فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الفقيه الإمام القاضي: وروي عن علي رضي الله عنه {فدمراهم}، وحكى عنهم أبو عمرو الداني {فدمِرناهم} بكسر الميم خفيفة، قال وروي عنه {فدمروا بهم} على الأمر لجماعة وزيادة باء، والذي فسر أبو الفتح وهم وإنما القراءة {فدمرا بهم} بالباء، وكذلك المهدوي، ونصب قوله: {وقومَ نوح} بفعل مضمر يدل عليه {أغرقناهم}، وقوله: {الرسل} وهم إنما كذبوا نوحًا فقط معناه أن الأمة التي تكذب نبيًا واحدًا ففي ضمن ذلك تكذيب جميع الأنبياء فجاءت العبارة بما يتضمنه فعلهم تغليظًا في القول عليهم، وقوله: {آية} أي علامة على سطوة الله تعالى بكل كافر بأنبيائه، وعاد وثمود يصرف، وجاء ها هنا مصروفًا، وقرأ ابن مسعود وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى {وعادًا} مصروفًا {وثمود} غير مصروف، واختلف الناس في {أصحاب الرس} فقال ابن عباس هم قوم ثمود، وقال قتادة هم أهل قرية من اليمامة، يقال لها {الرس} والفلج، وقال مجاهد هم أهل قرية فيها بير عظيمة الخ... يقال لها {الرس}، وقال كعب ومقاتل والسدي {الرس} بير بأنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين، وقال الكلبي {أصحاب الرس} قوم بعث إليهم نبي فأكلوه، وقال قتادة {أصحاب الرس} وأصحاب ليكة قومان أرسل إليهما شعيب عليه السلام، وقاله وهب بن منبه وقال علي رضي الله عنه في كتاب الثعلبي {أصحاب الرس} قوم عبدوا شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت، رسوا نبيهم في بير حفروه له في حديث طويل، و{الرس} في اللغة كل محفور من بير أو قبر أو معدن ومنه قول الشاعر النابغة الجعدي: المتقارب:
سبقت إلى فرط بأهل ** تنابلة يحفرون الرساسا

وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الرس المشار إليهم في هذه الآية قوم أخذوا نبيهم فرسوه في بير وأطبقوا عليه صخرة، قال فكان عبد أسود قد آمن به يجيء بطعام إلى تلك البير فيعينه الله على تلك الصخرة إلى أن ضرب الله يومًا على أذن ذلك الأسود بالنوم أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به في حديث طويل، قال الطبري فيمكن أنهم كفروا به بعد ذلك فذكرهم الله في هذه الآية، وقوله: {وقرونًا بين ذلك كثيرًا} إبهام لا يعلم حقيقته إلا الله عز وجل وقد تقدّم شرح القرن وكم هو، ومن هذا اللفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى، ويروى أن ابن عباس قاله: «كذب النسابون من فوق عدنان لأن الله تعالى أخبر عن كثير من الخلق والأمم ولم يحد»، ثم قال تعالى إن كل هؤلاء ضرب له الأمثال ليهتدي فلم يهتد، فتبره الله أي أهلكه، والتبار الهلاك ومنه تبر الذهب أي المكسر المفتت، وكذلك يقال لفتات الرخام والزجاج تبر، وقال ابن جبير إن أصل الكلمة نبطي ولكن العرب قد استعملته.
{وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ}.
قال ابن عباس وابن جريج والجماعة الإشارة إلى مدينة قوم لوط وهي سدوم بالشام، و{مطر السوء} حجارة السجيل، وقرأ أبو السمال {السُّوء} بضم السين المشددة، ثم وقفهم على إعراضهم وتعرضهم لسخط الله بعد رؤيتهم العبرة من تلك القرية. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {اذهبا إِلى القوم الذين كذَّبوا بآياتنا}.
إِن قيل: إِنما عاينوا الآيات بعد وجود الرسالة، فكيف يقع التكذيب منهم قبل وجود الآيات؟
فالجواب: أنهم كانوا مكذِّبين أنبياءَ الله وكُتُبَه المتقدِّمة، ومن كذَّب نبيًّا فقد كذَّب سائر الأنبياء، ولهذا قال: {وقومَ نُوح لمَّا كذَّبوا الرُسُل}، وقال الزجاج: يجوز أن يكون المرادَ به نوحٌ وحده، وقد ذُكر بلفظ الجنس، كما يقال فلان يركب الدوابّ، وإِن لم يركب إِلا دابّة واحدة؛ وقد شرحنا هذا في [هود: 59] عند قوله: {وعَصَوا رُسُلَه} وقد سبق معنى التدمير [الاعراف: 137].
قوله تعالى: {وأصحابَ الرَّسِّ} في الرَّسِّ ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها بئر كانت تسمى الرَّسِّ، قاله ابن عباس في رواية العوفي.
وقال في رواية عكرمة: هي بئر بأذربيجان.
وزعم ابن السائب أنها بئر دون اليمامة.
وقال السدي: بئر بأنطاكية.
والثاني: أن الرَّسَّ قرية من قرى اليمامة، قاله قتادة.
والثالث: أنها المَعْدِن، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة.
وفي تسميتها بالرَّسِّ قولان:
أحدهما: أنهم رَسُّوا نبيَّهم في البئر، قاله عكرمة.
قال الزجاج: رَسُّوه، أي دَسُّوه فيها.
والثاني: أن كل رَكِيَّة لم تطو فهي رَسٌّ، قاله ابن قتيبة.
واختلفوا في أصحاب الرَّسِّ على خمسة أقوال.
أحدها: أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة، فبعث الله تعالى إِليهم نبيًّا من ولد يهوذا بن يعقوب، فحفروا له بئرًا وألقَوه فيها، فهلكوا، قاله عليّ عليه السلام.
والثاني: أنهم قوم كان لهم نبيّ يقال له: حنظلة بن صفوان، فقتلوا نبيَّهم فأهلكهم الله، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: أنهم كانوا أهل بئر ينزلون عليها، وكانت لهم مواشٍ، وكانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إِليهم شُعيبًا، فتمادَوا في طغيانهم، فانهارت البئر، فخُسف بهم وبمنازلهم، قاله وهب بن منبه.
والرابع: أنهم الذين قتلوا حبيبًا النجار، قتلوه في بئر لهم، وهو الذي قال: {يا قوم اتَّبِعُوا المرسَلين} [يس: 20]، قاله السدي.
والخامس: أنهم قوم قتلوا نبيَّهم وأكلوه، وأولُ من عمل السحر نساؤهم، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {وقُرُونًا} المعنى: وأهلكنا قرونًا {بين ذلكَ كثيرًا} أي: بين عاد وأصحاب الرَّسِّ، وقد سبق بيان القَرْن [الانعام: 6] وفي هذه القصص تهديد لقريش.
قوله تعالى: {وكُلًا ضَرَبْنَا له الأمثال} أي: أعذرنا إِليه بالموعظة وإِقامة الحجَّة {وكُلًا تَبَّرْنَا} قال الزجاج: التَّتبير: التدمير، وكل شيء كسرته وفتّتّه فقد تبَّرته، وكُسارته: التِّبر، ومن هذا قيل لمكسور الزجاج: التِّبر، وكذلك تِبر الذهب.
قوله تعالى: {ولقد أَتواْ} يعني كفار مكة {على القرية التي أُمطرت مَطر السّوء} يعني قرية قوم لوط التي رُميتْ بالحجارة، {أفَلم يكونوا يَرَونها} في أسفارهم فيعتبروا؟! ثم أخبر بالذي جرَّأهم على التكذيب، فقال: {بل كانوا لا يَرْجُون نُشورًا} أي: لا يخافون بعثًا، هذا قول المفسرين.
وقال الزجاج: الذي عليه أهل اللغة أن الرجاء ليس بمعنى الخوف، وإِنما المعنى: بل كانوا لا يرجون ثواب عمل الخير، فركبوا المعاصي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب}.
يريد التوراة.
{وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} تقدّم في {طه} {فَقُلْنَا اذهبآ} الخطاب لهما.
وقيل: إنما أمر موسى صلى الله عليه وسلم بالذهاب وحده في المعنى.
وهذا بمنزلة قوله: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61].
وقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] وإنما يخرج من أحدهما.
قال النحاس: وهذا مما لا ينبغي أن يجترأ به على كتاب الله تعالى، وقد قال جل وعز: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يطغى قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وأرى فَأْتِيَاهُ فقولا إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ} [طه: 45 47] ونظير هذا: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن: 62].
وقد قال جل ثناؤه: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا موسى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا} [المؤمنون: 45] قال القشيري: وقوله في موضع آخر: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} [طه: 24] لا ينافي هذا؛ لأنهما إذا كانا مأمورين فكل واحد مأمور.
ويجوز أن يقال: أمر موسى أولًا، ثم لما قال: {واجعل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي} [طه: 29] قال: {اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ} [طه: 43].
{إِلَى القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} يريد فرعون وهامان والقبط.
{فَدَمَّرْنَاهُمْ} في الكلام إضمار؛ أي فكذبوهما {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} أي أهلكناهم إهلاكًا.
قوله تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ} في نصب {قوم} أربعة أقوال: العطف على الهاء والميم في {دمَّرْنَاهُمْ}.
الثاني: بمعنى اذكر.
الثالث: بإضمار فعل يفسره ما بعده؛ والتقدير: وأغرقنا قوم نوح أغرقناهم.
الرابع: أنه منصوب ب {أَغْرَقْنَاهُمْ} قاله الفراء.
ورده النحاس قال: لأن {أغرقنا} ليس مما يتعدّى إلى مفعولين فيعمل في المضمر وفي {قَوْمَ نُوحٍ}.
{لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل} ذكر الجنس والمراد نوح وحده؛ لأنه لم يكن في ذلك الوقت رسول إليهم إلا نوح وحده؛ فنوح إنما بعث بلا إله إلا الله، وبالإيمان بما ينزل الله، فلما كذبوه كان في ذلك تكذيب لكل من بعث بعده بهذه الكلمة.
وقيل: إن من كذب رسولًا فقد كذب جميع الرسل؛ لأنهم لا يفرق بينهم في الإيمان، ولأنه ما من نبيّ إلا يصدق سائر أنبياء الله، فمن كذب منهم نبيًا فقد كذب كل من صدّقه من النبيين.
{أَغْرَقْنَاهُمْ} أي بالطوفان، على ما تقدّم في {هود}.
{وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} أي علامة ظاهرة على قدرتنا {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} أي المشركين من قوم نوح {عَذَابًا أَلِيمًا} أي في الآخرة.
وقيل: أي هذه سبيلي في كل ظالم.
قوله تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ الرس وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} كله معطوف على {قَوْمَ نُوحٍ} إذا كان {قوم نوح} منصوبًا على العطف، أو بمعنى اذكر.
ويجوز أن يكون كله منصوبًا على أنه معطوف على المضمر في {دَمَّرْنَاهُمْ} أو على المضمر في {جَعَلْنَاهُمْ} وهو اختيار النحاس؛ لأنه أقرب إليه.
ويجوز أن يكون منصوبًا بإضمار فعل؛ أي اذكر عادًا الذين كذبوا هودًا فأهلكهم الله بالريح العقيم، وثمودًا كذبوا صالحًا فأهلكوا بالرّجفة.
{وَأَصْحَابَ الرس} والرسّ في كلام العرب البئر التي تكون غير مطويةٍ، والجمع رسِاس.
قال:
تَنابِلة يَحْفرِون الرِّسَاسَا

يعني آبار المعادن.
قال ابن عباس: سألت كعبًا عن أصحاب الرّس قال: صاحب {ياس} الذي قال: {ياقوم اتبعوا المرسلين} [ياس: 20] قتله قومه ورَسُّوه في بئر لهم يقال لها الرّس طرحوه فيها، وكذا قال مقاتل.
السدي: هم أصحاب قصة {ياس} أهل أنطاكية، والرس بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيبًا النجار مؤمن آل {ياس} فنسبوا إليها.
وقال عليّ رضي الله عنه: هم قوم كانوا يعبدون شجرة صنوبر فدعا عليهم نبيهم؛ وكان من ولد يهوذا، فيبست الشجرة فقتلوه ورَسُّوه في بئر، فأظلتهم سحابة سوداء فأحرقتهم.
وقال ابن عباس: هم قوم بأذربيجان قتلوا أنبياء فجفت أشجارهم وزروعهم فماتوا جوعًا وعطشًا.
وقال وهب بن منبه: كانوا أهل بئر يقعدون عليها وأصحاب مواشي، وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم شعيبًا فكذبوه وآذوه، وتمادوا على كفرهم وطغيانهم، فبينما هم حول البئر في منازلهم انهارت بهم وبديارهم؛ خسف الله بهم فهلكوا جميعًا.
وقال قتادة: أصحاب الرّس وأصحاب الأيكة أمتان أرسل الله إليهما شعيبًا فكذبوه فعذبهما الله بعذابين.