فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{انظر} يا محمد {كيف ضربوا لك الأمثال} أي الأشباه التي لا فائدة لها فقالوا مسحور محتاج {فضلوا} أي عن الحق {فلا يستطيعون سبيلًا} إلى الهدى ومخرجًا عن الضلالة.
قوله تعالى: {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرًا من ذلك} أي من الذي قالوا: وأفضل من البستان الذي ذكروا وقال ابن عباس يعني خيرًا من المشي في الأسواق والتماس المعاش ثم بين ذلك الخير فقال: {جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورًا} أي بيوتًا مشيدة عن أبي أمامة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «عرض عليَّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا قلت لا يا رب ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا أو قال ثلاثًا أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو شئت لسارت معي جبال مكة ذهبًا جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إن شئت نبيًا عبدًا وإن شئت نبيًا ملكًا فنظرت إلى جبريل فأشار إلي أن ضع نفسك، فقلت: نبيًا عبدًا قالت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئًا يقول: أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» ذكر هذين الحديثين البغوي بسنده.
قوله تعالى: {بل كذبوه بالساعة} أي القيامة {وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرًا} أي نارًا مسعرة {إذا رأتهم من مكان بعيد} قيل: من مسيرة عام وقيل من مسيرة مائة عام.
فإن قلت: كيف تتصور الرؤية من النار وهو قوله إذا رأتهم.
قلت يجوز أن يخلق الله لها حياة وعقلًا ورؤية وقيل: معناه رأتهم زبانيتها {سمعوا لها تغيظًا} أي غليانًا كالغضبان إذا غلى صدره من الغضب {وزفيرًا} أي صوتًا فإن قلت كيف يسمع التغليظ.
قلت: رأوا وعلموا لها تغيظًا وسمعوا لها زفيرًا كما قال الشاعر:
ورأيت زوجك في الوغى ** متقلدًا سيفًا ورمحًا

أي وحاملًا رمحًا، وقيل: سمعوا لها صوت التغيظ من التلهب والتوقد، وقال عبيد بن عمير: تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه {وإذا ألقوا منها مكانًا ضيقًا} قال ابن عباس تضيق عليه كما يضيق الزج في الرمح {مقرنين} أي مصفودين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال، وقيل: مقرنين مع الشياطين في السلاسل {دعوا هنالك ثبورًا} قال ابن عباس: ويلًا وقيل هلاكًا وفي الحديث «إن أول من يكسى حلة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من خلفه وهو يقول يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فينادي يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم فيقال لهم {لا تدعو اليوم ثبورًا واحدًا وادعوا ثبورًا كثيرًا}» هكذا ذكره البغوي بغير سند، وقيل معناه هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة فادعوا أدعية كثيرة.
قوله: {قل أذلك خير} أي الذي ذكرت منه صفة النار وأهلها {أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاءً ومصيرًا} أي ثوابًا ومرجعًا لهم قال تعالى: {لهم فيها ما يشاؤون} أي أن جميع المرادات لا تحصل إلا في الجنة، لا في غيرها.
فإن قلت: قد يشتهي الإنسان شيئًا، وهو لا يحصل في الجنة كأن يشتهي الولد ونحوه وليس هو في الجنة قلت إنّ الله يزيل ذلك الخاطر عن أهل الجنة، بل كان واحد من أهل الجنة مشتغل بما هو فيه من اللذات الشاغلة عن الالتفات إلى غيره {خالدين} أي في نعيم الجنة ومن تمام النعيم أن يكون دائمًا، إذ لو انقطع لكان مشوبًا بضرب من الغم وأنشد في المعنى:
أشد الغم عندي في سرور ** تيقن عنه صاحبه انتقالا

{كان على ربك وعدًا مسؤولًا} أي مطلوبًا، وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين قالوا {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} وقالوا {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} يقول كان إعطاء الله المؤمنين جنة وعدًا، وعدهم على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه ذلك الوعد وقيل الطلبة من الملائكة للمؤمنين وذلك قولهم {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم} قوله تعالى: {ويوم نحشر وما يعبدون من دون الله} يعني من الملائكة والإنس والجن مثل عيسى والعزير، وقيل يعني الأصنام ثم يخاطبهم {فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل} أي أخطؤوا الطريق.
{قالوا} يعني المعبودين {سبحانك} نزهوا الله سبحانه وتعالى من أن يكون معه آلهة {ما ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} يعني ما كان ينبغي لنا أن نوالي أعداءك، بل أنت ولينا من دونهم وقيل معناه، ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبدك ونحن عبيدك {ولكن متعتهم وآباءهم} أي بطول العمر والصحة والنعمة في الدنيا {حتى نسوا الذكر} معناه تركوا المواعظ والإيمان بالقرآن وقيل تركوا ذكرك وغفلوا عنه {وكانوا قومًا بورًا} معناه هلكى أي غلب عليهم الشقاء والخذلان {فقد كذبوكم} هذا خطاب مع المشركين أي كذبكم المعبودون {بما تقولون} يعني أنهم آلهة {فما يستطيعون} أي الآلهة {صرفًا} أي صرف العذاب عن أنفسهم {ولا نصرًا} يعني ولا نصر أنفسهم وقيل لا ينصرونكم أيها العابدون بدفع العذاب عنكم {ومن يظلم منكم} يعني يشرك {نذقه عذابًا كبيرًا}.
قوله: {وما أرسلنا قبلك} أي يا محمد {من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} قال ابن عباس: لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} أنزل الله تعالى على هذه الآية والمعنى أن هذه عادة مستمرة من الله تعالى على رسله فلا وجه لهذا الطعن {وما أنا إلا رسول} {وما كنت بدعًا من الرسل} وهم كانوا بشرًا مثلي، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} أي بلية قال ابن عباس أي جعلنا بعضكم بلاء بعض، لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم وتتبعوا أنتم الهدى، قيل: نزلت في ابتلاء الشريف بالوضيع وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم رأى الوضيع، قد أسلم قبله فأنف وقال: أسلم بعده فيكون له السابقة والفضل علي فيقيم على كفره ويمتنع من الإسلام فذلك افتتان بعضهم ببعض وقيل: نزلت في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاص بن وائل السهمي والنضر بن الحارث وذلك أنهم رأوا أبا ذر وابن مسعود وعمار بن ياسر وبلالًا، وصهيبًا وعامر بن فهيرة وذويهم، قد أسلموا قبلهم فقالوا: نسلم فنكون مثل هؤلاء وقيل: نزلت في ابتلاء فقراء المسلمين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين تبعوا محمدًا صلى الله عليه وسلم من موالينا وأراذلنا فقال الله تعالى لهؤلاء المؤمنين {أتصبرون} أي على هذه الحالة من الفقر والشدة والأذى وقيل إن الغني فتنة الفقير يقول ما لي لم أكل مثله والصحيح فتنة المريض والشريف فتنة الوضيع {وكان ربك بصيرًا} أي بمن صبر وبمن جزع.
ق عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه بالمال والجسم فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم».
لفظ البخاري ولمسلم «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم». اهـ.

.قال النسفي:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ..
{تبارك} تفاعل من البركة وهي كثرة الخير وزيادته، ومعنى تبارك الله تزايد خيره وتكاثر أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله، وهي كلمة تعظيم لم تستعمل إلا لله وحده والمستعمل منه الماضي فحسب {الذى نَزَّلَ الفرقان} هو مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما، وسمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل والحلال والحرام، أو لأنه لم ينزل جملة ولكن مفرقًا مفصولًا بين بعضه وبعض في الإنزال ألا ترى إلى قوله: {وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ ونزلناه تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] {على عَبْدِهِ} محمد عليه الصلاة والسلام {لِيَكُونَ} العبد أو الفرقان {للعالمين} للجن والإنس وعموم الرسالة من خصائصه عليه الصلاة والسلام {نَذِيرًا} منذرًا أي مخوفًا أو إنذارًا كالنكير بمعنى الإنكار ومنه قوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} [القمر: 18] {الذى} رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على الإبدال من {الذي نزل} وجوز الفصل بين البدل والمبدل منه بقوله: {ليكون} لأن المبدل منه صلته {نزل} وليكون تعليل له فكأن المبدل منه لم يتم إلا به أو نصب على المدح {لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض} على الخلوص {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} كما زعم اليهود والنصارى في عزير والمسيح عليهما السلام {وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ في الملك} كما زعمت الثنوية {وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء} أي أحدث كل شيء وحده لا كما يقوله المجوس والثنوية من النور والظلمة ويزدان واهرمن.
ولا شبهة فيه لمن يقول إن الله شيء ويقول بخلق القرآن، لأن الفاعل بجميع صفاته لا يكون مفعولًا له على أن لفظ شيء اختلص بما يصح أن يخلق بقرينة وخلق، وهذا أوضح دليل لنا على المعتزلة في خلق أفعال العباد {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} فهيأه لما يصلح له بلا خلل فيه كما أنه خلق الإنسان على هذا الشكل الذي تراه فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في الدين والدنيا أو قدره للبقاء إلى أمد معلوم.
{واتخذوا} الضمير للكافرين لاندراجهم تحت العالمين أو لدلالة {نذيرًا} عليهم لأنهم المنذرون {مِن دُونِهِ ءالِهَةً} أي الأصنام {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أي أنهم آثروا على عبادة من هو منفرد بالألوهية والملك والخلق والتقدير عبادة عجزة لا يقدرون على خلق شيء وهم يخلقون {وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَِنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا} ولا يستطيعون لأنفسهم دفع ضرر عنها ولا جلب نفع إليها {وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتًا} إماتة {ولا حياة} أي إحياء {وَلاَ نُشُورًا} إحياء بعد الموت وجعلها كالعقلاء لزعم عابديها {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا} ما هذا القرآن {إِلاَّ إِفْكٌ} كذب {افتراه} اختلقه واخترعه محمد من عند نفسه {وَأعانَهُ عليه قومٌ آخرون} أي اليهود وعداس ويسار وأبو فكيهة الرومي قاله النضر بن الحارث {فَقَدْ جَاءوا ظُلْمًا وَزُورًا} هذا إخبار من الله رد للكفرة فيرجع الضمير إلى الكفار وجاء يستعمل في معنى فعل فيعدى تعديتها، أو حذف الجار وأوصل الفعل أي بظلم وزور.
وظلمهم أن جعلوا العربي يتلقن من العجمي الرومي كلامًا عربيًا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب، والزور أن بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه.
{وَقَالُواْ أساطير الأولين} أي هو أحاديث المتقدمين وما سطروه كرستم وغيره جمع أسطار وأسطورة كأحدوثة {اكتتبها} كتبها لنفسه {فَهِىَ تملى عَلَيْهِ} أي تلقى عليه من كتابه {بُكْرَةً} أول النهار {وَأَصِيلًا} آخره فيحفظ ما يملى عليه ثم يتلوه علينا.
{قُلْ} يا محمد {أَنزَلَهُ} أي القرآن {الذى يَعْلَمُ السر في السماوات والأرض} أي يعلم كل سر خفي في السماوات والأرض، يعني أن القرآن لما اشتمل على علم الغيوب التي يستحيل عادة أن يعلمها محمد عليه الصلاة والسلام من غير تعليم، دل ذلك على أنه من عند علام الغيوب {إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} فيمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة وإن استوجبوها بمكابرتهم {وَقَالُواْ مَّالِ هذا الرسول} وقعت اللام في المصحف مفصولة عن الهاء وخط المصحف سنة لا تغير، وتسميتهم إياه بالرسول سخرية منهم كأنهم قالوا: أي شيء لهذا الزاعم إنه رسول {يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِى في الأسواق} حال والعامل فيها هذا {لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقِى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} أي إن صح أنه رسول الله فما باله يأكل الطعام كما نأكل ويتردد في الأسواق لطلب المعاش كما تردد يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكًا مستغنيًا عن الأكل والتعيش، ثم نزلوا عن ذلك الاقتراح إلى أن يكون إنسانًا معه ملك حتى يتساندا في الإنذار والتخويف، ثم نزلوا إلى أن يكون مرفودًا بكنز يلقى إليه من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش، ثم نزلوا إلى أن يكون رجلًا له بستان يأكل هو منه كالمياسير أو نأكل نحن كقراءة علي وحمزة.
وحسن عطف المضارع وهو {يُلْقِى} و{تَكُونُ} على {أَنَزلَ} وهو ماض لدخول المضارع وهو {فَيَكُونُ} بينهما وانتصب {فَيَكُونُ} على القراءة المشهورة لأنه جواب {لَوْلاَ} بمعنى هلا وحكمه حكم الاستفهام.
وأراد بالظالمين في قوله: {وَقَالَ الظالمون} إياهم بأعيانهم غير أنه وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلًا عليهم بالظلم فيما قالوا وهم كفار قريش {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَّسْحُورًا} سحر فجن أو ذا سحر وهو الرئة عنوا أنه بشر لا ملك.