بمعنى الذي. وهذا مذهب الأخفش، وتقدم تحقيقُه في المائدة. ولكن هنا ما يُغْني عن ذلك: وهو ما ذَكَرْتُه من وصفِ المبتدأ بالموصولِ المذكورِ.
و{غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ} حالٌ مِنْ {عليهنَّ}. والتبرُّجُ: الظهورُ، مِن البُرْج: وهو البناءُ الظاهرُ. و{بزينةٍ} متعلقٌ به.
قوله: {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ} مبتدأٌ بتأويل: استعفافُهن، و{خيرٌ} خبرُه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}.
يحدث تأثيرٌ بالمضَرّة لبناتِ الصدور من دواعي الفتنة واستيلاء سلطان الشهوة؛ فإذا سَكَنتْ تلك الثائرة سَهُل البابُ، وأُبيحت الرُّخَصً وأُمِنَتْ الفتنة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (61):

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أتم سبحانه ما ذكر من حرمات البيوت المستلزمة لصيانة الأبضاع على وجه يلزم منه إحراز الأموال، أتبعه ما يباح من ذلك للأكل الذي هو من أجلّ مقاصد الأموال اجتماعًا وانفرادًا، فقال في جواب من كأنه سأل: هل هذا التحجير في البيوت سارٍ في الأقارب وغيرهم في جميع الأحوال؟: {ليس على الأعمى حرج} أي في مؤاكلة غيره وما يأتي من الأحكام، وإن كره غيره أكله لمد يده كيفما اتفق فإنه مرحوم، والاستئذان من أجل البصر {ولا على الأعرج} الذي لايرجى {حرج} وإن تقذر منه بعض المترفين فإنه يجامعه في أنه يرحم لنقصه {ولا على المريض} أي مرضًا يرجى بعرج أو غيره {حرج} كذلك لمرضه، وأخره لرجاء برئه {ولا على أنفسكم} أي ولا على غير من ذكر، وعبر بذلك تذكيرًا بأن الكل من نفس واحدة {أن تأكلوا من بيوتكم} أي التي فيها عيالكم، وذكرها سبحانه لئلا يحصل من تركها لو تركها ريبة، وليدخل فيها بيوت الأولاد لأنهم من كسب الأب «أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه» «أنت ومالك لأبيك» {أو بيوت آبائكم} وإن بعدت أنسابكم- ولعله جمع لذلك- فإنها مرباكم وحرمتها حرمتكم {أو بيوت أمهاتكم} كذلك، وقدم الأب لأنه أجل وهو حاكم بيته دائمًا والمال له {أو بيوت إخوانكم} من الأبوين أو الأب أو الأم بالنسب أو الرضاع، فإنهم من أولى من رضي بذلك بعد الوالدين، لأنهم أشقاؤكم، وهم أولياء بيوتهم {أو بيوت أخواتكم} فإنهن بعدهم، من أجل أن ولي البيت- إذا كن مزوجات- الزوج {أو بيوت أعمامكم} فإنهم شقائق آبائكم سواء كانوا أشقاء أو لأب أو أم، ولو أفرد العم لتوهم أنه الشقيق فقط فإنه أحق بالاسم {أو بيوت عماتكم} فهن بعد الأعمام لضعفهن، ولأنه ربما كان أولياء بيوتهن الأزواج {أو بيوت أخوالكم} لأنهم شقائق أمهاتكم {أو بيوت خالاتكم} أخرهن لما ذكر {أو ما ملكتم مفاتحه} أي التصرف فيه بوجه من الوجوه كالوكالة {أو صديقكم} الذي تعرفون رضاه بذلك ولو بقرينة كما هو الغالب، ولذلك أطلقه، وإن لم يكن أمكنكم من مفتاحه بل كان عياله فيه، كل ذلك من غير إفساد ولا حمل ولا ادخار، وقد عدل الصديق هنا بالقريب، تنبيهًا على شريف رتبة الصداقة ولطيف سرها، وخفيف أمرها، وأفرده لعزته؛ وعن جعفر بن محمد: من عظم حرمة الصديق أن جعله كالنفس والأب ومن معه.
قال الأصبهاني: وقالوا: إذا دل ظاهر الحال على رضا المالك قام ذلك مقام الإذن الصريح، وبما سمج الاستئذان وثقل كمن قدم إليه طعام فاستأذن صاحبه في الأكل.
ولما ذكر معدن الأكل، ذكر حاله فقال: {ليس عليكم جناح} أي شيء من الإثم الذي من شأنه أن يميل بصاحبه عن السواء في {أن تأكلوا جميعًا} أي مجتمعين وإن كان بينكم ناقص الخلقة، لأن من كان معرضًا للآفات جدير بأن يرحم المبتلى، فلا يستقذره حذرًا من انعكاس الحال.
ولما رغب في أول الإسلام- لما كان فيه أكثر الناس من الضيق- في المؤاساة، والاجتماع مع الضيوف، ترغيبًا ظن به الوجوب، مع ما كانوا عليه من الكرم الباعث على الجود والاجتماع للأنس بالمحتاج، خفف عنهم بقوله: {أو أشتاتًا} أي متفرقين لغير قصد الاستقذار، والترفع والإضرار، وإن كان الأكل في جماعة أفضل وأبرك- كما يفهمه تقديمه، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نأكل ولا نشبع، قال: «فلعلكم تأكلون متفرقين؟ اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه» ولابن ماجه عن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كلوا جميعًا ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة».
ولما ذكر موطن الأكل وكيفيته، ذكرالحال التي يكون عليها الداخل إلى تلك المواطن أو غيرها، فقال مسببًا عما مضى من الإذن، معبرًا بأداة التحقيق، بشارة بأنهم يطيعون بعد أن كانوا تحرجوا من ذلك حين أنزل تعالى {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [النساء: 29]: {فإذا دخلتم} أي بسبب ذلك أو غيره {بيوتًا} أي مأذونًا فيها، أيّ بيوت كانت مملوكة أو لا، مساجد أو غيرها {فسلموا} عقب الدخول {على أنفسكم} أي أهلها الذين هم منكم دينًا وقربًا، وعبر بذلك ترغيبًا في السلام، والإحسان في الإكرام، ولتصلح العبارة لما إذا لم يكن فيها أحد فيقال حينئذ «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فيكون من الاستعمال في الحقيقة والمجاز {تحية} مصدر من المعنى دون اللفظ، أو أوقعوا الدعاء للمحيي بسلامة وحياة وملك بقاء {من عند الله} أي هي جديرة لتمام حسنها أن تضاف إلى من له الكمال كله سبحانه {مباركة} أي ثابتة أعظم ثبات بكونها موافقة لما شرع الله من خالص قلوبكم {طيبة} تلذذ السمع؛ ثم وصف البيان، تنبيهًا على ما في هذه الآيات من الحسن والإحسان، فقال مستأنفًا كما مر غير مرة: {كذلك} أي مثل هذا البيان، العظيم الشأن {يبين الله} أي المحيط بكل شيء {لكم الآيات} التي لا أكمل منها.
ولما كان الله تعالى، بعلمه وحكمته، وعزه وقدرته، ولطفه وخبرته، قد خلق عقلًا نيرًا يهدي إلى الحق، وإلى طريق مستقيم، وقسمه بين عباده، وخلق فيهم أنواعًا من العوائق لذلك العقل عن النفوذ على سمت الاستقامة، من الهوى والكسل، الفتور والملل، جعلها حجبًا تحجبه عن النفوذ، وتستر عنه المدارك، وتمنعه من البلوغ، إلا برياضات ومجاهدات تكل عنها القوى، وتضعف عندها العزائم، فلا يكاد الماهر منهم يرتب قياسًا صحيحًا، لغلطه في المقدمات، فتكون النتيجة حينئذ فاسدة القاعدة، واهية الأساس، فكانوا لا يزالون لذلك مختلفين، حتى يوصلهم الاختلاف إلى الإحن، والمشاجرة والفتن، فيجرهم إلى السيف وذهاب النفوس تلف الأرواح، فأنزل سبحانه لهم في كل وقت شرعًا يليق بذلك الزمان على لسان رسول من رسله عليهم الصلاة والسلام، جعل ذلك الشرع يطابق العقل السوي، والنور الضوي، والمنهل الروي، والسبب القوي، من تمسك به هدي ولم يزغ، حد فيه سبحانه حدودًا، وأقام فيه زواجر، لتظهر حكمته، ويتضح علمه وقدرته، فصارت شرائع متفقة الأصول، مختلفة الفروع، بحسب الأزمنة، إشارة إلى أن الفاعل في تغيير الأحكام بحسب الأزمان واحد مختار، وامتحانًا للعباد، تمييزًا لأهل الصلاح منهم من أهل الفساد، وكانت الإغارة على شيء من الأعراض والأموال على غير ما أذن فيه تُذهب العقول، وتعمي البصائر، ختم الآية بقوله: {لعلكم تعقلون} أي لتكونوا على رجاء عند من يصح منه الرجاء من ثبات هذا الوصف لكم، وهو ضبط النفوس وردها عن الأهوية، باتباع آيات الشرع التي أنزلها الذي كرر وصفه هنا بأنه عليم حكيم، فلا تتولوا بعد قولكم.
{سمعنا وأطعنا} [المائدة: 7] عن الإذعان للأحكام وأنتم معرضون. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}.
اعلم أن في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اختلفوا في المراد من رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض فقال ابن زيد: المراد أنه لا حرج عليهم ولا إثم في ترك الجهاد، وقال الحسن نزلت الآية في ابن أم مكتوم وضع الله الجهاد عنه وكان أعمى وهذا القول ضعيف لأنه تعالى عطف عليه قوله: {أَن تَأْكُلُواْ} فنبه بذلك على أنه إنما رفع الحرج في ذلك، وقال الأكثرون المراد منه أن القوم كانوا يحظرون الأكل مع هؤلاء الثلاثة وفي هذه المنازل، فالله تعالى رفع ذلك الحظر وأزاله، واختلفوا في أنهم لأي سبب اعتقدوا ذلك الحظر، أما في حق الأعمى والأعرج والمريض فذكروا فيه وجوهًا: أحدها: أنهم كانوا لا يأكلون مع الأعمى لأنه لا يبصر الطعام الجيد فلا يأخذه، ولا مع الأعرج لأنه لا يتمكن من الجلوس فإلى أن يأكل لقمة يأكل غيره لقمتين، وكذا المريض لأنه لا يتأتى له أن يأكل كما يأكل الصحيح، قال الفراء: فعلى هذا التأويل تكون على بمعنى في يعني ليس عليكم في مواكلة هؤلاء حرج وثانيها: أن العميان والعرجان والمرضى تركوا مواكلة الأصحاء، أما الأعمى فقال إني لا أرى شيئًا فربما آخذ الأجود وأترك الأردأ، وأما الأعرج والمريض فخافا أن يفسدا الطعام على الأصحاء لأمور تعتري المرضى، ولأجل أن الأصحاء يتكرهون منهم ولأجل أن المريض ربما حمله الشره على أن يتعلق نظره وقلبه بلقمة الغير، وذلك مما يكرهه ذلك الغير فلهذه الأسباب احترزوا عن مواكلة الأصحاء، فالله تعالى أطلق لهم في ذلك وثالثها: روى الزهري عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله في هذه الآية أن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم وكانوا يسلمون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا فكانوا يتحرجون من ذلك قالوا لا ندخلها وهم غائبون، فنزلت هذه الآية رخصة لهم وهذا قول عائشة رضي الله عنها فعلى هذا معنى الآية نفي الحرج عن الزمنى في أكلهم من بيت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج إلى الغزو.