فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال قتادة: والرّس قرية بفَلْج اليمامة.
وقال عكرمة: هم قوم رَسُّوا نبيهم في بئر حيا.
دليله ما روى محمد بن كعب القرظِيّ عمن حدّثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة عبد أسود وذلك أن الله تعالى بعث نبيًا إلى قومه فلم يؤمن به إلا ذلك الأسود فحفر أهل القرية بئرًا وألقوا فيه نبيهم حيًا وأطبقوا عليه حجرًا ضخمًا وكان العبد الأسود يحتطب على ظهره ويبيعه ويأتيه بطعامه وشرابه فيعينه الله على رفع تلك الصخرة حتى يدليه إليه فبينما هو يحتطب إذ نام فضرب الله على أذنه سبع سنين نائمًا ثم هبّ من نومه فتمطى واتكأ على شقه الآخر فضرب الله على أذنه سبع سنين ثم هبّ فاحتمل حُزمة الحطب فباعها وأتى بطعامه وشرابه إلى البئر فلم يجده وكان قومه قد أراهم الله تعالى آية فاستخرجوه وآمنوا به وصدّقوه ومات ذلك النبي» قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ذلك العبد الأسود لأَول من يدخل الجنة» وذكر هذا الخبر المهدوي والثعلبي، واللفظ للثعلبي، وقال: هؤلاء آمنوا بنبيهم فلا يجوز أن يكونوا أصحاب الرس؛ لأن الله تعالى أخبر عن أصحاب الرس أنه دمرهم، إلا أن يدمروا بأحداث أحدثوها بعد نبيهم.
وقال الكلبِيّ: أصحاب الرس قوم أرسل الله إليهم نبيًّا فأكلوه.
وهم أول من عمل نساؤهم السَّحْق؛ ذكره الماوردي.
وقيل: هم أصحاب الأخدود الذين حفروا الأخاديد وحرّقوا فيها المؤمنين، وسيأتي.
وقيل: هم بقايا من قوم ثمود، وأن الرّس البئر المذكورة في الحج في قوله: {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} [الحج: 45] على ما تقدم.
وفي الصحاح: والرس اسم بئر كانت لبقية من ثمود.
وقال جعفر بن محمد عن أبيه: أصحاب الرس قوم كانوا يستحسنون لنسائهم السَّحْق، وكان نساؤهم كلهم سحاقات.
وروي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء وذلك السَّحْق» وقيل: الرس ماء ونخيل لبني أسد.
وقيل: الثلج المتراكم في الجبال؛ ذكره القُشَيري.
وما ذكرناه أولًا هو المعروف، وهو كل حفر احتفِر كالقبر والمعدن والبئر.
قال أبو عبيدة: الرس كل ركيّة لم تطو؛ وجمعها رِساس.
قال الشاعر:
وهم سائرون إلى أرضهم ** فيا ليتهم يَحفرون الرِّساسا

والرّسّ اسم واد في قول زهير:
بَكَرْن بُكُورًا واسْتَحَرْن بسُحْرةٍ ** فهنّ لوادي الرَّسِّ كاليدِ للفمِ

ورسست رسًّا: حفرت بئرًا.
ورُسَّ الميتُ أي قُبر.
والرّس: الإصلاح بين الناس، والإفساد أيضًا وقد رسست بينهم؛ فهو من الأضداد.
وقد قيل في أصحاب الرس غير ما ذكرنا، ذكره الثعلبي وغيره.
{وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} أي أممًا لا يعلمهم إلا الله بين قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس.
وعن الربيع بن خيثم اشتكى فقيل له: ألا تتداوى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر به؟ قال: لقد هممت بذلك ثم فكرت فيما بيني وبين نفسي فإذا عاد وثمود وأصحاب الرس وقرونًا بين ذلك كثيرًا كانوا أكثر وأشد حِرصًا على جمع المال، فكان فيهم أطباء، فلا الناعت منهم بقِي ولا المنعوت؛ فأبى أن يتداوى فما مكث إلا خمسة أيام حتى مات، رحمه الله.
قوله تعالى: {وَكُلًا ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال} قال الزجاج.
أي وأنذرنا كلا ضربنا له الأمثال وبينا لهم الحجة، ولم نضرب لهم الأمثال الباطلة كما يفعله هؤلاء الكفرة.
وقيل: انتصب على تقدير ذكرنا كلا ونحوه؛ لأن ضرب الأمثال تذكير ووعظ؛ ذكره المهدويّ.
والمعنى واحد.
{وَكُلًا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} أي أهلكنا بالعذاب.
وتبرت الشيء كسرته.
وقال المؤرّج والأخفش: دمرناهم تدميرًا.
تبدل التاء والباء من الدال والميم.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية} يعني مشركي مكة.
والقرية قرية قوم لوط.
و{مَطَرَ السوء} الحجارة التي أمطروا بها.
{أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا} أي في أسفارهم ليعتبروا.
قال ابن عباس: كانت قريش في تجارتها إلى الشام تمر بمدائن قوم لوط كما قال الله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ} [الصافات: 137] وقال: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} [الحجر: 79] وقد تقدّم.
{بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُورًا} أي لا يصدّقون بالبعث.
ويجوز أن يكون معنى {يَرْجُونَ} يخافون.
ويجوز أن يكون على بابه ويكون معناه: بل كانوا لا يرجون ثواب الآخرة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35)}.
لما تقدم تكذيب قريش والكفار لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر تعالى ما فيه تسلية للرسول وإرهاب للمكذبين وتذكير لهم أن يصيبهم ما أصاب الأمم السابقة من هلاك الاستئصال لما كذبوا رسلهم، فناسب أن ذكر أولًا من نزل عليه كتابه جملة واحدة ومع ذلك كفروا وكذبوا به فكذلك هؤلاء لو نزل عليه القرآن دفعة لكذبوا وكفروا كما كذب قوم موسى.
و{الكتاب} هنا التوراة و{هارون} بدل أو عطف بيان، واحتمل أن يكون معه المفعول الثاني لجعلنا.
وأن يكون {وزيرًا} والوزارة لا تنافي النبوة فقد كان في الزمان الواحد أنبياء يوازر بعضهم بعضًا، والمذهوب إليهم القبط وفرعون.
وفي الكلام حذف أي فذهبا وأديا الرسالة فكذبوهما {فدمرناهم} والتدمير أشد الإهلاك وأصله كسر الشيء على وجه لا يمكن إصلاحه.
وقصة موسى ومن أرسل إليه ذكرت منتهية في غير ما موضع وهنا اختصرت فأوجز بذكر أولها وآخرها لأنه بذلك يلزم الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم.
وقرأ عليّ والحسن ومسلمة بن محارب: فدمراهم على الأمر لموسى وهارون، وعن عليّ أيضًا: كذلك إلاّ أنه مؤكد بالنون الشديدة.
وعنه أيضًا فدمرا أمرًا لهما بهم بباء الجر، ومعنى الأمر كونًا سبب تدميرهم.
وانتصب {وقوم نوح} على الاشتغال وكان النصب أرجح لتقدم الجمل الفعلية قبل ذلك، ويكون {لما} في هذا الإعراب ظرفًا على مذهب الفارسي.
وأما إن كانت حرف وجوب لوجوب فالظاهر أن {أغرقناهم} جواب لما فلا يفسر ناصبًا لقوم فيكون معطوفًا على المفعول في {فدمرناهم} أو منصوبًا على مضمر تقديره اذكر.
وقد جوز الوجوه الثلاثة الحوفي.
{لما كذبوا الرسل} كذبوا نوحًا ومن قبله أو جعل تكذيبهم لنوح تكذيبًا للجميع، أو لم يروا بعثه الرسل كالبراهمة والظاهر عطف {وعادًا} على و{قوم}.
وقال أبو إسحاق: يكون معطوفًا على الهاء والميم في {وجعلناهم للناس آية}.
قال: ويجوز أن يكون معطوفًا على {الظالمين} لأن التأويل وعدنا الظالمين بالعذاب ووعدنا {عادًا وثمودًا}.
وقرأ عبد الله وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى وثمود غير مصروف.
{وأصحاب الرس}.
قال ابن عباس: هم قوم ثمود ويبعده عطفه على ثمود لأن العطف يقتضي التغاير.
وقال قتادة: أهل قرية من اليمامة يقال لها الرس والفلج.
قيل: قتلوا نبيهم فهلكوا وهم بقية ثمود وقوم صالح.
وقال كعب ومقاتل والسدّي بئر بإنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين وهو حبيب النجار.
وقيل: قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيه.
وقال وهب والكلبي {أصحاب الرس} وأصحاب الأيكة قومان أرسل إليهما شعيب أرسل إلى أصحاب الرس وكانوا قومًا من عبَدة الأصنام وأصحاب آبار ومواش، فدعاهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه فبينما هم حول الرس وهي البئر غير المطوية.
وعن أبي عبيدة انهارت بهم فخسف بهم وبدارهم.
وقال عليّ فيما نقله الثعلبي: قوم عبدوا شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت رسوا نبيهم في بئر حفروه له في حديث طويل.
وقيل: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حنظلة بن صفوان كانوا مبتلين بالعنقاء وهي أعظم ما يكون من الطير، سميت بذلك لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فج وهي تنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا.
وقيل: هم أصحاب الأخدود والرس هو الأخدود.
وقال ابن عباس: الرس بئر أذربيجان.
وقيل: الرس ما بين نجران إلى اليمن ألى حضرموت.
وقيل: قوم بعث الله إليهم أنبياء فقتلوهم ورسوا عظامهم في بئر.
وقيل: قوم بعث إليهم نبيّ فأكلوه.
وقيل: قوم نساؤهم سواحق.
وقيل: الرس ماء ونخل لبني أسد.
وقيل: الرس نهر من بلاد المشرق بعث الله إليهم نبيًا من أولاد يهوذا ابن يعقوب فكذبوه فلبث فيهم زمانًا فشكا إلى الله منهم فحفروا له بئرًا وأرسلوه فيها، وقالوا: نرجو أن يرضى عنا إلهنا فكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم، فدعا بتعجيل قبض روحه فمات وأضلتهم سحابة سوداء أذابتهم كما يذوب الرصاص.
وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أن أهل الرس أخذوا نبيهم فرسّوه في بئر وأطبقوا عليه صخرة فكان عبد أسود آمن به يجيء بطعام إلى تلك البئر فيعينه الله على تلك الصخرة فيقلها فيعطيه ما يغذيه به ثم يرد الصخرة، إلى أن ضرب الله يومًا على أذن ذلك الأسود بالنوم أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به» في حديث طويل.
قال الطبري: فيمكن أنهم كفروا بعد ذلك فذكرهم الله في هذه الآية وكثر الاختلاف في أصحاب الرس، فلو صح ما نقله عكرمة ومحمد بن كعب كان هو القول الذي لا يمكن خلافه وملخص هذه الأقوال أنهم قوم أهلكهم الله بتكذيب من أرسل إليهم.
{وقرونًا بين ذلك} هذا إبهام لا يعلم حقيقة ذلك إلاّ الله {ذلك} إشارة إلى أولئك المتقدمي الذكر فلذلك حسن دخول {بين} عليه من غير أن يعطف عليه شيء كأنه قيل بين المذكورين وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة.
ثم يشير إليها.
وانتصب {كلًا} الأول على الاشتغال أي وأنذرنا كلًا أو حذرنا كلًا والثاني على أنه مفعول بتبرنا لأنه لم يأخذ مفعولًا وهذا من واضح الإعراب.
ومعنى ضرب الأمثال أي بيّن لهم القصص العجيبة من قصص الأولين ووصفنا لهم ما أدى إليه تكذيبهم بأنبيائهم من عذاب الله وتدميره إياهم ليهتدوا بضرب الأمثال فلم يهتدوا وأبعد من جعل الضمير في {له} لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والمعنى وكل الأمثال ضربنا للرسول وعلى هذا و{كلًا} منصوب بضربنا و{الأمثال} بدل من {كلًا} والضمير في {ولقد أتوا} لقريش كانوا يمرون على سدوم من قرى قوم لوط في متاجرهم إلى الشام وكانت قرى خمسة أهلك الله منها أربعًا وبقيت واحدة وهي زغر لم يكن أهلها يعملون ذلك العمل قاله ابن عباس و{مطر السوء} الحجارة التي أمطرت عليهم من السماء فهلكوا.
وكان إبراهيم عليه السلام ينادي نصيحة لكم: يا سدوم يوم لكم من الله عز وجل أنهاكم أن تتعرضوا للعقوبة من الله، ومعنى {أتوا} مروا فلذلك عداه بعلى.
وأفرد لفظ القرية وإن كانت قرى لأن سدوم هي أم تلك القرى وأعظمها.
وقال مكي: الضمير في {أتوا} عائد على الذين اتخذوا القرآن مهجورًا انتهى.
وهم قريش وانتصب {مطر} على أنه مفعول ثان لأمطرت على معنى أوليت، أو على أنه مصدر محذوف الزوائد أي إمطار السوء.
{أفلم يكونوا يرونها} أن ينظرون إلى ما فيها من العبر والآثار الدالة على ما حل بها من النقم كما قال: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل} وقال: {وإنهما لبإمام مبين} وهو استفهام معناه التعجب ومع ذلك فلم يعتبروا برؤيتها أن يحل بهم في الدنيا ما حل بأولئك، بل كانوا كفرة لا يؤمنون بالبعث فلم يتوقعوا عذاب الآخرة وضع الرجاء موضع التوقع لأنه إنما بتوقع العاقبة من يؤمن، فمن ثم لم ينظروا ولم يتفكروا ومروا بها كما مرت ركابهم، أو لا يأملون {نشورًا} كما يأمله المؤمنون لطمعهم إلى ثواب أعمالهم أو لا يخافون على اللغة التهامية.
وقرأ زيد بن عليّ مطرت ثلاثي مبنيًا للمفعول ومطر متعد.
قال الشاعر:
كمن بواديه بعد المحل ممطور

وقرأ أبو السماك {مطر السوء} بضم السين. اهـ.