فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والآية على ما ذهب أكثر المفسرين كلام مستأنف مسوق لبيان حكم آخر من جني ما بين قبله، وقد نزلت على ما روى عن ابن عباس والضحاك وقتادة في بني ليث بن عمرو بن كنانة تحرجوا أن يأكلوا طعامهم منفردين وكان الرجل منهم لا يأكل ويمكث يومه حتى يجد ضيفًا يأكل معه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئًا وربما قعد الرجل منهم والطعام بين يديه لا يتناوله من الصباح إلى الرواح وربما كانت معه الإبل الحفل فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه فإذا أمسى ولم يجد أحدًا أكل، قيل: وهذا التحرج سنة موروثة من الخليل عليه الصلاة والسلام، وقد قال حاتم:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ** أكيلًا فإني لست آكله وحدي

وفي الحديث: «شر الناس من أكل وحده وضرب عبده ومنع رفده» وهذا الذم لاعتياده بخلًا بالقرى ونفي الجناح عن وقوعه أحيانًا بيانًا لأنه لا إثم فيه ولا يذم به شرعًا كما ذمت به الجاهلية فلا حاجة إلى القول بأن الوعيد في الحديث لمن اجتمعت فيه الخصال الثلاث دون الانفراد بالأكل وحده فإنه يقتضي أن كلًا منها على الانفراد غير منهي عنه وليس كذلك، والقول بأنهم أهل لسان لا يخفى عليهم مثله ولكن لمجيء الواو بمعنى أو تركوا كل واحد منها احتياطًا لا وجه له لأن هؤلاء المتحرجين لم يتمسكوا بالحديث، وكون الواو بمعنى أو توهم لا عبرة به، ولا شك أن اجتماع الأيدي على الطعام سنة فتركه بغير داع مذمة انتهى.
وعن عكرمة وأبي صالح أنه نزلت في قوم من الأنصار كانوا إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلا معه فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاؤا، وقيل: كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصداقته فيدعوه إلى طعامه فيقول: إني لأتحرج أن آكل معك وأنا غني وأنت فقير وروى ذلك عن ابن عباس، وقال الكلبي: كانوا إذا اجتمعوا ليأكلوا طعامًا عزلوا للأعمى ونحوه طعامًا على حدة فبين الله تعالى أن ذلك ليس بواجب.
وقيل: كانوا يأكلون فرادى خوفًا أن يزيد أحدهم على الآخر في الأكل أو أن يحصل من الاجتماع ما ينفر أو يؤذي فنزلت لنفي وجوب ذلك، وأيًا ما كان فالعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وقيل: الآية من تتمة ما قبلها على معنى أنها وقعت جوابًا لسؤال نشأ منه كأن سائلًا يقول: هل نفى الحرج في الأكل من بيوت من ذكر خاص فيما إذا كان الأكل مع أهل تلك البيوت أم لا؟ فأجيب بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعًا} أي مجتمعين مع أهل تلك البيوت في الأكل أو أشتاتًا أي متفرقين بأن يأكل كل منكم وحده ليس معه صاحب البيت وما ألطف نفي الحرج فيما اتسعت دائرته ونفي الجناح فيما ورد فيه بين أمرين والنكات لا يجب إطرادها كذا قيل فتدبر.
{فَإِذَا دَخَلْتُمْ} شروع في بيان الأدب الذي ينبغي رعايته عند مباشرة ما رخص فيه بعد بيان الرخصة فيه {بُيُوتًا} أي من البيوت المذكورة كما يؤذن به الفاء {فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} أي على أهلها كما أخرج ذلك ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الايمان عن ابن عباس وقريب منه ما أخرجه عبد الرزاق وجماعة عن الحسن أن المعنى فليسلم بعضكم على بعض نظير قوله تعالى: {فاقتلوا أَنفُسَكُمْ} والتعبير عن أهل تلك البيوت بالأنفس لتنزيلهم منزلتها لشدة الاتصال، وفي الانتصاف في التعبير عنهم بذلك تنبيه على السر الذي اقتضى إباحة الأكل من تلك البيوت المعدودة وأن ذلك إنما كان لأنها بالنسبة إلى الداخل كبيت نفسه للقرابة ونحوها، وقيل: المراد السلام على أهلها على أبلغ وجه لأن المسلم إذا ردت تحيته عليه فكأنه سلم على نفسه كما أن القاتل لاستحقاقه القتل بفعله كأنه قاتل نفسه.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والحاكم وصححه وغيرهم عن ابن عباس أنه قال في الآية: هو المسجد إذا دخلته فقل السلام علينا وعلى عباد الله تعالى الصالحين فحمل البيوت فيها على المساجد والسلام على الأنفس على ظاهره، وقيل: المراد بيوت المخاطبين وأهلهم، وذكر أن الرجل إذا دخل على أهله سن له أن يقول: السلام عليكم تحية من عند الله مباركة طيبة فإن لم يجد أحدًا فليقل السلام علينا من ربنا وروى هذا عن عطاء، وقيل السلام على الأنفس على ظاهره والمراد ببيوت بيوت الكفار وذكر أن داخله وكذا داخل البيوت الخالية يقول ما سمعت آنفًا عن ابن عباس، وقيل: يقول على الكفار يقول: السلام على من اتبع الهدى، ولا يخفى المناسب للمقام، والسلام بمعنى السلامة من الآفات؛ وقيل: اسم من أسمائه عز وجل وقد مر الكلام في ذلك على أتم وجه فتذكر.
{تَحِيَّةً مّنْ عِندِ الله} أي ثابتة بأمره تعالى مشروعة من لدنه عز وجل فالجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لتحية، وجوز أن يتعلق بتحية فإنها طلب الحياة وهي من عنده عز وجل، وأصل معناها أن تقول حياك الله تعالى أي أعطاك سبحانه الحياة ثم عمم لكل دعاء، وانتصابها على المصدرية لسلموا على طريق قعدت جلسوًا فكأنه قيل فسلموا تسليمًا أو فحيوا تحية {مباركة} بورك فيها بالأجر كما روى عن مقاتل، قال الضحاك: في السلام عشر حسنات ومع الرحمة عشرون ومع البركات ثلاثون {طَيّبَةً} تطيب بها نفس المستمع، والظاهر أنه يزيد المسلم ما ذكر في سلامه، وعن بعض السلف زيادته كما مر آنفًا، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما أخذت التشهد إلا من كتاب الله تعالى سمعت الله تعالى يقول: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مّنْ عِندِ الله مباركة طَيّبَةً} فالتشهد في الصلاة التحيات المباركات الطيبات لله.
{كذلك يُبَيّنُ لَكُمُ الآيات} تكرير لمزيد التأكيد، وفي ذلك تفخيم فخيم للأحكام المختتمة به {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ما في تضاعيفها من الشرائع والأحكام وتعملون بموجبها وتحوزون بذلك سعادة الدارين، وفي تعليل هذا التبيين بهذه الغاية القصوى بعد تذييلي الأولين بما يوجبهما من الجزالة ما لا يخفى، وذكر بعض الأجلة أنه سبحانه بدأ السورة بقوله تعالى: {سُورَةٌ أنزلناها وفرضناها وَأَنزَلْنَا} [النور: 1] وختمها بقوله عز وجل: {كذلك يُبيّنُ الله لَكُمُ الآيات} [النور: 85]. اهـ.

.قال القاسمي:

{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} أي: في القعود عن الغزو، لضعفهم وعجزهم. وهذه الآية كالتي في سورة الفتح وكآية براءة: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]، وهذا ما ذهب إليه عطاء وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وزَعْمُ أنه لا يلائم ما قبله ولا ما بعده، مردود بأن المراد أن كلًّا من الطائفتين منفيّ عنه الحرج. ومثال هذا- كما قال الزمخشريّ- أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في رمضان. وحاجّ مفردِ عن تقديم الحلق على النحر. قلت له: ليس على المسافر حرج أن يفطر، ولا عليك، يا حاج أن تقدم الحلق عن النحر. يعني أنه إذا كان في العطف غرابة، لبعد الجامع في بادئ النظر، وكان الغرض بيان حكم حوادث تقاربت في الوقوع، والسؤال عنها والاحتياج إلى البيان لكونها في معرض الاستفتاء، والإفتاء كان ذلك جامعًا بينها، محسنًا للعطف، وإن تباينت.
قال الشهاب: وبهذا يظهر الجواب عن زعم أنه لا يلائم ما قبله ولا ما بعده.
لأن ملائمته لما بعده قد عرف وجهها. وأما ملائمته لما قبله فغير لازمة، إذا لم يعطف عليه. انتهى.
وقيل: كان المؤمنون يذهبون بالضعفاء وذوي العاهات إلى بيوت أزواجهم وأولادهم، وإلى بيوت قراباتهم وأصدقائهم، فيطعمونهم منها. فخالج قلوب المطعِمين والمطعَمين ريبة في ذلك. وخافوا أن يلحقهم فيه حرج. وكرهوا أن يكون أكلًا بغير حق، لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، فقيل لهم: ليس على الضعفاء، ولا على أنفسكم، يعني عليكم، وعلى مَن في مثل حالكم من المؤمنين، حرج في ذلك.
وقيل: كان هؤلاء يتوقون مجالسة الناس ومواكلتهم، لما عسى يؤدي إلى الكراهة من قبلهم. ولأن الأعمى ربما سبقت يده إلى ما سبقت عين أكيله إليه وهو لا يشعر. والأعرج يتفسح في مجليه ويأخذ أكثر من موضعه، فيضيق على جليسه. والمريض لا يخلو عن حالة تؤنف.
وقيل: كانوا يخرجون إلى الغزو، ويخلفون الضعفاء في بيوتهم، ويدفعون إليهم المفاتيح، ويأذنون لهم أن يأكلوا من بيوتهم. فكانوا يتحرجون. فقيل: ليس على هؤلاء الضعفاء حرج فيما تحرجوا عنه، ولا عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت.
هذا ما ذكروه. ولا يخفى صدق الآية على جميع ذلك، ونفي الحرج عنه كله.
ولا يستلزم نفي الحرج عن مواكلة المريض على هذه الأوجه الأخر، أن يشرك أكيله الصحيح في غمس يده من إنائه مما حظر منه الطب، وغدت الأنفس تعافه. بل يراد به حضوره مع الصحيح على مائدة واختصاصه بقصعة على حدة. وما أحسن عادة الانفراد بالقصاع، مما تطيب معه نفس المرضى والأصحاء في الاجتماع. وقوله تعالى: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} أي: بيوت أزواجكم وعيالكم. أضافه إليهم، لأن بيت المرأة كبيت الزوج وهذا قول الفرّاء.
وقال ابن قتيبة: أراد بيوت أولادهم. فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء، لأن الولد كسب ولده، ماله كماله. قال صلى الله عليه وسلم: «إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وأن ولده من كسبه».
قال: والدليل على هذا، أنه تعالى عدّد الأقارب ولم يذكر الأولاد. لأنه إذا كان سبب الرخصة هو القرابة، كان الذي هو أقرب منهم أولى. انتهى.
وعليه، لا يقال إنه ليس في أكل الإنسان من بيت نفسه حرج، فما فائدة ذكره بأن المراد بالأنفس من هو بمنزلتها من العيال والأولاد، كما في قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29].
وفي الكشف: فائدة إقحام النفس، أن المراد به ليس على الضعفاء المطعمين، ولا على الذاهبين إلى بيوت القرابات، أو من هو في مثل حالهم وهم الأصدقاء- حرج.
وقيل إنه على ظاهره. والمراد إظهار التسوية بينه وبين قرنائه.
قال الشهاب: وهو حسن. ولا يراد عليه أنه حينئذ لم يذكر فيه الأكل من بيوت الأزواج والأولاد، لأنه داخل في قوله: {مِنْ بُيُوتِكُمْ}. انتهى.
{أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} يعني أموال المرء، إذا كان له عليها قيم ووكيل يحفظها له، أن يأكل من ثمر بستانه ويشرب من لبن ماشيته. وملك المفتاح كونها في يده وحفظه: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} أي: أو بيوت أصدقائكم. والصديق يكون واحدًا وجمعًا. وكذلك الخليط والقطين والعدو. كذا في الكشاف.
قال الناصر: وقد قال الزمخشري: إن سرّ إفراده في قوله تعالى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100- 101]، دون الشافعين، والتنبيه على قلة الأصدقاء، ولا كذلك الشافعون فإن الإنسان قد يحمي له، ويشفع في حقه من لا يعرفه، فضلًا عن أن يكون صديقًا.
ويحتمل في الآيتين، أن يكون المراد به الجمع. فلا كلام. ويحتمل أن يراد الإفراد، فيكون سرّه ذلك. والله أعلم.
قال الزمخشري: يحكى عن الحسن أنه دخل داره. وإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالًا من تحت سريره، فيها الخبيص وأطايب الأطعمة، وهم مكبون عليها يأكلون فتهللت أسارير وجهه سرورًا، وضحك وقال: هكذا وجدناهم، هكذا وجدناهم. يريد كبراء الصحابة ومن لقيهم من البدريين رضي الله عنهم.
وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب، فيسأل جاريته كيسه، فيأخذ منه ما شاء. فإذا حضر مولاها فأخبرته، أعتقها سرورًا بذلك.
وعن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما: من عظم حرمة الصديق، أن جعله الله من الأنس والثقة والانبساط وطرح الحشمة، بمنزلة النفس والأب والأخ والابن.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الصديق أكبر من الوالدين. إن الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بالآباء والأمهات. فقالوا: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100- 101]. وقالوا: إذا دل ظاهر الحال على رضا المالك، قام ذلك مقام الإذن الصريح. وربما سمج الاستئذان وثقل. كمن قدم إليه طعام، فاستأذن صاحبه في الأكل منه. انتهى.
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} أي: مجتمعين أو متفرقين. روي أن قومًا من الأنصار إذا نزل بهم ضيف، لا يأكلون إلا مع ضيفهم. وإن قومًا كانوا تحرجوا من الاجتماع على الطعام، لاختلاف الناس في الأكل، وزيادة بعضهم على بعض. فأبيح لهم ذلك.
وقال قتادة: كان هذا الحيّ من بني كنانة، يرى أحدهم؛ أن مخزاة عليه، أن يأكل وحده في الجاهلية. حتى إن كان الرجل ليسوق الذود الحقل وهو جائع، حتى يجد من يؤاكله ويشاربه. واشتهر هذا عن حاتم لقوله:
إذا ما صَنعْتِ الزَّادَ فَالتَمِسِي ** لَهُ أكيلًا فإِني لستُ آكِلَهُ وَحْدِي

قال الشهاب: وفي الحديث: «شر الناس من أكل وحده، وضرب عبده، ومنع رفده» والنهي في الحديث لاعتياده بخلًا بالقرى، ونفي الحرج عن وقوعه أحيانًا، بيان لأنه لا إثم فيه، ولا يذم به شرعًا، كما ذمّت به الجاهلية.
{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} أي: إذا دخلتم بيتًا من هذه البيوت لتأكلوا، فابدأوا بالسلام على أهلها الذين هم منكم، قرابة ودينًا. قاله الزمخشري.
أشار رحمه الله، إلى أن المراد بالأنفس من هم بمنزلتها، لشدة الاتصال كقوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] ويحتمل أن المسلم، إذا ردت تحيته عليه، فكأنه سلم على نفسه. كما أن القاتل لاستحقاقه القتل بفعله، كأنه قاتل نفسه. وأما إبقاؤه على ظاهره؛ إذا لم يكن في البيت أحد، يسره أن يقول: السلام علينا وعلى عَبَّاد الله الصالحين. كما روي عن ابن عباس- فبعيد غير مناسب لعموم الآية. كذا في الشهاب.
وقال الناصر: في التعبير عنهم، بالأنفس، تنبيه على السر الذي اقتضى إباحة الأكل من هذه البيوت المعدودة، وأن ذلك إنما كان، لأنها بالنسبة إلى الداخل كبيت نفسه، لاتحاد القرابة.. فليطب نفسًا بانبساط فيها: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي: ثابتة بأمر، مشروعة من لدنه: {مُبَارَكَةً} أي: مستتبعة لزيادة الخير والثواب ودوامها: {طَيِّبَةً} أي: تطيب بها نفس المستمع: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي: ما فيها من الأحكام أو الآداب القائدة إلى سعادة الدارين. اهـ.