فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَا لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم قالوا ذلك إزراء عليه أنه لما كان مثلهم محتاجًا إلى الطعام ومتبذلًا في الأسواق لم يجز أن يتميز عليهم بالرسالة ووجب أن يكون مثلهم في الحكم.
الثاني: أنهم قالوا ذلك استزادة له في الحال كما زاد عليهم في الاختصاص فكان يجب ألاّ يحتاج إلى الطعام كالملائكة، ولا يتبذل في الأسواق كالملوك.
ومرادهم في كلا الوجهين فاسد من وجهين:
أحدهما: أنه ليس يوجب اختصاصه بالمنزلة نقله عن موضع الخلقة لأمرين:
أحدهما: أن كل جنس قد يتفاضل أهله في المنزلة ولا يقتضي تمييزهم في الخلقة كذلك حال من فضل في الرسالة.
الثاني: أنه لو نقل عن موضوع الخلقة بتمييزه بالرسالة لصار من غير جنسهم ولما كان رسولًا منهم، وذلك مما تنفر منه النفوس.
وأما الوجه الثاني: فهو أن الرسالة لا تقتضي منعه من المشي في الأسواق لأمرين:
أحدهما: أن هذا من أفعال الجبابرة وقد صان الله رسوله عن التجبر.
الثاني: لحاجته لدعاء أهل الأسواق إلى نبوته، ومشاهدة ما هم عليه من منكر يمنع منه ومعروف يقر عليه.
{لَوْلآَ أُنزِلَ إِلَيهِ} الآية أي هلا أُنزل إليه {مَلَكٌ} وفيه وجهان:
أحدهما: أن يكون الملك دليلًا على صدقه.
الثاني: أن يكون وزيرًا له يرجع إلى رأيه.
{أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ} فلا يكون فقيرًا.
{أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} والجنة البستان فكأنهم استقلّوه لفقره. قال الحسن: والله ما زَوَاهَا عن نبيه إلا اختيارًا ولا بسطها لغيره إلا اغترارًا ولوا ذاك لما أعاله.
قوله: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ} يعني مشركي قريش وقيل إنه عبد الله بن الزبعرى.
{إِن تَبَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَّسْحُورًا} فيه وجهان:
أحدهما: سحر فزال عقله.
الثاني: أي سَحَرَكُمْ فيما يقوله.
قوله تعالى: {انظُرْ كَيفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ} يعني ما تقدم من قولهم.
{فَضَلُّواْ} فيه وجهان:
أحدهما: فضلواْ عن الحق في ضربها.
الثاني: فناقضوا في ذكرها لأنهم قالوا افتراه ثم قالوا تملى عليه وهما متناقضان.
{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مخرجًا من الأمثال التي ضربوها، قاله مجاهد.
الثاني: سبيلًا إلى الطاعة لله، قاله السدي.
الثالث: سبيلًا إلى الخير، قاله يحيى بن سلام. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}.
الضمير في قوله: {قالوا} لقريش، وذلك أنهم كان لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس مشهور، ذكره ابن إسحاق في السير وغيره، مضمنة أن سادتهم عتبة بن ربيعة وغيره اجتمعوا معه فقالوا يا محمد إن كنت تحب الرياسة وليناك علينا، وإن كنت تحب المال جمعنا لك من أموالنا، فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا في باب الاحتجاج عليه فقالوا له ما بالك وأنت رسول الله تأكل الطعام وتقف بالأسواق وتريد التماس الرزق، أي إن من كان رسول الله مستغن عن جميع ذلك، ثم قالوا له سل ربك أن ينزل معك ملكًا ينذر معك أو يلقي إليك كنزًا تنفق منه، أو يرد لك جبال مكة ذهبًا أو تزال الجبال ويكون مكانها جنات تطرد فيها المياه، وأشاعوا هذه المحاجة فنزلت الآية وكتبت اللام مفردة من قولهم {ما ل} هذا إما لأن على المصحف قطع لفظه فاتبعه الكاتب، وإما لأنهم رأوا أن حروف الجر بابها الانفصال نحو: في ومن وعلى وعن. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر {يأكل منها} بالياء، وقرأ حمزة والكسائي {نأكل منها} بالنون وهي قراءة ابن وثاب وابن مصرف وسليمان بن مهران، ثم أخبر تعالى عنهم وهم {الظالمون} الذين أشير إليهم أنهم قالوا حين يئسوا من محمد صلى الله عليه وسلم {إن يتبعون إلا رجلًا مسحورًا} أي قد سحر فهو لا يرى مراشده، ويحتمل {مسحورًا} أن يكون من السحر وهي الرؤية فكأنهم ذهبوا إلى تحقيره، أي رجلًا مثلكم في الخلقة، ذكره مكي وغيره، ثم نبّهه الله تعالى مسليًا عن مقالتهم فقال: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال} بالمسحور والكاهي والساحر وغيره {فضلوا} أي أخطئوا الطريق فلا يجدون سبيل هداية ولا يطيقونه لالتباسهم بضده من الضلال. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وقالوا} يعني المشركين {ما لهذا الرسول يأكل الطعام} أنكروا أن يكون الرسول بَشَرًا يأكل الطعام ويمشي في الطُّرق كما يمشي سائر الناس يطلب المعيشة؛ والمعنى: أنه ليس بملَك ولا ملِك، لأن الملائكة لا تأكل، والملوك لا تتبذَّل في الأسواق، فعجبوا أن يكون مساويًا للبشر لا يتميَّز عليهم بشيء؛ وإِنما جعله الله بشرًا ليكون مجانسًا للذين أُرسل إِليهم، ولم يجعله ملِكًا يمتنع من المشي في الأسواق، لأن ذلك من فعل الجبابرة، ولأنه أُمر بدعائهم، فاحتاج أن يمشي بينهم.
قوله تعالى: {لولا أُنزل إِليه مَلَكٌ} وذلك أنهم قالوا له: سل ربك أن يبعث معك ملَكًا يصدِّقك ويجعل لك جِنانًا وقصورًا وكنوزًا، فذلك قوله: {أو يُلقَى إِليه كَنْزٌ} أي: ينزل إِليه كنز من السماء {أو تكونُ له جَنَّة يأكُلُ منها} أي: بستان يأكل من ثماره.
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر {يأكل منها} بالياء، يعنون النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
وقرأ حمزة، والكسائي: {نأكل} بالنون، قال أبو علي: المعنى: يكون له علينا مزيِّة في الفضل بأكلنا من جنته.
وباقي الآية مفسَّر في [بني إِسرائيل: 47].
قوله تعالى: {انظر} يا محمد {كيف ضَربوا لك الأمثال} حين مثَّلوك بالمسحور، وبالكاهن والمجنون والشاعر {فَضَلُّوا} بهذا عن الهدى {فلا يستطيعون سبيلًا} فيه قولان:
أحدهما: لا يستطيعون مَخرجًا من الأمثال التي ضربوها، قاله مجاهد، والمعنى: أنهم كذّبوا ولم يجدوا على قولهم حُجَّة وبرهانًا، وقال الفراء: لا يستطيعون في أمرك حيلة.
والثاني: سبيلًا إِلى الطاعة، قاله السدي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَالُواْ مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق}.
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {وَقَالُواْ} ذكر شيئًا آخر من مطاعنهم.
والضمير في {قالُوا} لقريش؛ وذلك أنهم كان لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس مشهور، وقد تقدّم في {سبحان}.
ذكره ابن إسحاق في السيرة وغيره.
مضمنه أن سادتهم عتبة بن ربيعة وغيره اجتمعوا معه فقالوا: يا محمد! إن كنت تحب الرياسة ولّيناك علينا، وإن كنت تحب المال جمعنا لك من أموالنا؛ فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك رجعوا في باب الاحتجاج معه فقالوا: ما بالك وأنت رسول الله تأكل الطعام، وتقف بالأسواق! فعيّروه بأكل الطعام؛ لأنهم أرادوا أن يكون الرسول ملكًا، وعيّروه بالمشي في الأسواق حين رأوا الأكاسرة والقياصرة والملوك الجبابرة يترفعون عن الأسواق، وكان عليه السلام يخالطهم في أسواقهم، ويأمرهم وينهاهم؛ فقالوا: هذا يطلب أن يتملك علينا، فما له يخالف سيرة الملوك؛ فأجابهم الله بقوله، وأنزل على نبيه: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِي الأسواق} فلا تغتم ولا تحزن، فإنها شكَاة ظاهر عنك عارها.
الثانية: دخول الأسواق مباح للتجارة وطلب المعاش.
وكان عليه السلام يدخلها لحاجته، ولتذكرة الخلق بأمر الله ودعوته، ويعرِض نفسه فيها على القبائل، لعلّ الله أن يرجع بهم إلى الحق.
وفي البخاري في صفته عليه السلام: ليس بفظٍّ ولا غلِيظ ولا سخَّاب في الأسواق وقد تقدّم في الأعراف.
وذكر السوق مذكور في غير ما حديث، ذكره أهل الصحيح.
وتجارة الصحابة فيها معروفة، وخاصة المهاجرين؛ كما قال أبو هريرة: وإن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصَّفْق بالأسواق؛ خرجه البخاري.
وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في هذه السورة إن شاء الله.
قوله تعالى: {لولا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} أي هلاّ.
{فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} جواب الاستفهام.
{أَوْ يلقى} في موضع رفع؛ والمعنى: أو هلاّ يلقى {إِلَيْهِ كَنْزٌ} {أَوْ} هلاّ {تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} {يَأْكُلُ} بالياء قرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم.
وقرأ سائر الكوفيين بالنون، والقراءتان حسنتان تؤدّيان عن معنى، وإن كانت القراءة بالياء أبين؛ لأنه قد تقدّم ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم وحده فأن يعود الضمير عليه أبين؛ ذكره النحاس.
{وَقَالَ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَّسْحُورًا} تقدّم في {سبحان} والقائل عبد الله بن الزِّبَعْرى فيما ذكره الماورديّ.
قوله تعالى: {انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال}.
أي ضربوا لك هذه الأمثال ليتوصلوا إلى تكذيبك.
{فَضَلُّواْ} عن سبيل الحق وعن بلوغ ما أرادوا.
{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} إلى تصحيح ما قالوه فيك. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وقالوا} الضمير لكفار قريش، وكانوا قد جمعهم والرسول مجلس مشهور ذكره ابن إسحاق في السير فقال عتبة وغيره: إن كنت تحب الرئاسة ولَّيناك علينا أو المال جمعنا لك، فلما أبي عليهم اجتمعوا عليه فقالوا: مالك وأنت رسول من الله تأكل الطعام وتقف بالأسواق لالتماس الرزق سل ربك أن ينزل معك ملكًا ينذر معك، أو يلقي إليك كنزًا تنفق منه، أو يرد لك جبال مكة ذهبًا وتزال الجبال، ويكون مكانها جنات تطرد فيها المياه وأشاعوا هذه المحاجة فنزلت الآية.
وكتب في المصحف لام الجر مفصولة من {هذا} و{هذا} استفهام يصحبه استهزاء أي {مال هذا} الذي يزعم أنه رسول أنكروا عليه ما هو عادة للرسل كما قال: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} أي حاله كحالنا أي كان يجب أن يكون مستغنيًا عن الأكل والتعيش، ثم قالوا: وهب أنه بشر فهلا أرفد بملك ينذر معه أو يلقى إليه كنز من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش.
ثم اقتنعوا بأن يكون له بستان يأكل منه ويرتزق كالمياسير.
وقرئ فتكون بالرفع حكاه أبو معاذ عطفًا على {أنزل} لأن {أنزل} في موضع رفع وهو ماض وقع موقع المضارع، أي هلا ينزل إليه ملك أو هو جواب التحضيض على إضمار هو، أي فهو يكون.
وقراءة الجمهور بالنصب على جواب التحضيض.
وقوله: {أو يلقى} {أو} يكون عطف على {أنزل} أي لولا ينزل فيكون المطلوب أحد هذه الأمور أو مجموعها باعتبار اختلاف القائلين، ولا يجوز النصب في {أو يلقى} ولا في {أو تكون} عطفًا على {فيكون} لأنهما في حكم المطلوب بالتحضيض لا في حكم الجواب لقوله: {لولا أنزل}.
وقرأ قتادة والأعمش: أو يكون بالياء من تحت.
وقرأ {يأكل} بياء الغيبة أي الرسول، وزيد بن عليّ وحمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش بنون الجمع أي يأكلون هم من ذلك البستان فينتفعون به في دنياهم ومعاشهم.
{وقال الظالمون} أي للمؤمنين.
قال الزمخشري: وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوه انتهى.
وتركيبه وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم ليس تركيبًا سائغًا بل التركيب العربي أن يقول: وأرادهم بأعيانهم بالظالمين {مسحورًا} غلب على عقله السحر وهذا أظهر، أو ذا سحر وهو الرئة، أو يسحر بالطعام وبالشراب أي يُغذي، أو أصيب سحره كما تقول رأسته أصبت رأسه.
وقيل {مسحورًا} ساحرًا عنوا به أنه بشر مثلهم لا ملك.
وتقدم تفسيره في الإسراء وبهذين القولين قيل: والقائلون ذلك النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد ومن تابعهم.
{انظر كيف ضربوا لك الأمثال} أي قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك تلك الصفات والأحوال النادرة من نبوة مشتركة بين إنسان وملك وإلقاء كنز عليك وغير ذلك فبقوا متحيرين ضلالًا لا يجدون قولًا يستقرون عليه، أي فضلوا عن الحق فلا يجدون طريقًا له.
وقيل: {ضربوا لك الأمثال} بالمسحور والكاهن والشاعر وغيره {فضلوا} أخطؤوا الطريق فلا يجدون سبيل هداية ولا يطيقونه لالتباسهم بضده من الضلال.
وقيل {فلا يستطيعون سبيلًا} إلى حجة وبرهان على ما يقولون، فمرة يقولون هو بليغ فصيح يتقول القرآن من نفسه ويفتريه ومرة مجنون ومرة ساحر ومرة مسحور.
وقال ابن عباس: شبه لك هؤلاء المشركون الأشباه بقولهم هو مسحور فضلوا بذلك عن قصد السبيل، فلا يجدون طريقًا إلى الحق الذي بعثك به.
وقال مجاهد: لا يجدون مخرجًا يخرجهم عن الأمثال التي {ضربوا لك}.
ومعناه أنهم {ضربوا لك} هذه ليتوصلوا بها إلى تكذيبك {فضلوا} عن سبيل الحق وعن بلوغ ما أرادوا.
وقال أبو عبد الله الرازي؛ {انظر كيف} اشتغل القوم بضرب هذه الأمثال التي لا فائدة فيها لأجل أنهم لما ضلوا وأرادوا القدح في نبوتك، لم يجدوا إلى القدح سبيلًا إذا لطعن عليه إنما يكون فيما يقدح في المعجزات التي ادعاها لا بهذا الجنس من القول.
وقال الفراء: لا يستطيعون في أمرك حيلة.
وقال السدي {سبيلًا} إلى الطعن. اهـ.