فصل: قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)}.
التفسير: لما حكى سيرة المنافقين وما قالوه وفعلوه، أتبعه ذكر ما كان يجب أن يفعلوه وما يجب أن يسلكه المؤمنون من طريق الأخلاق. وعن الحسن أنه قرأ قول المؤمنين بالرفع والقراءة المشهورة وهي النصب أقوى. قال جار الله: لأن أولى الاسمين بكونه اسمًا أوغلهما في التعريف {أن يقولوا} أوغل لأنه لا سبيل عليه للتنكير بخلاف قول المؤمنين. قلت: وذلك لاحتمال كون الإضافة فيه لفظية و{أن يقولوا} يشبه المضمر كما بينا في الأنعام في قوله: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا} [الآية: 23] فلا سبيل إلى تنكيره.
ومعنى {كان} صح واستقام أي لا ينبغي أن يكون قولهم إلا السمع والطاعة. عن ابن عباس {ومن يطع الله} في فرائضه {ورسوله} في سننه {ويخش الله} على ما مضى من ذنوبه {ويتقه} فيما يستقبل من عمره {فأولئك هم الفائزون} وهذه آية جامعة لأسباب الفوز وفقنا الله تعالى للعمل بها. ثم حكى عن المنافقين أنهم يريدون أن يؤكدوا أساس الإيمان بالأيمان الكاذبة. قال مقاتل: من حلف بالله فقد اجتهد في اليمين وكانوا يقولون: والله إن أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا، فنهوا عن هذه الأقسام لما علم من نفاقهم وشقاقهم وإضمارهم الغدر والخديعة وإلا فمن حلف على فعل البر لا يجوز أن ينهى عنه. وقوله: {طاعة معروفة} مبتدأ محذوف الخبر أي طاعة معلومة لا شك فيها ولا نفاق أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة، أو خبر محذوف المبتدأ أي أمركم الذي يطلب منكم طاعة معروفة لا ارتياب فيها كطاعة الخلص من المؤمنين، أو طاعتكم طاعة معروفة بأنها بالقول دون الفعل. ثم صرف الكلام من الغيبة إلى الخطاب لمزيد التبكيت والعتاب. ومعنى {فإن تولوا} فإن تتولوا فحذف إحدى التاءين. وما حمل الرسول هو أداء الرسالة، وما حمل على الأمة هو الطاعة والانقياد، والبلاغ المبين كون التبليغ مقرونًا بالآيات والمعجزات أو كونه واقعًا على سبيل المجاهرة لا المداهنة. وهاهنا شبه إضمار والتقدير: بلغ أيها الرسول وأطيعوه أيها المؤمنون فقد وعد الله الذين آمنوا منكم أي جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح. وفي الوعد معنى القسم لأن وعد الله محقق الوقوع ولذلك قال في جوابه {ليستخلفنهم} أو القسم محذوف أي أقسم ليجعلنكم خلفاء في الأرض كما فعل ببني إسرائيل حين أورثهم مصر والشأم بعد إهلاك الجبابرة. {وليمكنن} لأجلهم الدين المرتضى وهو دين الإسلام. وتمكين الدين تثبيته وإشادة قواعده، كانوا بالمدينة يصبحون في السلاح ويمسون فيه فسئموا وشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تغبرون إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل في الملأ العظيم محتبيًا ليس معه حديدة، فأنجز الله وعده وأظهرهم على جزيرة العرب وورثوا ملك الأكاسرة خزائنهم، وهذا إخبار بالغيب فيكون معجزًا. ومحل {يعبدونني} نصب على الحال أي وعدهم ذلك في حال عبادتهم وإخلاصهم أو هو استئناف كأن قائلًا قال: ما لهم يستخلفون ويؤمنون؟ فقال: {يعبدونني} وعلى الوجهين فقوله: {لا يشركون} بدل من {يعبدونني} أو بيان لها. وفيه دليل على أن المقصود من الكل هو عبادة الله تعالى والإخلاص له. {ومن كفر} بهذه النعم الجسام وهي الاستخلاف والتمكين والأمن بعد الخوف بعد حصول ذلك أو بعدما ذكر {فأولئك هم} الكاملون في الفسق. قال أهل السنة: في الآية دلالة على إمامة الخلفاء الراشدين لأن قوله: {منكم} للتبعيض وذلك البعض يجب أن يكون من الحاضرين في وقت الخطاب، ومعلوم أن الأئمة الأربعة كانوا من أهل الإيمان والعمل الصالح، وكانوا حاضرين وقتئذ وقد حصل لهم الاستخلاف والفتوح، فوجب أن يكونوا مرادين من الآية.
واعترض بأن قوله: {منكم} لم لا يجوز أن يكون للبيان، ولم لا يجوز أن يراد بالاستخلاف في الأرض هو إمكان التصرف والتوطن فيها كما في حق بني إسرائيل؟ سلمنا لكن لم لا يجوز أن يراد به خلافة علي عليه السلام؟ والجمع للتعظيم أو يراد هو وأولاده الأحد عشر بعده؟ وقيل: إن في قوله: {ومن كفر بعد ذلك} إشارة إلى الخلفاء المتغلبين بعد الراشدين يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: «الخلافة من بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكًا عضوضًا» {وأقيموا الصلاة} معطوف على {أطيعوا} وليس ببدع أن يقع بين المعطوفين فاصلة وإن طالت، وكررت طاعة الرسول للتأكيد.
من قرأ {لا يحسبن} على الغيبة فمفعولاه {معجزين في الأرض} أي لا يحسبن الكفرة أحدًا يعجز الله في الأرض حتى يطيعوهم في مثل ذلك، وفالعه ضمير النبي، أو المفعول الأول محذوف لأنه هو الفاعل بعينه أي لا يحسبن الكفار أنفسهم معجزين والمراد بهم الذين أقسموا أو عام قوله: {ومأواهم} قال جار الله: هو معطوف على ما تقدم معنى كأنه قيل: الذين كفروا لا يفوتون الله عز وجل ومأواهم النار. وحين ذكر من دلائل التوحيد وأحوال المكلفين ما ذكر تنشيطًا للاذهان وترغيبًا فيما هو الغرض الأصلي من التكاليف وهو العرفان، عاد إلى ما انجر منه الكلام وهو الحكم العام في باب الاستئذان فذكره هاهنا على وجه أخصر فقال {ليستأذنكم} قال القاضي: هذا الخطاب للرجال ظاهرًا ولكنه من باب التغليب فيدخل فيه النساء. وقال الإمام فخر الدين الرازي: يثبت للنساء بقياس جلي لأنهن في باب حفظ العورة أشد حالًا من الرجال. وظاهر قوله: {الذين ملكت أيمانكم} يشمل البالغين والصغار، فالأمر للبالغين على الحقيقة وللصغار على وجه البيان والتأديب كما يؤمرون بالصلاة لسبع، أو هو تكليف لنا لما فيه من المصلحة لنا ولهم بعد البلوغ كقولك للرجل ليخفك أهلك وولدك فظاهره الأمر لهم وحقية الأمر له بفعل ما يخافون عنده. وعن ابن عباس أن المراد الصغار وليس للكبار أن ينظروا إلى مالكيهم إلا إلى ما يجوز للحر أن ينظر إليه. ثم إنه هل يشكل الإماء؟ فعن ابن عمر ومجاهد لا، وعن غيرهما نعم، لأن الإنسان كما يكره إطلاع الذكور على أحواله فقد يكره أيضًا إطلاع الإناث عليها. عن ابن عباس: آية لا يؤمن بها أكثر الناس آية الإذن وإني لآمر جارتي أن تستأذن عليّ أراد امرأته، وكان ابن عباس ينام بين جاريتين. ومن العلماء من قال: هذا الأمر للاستحباب.
ومنهم من قال للوجوب. ومن هؤلاء من قال: إنه ناسخ لقوله: {لا تدخلو بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا} لأن ذلك يدل على أن الاستئذان واجب في كل حال، وهذا يدل على وجوبه في الأوقات الثلاثة فقط، ومنه لزوم النسخ بأن الأولى في المكلفين وهذه في غير المكلفين قالوا: الذين ملكت أيمانكم يشمل البالغين. قلنا: لو سلم فلا نسخ أيضًا لأن قوله: {غير بيوتكم} لا يشمل العبيد لأن الإضافة توجب الاختصاص والملكية، والعبد لا يملك شيئًا فلا يملك البيت أمر المماليك والأطفال الذين لم يحتملوا من الأحرار وهذا معنى قوله: {منكم} أن تستأذنوا ثلاث مرات في اليوم والليلة. إحداها قبل صلاة الفجر لأنه وقت القيام من المضاجع ووقت استبدال ثياب اليقظة بثياب النوم، وثانيتها عند الظهيرة وهو نصف النهار عند اشتداد الحر وظهوره فحينئذ يضع الناس ثيابهم غالبًا، وثالثها بعد صلاة العشاء يعني الآخرة لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم. ثم بين حكمة الاستئذان في هذه الأوقات فقال {ثلاث عورات} فمن قرأ {ثلاث} بالرفع فظاهر كما مر في الوقوف، ومن قرأ بالنصب فقد قال في الكشاف: إنه بدل من {ثلاث مرات} أي أوقات ثلاث عورات قلت: هذا بناء على أن قوله: {ثلاث مرات} ظرف ويجوز أن يكون {ثلاث مرات} مصدرًا بمعنى ثلاثة استئذانات، ويكون {ثلاث عورات} تفسيرًا وبيانًا للأوقات الثلاثة لأنها منصوبة تقديرًا. وأصل العورة الخلل ومنه الأعور المختل العين، وأعور الفارس إذا بدا منه موضع خلل للضرب، وأعور المكان إذا خيف فيه القطع. قال جار الله: إذا رفعت {ثلاث عورات} فمحل هذه الجملة الرفع على الوصف أي هن ثلاث عورات مخصوصة بالاستئذان، وإذا نصبت لم يكن له محل وكان كلامًا مقررًا للأمر بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة.
ثم بين وجع العذر بقوله: {طوّافون عليكم} وهم الذين يكثرون الدخول والخروج والتردد يعني أن بكم وبهم حاجة إلى المداخلة والمخالطة للاستخدام ونحوه. وارتفع {بعضكم} بالإبتداء وخبره {على بعض} أو بالفاعلية أي بعضكم طائف، أو يطوف بعضكم على بعض يدل على المحذوف طوّافون. وفي الاية دلالة على وجوب اعتبار العلل في الأحكام ما أمكن. يروى أن مدلج بن عمرو وكان غلامًا أنصاريًا أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الظهيرة إلى عمر ليدعوه، فدخل عليه وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه فقال عمر: لوددت أن الله عز وجل نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا علينا هذه الساعات إلا بإذن. ثم انطلق معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده وقد أنزلت عليه هذه الآية. ثم بين حكم الأطفال والأحرار بعد البلوغ وهو أن لا يكون لهم الدخول إلا بإذن في جميع الأوقات.
ومعنى {الذين من قبلهم} الذين بلغوا الحلم من قبلهم وهم الرجال الذين ذكروا من قبلهم في قوله: {يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوات بيوتًا} الآية. ومتى يحكم ببلوغ الطفل؟ اتفقوا على أنه إذا احتلم كان بالغًا وأما إذا لم يحتلم فعند عامة العلماء وعليه الشافعي أنه إذا بلغ خمس عشرة سنة فهو بالغ حكمًا لما روي أن ابن عمر عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فلم يجزه وكان له اقل من خمس عشرة سنة، وعرض عليه يوم الخندق وكان ابن خمس عشرة سنة فأجازه. وعن بعض السلف ويروى عن علي عليه السلام أيضًا أنه كان يعتبر القامة ويقدر بخمسة الأشبار وعليه يحمل قول الفرزدق:
ما زال مذ عقدت يداه إزاره ** فسما وأدرك خمسة الأشبار

وإنبات العانة غير معتبر إلا في حق الأطفال الكفار وقد مر في أول سورة النساء. وإنما ختم هذه الآية بقوله: {كذلك يبين الله لكم آياته} وقبلها وبعدها {لكم الآيات} لأنهما يشتملان على علامات يمكن الوقوف عليها وهي في الأولى الأوقات الثلاثة، وفي الآخرة {من بيوتكم أو بيوت آبائكم} إلى آخرها ومثلهما في قوله: {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات} [النور: 1718] يعني حد الزانيين وحد القاذف. وأما بلوغ الأطفال فلم يذكر لها علامات يمكن الوقوف عليها بل تفرد سبحانه بعلم ذلك فخصها بالإضافة إلى نفسه. {والله عليم} بمصالح العباد {حكيم} في أوامره ونواهية. ثم بين حكم النساء اللواتي خرجن عن محل الفتنة والتهمة فقال و{القواعد} وهي جمع قاعد بغير هاء كالحائض والطالق، وقد زعم صاحب الكشاف لها أنها جمع قاعدة بالهاء وفيه نظر لأنه من أوصاف النساء الخاصة بهن، سميت بذلك لقعودها عن الحيض والولد لكبرها ولذلك أكد بقوله: {اللاتي لا يرجون نكاحًا} أي لا يطمعن فيه لعدم من يرغب فيهن وليست من القعود بمعنى الجلوس حتى يحتاج إلى الفرق بين المذكر والمؤنث، ولا شبهة أنه لا يحل لهن وضع كل ثيابهن لما فيه من كشف كل عورة فلذلك قال المفسرون: المراد بالثياب هاهنا الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار. وعن ابن عباس أنه قرأ {أن يضعن جلابيبهن} وعن السدي عن شيوخه يضعن خمرهن عن رؤوسهن، خصهن الله تعالى بذلك لأن التهمة مرتفعة عنهن وقد بلغن هذا المبلغ، فلو غلب على ظنهن خلاف ذلك لم يحل لهن وضع شيء من الثياب الظاهر، وإنما أبيح وضع الثياب حال كونهن {غير متبرجات بزينة} أي غير مظهرات شيئًا من الزين الخفية المذكورة في قوله: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} أو غير قاصدات بالوضع التبرج ولكن التخفف إذا احتجن إليه. وحقيقة التبرج تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه من قوله: سفينة بارج لا غطاء عليها.
واليرج سعة العين يرى بياضها محيطًا بسوادها لا يغيب منه شيء. واختص التبرج في الاستعمال بتكشف المرأة للرجال.
وحين ذكر الجائز عقبه بالمستحب تنبيهًا على اختيار الأفضل في كل باب فقال {وأن يستعففن خير لهن} وذلك أنهن في الجملة مظنة شهوة وفتنة وإن عرض عارض الكبر والنحول فلكل ساقطة لاقطة. وسئل بعض الظرفاء المذكورين عن حكمة تستر النساء فقال: لأنهن محل فتنة وشهوة فقيل: فعلى هذا كان ينبغي أن لا يحسن تكليف العجائز بالتستر فأجاب بأنه كان يلزم إذ ذاك مصيبتان:
أحدهما عدم رؤية الحسان، والثانية لزوم رؤية القباح. ثم ختم السورة بسائر الصور التي يعتبر فيها الإذن فقال {ليس على الأعمى حرج} نفى الحرج عن الأصناف الثلاثة ذوي العاهات ثم قال {ولا على أنفسكم أن تأكلوا} فذهب ابن زيد إلى أن المراد نفي الحرج عنهم في القعود عن الجهاد، ثم عطف على ذلك أنه لا حرج عليكم أن تأكلوا من البيوت المذكورة. ووجه صحة العطف التقاء الطائفتين في أن كل واحدة منهما منفي عنها الحرج. قال جار الله: مثال هذا أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في رمضان وحاج مفرد عن تقديم الحلق على النحر فقلت: ليس على المسافر حرج أن يفطر ولا عليك يا حاج أن تقدم الحلق على النحر. وقال آخرون: كان المؤمنون يذهبون بالضعفاء وذوي الآفات إلى بيوت أزواجهم وأولادهم وإلى بيوت قراباتهم وأصدقائهم فيطعمونهم منها، فخالج قلوب الكل ريبة خوفًا من أن يكون أكلًا بغير حق لقوله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [البقرة: 188] فقيل: لهم ليس على هؤلاء الضعفاء ولا على أنفسكم يعني عليكم وعلى من في مثل حالكم من المؤمنين حرج في ذلك. قال قتادة: كانت الأنصار في أنفسها قزازة وكاننت لا تأكل من هذه البيوت إذا استغنوا. والقزازة احتراز مع القزة وهي مدح، والكزازة ذم. وروى الزهري عن سعيد بن السمي وغيره أن المسلمين كانوا يخرجون إلى الغزو ويخلفون الضعفاء في بيوتهم ويدفعون إليهم المفاتيح ويأذنون لهم أن يأكلوا من بيوتهم، فكانوا يتحرجون كما يحكى عن الحرث بن عمرو أنه خرج غازيًا وخلف مالك بن زيد في ماله وبيته، فلما رجع رآه مجهودًا فقال: ما أصابك؟ قال: لم يكن عندي شيء ولم يحل لي أن آكل من مالك. فقيل: ليس على هؤلاء الضعفاء حرج فيما تخرجوا عنه، ولا عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت. قال الأكثرون: كان هؤلاء الضعفاء يتوقون مجالسة الناس ومواكلتهم فيقول الأعمى: إني لا ارى شيئًا فربما آخذ الأجود وأترك الردئ، والأعرج يفسح في مجلسه ويأخذ أكثر من موضعه فيضيق على جليسه، والمريض لا يخلو من رائحة أو غيرها من اسباب الكراهة. وأيضًا كان المؤمنون يقولون الأعمى لا يبصر الطعام الجيد ولا يأله، والأعرج لا يتمكن من الجلوس فلا يقدر على الأكل مما ينبغي، والمريض لا يتأتى له أن يأكل كما يأكل الأصحاء فقيل: ليس على هؤلاء ولا عليكم في المؤاكلة حرج.