فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال تعالى: {وإنكم لَتَمُرُّون عليهم مُصبِحِين وبالليل أفلا تعقلون} [الصافات: 137، 138].
ووصف القرية ب {التي أمطرت مطر السوء} لأنها اشتهرت بمضمون الصلة بين العرب وأهل الكتاب.
وهذه القرية هي المسماة سَدُوم بفتح السين وتخفيف الدال وكانت لقوم لوط قرى خمس أعظمها سَدوم.
وتقدم ذكرها عند قوله تعالى: {ولوطًا إذ قال لقومه} في سورة الأعراف (80).
و{مطر السوْء} هو عذاب نزل عليهم من السماء وهو حجارة من كبريت ورماد، وتسميته مطرًا على طريقة التشبيه لأن حقيقة المطر ماء السماء.
والسَّوْء بفتح السين: الضرّ والعذاب، وأما بضم السين فهو ما يسوء.
والفتح هو الأصل في مصدر ساءه، وأما السُّوء بالضم فهو اسم مصدر، فغلب استعمال المصدر في الذي يسوء بضر، واستعمال اسم المصدر في ضد الإحسان.
وتفرع على تحقيق إتيانهم على القرية مع عدم انتفاعهم به استفهام صوري عن انتفاء رؤيتهم إياها حينما يأتون عليها، لأنهم لمّا لم يتّعظوا بها كانوا بحال من يُسأل عنهم: هل رأوها، فكان الاستفهام لإيقاظ العقول للبحث عن حالهم.
وهو استفهام إما مستعمل في الإنكار والتهديد، وإما مستعمل في الإيقاظ لمعرفة سبب عدم اتعاظهم.
وقوله: {بل كانوا لا يرجون نشورًا} يجوز أن يكون {بل} للإضراب الانتقالي انتقالًا من وصف تكذيبهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وعدم اتعاظهم بما حل بالمكذبين من الأمم إلى ذكر تكذيبهم بالبعث، فيكون انتهاء الكلام عند قوله: {أفلم يكونوا يرونها} وهو الذي يجري على الوجه الأول في الاستفهام.
وعبر عن إنكارهم البعث بعَدم رجائه لأن منكر البعث لا يَرجو منه نفعًا ولا يخشى منه ضرًا، فعبر عن إنكار البعث بأحد شقّي الإنكار تعريضًا بأنهم ليسوا مثل المؤمنين يرجون رحمة الله.
والنشور: مصدر نشر الميت أحْياه، فنشَر، أي حيي.
وهو من الألفاظ التي جرت في كلام العرب على معنى التخيّل لأنهم لا يعتقدونه، ويروى للمُهَلْهِل في قتاله لبني بكر ابن وائل الذين قتلوا أخاه كليبًا قولُه:
يا لبَكر انشروا لي كُليبًا ** يا لبكر أين أينَ الفِرارُ

فإذا صحّت نسبة البيت إليه كان مراده من ذلك تعجيزهم ليتوسل إلى قتالهم.
والمعنى: أنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث فلم يكن لهم استعداد للاعتبار، لأن الاعتبار ينشأ عن المراقبة ومحاسبةِ النفس لطلب النجاة، وهؤلاء المشركون لما نشأوا على إهمال الاستعداد لِمَا بعد الموت قُصرت أفهامهم على هذا العالم العاجل فلم يُعنَوا إلا بأسباب وسائل العاجلة، فهم مع زكانتهم في تفرس الذوات والشيات ومراقبة سير النجوم وأنواء المطر والريح ورائحة أتربة منازل الأحياء، هم مع ذلك كله معرضون بأنظارهم عن توسم الإلهيات وحياة الأنفس ونحو ذلك.
وأصل ذلك الضلاللِ كلّه انجرّ لهم من إنكار البعث فلذلك جعل هنا علة لانتفاء اعتبارهم بمصير أمة كذبت رسولها وعصت ربها.
وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} [الحجر: 75] أي دون مَن لا يتوسمون. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38)}.
الأظهر عندي أن قوله: {وَعَادًا وَثَمُودَاْ} معطوف على قوله: وقوم نوح الآية، وأن قوم نوح مفعول به لأغرقنا محذوفة دل عليها قوله بعده: {أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} [الفرقان: 37] على حد قوله في الخلاصة:
فالسابق انصبه بفعل أضمرا ** حتمًا موافق لما قد ذكرا

أي أهلكنا قوم نوح بالغرق، وأهلكنا عادًا وثمودًا وأصحاب الرس، وقرونًا بين ذلك كثيرًا، أي وأهلكنا قرونًا كثيرة بين ذلك المذكور من قوم نوح، وعاد، وثمود.
والأظهر أن القرون الكثير المذكور بعد قوم نوح، وعاد، وثمود، وقبل أصحاب الرسل وقد دلت آية من سورة إبراهيم على أن بعد عاد، وثمود، خلقًا كفروا وكذبوا الرسل، وأنهم لا يعلمهم إلا الله جل وعلا.
وتصريحه بأنهم بعد عاد وثمود، يوضح ما ذكرنا وذلك في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ وقالوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [إبراهيم: 9].
وقد قدمنا كلام أهل العلم في معنى قوله: {فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9] والإشارة في قوله: {بَيْنَ ذلك} راجعة إلى عاد، وثمود، وأصحاب الرسل: أي بين ذلك المذكور ورجوع الإشارة، أو الضمير بالإفراد مع رجوعهما إلى متعدد باعتبار المذكور أسلوب عربي معروف ومنه في الإشارة قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68] أي ذلك المذكور من الفارض والبكر، وقوله تعالى: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] أي بين ذلك المذكور من الإسراف والقتر وقول عبد الله بن الزبعري السهمي:
إن للخير وللشر مدى ** وكلا ذلك وجه وقبل

أي وكلا ذلك المذكور من الخير والشر، ومنه في الضمير قول رؤبة:
فيها خطوط من سواد وبلق ** كأنه في الجلد توليع البهق

أي كأنه أي ما ذكر من خطوط السواد والبلق، وقد قدمنا هذا البيت. أما عاد وثمود فقد جاءت قصة كل منهما مفصلة في آيات متعددة، وأما أصحاب الرس فلم يأت في القرآن تفصيل قصتهم ولا اسم نبيهم، وللمفسرين فيهم أقوال. كثيرة تركناها لأنها لا دليل على شيء منها.
والرس في لغة العرب البئر التي ليست بمطوية، وقال الجوهري في صحاحه: إنها البئر المطوية بالحجارة، ومن إطلاقها على البئر قول الشاعر:
وهم سائرون إلى أرضهم ** فيا ليتهم يحفرون الرساسا

وقول النابغة الجعدي:
سبقت إلى فرط ناهل ** تنابلة يحفرون الرساسا

والرساس في البيتين جمع رس، وهي البئر، والرس واد في قول زهير في معلقته:
بكرن بكورا استحرن بسحرة ** فهن لوادي الرس كاليد للفم

وقوله في هذه الآية: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}. جمع قرن. وهو هنا الجيل من الناس الذين اقترنوا في الوجود في زمان من الأزمنة.
{وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن كلا من الماضين المهلكين من قوم نوح وعاد، وثمود، وأصحاب الرس، والقرون الكثيرة بين ذلك: أنه ضرب لكل منهم الأمثال ليبين لهم الحق بضرب المثل، لأنه يصير به المعقول كالمحسوس، وأنه جل وعلا تبر كلا منهم تتبيرًا، أي أهلكهم جميعًا إهلاكًا مستأصلًا، التتبير الإهلاك والتكسير ومنه قوله تعالى: {وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا} [الإسراء: 7] وقوله تعالى: {إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ} [الأعراف: 139] أي باطل، وقوله تعالى: {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَارًا} [نوح: 28] أي هلاكًا، وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة، وهما أنه جل وعلا ضرب لكل منهم الأمثال، وأنه تبرهم كلهم تتبيرًا جاءا مذكورين في غير هذا الموضع.
أما ضربه الأمثال للكفار، فقد ذكره جل وعلا في غير هذا الموضع كقوله في سورة إبراهيم: {أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظلموا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمثال} [إبراهيم: 4445] وأما تتبيره جميع الأمم لتكذيبها رسلها، فقد جاء موضحًا في آيات كثيرة كقوله تعالى في سورة الأعراف: {وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأساء والضراء لَعَلَّهُمْ يَضَّرِّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة حتى عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضراء والسراء فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [الأعراف: 9495] وقوله تعالى في سورة سبأ: {وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34] وقوله تعالى في الزخرف: {وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَاءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزّخرف: 23] وقوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [المؤمنون: 44] الآية، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن جميع الأمم كذبوا رسلهم، وأن الله أهلكهم بسبب ذلك، وقد بين جل وعلا في آية أخرى أن هذا العموم لم يخرج منه إلا قوم يونس دون غيرهم، وذلك في قوله تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ} [
يونس: 98].
ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ} [الصافات: 147148] وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه ضرب الأمثال لكل منهم، لم يبين فيه هنا هل ضرب الأمثال أيضًا لهذه الآية الكريمة التي هي آخر الأمم في هذا القرآن، كما ضربها لغيرهم من الأممن ولكنه تعالى بين في آيات كثيرة أنه ضرب لهذه الأمة الأمثال في هذا القرآن العظيم، ليتفكروا بسببها، وبين أنها لا يعقلها إلا أهل العلم، وأن الله يهدي بها قومًا، ويضل بها آخرين.
وهذه الآيات الدالة على ذلك كله فمنها قوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الذين آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين} [البقرة: 26]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الزمر: 27] وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون} [العنكبوت: 43]، وقوله تعالى: {يا أيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ} [الحج: 73]. والآيات الدالة على ذلك كثيرة معلومة والعلم عند الله تعالى.
{وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40)}.
أقسم جل وعلا في هذه الآية، أن الكفار الذين كذبوا نبينا صلى الله عليه وسلم، قد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء، وهو أن الله أمطر عليها حجارة من سجيل، وهي سدوم قرية قوم لوط، وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة، وهما أن الله أمطر هذه القرية مطر السوء الذي هو حجارة السجيل، وأن الكفار أتوا عليها، ومروا بها جاء موضحًا في آيات أخرى.
أما كون الله أمطر عليها الحجارة المذكورة، فقد ذكره جل وعلا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} [الحجر: 74]، وبين في سورة الذاريات أن السجيل المذكور نوع من الطين، وذلك في قوله تعالى: {قالوا إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ} [الذاريات: 3233]، ولا شك أن هذا الطين وقعه أليم، شديد مهلك. كقوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ المنذرين} [الشعراء: 173]، وقوله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} [الحجر: 7274] الآية.
وأما كونهم قد أتوا على تلك القرية المذكورة فقد جاء موضحًا أيضًا في غير هذا الموضع كقوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وبالليل أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [الصافات: 137 138] المراد بأنهم مروا على قرية قوم لوط، أن مرورهم عليها، ورؤيتهم لها خالية من أهلها ليس فيها داع، ولا مجيب، لأن الله أهلك أهلها جميعًا لكفرهم وتكذيبهم رسوله لوطا فيه أكبر واعظ وأعظم زاجر عن تكذيب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لئلا ينزل بالذين كذبوه مثل ما نزل بقوم لوط من العذاب والهلاك، ولذا وبخهم على عدم الاعتبار بما أنزل بها من العذاب كقوله في آية الصافات المذكورة: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}، وكقوله تعالى في آية الفرقان هذه: {أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُورًا} فقوله: أفلم يكونوا يرونها: توبيخ لهم على عدم الاعتبار كقوله في الآية الأخرى: أفلا تعقلون، ومعلوم أنهم يمرون عليها مصبحين، وبالليل وأنهم يرونهم، وكقوله تعالى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} [الحجر: 7476] يعني: أن ديار قوم لوط بسبيل مقيم، أي بطريق مقيم، يمرون فيه عليها في سفرهم إلى الشام، وقوله تعالى: {بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُورًا}، أي لا يخافون بعثًا، ولا جزاء أو لا يرجعون بعثًا وثوابًا. اهـ.