فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{لولا أنزل علينا الملائكة} الآية، وقوله: {يرجون} قال أبو عبيدة وقوم معناه يخافون والشاهد لذلك قول الهذلي: الطويل:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ** وخالفها في بيت نوب عوامل

قال القاضي أبو محمد: والذي يظهر لي أن الرجاء في هذه الآية والبيت على بابه لأن خوف لقاء الله تعالى مقترن أبدًا برجائه، فإذا نفي الرجاء عن أحد فإنما أخبر عنه أنه مكذب بالبعث لنفي الخوف والرجاء، وفي ذكر الكفار بنفي الرجاء تنبيه على غبطة ما فاتهم من رجاء الله تعالى، وأما بيت الشعر المذكور فمعناه عندي لم يرج دفعها ولا الانفكاك عنها فهو لذلك يوطن على الصبر ويجد في شغله، ولما تمنت كفار قريش رؤية ربهم أخبر تعالى عنهم أنهم عظموا أنفسهم وسألوا ما ليسوا به بأهل، {وعتوا}، معناه صعبوا عن الحق واشتدوا، ويقال عتو وعتي على الأصل، وعتي معلول باستثقال الضم على الواو فقلبت ياء ثم كسر ما قبلها طلب التناسب.
{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)}.
المعنى في هذه الآية أن الكفار لما قالوا {لولا أنزل علينا الملائكة} [الفرقان: 21]، أخبر الله تعالى أنهم {يوم يرون الملائكة} إنما هو يوم القيامة، وقد كان أول الآية يحتمل أن يريد يوم تفيض أرواحهم، لكن آخرها يقتضي أن الإشارة إلى يوم القيامة، وأمر العوامل في هذه الظروف بين إذا تأمل فاختصرناه لذلك، ومعنى هذه الآية أن هؤلاء الذين تمنّوا نزل الملائكة لا يعرفون ما قدر الله في ذلك فإنهم {يوم يرون الملائكة} هو شر لهم و{لا بشرى} لهم بل لهم الخسار ولقاء المكروه و{يومئذ}، خبر {لا بشرى} لأن الظروف تكون إخبارًا عن المصادر.
الضمير في قوله: {ويقولون}، قال الحسن وقتادة والضحاك ومجاهد هو ل {لملائكة}، المعنى وتقول الملائكة للمجرمين {حجرًا محجورًا} عليكم البشرى، أي حرامًا محرمًا. والحجر الحرم ومنه قول المتلمس جرير بن عبد المسيح: البسيط:
حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها ** حجر حرام الا تلك الدهاريس

وقال مجاهد أيضًا وابن جريج إن الضمير في قوله: {ويقولون} هو للكفار المجرمين قال ابن جريج كانت العرب إذا كرهوا شيئًا قالوا حجرًا، قال مجاهد {حجرًا} عوذًا، يستعيذون من الملائكة.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يكون المعنى ويقولون حرام محرم علينا العفو، وقد ذكر أبو عبيدة أن هاتين اللفظتين عوذة للعرب يقولها من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا المعنى هو مقصد بيت المتلمس الذي تقدّم، أي هذا الذي حننت إليه ممنوع. وقرأ الحسن وأبو رجاء {حُجرًا} بضم الحاء، والناس على كسرها، ثم أخبر تعالى عما يأتي عليه قضاؤه وفعله فقال حكاية عن يوم القيامة {وقدمنا} أي قصد حكمنا وإنفاذنا ونحو هذا من الألفاظ اللائقة، وقيل هو قدوم الملائكة أسنده إليه لأنه عن أمره، وحسنت لفظة {قدمنا} لأن القادم على شيء مكروه لم يقدره ولا أمر به مغير له مذهب، وأما قول الراجز:
وقدم الخوارج الضلال ** إلى عباد ربنا فقالوا

إن دماءكم لنا حلال

فالقدوم فيه على بابه، ومعنى الآية وقصدنا إلى أعمالهم التي هي في الحقيقة لا تزن شيئًا إذ لا نية معها فجعلناها على ما تستحق لا تعد شيئًا وصيرناها {هباء منثورًا} أي شيئًا لا تحصيل له، والهباء هي الأجرام المستدقة الشائعة في الهواء التي لا يدركها حس إلا حين تدخل الشمس على مكان ضيق يحيط به الظل كالكوة أو نحوها، فيظهر حينئذ فيما قابل الشمس أشياء تغيب وتظهر فذلك هو الهباء، ووصفه في هذه الآية ب {منثور}، ووصفه في غيرها بمنبث، فقالت فرقة هما سواء، وقالت فرقة المنبث أرق وأدق من المنثور لأن المنثور يقتضي أن غيره نثره كسنابك الخيل والريح أو هدم حائط أو كنس ونحو ذلك، والمنبث كأنه هو انبث من دقته، وقال ابن عباس الهباء المنثور، ما تسفي به الرياح وتبثه، وروي عنه أنه قال أيضًا الهباء الماء المهراق والأول أصح والعرب تقول أهبات الغبار والتراب ونحوه إذا بثثته وقال الشاعر الحارث بن حلزة اليشكري: الخفيف:
وترى خلفها من الربع والوقـ ** ـع منينًا كأنه أهباء

ومعنى هذه الآية جعلنا أعمالهم لا حكم لها ولا منزلة، ثم أخبر عز وجل بأن مستقر أهل الجنة {خير} من مستقر أهل النار، وجاءت {خير}، ها هنا للتفضيل بين شيئين لا شركة بينهما، فذكر الزجاج وغيره في ذلك أنه لما اشتركا في أن هذا مستقر وهذا مستقر فضل الاستقرار الواحد.
قال القاضي أبو محمد: ويظهر لي أن هذه الألفاظ التي فيها عموم ما يتوجّه حكمها من جهات شتى، نحو قولك أحب وأحسن وخير وشر يسوغ أن يجاء بها بين شيئين لا شركة بينهما، فتقول السعد في الدنيا أحب إليّ من الشقاء إذ قد يوجد بوجه ما من يستحب الشقاء كالمتعبد والمغتاظ وكذلك في غيرها، فإذا كانت أفعل في معنى بين أن الواحد من الشيئين لا حظ له فيه بوجه فسد الإخبار بالتفضيل به، كقولك الماء أبرد من النار، ومن هذا إنك تقول في ياقوته ومدرة وتشير إلى المدرة هذه أحسن وخير وأحب وأفضل من هذه، ولو قلت هذه ألمع وأشد شراقة من هذه لكان فاسدًا، وقوله: {مقيلًا} ذهب ابن عباس والنخعي وابن جريج إلى أن حساب الخلق يكمل في وقت ارتفاع النهار، ويقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار فالمقيل من القائلة.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن اللفظة إنما تضمنت تفضيل الجنة جملة، فالعرب تفضل البلاد بحسن المقيل لأن وقت القائلة يبدو فساد هواء البلاد، فإذا كان بلد في وقت فساد الهواء حسنًا جاز الفضل ومن ذلك قول الأسود بن يعفر الإيادي: الكامل:
أرض تخيرها لطيب مقيلها ** كعب بن مامة وابن أم دواد

اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وقال الذين لا يَرْجُون لقاءنا}.
أي: لا يخافون البعث {لولا} أي: هلاّ {أُنْزِلَ علينا الملائكةُ} فكانوا رُسلًا إِلينا وأخبرونا بصدقك، {أو نَرى ربَّنا} فيخبرنا أنَّكَ رسوله، {لقد استكبَروا في أنفسهم} أي: تكبَّروا حين سألوا هذه الآيات {وعَتَواْ عُتُوًّا كبيرًا} قال الزجاج: العُتُوُّ في اللغة: مجاوزة القَدْرِ في الظُّلم.
قوله تعالى: {يومَ يَرَوْنَ الملائكةَ} فيه قولان:
أحدهما: عند الموت.
والثاني: يوم القيامة.
قال الزجاج: وانتصب اليوم على معنى: لا بشرى للمجرمين يوم يرون الملائكة، و{يومَئِذٍ} مؤكِّد ل {يومَ يَرَوْنَ الملائكةَ}؛ والمعنى: أنهم يُمنَعون البُشرى في ذلك اليوم؛ ويجوز أن يكون {يومَ} منصوبًا على معنى: اذكر يوم يرون الملائكة، ثم أخبر فقال: {لا بُشرى}، والمجرمون هاهنا: الكفار.
قوله تعالى: {ويقولون حِجْرًا مَحْجُورًا} وقرأ قتادة، والضحاك، ومعاذ القارىء: {حُجْرًا} بضم الحاء.
قال الزجاج: وأصل الحجْر في اللغة: ما حجرتَ عليه، أي: منعتَ من أن يُوصَل إِليه، ومنه حَجْر القضاة على الأيتام.
وفي القائلين لهذا قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة يقولون للكفار: حِجْرًا محجورًا، أي: حرامًا محرّمًا.
وفيما حرَّموه عليهم قولان:
أحدهما: البُشرى، فالمعنى: حرام محرَّم أن تكون لكم البشرى، قاله الضحاك، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج.
والثاني: أن تدخلوا الجنة، قاله مجاهد.
والثاني: أنه قول المشركين إِذا عاينوا العذاب، ومعناه: الاستعاذة من الملائكة، روي عن مجاهد أيضًا.
وقال ابن فارس: كان الرَّجل إِذا لقيَ مَن يخافه في الشهر الحرام، قال: حِجْرًا، أي: حرام عليكَ أذايَ، فإذا رأى المشركون الملائكة يوم القيامة، قالوا: حِجْرًا محجورًا، يظنُّون أنه ينفعهم كما كان ينفعهم في الدنيا.
قوله تعالى: {وقَدِمْنَا} قال ابن قتيبه: أي: قَصَدْنا وعَمَدْنا، والأصل أنَّ من اراد القُدوم إِلى موضع عَمَد له وقصده.
قوله تعالى: {إِلى ما عَمِلُوا من عمل} أي: من أعمال الخير {فجعلناه هَبَاءً} لأن العمل لا يُتقبَّل مع الشِّرك.
وفي الهباء خمسة أقوال.
أحدها: أنه ما رأيتَه يتطاير في الشمس التي تدخل من الكوَّة مثل الغبار، قاله عليّ عليه السلام، والحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، واللغويون؛ والمعنى أنَّ الله أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء.
والثاني: أنه الماء المُهراق، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أنه ما تنسفه الرياح وتذريه من التراب وحطام الشجر، رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس.
والرابع: أنه الشَّرر الذي يطير من النار إِذا أُضرمت، فإذا وقع لم يكن شيئًا، رواه عطيَّة عن ابن عباس.
والخامس: أنه ما يسطع من حوافر الدَّواب، قاله مقاتل.
والمنثور: المتفرِّق.
قوله تعالى: {أصحابُ الجَنَّة يومَئذ} أي: يوم القيامة، {خيرٌ مُسْتَقَرًّا} أفضل منزلًا من المشركين {وأحسن مَقيلًا} قال الزجاج: المَقيل: المُقام وقت القائلة، وهو النوم نصف النهار.
وقال الأزهري: القيلولة عند العرب: الاستراحة نصف النهار إِذا اشتد الحرّ وإِن لم يكن مع ذلك نوم.
وقال ابن مسعود، وابن عباس: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يَقِيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. اهـ.