فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإما جنسُ الظَّالم وهو داخلٌ فيه دخولًا أوليَّا. وقولُه تعالى: {يِقُولُ} الخ حالٌ من فاعلِ يعضُّ. وقولُه تعالى: {ياليتنى} الخ محكيٌّ به ويَا إمَّا لمجرَّدِ التَّنبيهِ من غيرِ قَصْدٍ إلى تعيينِ المنبَّهِ أو المُنادي محذوفٌ أي يا هؤلاءِ ليتني {اتخذت مَعَ الرسول سَبِيلًا} أي طريقًا واحدًا منجيًا من هذه الورطاتِ وهو طريقُ الحقِّ ولم تتشعبْ بي طرقُ الضَّلالةِ أو حَصَّلتُ في صحبتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ طريقًا ولم أكُن ضالاَّ لا طريقَ لي قط.
{ياويلتى}.
بقلب ياءِ المتكلِّمِ الفًا كما في صحارى ومدارى. وقرئ على الأصلِ يا ويلتي أي هَلَكتي تعالَيْ واحضريْ فهذا أوانُكِ {لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلًا} يريدُ مَن أضلَّه في الدُّنيا فإنَّ فُلانا كنايةٌ عن الأعلامِ كما أن الهَنَ كنايةُ عن الأجناسِ. وقيل فُلانٌ كنايةٌ عن علَم ذكورِ مَن يعقلُ، وفُلانةٌ عن علَم إناثِهم. وقُل كنايةٌ عن نكرةِ مَن يعقلُ من الذكور، وفُلة عمَّن يعقلُ من الإناثِ، والفُلانُ والفُلانةُ من غير العاقلِ ويختصُّ فُل بالنِّداءِ إلاَّ في ضرورةٍ كما في قوله:
في لُجَّةٍ أَمْسِكْ فُلانًا عن فُلِ

وقوله:
خُذَا حدِّثاني عن فُلٍ وفُلانِ

وليس فُل مرخَّمًا من فُلان خلافًا للفرَّاء واختلفُوا في لامِ فُل وفُلان فقيلَ واوٌ وقيل ياءٌ، هذا فإنْ أرُيدَ بالظَّالم عقبةُ ففُلان كنايةٌ عن أَبيَ وإنْ أُريدَ بهِ الجنسُ فهوُ كنايةٌ عن علَمِ كلِّ مَن يضلُّه كائنًا مَن كان من شياطينِ الإنس والجنِّ وهذا التَّمنِّي منه وإنْ كان مسُوقًا لإبراز النَّدمِ والحسرةِ لكنَّه متضمنٌ لنوعِ تعللٍ واعتذارٍ بتوريك جنايتِه إلى الغيرِ.
وقوله تعالى: {لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذكر} تعليلٌ لتمنيه المذكورِ وتوضيحٌ لتعللُّهِ. وتصديُره باللامِ القسميَّةِ للُمبالغةِ في بيانِ خطئِه وإظهارِ ندمهِ وحسرتِه أي واِ لقد أضلَّني عن ذكرِ الله تعالى أو عن القرآنِ أو عن موعظةِ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أو كلمةِ الشَّهادةِ {بَعْدَ إِذْ جَاءنِى} وتمكَّنتُ منه وقوله تعالى: {وَكَانَ الشيطان للإنسان خَذُولًا} أي مُبالغًا في الخِذلانِ حيثُ يواليهِ حتَّى يؤدِّيه إلى الهلاكِ ثمَّ يتركُه ولا ينفَعُه اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبلَه إما من جهتِه تعالى أو من تمام كلامِ الظَّالمِ على أنَّه سَمَّي خليلَه شيطانًا بعد وصفهِ بالإضلالِ الذي هو أخصُّ الأوصافِ الشَّيطانيَّةِ أو على أنَّه أرادَ بالشَّيطانِ إبليسَ لأنَّه الذي حملَه على مخالَّةِ المُضلِّين ومخالفةِ الرَّسولِ الهادِي عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بوسوستِه وإغوائِه لكن وصفُه بالخِذلانِ يُشعر بأنَّه كانَ يعِدُه في الدُّنيا ويُمنيه بأنَّه ينفعه في الآخرةِ وهو أوفقُ بحالِ إبليسَ.
{وَقَالَ الرسول} عطفٌ على قوله تعالى: {وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} وما بينهما اعتراضٌ مسوقٌ لا ستعظامِ ما قالُوه وبيانِ ما يحيقُ بهم في الآخرةِ من الأهوالِ والخُطوبِ وإبرادُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعُنوانِ الرِّسالةِ لتحقيقِ الحقِّ والردِّ على نحورِهم حيثُ كانَ ما حُكي عنهم قَدحًا في رسالتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أي قالُوا كيتَ وكيتَ وقال الرَّسولُ إثرَ ما شاهدَ منهم غايةَ العُتوِّ ونهايةَ الطُّغيان بطريق البثِّ إلى ربِّه عز وجل: {يارب إِنَّ قَوْمِى} يعني الذين حُكي عنهم ما حُكي من الشَّنائعِ {اتخذوا هذا القرءان} الذي من جُملته هذه الآياتُ النَّاطقةُ بما يحيقُ بهم في الآخرة من فُنونِ العقابِ كما ينبىءُ عنه كلمةُ الإشارةِ.
{مَهْجُورًا} أي متروكًا بالكلِّيةِ ولم يُؤمنوا به ولم يرفعوا إليهِ رأسًا ولم يتأثَّرُوا بوعيدِه وفيه تلويحٌ بأنَّ من حقِّ المؤمنِ أنْ يكونَ كثيرَ التَّعاهدِ للقرآن كيلا يندرجَ تحت ظاهرِ النَّظمِ الكريمِ فإنَّه رُوي عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّه قال: «مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّق مُصحفًا لم يتعاهدْهُ ولم ينظرْ فيهِ جاءَ يومَ القيامةِ متعلِّقًا به يقولُ يا ربَّ العالمينَ عبدُك هذا اتَّخذِني مهجُورًا اقضِ بيني وبينَهُ» وقيل: هو من هجَر إذا هَذَى أي جعلوه مهجُورًا فيه إمَّا على زعمِهم الباطلِ وإمَّا بأنْ هجَّروا فيه إذا سمعُوه كما يُحكى عنه من قولِهم: {لا تسمعُوا لهذا القُرآنِ والغَوا فيهِ} وقد جُوِّز أنْ يكون المهجورُ بمعنى الهَجْر كالمجلود والمعقولِ فالمعنى اتَّخذُوه هَجْرًا وهَذَيانًا وفيه من التَّحذيرِ والتَّخويفِ ما لا يَخْفى فإنَّ الأنبياءَ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ إذا شكَوا إلى الله تعالى قومَهم عجَّل لهم العذابَ ولم يُنظَروا.
وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ المجرمين} تسليةٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وحملٌ له على الاقتداءِ بمن قبلَه من الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ أي كما جعلنا لك أعداءً من المُشركين يقولُون ما يقولُون ويفعلُون ما يفعلُون من الأباطيلِ جعلنا لكلِّ نبيٌّ من الأنبياءِ الذينَ هم أصحابُ الشَّريعةِ والدّعوة إليها عدوًَّا من مُجرمي قومِهم فاصبرْ كما صبرُوا وقوله تعالى: {وكفى بِرَبّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} وعدٌ كريمٌ له عليه الصَّلاةُ والسَّلاوُ بالهدايةِ إلى كافَّةِ مطالبِه والنَّصرِ على أعدائِه أي كَفَاك مالكُ أمرِك ومُبلِّغك إلى الكمالِ هَاديًا لك إلى ما يُوصلكَ إلى غايةِ الغاياتِ التي من جُملتها تبليغُ الكتابِ أجلَه وإجراء أحكامِه في أكنافِ الدُّنيا إلى يومِ القيامةِ ونصيرًا لك على جميعِ مَن يُعاديك. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام}.
العامل في {يَوْمٍ} إما اذكر أو ينفرد الله تعالى بالملك الدال عليه قوله تعالى: {الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن} [الفرقان: 26] وقيل العامل ذلك بمعناه المذكور.
وقيل: إنه معطوف على {يَوْمَئِذٍ} [الفرقان: 24] أو {يَوْمَ يَرَوْنَ} [الفرقان: 22] و{تشقق} تتفتح والتعبير به دونه للتهويل.
وأصله تتشقق فحذفت إحدى التاءين كما في {تلظى} [الليل: 14] وقرأ الحرميان.
وابن عامر بادغام التاء في الشين لما بينهما من المقاربة؛ والظاهر أن المراد بالسماء المظلة لنا وبالغمام السحاب المعروف والباء الداخلة عليه باء السبب.
أي تشقق السماء بسبب طلوع الغمام منها.
ولا مانع من أن تشقق به كما يشق السنام بالشفرة والله تعالى على كل شيء قدير.
وحديث امتناع الخرق على السماء حديث خرافة.
وقيل: باء الحال وهي باء الملابسة واستظهر بعضهم أي تشقق متغيمة.
وقيل: بمعنى عن وإليه ذهب الفراء، والفرق بين قولك انشقت الأرض بالنبات وانشقت عنه أن معنى الأول أن الله تعالى شقها بطلوعه فانشقت به.
ومعنى الثانى أن التربة ارتفعت عنه عند طلوعه، وقيل: المراد بالغمام غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن إِلا لبني إسرائيل في تيههم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أنه الغمام الذي يأتي الله تعالى فيه يوم القيامة المذكور في قوله سبحانه: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} [البقرة: 210] قال ابن جريج: وهو غمام زعموا أنه في الجنة، وعن مقاتل أن المراد بالسماء ما يعم السموات كلها وتشقق سماء سماء، وروي ذلك عن ابن عباس، فقد أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الأهوال وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنه أنه قرأ هذه الآية إلى قوله تعالى: {وَنُزّلَ الملائكة تَنزِيلًا} أي تنزيلًا عجيبًا غير معهود فقال: يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة في صعيد واحد الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق فتنشق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس وجميع الخلق فيحيطون بجميعهم فتقول أهل الأرض: أفيكم ربنا؟ فيقولون: لا، ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإنس وجميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق ثم تنشق السماء الثالثة فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الثانية والدنيا وجميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم وبالجن والإنس وجميع الخلق، ثم ينزل أهل السماء الرابعة وهم أكثر من أهل الثالثة والثانية والأولى وأهل الأرض، ثم ينزل أهل السماء الخامسة وهم أكثر ممن تقدم، ثم أهل السماء السادسية كذلك، ثم أهل السماء السابعة وهم أكثر من أهل السموات وأهل الأرض، ثم ينزل ربنا في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون وهم أكثر من أهل السموات السبع والإنس والجن وجميع الخلق لهم قرون ككعوب القنا وهم تحت العرش لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله تعالى ما بين أخمص أحدهم إِلى كعبه مسيرة خمسمائة عام، ومن فخذه إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام، ومن ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام وما فوق ذلك خمسمائة عام، ونزول الرب جل وعلا من المتشابه، وكذا قوله: وحوله الكروبيون وأهل التأويل يقولون: المراد بذلك نزول الحكم والقضاء، فكأنه قيل: ثم ينزل حكم الرب وحوله الكروبيون أي معه، وأما نزول الملائكة مع كثرتهم وعظم أجسامهم فلا يمنع عنه ما يشاهد من صغر الأرض لأن الأرض يومئذ تمتد بحيث تسع أهلها وأهل السموات أجمعين، وسبحان من لا يعجزه شيء، ثم الخبر الظاهر في أن الملائكة عليهم السلام لا ينزلون في الغمام، وذكر بعضهم في الآية أن السماء تنفتح بغمام يخرج منها، وفي الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف الأعمال، وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء {ونزل} ماضيًا مبنيًا للفاعل مشددًا، وعنه أيضًا {وأنزل} مبنيًا للفاعل وجاء مصدره تنزيلًا وقياسه إنزالًا إلا أنه لما كان معنى أنزل ونزل واحدًا جاء مصدر أحدهما للآخر كما قال الشاعر:
حتى تطويت انطواء الخصب

كأنه قال: حتى انطويت، وقرأ الأعمش وعبد الله في نقل ابن عطية {وأنزل} ماضيًا رباعيًا مبنيًا للمفعول، وقرأ جناح بن حبيش والخفاف عن أبي عمرو {ونزل} ثلاثيًا مخففًا مبنيًا للفاعل، وقرأ أبو معاذ وخارجة عن أبي عمرو {ونزل} بضم النون وشد الزاي وكسرها ونصب {الملائكة} وخرجها ابن حنى بعد أن نسبها إلى ابن كثير وأهل مكة على أن الأصل {ننزل} كما وجد في بعض المصاحف فحذفت النون التي هي فاء الفعل تخفيفًا لالتقاء النونين، وقرأ أبي {ونزلت} ماضيًا مشددًا مبنيًا للمفعول بتاء التأنيث.
وقال صاحب اللوامح عن الخفاف عن أبي عمرو {ونزل} مخففًا مبنيًا للمفعول و{الملائكة} بالرفع فإن صحت القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
والتقدير ونزل نزول الملائكة فحذف النزول ونقل إعرابه إلى الملائكة بمعنى نزل نازل الملائكة لأن المصدر يكون بمعنى الاسم اه، وقال الطيبي: قال ابن جنى: نزل بالبناء للفعول غير معروف لأن نزل لا يتعدى إلى مفعول به ولا يقاس بجن حيث أنه مما لا يتعدى إلى المفعول فلا يقال جنة الله تعالى بل أجنة الله تعالى، وقد بني للمفعول لأنه شاذ والقياس عليه مرود فأما أن يكون ذلك لغة نادرة وإما أن يكون من حذف المضاف أي نزل نزول الملائكة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه قال العجاج:
حتى إذا اصطفوا له حذارًا

فحذارًا منصوب مصدرًا لا مفعولًا به يريد اصطفوا له اصطفافًا حذارًا ونزل نزول الملائكة على حذ قولك: هذا نزول منزول وصعود مصعود وضرب مضروب وقريب منه، وقد قيل قول وقد خيف منه خوف فاعرف ذلك فإنه أمثل ما يحتج به لهذه القراءة اهـ. وهو أحسن من كلام صاحب اللوامح.
وعن أبي عمرو أيضًا أنه قرأ {نُنَزّلُ الملائكة} فهذه مع قراءة الجمهور وما في بعض المصاحف عشرة قراءات وما كان منها بصيغة المضارع وجهه ظاهر، وأما ما كان بصيغة الماضي فوجهه على ما قيل الإشارة إلى سرعة الفعل.
{الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن} أي السلطنة القاهرة والاستيلاء الكلي العام الثابت صورة ومعنى ظاهرًا وباطنًابحيث لا زوال له ثابت للرحمن يوم إذ تشقق السماء ونزل للملائكة، فالملك مبتدأ و{الحق} صفته و{للرحمن} خبره و{يَوْمَئِذٍ} ظرف لثبوت الخبر للمبتدأ، وفائدة التقييد أن ثبوت الملك له تعالى خاصة يومئذ وأما فيما عدداه من أيام الدنيا فيكون لغيره عز وجل أيضًا تصرف صوري في الجملة واختار هذا بعض المحققين، ولعل أمر الفصل بين الصفة والموصوف بالظرف المذكور سهل، وقيل: {الملك} مبتدأ و{يومئذ} متعلق به وهو بمعنى المالكية {والحق} خبره و{للرحمن} متعلق بالحق.