فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخطيب الشربيني:

ولما ذكر تعالى ما رتب على الطاعة الظاهرة التي هي دليل الانقياد الباطن ذكر حال المنافقين بقوله تعالى: {وأقسموا بالله} أي: الذي له الكمال المطلق، وقوله تعالى: {جهد أيمانهم} مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها، وذلك إذا بالغ في اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها، وعن ابن عباس: من قال بالله فقد بالغ في اليمين، وبلغ غاية شدتها {لئن أمرتهم} أي: أمر من الأمور {ليخرجن} مما هم متلبسون به من خلافه كائنًا ما كان، وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أينما كنت نكن معك لئن خرجت خرجنا ولئن أقمت أقمنا، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا، فقال الله تعالى: {قل} أي: لهم {لا تقسموا} أي: لا تحلفوا فإن العلم بما أنتم عليه لا يحتاج إلى الإقسام، وهاهنا قد تم الكلام، ولو كان قسمهم صادقًا لما نهوا عنه؛ لأن من حلف على القيام بالبر لا ينهى عنه، فثبت أن قسمهم كان لنفاقهم، وكان باطنهم يخالف ظاهرهم، ومن نوى الغدر لا الوفاء فقسمه قبيح؛ قال المتنبي:
وفي اليمين على ما أنت واعده ** ما دل أنك في الميعاد متهم

وفي رفع قوله تعالى: {طاعة معروفة} ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره أمرنا طاعة أو المطلوب طاعة، ثانيها: أنه مبتدأ والخبر محذوف، أي: أمثل أو أولى أو خير أي: طاعة معروفة للنبي صلى الله عليه وسلم خير من قسمكم الذي لا تصدقون فيه، ثالثها: طاعة مبتدأ أي: هذه الحقيقة ومعروفة هو الخبر أي: معروفة منكم ومن غيركم وإرادة الحقيقة هو الذي سوغ الابتداء بها مع تنكير لفظها؛ لأن العموم الذي تصلح له قد تخصص بإرادة الحقيقة كما قالوه في أعرف المعارف.
والمعنى أن الطاعة وإن اجتهد العبد في إخفائها لابد أن تظهر مخايلها عل شمائله، وكذا المعصية؛ لأنه «ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها» رواه الطبراني عن عثمان، وعن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال: لو أن رجلًا دخل بيتًا في جوف بيت فأدى هناك عملًا أوشك الناس أن يتحدثوا به، وما من عامل عمل عملًا إلا كساه الله رداء عمله إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًا فشر، وعن سعيد: لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوّة لخرج عمله للناس كائنًا من كان {إن الله} أي: الذي له الإحاطة بكل شيء {خبير بما تعملون} أي: لا يخفى عليه شيء من سرائركم فإنه فاضحكم لا محالة، ومجازيكم على نفاقكم، ولما نبه الله تعالى على خداعهم، وأشار إلى عدم الاغترار بإيمانهم أمر بترغيبهم وترهيبهم مشيرًا إلى الإعراض عن عقوبتهم بقوله تعالى: {قل} أي: لهم {أطيعوا الله} أي: الذي له الكمال المطلق {وأطيعوا الرسول} أي: الذي له الرسالة المطلقة ظاهرًا وباطنًا، وقوله تعالى: {فإن تولوا} أي: عن طاعته بحذف إحدى التاءين خطاب لهم أي: فإن تتولوا فما ضررتموه، وإنما ضررتم أنفسكم {فإنما عليه} أي: محمد صلى الله عليه وسلم {ما حمل} أي: ما حمله الله تعالى من أداء الرسالة، وإذا أدّى فقد خرج من عهدة التكليف {وعليكم} أي: وأما أنتم فعليكم {ما حملتم} أي: ما كلفتم من التلقي بالقبول والإذعان، فإن لم تفعلوا وتوليتم فقد عرضتم أنفسكم لسخط الله وعذابه، وإن أطعتموه فقد أحرزتم نصيبكم من الخروج عن الضلالة إلى الهدى، فالنفع والضر عائد إليكم {وإن تطيعوه} بالإقبال على كل ما يأمركم به {تهتدوا} أي: إلى كل خير {وما على الرسول} أي: من جهة غيره {إلا البلاغ} أي: وما الرسول إلا ناصح وهاد، وما عليه إلا أن يبلغ ما له نفع في قبولكم، ولا عليه ضرر في توليتكم، والبلاغ بمعنى التبليغ كالأداء بمعنى التأدية، ومعنى {المبين} كونه مقرونًا بالآيات والمعجزات. روي أنه صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركه كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب»، وقال أبو أمامة الباهلي: عليكم بالسواد الأعظم، فقال رجل: ما السواد الأعظم؟ فنادى أبو أمامة هذه الآية في سورة النور، فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم، وقوله تعالى: {وعد الله} أي: الذي له الإحاطة بكل شيء {الذين آمنوا منكم وعملوا} أي: تصديقًا لإيمانهم {الصالحات} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة أو له ولمن معه ومن للبيان، ثم أكد غاية التأكيد بلام القسم لما عند أكثر الناس من الريب في ذلك بقوله تعالى: {ليستخلفنهم في الأرض} أي: أرض العرب والعجم بأن يمد زمانهم وينفذ أحكامهم، فيجعلهم متصرفين في الأرض تصرف الملوك في مماليكهم {كما استحلف الذين من قبلهم} أي: من الأمم من بني إسرائيل وغيرهم من كل من حصلت له مكنة وظفر على الأعداء بعد الضعف الشديد كما كتب في الزبور أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، وكما قال موسى عليه السلام: إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، وقرأ أبو بكر بضم التاء الفوقية وكسر اللام، والباقون بفتح التاء واللام {وليمكنن لهم} أي: في الباطن والظاهر {دينهم الذي ارتضى لهم} وهو دين الإسلام، وتمكينه تثبيته وتوكيده، وأضافه إليهم إشارة إلى رسوخ أقدامهم فيه، وأنه الذي لا ينسخ، ولما بشرهم بالتمكين أشار لهم إلى مقداره بقوله تعالى: {وليبدلنهم من بعد خوفهم} أي: الذي كانوا عليه {أمنا} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكثوا بمكة عشر سنين خائفين، ولما هاجروا كانوا بالمدينة يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى قال رجل: ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تصبرون إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليس فيه حديدة» وأنجز الله تعالى وعده وأظفرهم على جزيرة العرب، وافتتحوا بعض بلاد المشرق والمغرب ومزقوا ملك الأكاسرة وملكوا خزائنهم، واستولوا على الدنيا واستعبدوا أبناء القياصرة وتمكنوا اشرقًا وغربًا مكنة لم تحصل قبلهم لأمة من الأمم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها»، ولما قتلوا عثمان رضي الله عنه وخرجوا على عليّ ثم ابنه الحسن نزع الله ذلك الأمر كما أشير إليه بمن، وتنكير أمنا، وجاءالخوف واستمر يتطاول ويزداد قليلًا قليلًا إلى أن صار في زماننا هذا إلى أمر عظيم، وذلك تصديق لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يملك الله من يشاء، فتصير ملكًا ثم تصير بزيزي قطع سبيل وسفك دماء وأخذ أموال بغير حقها»، والثلاثون: خلافة أبي بكر سنتان، وخلافة عمر عشرة، وخلافة عثمان اثنا عشر، وخلافة علي ستة، والبِزَّيزي بكسر الباء وتشديد الزاي الأولى، والقصر السلب والتغلب، وقوله: قطع سبيل إما عطف بيان لقوله: نصب بِزَّيزي، أو بدل منه، وقرأ ابن كثير وأبو بكر بسكون الباء الموحدة وتخفيف الدال، والباقون بفتح الموحدة وتشديد الدال، ثم أتبع ذلك بنتيجته بقوله تعالى تعليلًا للتمكين وما معه: {يعبدونني} أي: وحدي، وقوله تعالى: {لا يشركون بي شيئًا} حال من الواو أي: يعبدونني غير مشركين فإن قيل: فما محل يعبدونني؟
أجيب: بأنه مستأنف لا محل له كأن قائلًا قال ما لهم مستخلفين ويؤمنون؟ فقال: يعبدونني ويجوز أن يكون حالًا عن وعدهم أي: وعدهم الله ذلك في حال عبادتهم وإخلافهم فمحله النصب، ولما كان التقدير فمن ثبت على دين الإسلام وانقاد لأحكامه واستقام، نال هذه البشرى عطف عليه قوله تعالى: {ومن كفر} أي: ارتد وكفر هذه النعمة {بعد ذلك} أي: بعد الوعد أو الخلافة {فأولئك} أي: البعداء من الخير {هم الفاسقون} أي: الخارجون عن الدين خروجًا كاملًا لا يقبل معه معذرة، ولا يقال لصاحبه عثرة، بل تقام عليهم الأحكام بالقتل وغيره، ولا يراعى منهم ملام ولا تؤخذ بهم رأفة عند انتقام كما تقدم أول السورة فيمن لزمه الجلد، وقيل: المراد بالكفر كفران النعمة لا الكفر بالله، وقوله تعالى: {فأولئك هم الفاسقون} أي: العاصون لله، وقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} أي: فإنها قوام ما بينكم وبين ربكم معطوف على أطيعوا الله وأطيعوا الرسول؛ قال الزمخشري: وليس ببعيد أن يقع بين المعطوف والمعطوف عليه فاصل وإن طال؛ لأن حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه {وآتوا الزكاة} فإنها نظام ما بينكم وبين إخوانكم {وأطيعوا الرسول} أي: في كل حال يأمركم به، وكررت طاعة الرسول تأكيدًا لوجوبها {لعلكم ترحمون} أي: لتكونوا على رجاء من الرحمة ممن لا راحم في الحقيقة غيره. والفاعل في قوله تعالى: {لا تحسبن} ضمير المخاطب أي: لا تحسبن أيها المخاطب {الذين كفروا} أي: وإن ازدادت كثرتهم على العدِّ وتجاوزت عظمتهم الحدّ {معجزين} أي: لأهل ودنا، وقيل: لنا {في الأرض} أي: فإنهم مأخوذون لا محالة، وقرأ ابن عامر وحمزة، بالياء على الغيبة قال النحاس: ما علمت أحدًا من أهل العربية بصريًا ولا كوفيًا إلا وهو يلحن قراءة حمزة فمنهم من يقول: هي لحن؛ لأنه لم يأت إلا بمفعول واحد ليحسبن، وأجيب عن ذلك من وجهين: أحدهما: أن المفعول الأول محذوف تقديره: ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين إلا أن حذف أحد المفعولين ضعيف عند البصريين، ومنه قول عنترة:
ولقد نزلت فلا تظني غيره ** مني بمنزلة المحب المكرم

أي: فلا تظني غيره واقعًا.
والثاني: أن المفعولين هما قوله: {معجزين في الأرض} قاله الكوفيون، وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب، وفتح السين ابن عامر وعاصم وحمزة، وكسرها الباقون، وقوله تعالى: {ومأواهم النار} أي: مسكنهم معطوف على لا تحسبن الذين كفروا معجزين، كأنه قيل: الذين كفروا لا يفوتون أهل ودنا أو لا يفوتوننا ومأواهم النار المراد بهم المقسمون عليه بالله جهد أيمانهم، ولما كانت سكنى الشيء لا تكون إلا بعد المصير إليه، قال تعالى: {ولبئس المصير} أي: المرجع مصيرها، فكيف إذا كان على وجه السكنى؟ واختلف في سبب نزول قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} الآية، فقال ابن عباس: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا من الأنصار يقال له: مدلج بن عمرو إلى عمر رضي الله تعالى عنه وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك، فنزلت.
وقال مقاتل: نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير، فدخل عليها في وقت فكرهته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها، فنزلت، واللام في {ليستأذنكم} للأمر، وملك اليمين يشمل العبيد والإماء. قال بعض المفسرين: هذا الخطاب وإن كان ظاهره للرجال، فالمراد به الرجال والنساء؛ لأن التذكير يغلب على التأنيث قال الرازي: والأولى عندي أن الحكم ثابت في النساء بقياس جلي؛ لأن النساء في باب العورة أشد حالًا من الرجال، فهو كتحريم الضرب بالقياس على حرمة التأفيف، وقال ابن عباس: هي في الرجال والنساء أي: البالغين أو من قاربوا البلوغ يستأذنون على كل حال في الليل والنهار للدخول عليكم كراهة الاطلاع على عوراتكم والتطرق بذلك إلى مساءتكم، واختلف العلماء في هذا الأمر فقيل: للندب، وقيل: للوجوب، واستظهر {والذين} أي: وليستأذنكم الذين ظهروا على عورات النساء، ولكنهم {لم يبلغوا الحلم} وقيده بقوله تعالى: {منكم} ليخرج الكفار والأرقاء، وعبر عن البلوغ بالاحتلام؛ لأنه أقوى دلائله {ثلاث مرات} في اليوم والليلة، وقيل: ثلاث استئذانات في كل مرة، فإن لم يحصل الإذن رجع المستأذن كما تقدم المرّة الأولى من الأوقات الثلاث {من قبل صلاة الفجر}؛ لأنه وقت القيام من المضاجع، وطرح ثياب النوم {و} المرّة الثانية {حين تضعون ثيابكم} أي: التي للخروج بين الناس {من الظهيرة} أي: شدة الحرّ، وهو انتصاف النهار {و} المرّة الثالثة {من بعد صلاة العشاء}؛ لأنه وقت الانفصال من ثياب اليقظة والاتصال بثياب النوم، وخص هذه الأوقات؛ لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب والالتحاف باللحاف، وأثبت من في الموضعين دلالة على قرب الزمن من الوقت المذكور لضبطه، وأسقطها في الأوسط دلالة على استغراقه؛ لأنه غير منضبط، ثم علل بقوله تعالى: {ثلاث عورات} أي: اختلالات في التستر والتحفظ {لكم}؛ لأنها من ساعات وضع الثياب والخلوة؛ قال البيضاوي: وأصل العورة الخلل، ومنها اعورَّ المكان، ورجل أعور إذا بدا فيه خلل انتهى.
وسميت هذه الأوقات عورات؛ لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فربما تبدو عورته، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي في الوصل ثلاث بالنصب بتقدير أوقات منصوبًا بدل من محل ما قبله قام المضاف إليه مقامه، والباقون بالرفع على أنها خبر مبتدأ مقدر بعده مضاف، وقام المضاف إليه مقامه أي: هي أوقات، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره ما بعده، ثم بين سبحانه وتعالى حكم ما عدا ذلك بقوله تعالى مستأنفًا: {ليس عليكم} أي: في ترك الأمر {ولا عليهم} أي: المماليك والصبيان في ترك الاستئذان {جناح} أي: إثم وأصله الميل في الدخول عليكم في جميع الساعات {بعدهن} أي: بعد هذه الأوقات الثلاثة إذا هجموا عليكم، ثم علل الإباحة في غيرها مخرجًا لغيرهم بقوله تعالى: {طوّافون عليكم} أي: لعمل ما تحتاجون في الخدمةكما أنتم طوافون عليهم لعمل ما يصلحهم ويصلحكم في الاستخدام {بعضكم} طوّاف {على بعض} لعمل يعجز عنه الآخر أو يشق عليه فلو عم الأمر بالاستئذان لأدى إلى الحرج.
فإن قيل: بما رفع {بعضكم على بعض}؟
أجيب: بأنه رفع بالابتداء وخبره على بعض أي: طوّاف على بعض، وحذف؛ لأنّ طوافون يدل عليه، ويجوز أن يرتفع بيطوف مضمرًا لتلك الدلالة {كذلك} أي: كما بين ما ذكر {يبين الله} أي: بما له من إحاطة العلم والقدرة {لكم} أيتها الأمة {الآيات} في الأحكام وغيرها بعلمه وحكمته {والله} أي: الذي له الإحاطة العامةبكل شيء {عليم} بكل شيء {حكيم} فيما يريده، فلا يقدر أحد على نقضه، وختم الآية بهذا الوصف يدل على أنها محكمة لم تنسخ، واختلف في ذلك فقال الزمخشري: عن ابن عباس أنه قال: آية لا ىؤمن بها أكثر الناس آية الأذن، وإني لآمر جاريتي أي: زوجتي أن تستأذن علي، وسأله عطاء: أستأذن على أختي؟ قال: نعم وإن كانت في حجرك تمونها، وتلا هذه الآية، وعنه ثلاث آيات جحدهنّ الناس؛ الإذن كله، وقوله تعالى: {إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم} فقال الناس: أعظمكم بيتًا، وقوله: {وإذا حضر القسمة} وعن ابن مسعود: عليكم أن تستأذنوا على آبائكم وأمهاتكم وأخواتكم، وعن الشعبي: ليست منسوخة، فقيل له: إن الناس لا يعملون بها، فقال: الله المستعان، وعن سعيد بن جبير: إن الناس يقولون: هي منسوخة والله ما هي منسوخة، ولكن الناس تهاونوا بها، وقال قوم: هي منسوخة.
روى البغوي عن ابن عباس أنه قال: لم يكن للقوم ستر، ولا حجاب فكان الخدم والولائد يدخلون، فربما يرون منهم ما لا يحبون، فأمروا بالاستئذان، وقد بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور، فلعل الرواية اختلفت عن ابن عباس، ولما بيّن تعالى حكم الصبيان والأرقاء الذين هم أطوع للأمر، وأقبل لكل خبر أتبعه حكم البالغين من الأحرار بقوله تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم} أي: إذا بلغ أطفالكم الأحرار بلوغ السن الذي يكون فيه إنزال المني سواء رأى منيًا أم لا، واختلف في ذلك السن، فقال عامة العلماء: هو خمس عشرة سنة، أي: قمرية تحديدية لا فرق في ذلك بين الذكر وغيره، وقال أبو حنيفة: هو ثماني عشرة سنة في الغلام، وسبع عشرة سنة في الجارية، وعن علي رضي الله عنه: أنه تعتبر القامة وتقدر بخمسة أشبار، وبه أخذ الفرزدق في قوله:
ما زال مذ عقدت يداه إزاره ** وسما فأدرك خمسة الأشبار