فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن جعفر الصادق: من عظم حرمة الصديق أن جعله الله من الأنس والثقة والانبساط وترك الحشمة بمنزلة النفس والأب والابن والأخ.
وقال هشام بن عبد الملك: نلت ما نلت حتى الخلافة وأعوزني صديق لا أحتشم منه.
وقال أهل العلم: إذا دل ظاهر الحال على رضا المالك قام ذلك مقام الإذن الصريح.
وانتصب {جميعًا أو أشتاتًا} على الحال أي مجتمعين أو متفرقين.
قال الضحاك وقتادة: نزلت في حي من كنانة تحرجوا أن يأكل الرجل وحده فربما قعدوا لطعام بين يديه لا يجد من يؤاكله حتى يمسي فيضطر إلى الأكل وحده.
وقال بعض الشعراء:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ** أكيلًا فإني لست آكله وحدي

وقال عكرمة في قوم من الأنصار: إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلاّ معه.
وقيل في قوم: تحرجوا أن يأكلوا جميعًا مخافة أن يزيد أحدهم على الآخرة في الأكل.
وقيل {أو صديقكم} هو إذا دعاك إلى وليمة فحسب.
وقيل: هذه الآية منسوخة بقوله عليه السلام «ألا إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» وبقوله عليه السلام من حديث ابن عمر: «لا يحلبن أحد ماشية أحد إلاّ بإذنه» وبقوله تعالى: {لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا} الآية.
{فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم}.
قال ابن عباس والنخعي: المساجد فسلموا على من فيها فإن لم يكن فيها أحد قال السلام على رسول الله.
وقيل: يقول السلام عليكم يعني الملائكة، ثم يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وقال جابر وابن عباس وعطاء: البيوت المسكونة وقالوا يدخل فيها غير المسكونة، فيقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وقال ابن عمر: بيوتًا خالية.
وقال السدّي {على أنفسكم} على أهل دينكم.
وقال قتادة: على أهاليكم في بيوت أنفسكم.
وقيل: بيوت الكفار {فسلموا على أنفسكم} وقال الزمخشري {فإذا دخلتم بيوتًا} من هذه البيوت لتأكلوا، فابدؤوا بالسلام على أهلها الذين هم فيها منكم دينًا وقرابة.
و{تحية من عند الله} أي ثابتة بأمره مشروعة من لدنه، أو لأن التسليم والتحية طلب للسلامة وحياة للمسلم عليه ووصفها بالبركة والطيب لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله زيادة وطيب الرزق انتهى.
وقال مقاتل: مباركة بالأجر.
وقيل: بورك فيها بالثواب.
وقال الضحاك: في السلام عشر حسنات، ومع الرحمة عشرون، ومع البركات ثلاثون.
وانتصب {تحية} بقوله: {فسلموا} لأن معناه فحيوا كقولك: قعدت جلوسًا. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ} إلى قوله: {كَذَلِكَ يُبَيّنُ الله لَكُمُ الأيات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ظاهر الآية: وأَمْرُ الشريعة أَنَّ الحَرَجَ عنهم مرفوع في كل ما يضطرهم إليه العذر، وتقتضي نيتهم الإتيان به بالأكمل، ويقتضي العذر أَنْ يقعَ منهم الأنقص، فالحرج مرفوع عنهم في هذا، وللناس أقوال في الآية وتخصيصاتٌ يطول ذكرها، وذكر اللّه تعالى بيوتَ القراباتِ، وسقط منها بيوت الأبناء؛ فقال المفسرون: ذلك لأَنَّها داخلة في قوله: {من بيوتكم} لأنَّ بيت ابن الرجل بيتُه.
وقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ} يريد ما خزنتم وصار في قبضتكم، فمعظمه ما ملكه الرجلُ في بيته وتحت غلقه، وهو تأويل الضَّحِّاكِ ومجاهد، وعند جمهور المفسرين: يدخل في الآية الوكلاءُ والعبيدُ والأُجراءُ بالمعروف. وقرأ ابن جبير: «مَلَكْتُمْ مَفَاتِيحَهُ» مبنيًا للمفعول وزيادة يا بين التاء والحاء، وقَرَنَ تعالى في هذه الآية الصديقَ بالقرابة المَحْضَةِ الوكيدة؛ لأَنَّ قُرْبَ المودة لصيق؛ قال معمر: قلت: لقتادَة: أَلاَ أشرب من هذا الجُبِّ؟ قال: أنت لي صديق، فما هذا الاستئذان؟ قال ابن عباس في كتاب النقاش: الصديق أوكد من القرابة؛ ألا ترى استغاثة الجهنميين: {فَمَا لَنَا مِن شافعين وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100، 101].
وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}: رَدٌّ لمذهب جماعة من العرب كانت لا تأكل أفذاذًا البتَّةَ، نحت به نحو كرم الخلق، فأفرطت في إلزامه، وأَنَّ إحضار الأكيل لَحَسَنٌ ولكن بأَلاَّ يحرم الانفرادُ، قال البخاريُّ: أشتاتًا وشتى واحد، انتهى.
وقال بعض أهل العلم: هذه الآية منسوخة بقوله عليه السلام: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» الحديث، وبقوله تعالى: {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ} الآية، وبقوله عليه السلام من حديث ابن عمر: «لاَ يَجْلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلاَّ بِإذْنِهِ» الحديث.
قلت: والحق أَنْ لا نسخَ في شيءٍ مِمَّا ذُكِرَ، وسيأتي مزيد بيان لهذا المعنى.
وقوله سبحانه: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا}: قال النَّخَعِيُّ: أراد المساجد، والمعنى: سُلِّمُوا على مَنْ فيها، فإنْ لم يكن فيها أحد فالسلام أنْ يقول: السلامُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم السلامُ علينا وعلى عبادِ اللّه الصالحين.
وقال ابن عباس وغيره: المراد البيوتُ المسكونة، أي: سلِّموا على مَنْ فيها، قالوا: ويدخل في ذلك غيرُ المسكونة، ويُسَلِّم المرءُ فيها على نفسه بأنْ يقول: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين.
قلت: وفي «سلاح المؤمن»، وعن ابن عباس في قوله عز وجل: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} قال: هو المسجدُ إذا دخلته فقل: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين، يعني البخاريَّ ومسلمًا، انتهى، وهذا هو الصحيح عن ابنِ عباس، وفَهِمَ النوويُّ أَنَّ الآية في البيوت المسكونة، قال: ففي الترمذيِّ عن أنس قال: قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
«يَا بُنَيَّ، إذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ، فَسَلِّمْ، يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ» قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي أبي داودَ عن أبي أُمَامَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلاَثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللّهِ عز وجل: رَجلٌ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللّهِ عز وجل فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللّهِ تعالى حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أوْ يَرُدَّهُ بِما نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ رَاحَ إلَى المَسْجِدِ؛ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللّهِ تعالى حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أَوْ يَرُدُّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ؛ وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلامٍ؛ فَهُو ضَامِنٌ عَلَى اللّهِ تعالى» حديث حسن رواه أَبو داودَ بإسناد حسن، ورواه آخرون، والضمان: الرعاية للشيء، والمعنى: أَنَّه في رعاية اللّه عز وجل، انتهى. وقوله تعالى: {تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله مباركة} وصفها تعالى بالبركة؛ لأَنَّ فيها الدعاءَ واستجلابَ مودَّةِ المسلم عليه.
قلت: وقد ذكرنا في سورة النساءِ: ما ورد في المصافحة من رواية ابن السُّنِّيِّ قال النووي: وَرُوِّينَا في سنن أَبي داودَ والترمذيِّ وابن ماجه عن البَرَاءِ بن عازِبٍ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا» انتهى. والكاف من قوله: {كذلك}: كافُ تشبيهٍ؛ وذلك: إشارة إلى هذه السنن.
وقال أيضًا بعضُ الناس في هذه الآية: أَنَّها منسوخة بآية الاستئذان المتقدمة.
قال: والنسخ لا يُتَصَوَّرُ في شيءٍ من هذه الآيات، بل هي مُحْكَمَةٌ، أَمَّا قوله: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} [البقرة: 188] ففي التعدي والخدع ونحوه، وأمَّا هذه الآية ففي إباحة طعام هذه الأصناف التي يسرها استباحَةُ طعامها على هذه الصفة، وأمَّا آية الإذن فعلة إيجاب الاستئذان خوف الكَشَفَةِ، فإذا استأذن المرءُ ودخل المنزل بالوجه المباح صَحَّ له بعد ذلك أكل الطعام بهذه الإباحة، وليس يكونُ في الآية نسخ فتأمله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ}.
كانت هؤلاء الطوائفُ يتحرَّجُون من مؤاكلةِ الأصحَّاءِ حِذارًا من استقذارِهم إيَّاهم وخَوفًا من تأذِّيهم بأفعالِهم وأوضاعِهم فإنَّ الأعمى رُبَّما سبقتَ يدُه إلى ما سبقتْ إليه عينُ أكيلِه وهو لا يشعرُ به والأعرجُ يتفسَّح في مجلسِه فيأخذُ أكثرَ من موضعِه فيضيقُ على جليسِه والمريضُ لا يخلُو عن حالةٍ تُؤذي قرينَه. وقيل: كانُوا يدخلُون على الرَّجل لطلبِ العلمِ فإذا لم يكُن عنده ما يُطعمهم ذهبَ بهم إلى بيوتِ آبائِهم وأمَّهاتِهم أو إلى بعضِ مَن سمَّاهم الله عزَّ وجلَّ في الآيةِ الكريمةِ فكانُوا يتحرَّجون من ذلكَ ويقولُون: ذهبَ بنا إلى بيتِ غيرِه ولعلَّ أهلَه كارهون لذلكَ وكذا كانُوا يتحرَّجُون من الأكلِ من أموالِ الذينَ كانُوا إذا خرجُوا إلى الغزوِ خلَّفوا هؤلاءِ الضُّعفاءَ في بيوتِهم ودفعُوا إليهم مفاتيحَها وأذنُوا لهم أنْ يأكلُوا مما فيها مخافةَ أنْ لا يكون إذنُهم عن طيبِ نفسٍ منهم وكانَ غيرُ هؤلاء أيضًا يتحرَّجون من الأكلِ في بيوتِ غيرِهم فقيل لهم: ليسَ على الطوائفِ المعدودةِ {وَلاَ على أَنفُسِكُمْ} أي عليكم وعلى مَن يُماثلكم في الأحوالِ من المؤمنينَ حرجٌ {أَن تَأْكُلُواْ} أي تأكلُوا أنتُم وهم معكم. وتعميمُ الخطابِ للطَّوائفِ المذكورةِ أيضًا يأباهُ ما قبله وما بعدَه فإنَّ الخطابَ فيهما لغير أولئكَ الطَّوائفِ حتمًا {مِن بُيُوتِكُمْ} أي البيوتِ التي فيها أزواجُكم وعيالُكم فيدخل فيها بيوتُ الأولادِ لأنَّ بيتَهم كبيتِه لقوله عليه الصلاة والسلام: «أنتَ ومالُكَ لأبيكَ» وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «إنَّ أطيبَ مالِ الرَّجلِ من كسبِه وإنَّ ولدَه من كسبِه» {أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ} وقرئ بكسرِ الهمزةِ والميمِ وبكسرِ الأُولى وفتحِ الثَّانيةِ {أَوْ بُيُوتِ إخوانكم أَوْ بُيُوتِ أخواتكم أَوْ بُيُوتِ أعمامكم أَوْ بُيُوتِ عماتكم أَوْ بُيُوتِ أخوالكم أَوْ بُيُوتِ خالاتكم أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ} من البيوتِ التي تملكُون التَّصرفَ فيها بإذنِ أربابِها على الوجهِ الذي مرَّ بيانُه، وقيل: هي بيوتُ المماليكِ، والمفاتحُ جمع مِفْتحٍ وجمعُ المفتاحِ مفاتيحُ.
وقُرىء مُفتاحَه {أَوْ صَدِيقِكُمْ} أي أو بيوتِ صديقِكم وإنْ لم يكُن بينكم وبينهم قرابةٌ نَسَبيةٌ فإنَّهم أرضى بالتَّبسطِ وأسرُّ به من كثيرٍ من الأقرباءِ. رُوي عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهُما أنَّ الصَّديقَ أكبرُ من الوالدينِ إن الجهنميين لمَّا استغاثُوا لم يستغيثوا بالآباءِ والأمَّهاتِ بل قالُوا: فما لنا من شافعينَ ولا صديقٍ حميم، والصَّديقُ يقعُ على الواحدِ والجمعِ كالخَليط والقَطينِ وأضرابِهما وهذا فيما إذا عَلم رضَا صاحبِ البيتِ بصريحِ الإذنِ أو بقرينةٍ دالَّةٍ عليه ولذلكَ خُصص هؤلاءِ بالذِّكرِ لاعتيادِهم التَّبسطَ فيما بينُهم وقولُه تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} كلامٌ مستأنفٌ مسوق لبيانِ حكمٍ آخرَ من جنسِ ما بُيِّن قبله حيثُ كان فريقٌ من المؤمنينَ كبني ليثِ بنِ عمروٍ من كِنانةَ يتحرَّجون أنْ يأكلُوا طعامَهم مُنفردين وكانَ الرَّجلُ منهم لا يأكلُ ويمكثُ يومَه حتَّى يجدَ ضيفًا يأكلُ معه فإنْ لم يجدْ من يُؤاكله لم يأكلْ شيئًا ورُبَّما قعدَ الرَّجلُ والطَّعامُ بين يديهِ لا يتناولُه من الصَّباحِ إلى الرَّواحِ ورُبَّما كانتْ معه الإبلُ الحُفّلِ فلا يشربُ من ألبانِها حتَّى يجدَ مَن يُشاربه فإذا أمسى ولم يجدْ أحدًا أكلَ، وقيل: كان الغنيُّ منهم يدخلُ على الفقيرِ من ذوي قرابته وصداقتِه فيدعُوه إلى طعامِه فيقول: إنِّي أتحرَّجُ أنْ آكلَ معك وأنا غنيٌّ وأنت فقيرٌ، وقيل: كان قومٌ من الأنصار لا يأكلون إذا نزلَ بهم ضيفٌ إلا مع ضيفِهم فرُخِّص لهم في أن يأكلُوا كيف شاءوا، وقيل: كانوا إذا اجتمعُوا ليأكلوا طعامًا عزلُوا للأعمى وأشباهِه طعامًا على حدةٍ فبيَّن الله تعالى أن ذلك ليس بواجبٍ وقوله تعالى: {جَمِيعًا} حالٌ من فاعلِ تأكلوا وأشتاتًا عطفٌ عليه داخلٌ في حُكمه وهو جمعُ شَتَ على أنَّه صفةٌ كالحقِّ يقال: أمر شتٌّ أي متفرِّقٌ أو على أنه في الأصلِ مصدرٌ وصف به مبالغةً أي ليس عليكم جناحٌ أنْ تأكلوا مجتمعين أو متفرِّقين {فَإِذَا دَخَلْتُمْ} شروع في بيان الآدابِ التي تجب رعايتها عند مباشرةِ ما رُخِّص فيه إثرَ بيان الرُّخصةِ فيه {بُيُوتًا} أي من البيوتِ المذكورة {فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} أي على أهلِها الذين بمنزلة أنفسِكم لما بينكم وبينهُم من القرابة الدِّينيةِ والنَّسبيةِ الموجبة لذلك {تَحِيَّةً مّنْ عِندِ الله} أي ثابتةً بأمره مشروعةً من لدنه ويجوزُ أنْ يكون صلةً للتَّحية فإنَّها طلبُ الحياة التي هي من عنده تعالى وانتصابُها على المصدريَّةِ لأنَّها بمعنى التَّسليمِ {مباركة} مستتبعة لزيادة الخيرِ والثَّواب ودوامها {طَيّبَةً} تطيبُ بها نفسُ المستمع.
وعن أنس رضي الله عنه أنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قال: «متى لقيتَ أحدًا من أمَّتي فسلِّم عليه يطُلْ عمرُك وإذا دخلتَ بيتَك فسلِّم عليهم يكثُر خيرُ بيتك وصلِّ صلاةَ الضُّحى فإنَّها صلاةُ الأبرارِ الأوَّابينَ» {كذلك يُبيّنُ الله لَكُمُ الآيات} تكرير لتأكيد الأحكامِ المختتمةِ به وتفخيمها {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي ما في تضاعيفها من الشَّرائعِ والأحكامِ وتعملون بموجبها وتحوزُون بذلك سعادةَ الدَّارين، وفي تعليل هذا التَّبيينِ بهذه الغاية القُصوى بعد تذييل الأولين بما يُوجبهما من الجَزَالةِ ما لا يخفى. اهـ.