فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثالث: قوله: {أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} أي حافظًا تحفظه من اتباع هواه أي لست كذلك.
الرابع: نظير هذه الآية قوله تعالى: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية: 22] وقوله: {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45] وقوله: {لا إِكْرَاهَ في الدين} [البقرة: 256] قال الكلبي: نسختها آية القتال وثالثها: قوله: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} أم هاهنا منقطعة، معناه بل تحسب، وذلك يدل على أن هذه المذمة أشد من التي تقدمتها حتى حقت بالإضراب عنها إليها، وهي كونهم مسلوبي الأسماع والعقول، لأنهم لشدة عنادهم لا يصغون إلى الكلام، وإذا سمعوه لا يتفكرون فيه، فكأنه ليس لهم عقل ولا سمع ألبتة، فعند ذلك شبههم بالأنعام في عدم انتفاعهم بالكلام وعدم إقدامهم على التدبر والتفكر وإقبالهم على اللذات الحاضرة الحسية وإعراضهم عن طلب السعادات الباقية العقلية وها هنا سؤالات:
السؤال الأول: لم قال: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ} فحكم بذلك على الأكثر دون الكل؟ والجواب: لأنه كان فيهم من يعرف الله تعالى ويعقل الحق، إلا أنه ترك الإسلام لمجرد حب الرياسة لا للجهل.
السؤال الثاني: لم جعلوا أضل من الأنعام؟ الجواب: من وجوه: أحدها: أن الأنعام تنقاد لأربابها وللذي يعلفها ويتعهدها وتميز بين من يحسن إليها وبين من يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يميزون بين إحسانه إليهم وبين إساءة الشيطان إليهم الذين هو عدو لهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يحترزون من العقاب الذي هو أعظم المضار وثانيها: أن قلوب الأنعام كما أنها تكون خالية عن العلم فهي خالية عن الجهل الذي هو اعتقاد المعتقد على خلاف ما هو عليه مع التصميم.
وأما هؤلاء فقلوبهم كما خلت عن العلم فقد اتصفت بالجهل فإنهم لا يعلمون ولا يعلمون أنهم لا يعلمون، بل هم مصرون على أنهم يعلمون وثالثها: أن عدم علم الأنعام لا يضر بأحد أما جهل هؤلاء فإنه منشأ للضرر العظيم، لأنهم يصدون الناس عن سبيل الله ويبغونها عوجًا ورابعها: أن الأنعام لا تعرف شيئًا ولكنهم عاجزون عن الطلب وأما هؤلاء الجهال فإنهم ليسوا عاجزين عن الطلب، والمحروم عن طلب المراتب العالية إذا عجز عنه لا يكون في استحقاق الذم كالقادر عليه التارك له لسوء اختياره وخامسها: أن البهائم لا تستحق عقابًا على عدم العلم، أما هؤلاء فإنهم يستحقون عليه أعظم العقاب وسادسها: أن البهائم تسبح الله تعالى على مذهب بعض الناس على ما قال: {وَإِن مّن شيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} [الأسراء: 44] وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن في السموات} [الحج: 18] إلى قوله: {والدواب} [الحج: 18] وقال: {والطير صافات كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: 41] وإذا كان كذلك فضلال الكفار أشد وأعظم من ضلال هذه الأنعام.
السؤال الثالث: أنه سبحانه لما نفى عنهم السمع والعقل، فكيف ذمهم على الإعراض عن الدين وكيف بعث الرسول إليهم فإن من شرط التكليف العقل؟ الجواب: ليس المراد أنهم لا يعقلون بل إنهم لا ينتفعون بذلك العقل، فهو كقول الرجل لغيره إذا لم يفهم إنما أنت أعمى وأصم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَههُ هَوَاهُ}.
فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم قوم كان الرجل منهم يعبد حجرًا يستحسنه، فإذا رأى أحسن منه عبده وترك الأول، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الحارث بن قيس كان إذا هوى شيئًا عبده، حكاه النقاش.
الثالث: أنه الذي يتبع هواه في كل ما دعا إليه، قاله الحسن، وقتادة.
{أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يعني ناصرًا، قاله قتادة.
الثاني: حفيظًا، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: كفيلًا قاله الكلبي.
الرابع: مسيطرًا، قاله السّدي. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم حكم عليهم أنهم إذا رأوا محمدًا صلى الله عليه وسلم استهزؤوا به واستحقروه وأبعدوا أن يبعثه الله رسولًا، فقالوا على جهة الاستهزاء {أهذا الذي بعث الله رسولًا} وفي {بعث} ضمير يعود على الذي حذف اختصارًا وحسن ذلك في الصلة، ثم أنس النبي صلى الله عليه وسلم عن كفرهم بقوله: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} الآية، والمعنى لا تتأسف عليهم ودعهم لرأيهم ولا تحسب أنهم على ما يجب من التحصيل والعقل بل هم كالأنعام في الجهل بالمنافع وقلة التحسس للعواقب، ثم حكم بأنهم {أضل سبيلًا} من حيث لهم الفهم وتركوه، و{الأنعام} لا سبيل لهم إلى فهم المصالح، ومن حيث جهالة هؤلاء وضلالتهم في أمر أخطر من الأمر الذي فيه جهالة الأنعام، وقوله: {اتخذ إلهه هواه} معناه جعل هواه مطاعًا فصار كالإله والهوى قائد إلى كل فساد لأن النفس أمارة بالسوء وإنما الصلاح إذ ائتمرت للعقل، وقال ابن عباس الهوى الإله يعبد من دون الله ذكره الثعلبي، وقيل الإشارة بقوله: {إلهه هواه} إلى ما كانوا عليه من أنهم كانوا يعبدون حجرًا فإذا وجدوا أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الثاني الذي وقع هواهم عليه، قال أبو حاتم وروي عن رجل من أهل المدينه قال ابن جني هو الأعرج {إلهه هواه} والمعنى اتخذ شمسًا يستضيء بها هواه إذا الشمس يقال لها إلهة وتصرف ولا تصرف، والوكيل: القائم على الأمر الناهض به. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإِذا رأوكَ إِن يتَّخذونكَ}.
أي: ما يتخذونك {إِلا هُزُوًا} أي: مهزوءًا به.
ثم ذكر ما يقولون من الاستهزاء {أهذا الذي بَعَثَ اللّهُ رسولًا إِن كاد ليُضِلُّنَا عن آلهتنا} أي: ليصرفنا عن عبادة آلهتنا {لولا أن صَبَرْنَا عليها} أي: على عبادتها؛ قال الله تعالى: {وسوف يعلمون حين يَرَوْن العذابَ} في الآخرة {مَنْ أَضَلُّ} أي: مَنْ أَخطأُ طريقًا عن الهدى، أهم، أم المؤمنون.
ثم عجَّب نبيَّه من جهلهم حين عبدوا ما دعاهم إِليه الهوى، فقال: {أرأيتَ من اتخذ إِلهه هواه} قال ابن عباس: كان أحدهم يعبد الحجر، فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخَر.
وقال قتادة: هو الكافر لا يهوى شيئًا إِلا ركبه.
وقال ابن قتيبة: المعنى: يتَّبع هواه ويدع الحقَّ، فهو له كالإِله.
قوله تعالى: {أفأنتَ تكونُ عليه وكيلًا} أي: حفيظا يحفظه من اتِّباع هواه.
وزعم الكلبي أن هذه الآية منسوخة بآية القتال.
قوله تعالى: {أم تَحْسَبُ أنَّ أكثرهم يَسمعون} يعني أهل مكة؛ والمراد: يسمعون سماع طالب الإِفهام {أو يعقلون} ما يعاينون من الحُجج والأعلام {إِن هم إِلاّ كالأنعام} وفي وجه تشبيههم بالأنعام قولان:
أحدهما: أن الأنعام تسمع الصوت ولا تفقه القول.
والثاني: أنه ليس لها همٌّ إِلا المأكل والمشرب.
قوله تعالى: {بل هم أَضَلُّ سبيلًا} لأن البهائم تهتدي لمراعيها وتنقاد لأربابها وتُقبل على المحسِن إِليها، وهم على خلاف ذلك. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا}.
جواب {إذا} {إِنْ يَتَّخذُونَكَ} لأن معناه يتخذونك.
وقيل: الجواب محذوف وهو قالوا أو يقولون: {أَهَذَا الَّذِي} وقوله: {إِنْ يَتَّخذُونك إِلاَّ هُزُوًا} كلام معترض.
ونزلت في أبي جهل كان يقول للنبيّ صلى الله عليه وسلم مستهزئًا: {أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولًا} والعائد محذوف، أي بعثه الله.
{رَسُولًا} نصب على الحال والتقدير: أهذا الذي بعثه الله مرسلًا.
{أَهذَا} رفع بالابتداء و{الَّذِي} خبره.
{رَسُولًا} نصب على الحال.
و{بَعَثَ} في صلة {الَّذِي} واسم الله عز وجل رفع ب {بَعثَ}.
ويجوز أن يكون مصدرًا؛ لأن معنى {بَعَث} أرسل ويكون معنى {رَسُولًا} رسالة على هذا.
والألف للاستفهام على معنى التقرير والاحتقار.
{إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا} أي قالوا قد كاد أن يصرفنا.
{عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا} أي حبسنا أنفسنا على عبادتها.
قال الله تعالى: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} يريد من أضل دينًا أهم أم محمد، وقد رأوه في يوم بدر.
قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} عَجَّب نبيه صلى الله عليه وسلم من إضمارهم على الشرك وإصرارهم عليه مع إقرارهم بأنه خالقهم ورازقهم، ثم يعمد إلى حجر يعبده من غير حجة.
قال الكلبي وغيره: كانت العرب إذا هوِي الرجل منهم شيئًا عبده من دون الله، فإذا رأى أحسن منه ترك الأوّل وعَبَد الأحسن؛ فعلى هذا يعني: أرأيت مِن اتخذ إِلهه بهواه؛ فحذف الجار.
وقال ابن عباس: الهوى إله يعبد من دون الله، ثم تلا هذه الآية.
قال الشاعر:
لعمر أبيها لو تبدّت لناسك ** قد اعتزل الدنيا بإحدى المناسِك

لَصلَّى لها قبل الصلاة لربه ** ولا ارتد في الدنيا بأعمال فاتك

وقيل: {اتَّخَذ إِلَهَهُ هَواهُ} أي أطاع هواه.
وعن الحسن لا يهوى شيئًا إلا اتبعه، والمعنى واحد.
{أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} أي حفيظًا وكفيلًا حتى تردّه إلى الإيمان وتخرجه من هذا الفساد.
أي ليست الهداية والضلالة موكولتين إلى مشيئتك، وإنما عليك التبليغ.
وهذا رد على القدرية.
ثم قيل: إنها منسوخة بآية القتال.
وقيل: لم تنسخ؛ لأن الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} ولم يقل أنهم لأن منهم من قد علم أنه يؤمن.
وذمّهم جل وعز بهذا.
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} سماع قبول أو يفكرون فيما تقول فيعقلونه؛ أي هم بمنزلة من لا يعقل ولا يسمع.
وقيل: المعنى أنهم لمّا لم ينتفعوا بما يسمعون فكأنهم لم يسمعوا؛ والمراد أهل مكة.
وقيل: {أَمْ} بمعنى بل في مثل هذا الموضع.
{إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام} أي في الأكل والشرب لا يفكرون في الآخرة.
{بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} إذ لا حساب ولا عقاب على الأنعام.
وقال مقاتل: البهائم تعرف ربها وتهتدي إلى مراعيها وتنقاد لأربابها التي تعقلها، وهؤلاء لا ينقادون ولا يعرفون ربهم الذي خلقهم ورزقهم.
وقيل: لأن البهائم إن لم تعقل صحة التوحيد والنبوّة لم تعتقد بطلان ذلك أيضًا. اهـ.