فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ} فيستظهر به ويستغني عن تحصيل المعاش. {أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} هذا على سبيل التنزل أي إن لم يلق إليه كنز فلا أقل من أن يكون له بستان كما للدهاقين والمياسير فيتعيش بريعه، وقرأ حمزة والكسائي بالنون والضمير للكفار. {وَقَالَ الظالمون} وضع {الظالمون} موضع ضميرهم تسجيلًا عليهم بالظلم فيما قالوه. {إِن تَتَّبِعُونَ} ما تتبعون. {إِلاَّ رَجُلًا مَّسْحُورًا} سحر فغلب على عقله، وقيل ذا سحر وهو الرئة أي بشرًا لا ملكًا.
{انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال} أي قالوا فيك الأقوال الشاذة واخترعوا لك الأحوال النادرة. {فُضَلُّواْ} عن الطريق الموصل إلى معرفة خواص النبي والمميز بينه وبين المتنبي فخبطوا خبط عشواء. {فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلًا} إلى القدح في نبوتك أو إلى الرشد والهدى.
{تَبَارَكَ الذي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ} في الدنيا. {خَيْرًا مّن ذلك} مما قالوا لكن أخره إلى الآخرة لأنه خير وأبقى. {جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} بدل من {خَيْرًا}. {وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا} عطف على محل الجزاء، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر بالرفع لأن الشرط إذا كان ماضيًا جاز في جزائه الجزم والرفع كقوله:
وَإِنَّ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْغَبَةٍ ** يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرَمُ

ويجوز أن يكون استئنافًا بوعد ما يكون له في الآخرة، وقرئ بالنصب على أنه جواب بالواو.
{بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة} فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوية وظنوا أن الكرامة إنما هي بالمال فطعنوا فيك لفقرك، أو فلذلك كذبوك لا لما تمحلوا من المطاعن الفاسدة، أو فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب ويصدقونك بما وعد الله لك في الآخرة، أو فلا تعجب من تكذيبهم إياك فإنه أعجب منه. {وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيرًا} نارًا شديدة الاستعار، وقيل هو اسم لجهنم فيكون صرفه باعتبار المكان.
{إِذَا رَأَتْهُمْ} إِذا كانت بمرأى منهم كقوله عليه السلام «لا تتراءى ناراهما» أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى على المجاز والتأنيث لأنه بمعنى النار أو جهنم. {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} هو أقصى ما يمكن أن يرى منه. {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} صوت تغيظ، شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره وهو صوت يسمع من جوفه، هذا وإن الحياة لما لم تكن مشروطة عندنا بالبنية أمكن أن يخلق الله فيها حياة فترى وتتغيظ وتزفر. وقيل إن ذلك لزبانيتها فنسب إليها على حذف المضاف.
{وَإَذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَانًا} في مكان ومنها بيان تقدم فصار حالًا. {ضَيِّقًا} لزيادة العذاب فإن الكرب مع الضيق والروح مع السعة ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها كعرض السموات والأرض. {مُقْرَّنِينَ} قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل. {دَعَوْاْ هُنَالِكَ} في ذلك المكان. {ثُبُورًا} هلاكًا أي يتمنون الهلاك وينادونه فيقولون تعال يا ثبوراه فهذا حينك.
{لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُورًا واحدا} أي يقال لهم ذلك. {وادعوا ثُبُورًا كَثِيرًا} لأن عذابكم أنواع كثيرة كل نوع منها ثبور لشدته، أو لأنه يتجدد لقوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بدلناهم جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب} أو لأنه لا ينقطع فهو في كل وقت ثبور.
{قُلْ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد التي وُعِدَ المتقون} الإِشارة إلى العذاب والاستفهام والتفضيل والترديد للتقريع مع التهكم أو إلى ال {كَنْزٌ} أو ال {جَنَّةُ}، والراجع إلى الموصول محذوف وإضافة ال {جَنَّةُ} إلى {الخلد} للمدح أو للدلالة على خلودها، أو التمييز عن جنات الدنيا. {كَانَتْ لَهُمْ} في علم الله أو اللوح، أو لأن ما وعده الله تعالى في تحققه كالواقع. {جَزَاءً} على أعمالهم بالوعد. {وَمَصِيرًا} ينقلبون إليه، ولا يمنع كونها جزاء لهم أن يتفضل بها على غيرهم برضاهم مع جواز أن يراد بالمتقين من يتقي الكفر والتكذيب لأنهم في مقابلتهم.
{لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ} ما يشاؤونه من النعيم، ولعله تقصر همم كل طائفة على ما يليق برتبته إذ الظاهر أن الناقص لا يدرك شأو الكامل بالتشهي، وفيه تنبيه على أن كل المرادات لا تحصل إلا في الجنة.
{خالدين} حال من أحد ضمائرهم. {كَانَ على رَبّكَ وَعْدًا مَّسْئُولًا} الضمير في {كَانَ}، {مَا يَشَاءُونَ} والوعد الموعود أي: كان ذلك موعدًا حقيقًا بأن يسأل ويطلب، أو مسؤولًا سأله الناس في دعائهم {رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} أو الملائكة بقولهم {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ} وما في {على} من معنى الوجوب لامتناع الخلف في وعده تعالى ولا يلزم منه الإِلجاء إلى الإِنجاز، فإن تعلق الإِرادة بالوعود مقدم على الوعد الموجب للإِنجاز.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} للجزاء، وقرئ بكسر الشين وقرأ ابن كثير ويعقوب وحفص بالياء. {وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} يعم كل معبود سواه تعالى، واستعمال {مَا} إما لأن وضعه أعم ولذلك يطلق لكل شبح يرى ولا يعرف، أو لأنه أريد به الوصف كأنه قيل ومعبودهم أو لتغليب الأصنام تحقيرًا أو اعتبارًا لغلبة عبادها، أو يخص الملائكة وعزيرًا والمسيح بقرينة السؤال والجواب، أو الأصنام ينطقها الله أو تتكلم بلسان الحال كما قيل في كلام الأيدي والأرجل. {فَيَقُولُ} أي للمعبودين وهو على تلوين الخطاب، وقرأ ابن عامر بالنون. {أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السبيل} لإِخلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد النصيح، وهو استفهام تقريع وتبكيت للعبدة، وأصله {أأضللتم} أو {ضَلُّواْ} فغير النظم ليلي حرف الاستفهام المقصود بالسؤال وهو المتولي للفعل دونه لأنه لا شبهه فيه وإلا لما توجه العتاب، وحذف صلة الضل مبالغة.
{قَالُواْ سبحانك} تعجبًا مما قيل لهم لأنهم إما ملائكة أو أنبياء معصومون، أو جمادات لا تقدر على شيء أو إشعارًا بأنهم الموسومون بتسبيحه وتوحيده فكيف يليق بهم إضلال عبيده، أو تنزيهًا لله تعالى عن الأنداد. {مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا} ما يصح لنا. {أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء} للعصمة أو لعدم القدرة فكيف يصح لنا أن ندعو غيرنا أن يتولى أحدًا دونك، وقرئ {نَّتَّخِذَ} على البناء للمفعول من اتخذ الذي له مفعولان كقوله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خَلِيلًا} ومفعوله الثاني {مِنْ أَوْلِيَاء} و{مِنْ} للتبعيض وعلى الأول مزيدة لتأكيد النفي. {ولكن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَاءَهُمْ} بأنواع النعم فاستغرقوا في الشهوات. {حتى نَسُواْ الذكر} حتى غفلوا عن ذكرك أو التذكر لآلائك والتدبر في آياتك، وهو نسبة للضلال إليهم من حيث إنه بكسبهم وإسناد له إلى ما فعل الله بهم فحملهم عليه، وهو عين ما ذهبنا إليه فلا ينتهض حجة علينا للمعتزلة. {وَكَانُواْ} في قضائك. {قَوْمًا بُورًا} هالكين مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع، أو جمع بائر كعائذ وعوذ.
{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ} التفات إلى العبدة بالاحتجاج والإِلزام على حذف القول والمعنى فقد كذبكم المعبودون. {بِمَا تَقُولُونَ} في قولكم إنهم آلهة أو هؤلاء أضلونا والباء بمعنى في، أو مع المجرور بدل من الضمير، وعن ابن كثير بالياء أي: {كَذَّبُوكُمْ} بقولهم {سبحانك مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا}.
{فَمَا يَسْتَطِيعُونَ} أي المعبودون وقرأ حفص بالتاء على خطاب العابدين. {صَرْفًا} دفعًا للعذاب عنكم، وقيل حيلة من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال. {وَلاَ نَصْرًا} يعينكم عليه. {وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ} أيها المكلفون. {نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} هي النار والشرط وإن عم كل من كفر أو فسق لكنه في اقتضاء الجزاء مقيد بعدم المزاحم وفاقًا، وهو التوبة والإِحباط بالطاعة إجماعًا وبالعفو عندنا.
{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِي الأسواق} أي إلا رسلًا إنهم فحذف الموصوف لدلالة المرسلين عليه وأقيمت الصفة مقامه كقوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} ويجوز أن تكون حالًا اكتفى فيها بالضمير وهو جواب لقولهم {مَّالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق} وقرئ {يَمْشُونَ} أي تمشيهم حوائجهم أو الناس. {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ} أيها الناس. {لِبَعْضٍ فِتْنَةً} ابتلاء ومن ذلك ابتلاء الفقراء بالأغنياء، والمرسلين بالمرسل إليهم ومناصبتهم لهم العداوة وإيذائهم لهم، وهو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قالوه بعد نقضه، وفيه دليل على القضاء والقدر. {أَتَصْبِرُونَ} علة للجعل والمعنى {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} لنعلم أيكم يصبر ونظيره قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} أو حث على الصبر على ما افتتنوا به. {وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} بمن يصبر أو بالصواب فيما يبتلى به وغيره. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)}.
التفسير: إنه سبحانه تكلم في هذه السورة أولًا في التوحيد لأنه أقدم وأهم، ثم في النبوة لأنها الواسطة، ثم في المعاد وسيختم السورة بصفات العباد المخلصين الموقنين فما أشرف هذه المطالب وما أحسن هذا الترتيب. ومعنى {تبارك} كثر خيره وزاد أو تعالى عن أوصاف الممكنات وقد مر في قوله تعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 14] وفي وصفه نفسه بتنزيل الفرقان الفارق بين الحق والباطل أو المفرق في الإنزال بعد قوله: {تبارك} دليل على أن كل البركة والخير إنما هو في القرآن، وكانت هذه الصفة معلومة بدلائل الإعجاز فذلك صح إيقاعها صلة للذي. والضمير في {ليكون} لعبده أو للفرقان كقوله: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} والعالمون يشمل الخلائق كلهم إلا أن الإجماع دل على خروج الملائكة وما عدا الثقلين فبقي أن يكون مبعوثًا إلى الجن والإنس إلى آخر مدة التكليف. والنذير المنذر أو الإنذار كالنكير. قالت المعتزلة: لو لم يرد الإيمان من الكل لم يكن الرسول نذيرًا للكل.
وعورض بنحو قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم} [الأعراف: 179] والإنذار الموجب للخوف لا ينافي وصفه تعالى بالبركة والخير لأن النظر على السعادات الأخروية التي تحصل بالإنذار على فوات بعض اللذات العاجلة. ثم وصف ذاته بصفاته الأربع أولها {الذي له ملك السوات والأرض} وفيه تنبيه على افتقار الكل إليه في الوجود وفي توابعه من البقاء وغيره. الثانية {ولم يتخذ ولدًا} وفيه رد النصارى واليهود الثالثة {ولم يكن له شريك في الملك} وفيه رد على سائر المشركين من الثنوية والوثنية وأرباب الشرك الخفي ايضًا، ولكنه صرح بهذا الأخير في الصفة الرابعة وهي قوله: {وخلق كل شيء فقدره تقديرًا} قال جار الله: المعنى أنه أحدث كل شيء إحداثًا مراعى فيه التقدير والتسوية والتهيئة لما يصلح له، أو المراد بالخلق الإيجاد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق وهو مافيه من معنى التقدير لئلا يلزم التكرار فكأنه قيل: أوجد كل شيء فقدره في إيجاده لم يوجده متفاوتًا، أو أحدثه فقدره للبقاء إلى أمد معلوم. وعندي أن الكلام محمول على القلب الذي يشجع عليه أمن الإلباس أي قدره في الأزل تقديرًا فخلفه في وقته موافقًا لذلك التقدير. والبحث فيه بين المعتزلة والأشاعرة كما مر في قوله: {الله خالق كل شيء} [الزمر: 62] ثم صرح بتزييف مذاهب عبدة الأوثان قائلًا {واتخذوا} الآية. وحاصله أن إله العالم يجب أن يكون أقدر الأشياء وأشرفها لا أعجزها وأخسها وهو الجماد بل الملائكة والمسيح لأنه لا قدرة لهم على الإيجاد والتصرف في شيء إلا بإذن الله، فتكون الآية ردًا على الكل. وإنما قال في هذه السورة {من دونه} لتقدم الذكر مفردًا وفي مريم ويس {من دون الله} [يس: 74 ومريم: 48] لأن ما قبلهما بلفظ الجمع تعظيمًا فلن يكن بد من التصريح.
وحين فرغ من بيان التوحيد ونفي الأنداد شرع في شبهان منكري النبوة والأجوبة عنها.
فالشبهة الأولى قولهم {إن هذا إلا إفك افتراه} أرادوا أنه كذب في نفسه أو أرادوا أنه كذب في غضافته إلى الله تعالى. وقوله: {وأعانه عليه قوم آخرون} نظير قوله تعالى: {إنما يعلمه بشر لسان الذي} [النحل: 103] وقد مر ما قيل في سبب نزوله في النحل فأجاب الله تعالى عن شبهتهم بقوله: {فقد جاؤا ظلمًا وزورًا} اي أتوهما فانتصب بوقوع المجيء عليه. وعن الزجاج أنه انتصب بنزع الخافض اي أتوا بالظلم والزور. فالظلم هو أنهم نسبوا هذا الفعل الشنيع وهو الافتراء على الله. إلى من هو عندهم في غاية الأمانة والصدق، والزور وهو انحرافهم عن جادة العدل والإنصاف، فلو أنصفوا من أنفسهم لعلموا أن العربي لا يتلقن من العجمي كلامًا عربيًا أعجز بفصاحته دهماءهم، ولو استعان محمد في ذلك بغيره لأمكنهم ايضًا أن يستعينوا بغيرهم.