فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ}.
فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الأمر الجامع الجمعة والعيدان والاستسقاء وكل شيء يَكون فيه الخطبة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنه الجهاد، قاله زيد بن أسلم.
الثالث: طاعة الله، قاله مجاهد.
{لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَئْذِنُوهُ} أي لم ينصرفوا عنه حتى يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه.
{فَإِذَا اسْتَئذَنُوكَ لبَعْضِ شَأْنِهِمْ} الآية. وهذا بحسب ما يرى من أعذارهم ونياتهم وروي أن هذا نزل في عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مع النبي صلى الله عليهم وسلم في غزاة بتوك فاستأذنه في الرجوع إلى أهله فقال: «انْطَلِقْ فَوَاللَّهِ مَا أَنتَ بِمُنَافِقٍ وَلاَ مُرْتَابٍ» وكان المنافقون إذا استأذنوا نظر إليهم ولم يأذن لهم فكان بعضهم يقول لبعض: محمدٌ يزعم أنه بُعِث بالعدل وهكذا يصنع بنا.
{وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ} يعني لمن أذن له من المؤمنين ليزول عنه باستغفاره ملامة الانصراف قال قتادة: وهذه الآية ناسخة قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَدِنتَ لَهُم} الآية. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
{إنما} في هذه الآية للحصر اقتضى المعنى لأنه لا يتم إيمان إلا بأن يؤمن المرء {بالله ورسوله} وبأن يكون من الرسول سامعًا غير معنت في أن يكون الرسول يريد إكمال أمر فيريد هو إفساده بزواله في وقت الجمع ونحو ذلك، والأمر الجامع يراد به ما للإمام حاجة إلى جمع الناس فيه لإذاعة مصلحة، فأدب الإسلام اللازم في ذلك إذا كان الأمر حاضرًا أن لا يذهب أحد لعذر إلا بإذنه، فإذا ذهب بإذن ارتفع عنه الظن السيىء، والإمام الذي يرتقب إذنه في هذه الآية هو إمام الإمرة، وقال مكحول والزهري الجمعة من الأمر الجامع وإمام الصلاة ينبغي أن يستأذن إذا قدمه إمام الإمرة، إذا كان يرى المستأذن، ومشى بعض الناس دهرًا على استئذان إمام الصلاة وروي أن هرم بن حيان كان يخطب فقام رجل فوضع يده على أنفه وأشار إلى هرم بالاستئذان فأذن له فلما قضيت الصلاة كشف عن أمره أنه إنما ذهب لغير ضرورة.
فقال هرم اللهم أخر رجال السوء لزمان السوء.
قال الفقيه الإمام القاضي: وظاهر الآية إنما يقتضي أن يستأذن أمير الإمرة الذي هو في مقعد النبوة فإنه ربما كان له رأي في حبس ذلك الرجل لأمر من أمور الدين، فأما إمام الصلاة فقط فليس ذلك إليه لأنه وكيل على جزء من أجزاء الدين للذي هو في مقعد النبوة، ثم أمر الله تعالى نبيه أن يأذن لمن عرف منه صحة العذر وهم الذين يشاء، وروي أن هذه الآية نزلت في وقت حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم خندق المدينة وذلك أن بعض المؤمنين كان يستأذن لضرورة، وكان المنافقون يذهبون دون استئذان فأخرج الله تعالى الذين لا يستأذنون عن صنيفة المؤمنين وأمر النبي عليه السلام أن يأذن للمؤمن الذي لا تدعوه ضرورة إلى حبسه وهو الذي يشاء ثم أمره بالاستغفار لصنفي المؤمنين من أذن له ومن لم يؤذن له وفي ذلك تأنيس للمؤمنين ورأفة بهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وإِذا كانوا معه}.
يعني: مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {على أمر جامع} أي: على أمر طاعة يجتمعون عليها، نحو الجهاد والجمعة والعيد ونحو ذلك {لم يذهبوا حتى يستأذنوه} قال المفسرون: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صَعِد المنبر يوم الجمعة، وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر، لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يراه، فيعرف أنه إِنما قام ليستأذن فيأذن لمن شاء منهم، فالأمر إِليه في ذلك.
قال مجاهد: وإِذن الإِمام يوم الجمعة أن يشير بيده.
قوله تعالى: {واستَغْفِرْ لَهُمُ اللّهُ} أي: لخروجهم عن الجماعة إِن رأيتَ لهم عذرًا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون الذين آمَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ على أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حتى يَسْتَأْذِنُوهُ}.
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون} {إنَّمَا} في هذه الآية للحصر؛ المعنى: لا يتمّ ولا يكمل إيمانُ من آمن بالله ورسوله إلا بأن يكون من الرسول سامعًا غير معنّت في أن يكون الرسول يريد إكمال أمر فيريد هو إفساده بزواله في وقت الجمع، ونحو ذلك.
وبيّن تعالى في أول السورة أنه أنزل آيات بينات، وإنما النزول على محمد صلى الله عليه وسلم؛ فختم السورة بتأكيد الأمر في متابعته عليه السلام؛ ليعلم أن أوامره كأوامر القرآن.
الثانية: واختلف في الأمر الجامع ما هو؛ فقيل: المراد به ما للإمام من حاجة إلى جمع الناس فيه لإذاعة مصلحة، من إقامة سُنّة في الدِّين، أو لترهيب عدوّ باجتماعهم وللحروب؛ قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} [آل عمران: 159].
فإذا كان أمر يشملهم نفعه وضره جمعهم للتشاور في ذلك.
والإمام الذي يُتَرَقَّب إذنه هو إمام الإمْرة، فلا يذهب أحد لعذر إلا بإذنه، فإذا ذهب بإذنه ارتفع عنه الظن السيىء.
وقال مَكْحُول والزُّهْرِيّ: الجمعة من الأمر الجامع.
وإمام الصلاة ينبغي أن يُستأذن إذا قدّمه إمام الإمرة، إذا كان يرى المستأذن.
قال ابن سيرين: كانوا يستأذنون الإمام على المنبر؛ فلما كثر ذلك قال زياد: من جعل يده على فيه فليخرج دون إذن، وقد كان هذا بالمدينة حتى أن سهل بن أبي صالح رَعَف يوم الجمعة فاستأذن الإمام.
وظاهر الآية يقتضي أن يُستأذن أميرُ الإمْرة الذي هو في مقعد النبوّة، فإنه ربما كان له رأي في حبس ذلك الرجل لأمر من أمور الدين.
فأما إمام الصلاة فقط فليس ذلك إليه؛ لأنه وكيل على جزء من أجزاء الدِّين للذي هو في مقعد النبوّة.
وروي أن هذه الآية نزلت في حفر الخَنْدق حين جاءت قريش وقائدها أبو سيفان، وغطفان وقائدها عُيَيْنة بن حِصْن؛ فضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم الخندق على المدينة، وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة، فكان المنافقون يتسلّلون لِواذًا من العمل ويعتذرون بأعذار كاذبة.
ونحوه روى أشهب وابن عبد الحكم عن مالك، وكذلك قال محمد بن إسحاق.
وقال مقاتل: نزلت في عمر رضي الله عنه، استأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم في غَزْوة تَبُوك في الرجعة فأذن له وقال: «انطلق فوالله ما أنت بمنافق» يريد بذلك أن يُسمع المنافقين.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما استأذن عمر رضي الله عنه في العُمْرة فقال عليه السلام لما أذِن له: «يا أبا حَفْص لا تنسنا في صالح دعائك».
قلت: والصحيح الأوّل لتناوله جميع الأقوال.
واختار ابن العربيّ ما ذكره في نزول الآية عن مالك وابن إسحاق، وأن ذلك مخصوص في الحرب.
قال: والذي يبين ذلك أمران:
أحدهما: قوله في الآية الأخرى: {قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا}.
وذلك أن المنافقين كانوا يتلوّذون ويخرجون عن الجماعة ويتركون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الله جميعهم بألا يخرج أحد منهم حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وبذلك يتبيّن إيمانه.
الثاني: قوله: {لَّمْ يَذْهَبُواْ حتى يَسْتَأْذِنُوهُ} وأيّ إذن في الحدث والإمام يخطب، وليس للإمام خيار في منعه ولا إبقائه، وقد قال: {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ}؛ فبيّن بذلك أنه مخصوص في الحرب.
قلت: القول بالعموم أولى وأرفع وأحسن وأعلى.
{فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم بالخيار إن شاء أن يأذَن وإن شاء منع.
وقال قتادة: قوله: {فأذن لمن شئتَ منهم} منسوخة بقوله: {عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة: 43].
{واستغفر لَهُمُ الله} أي لخروجهم عن الجماعة إن علمت لهم عذرًا.
{إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
لما افتتح السورة بقوله: {سورة أنزلناها} وذكر أنواعًا من الأوامر والحدود مما أنزله على الرسول عليه السلام اختتمها بما يجب له عليه السلام على أمته من التتابع والتشايع على ما فيه مصلحة الإسلام ومن طلب استئذانه إن عرض لأحد منهم عارض، ومن توقيره في دعائهم إياه.
وقال الزمخشري: أراد عز وجل أن يريهم عظيم الجناية في ذهاب الذاهب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذنه.
{إذا كانوا معه على أمر جامع} فجعل ترك ذهابهم {حتى تستأذنوه} ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، وجعلهما كالتسبيب له والنشاط لذكره.
وذلك مع تصدير الجملة بإنما وارتفاع المؤمنين مبتدأ ومخبر عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين، ثم عقبه بما يزيده توكيدًا وتسديدًا بحيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله: {إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله} وضمنه شيئًا آخر وهو أنه جعل الاستئذان كالمصداق لصحة الإيمانين، وعرّض بحال الماضين وتسللهم لو إذًا.
ومعنى قوله: {لم يذهبوا حتى يستأذنوه} لم يذهبوا حتى يستأذنوه وبأذن لهم، ألا تراه كيف علق الأمر بعد وجود استئذانهم بمشيئته وإذنه لمن استصوب أن يأذن له، والأمر الجامع الذي يجمع له الناس، فوصف بالجمع على المجاز وذلك نحو مقابلة عدو وتشاور في أمرهم أو تضام لإرهاب مخالف، أو ما ينتج في حلف وغير ذلك.
والأمر الذي يعم بضرره أو بنفعه وفي قوله: {وإذا كانوا معه على أمر جامع} أنه خطب جليل لابد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه من ذوي رأي وقوة يظاهرونه عليه ويعاونونه ويستضيء بآرائهم ومعارفهم وتجاربهم في كفاءته، فمفارقة أحدهم في مثل هذه الحالة مما يشق على قلبه ويشعث عليه رأيه.
فمن ثم غلظ عليهم وضيق الأمر في الاستئذان مع العذر المبسوط ومساس الحاجة إليه واعتراض ما يهمهم ويعينهم، وذلك قوله: {لبعض شأنهم} وذكر الاستغفار للمستأذنين دليل على أن الأحسن الأفضل أن لا يحدثوا أنفسهم بالذهاب ولا يستأذنوا فيه.
وقيل: نزلت في حفر الخندق وكان قوم يتسللون بغير إذن لذلك ينبغي أن يكون الناس مع أئمتهم ومقدميهم في الدين والعلم يظاهرونهم ولا يخذلونهم في نازلة من النوازل، ولا يتفرقون عنهم، والأمر في الإذن مفوض إلى الإمام إن شاء أذن وإن شاء لم يأذن على حسب ما اقتضاه رأيه انتهى.
وهو تفسير حسن ويجري هذا المجرى إمام الأمرة إذا كان الناس معه مجتمعين لمراعاة مصلحة دينية فلا يذهب أحد منهم عن المجمع إلاّ بإذن منه إذ قد يكون له رأي في حضور ذلك الذاهب.
وقال مكحول والزهري: الجمعة من الأمر الجامع، فإذا عرض للحاضر ما يمنعه الحضور من سبق رعاف فليستأذن حتى يذهب عنه سوء الظن به.
وقال ابن سيرين: كانوا يستأذنون الإمام على المنبر، فلما كثر ذلك قال زياد: من جعل يده على أنفه فليخرج دون إذن وقد كان هذا بالمدينة حتى إنّ سهيل بن أبي صالح رعف يوم الجمعة فاستأذن الإمام.
وقال ابن سلام: هو كل صلاة فيها خطبة كالجمعة والعيدين والاستسقاء.
وقال ابن زيد: في الجهاد.
وقال مجاهد: الاجتماع في طاعة الله.
قيل: في قوله: {فائذن لمن شئت منهم} أريد بذلك عمر بن الخطاب.
وقرأ اليماني على أمر جميع. اهـ.