فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لَكَ الْعِزُّ إِنْ مَوْلاكَ عَزَّ، وَإِنْ يَهُنْ ** فَأَنْتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الْهُونِ كائِنُ

وأما قولُه تبارك وتَعَالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ} [النمل: 40] فلم يقصدْ جعلِ الظَّرفِ كائنًا فلذلك ذكر المتعلِّقَ به، ثم ذلك المحذوفُ يجوزُ تقديرهُ باسمٍ أَوْ فعلٍ إلاّ في الصلَةِ، فإنه يتعيّنُ أن يكونَ فِعلًا.
واختلفُوا: أَيُّ التقديرَيْنِ أَوْلَى فيما عدا الصور المستثناة؟
فقوم رجّحُوا تقديرَ الفِعْلِ، وقوم رجَّحُوا تقدير الاسمِ، وقد تقدمَ دليلُ الفريقين.
وقرئ شَاذًّا بنصب الدالِ من {الحَمْد} وفيه وجهان:
أظهرُهُما: أنه منصوب على المصدريَّةِ، ثم حُذِف العاملُ، ونابَ المصدرُ مَنَابه؛ كقولِهِم في الأخبار: حمدًا، وشكرًا لا كُفْرًا والتقدير: أَحمد الله حمدًا، فهو مصدر نَابَ عن جملةٍ خبريَّةٍ.
وقال الطَّبريُّ- رحمه الله تعالى-: إنَّ في ضمنِهِ أَمْرَ عبادِه أَنْ يُثْنُوا به عليه، فكأَنَّهُ قال: قولوا: الحَمْد للهِ وعلى هذا يَجِيءُ قُولُوا: إيَّاكَ.
فعلى هذه العبارة يكونُ من المصادِر النائبَةِ عن الطَّلبِ لا الخبرِ، وهو محتمل للوجْهَيْنِ، ولكنْ كونُهُ خَبَرِيَّا أَوْلَى من كونه طَلَبيًا، ولا يجوزُ إظهار الناصب، لئلاَّ يجمعَ بين البدلِ والمُبْدَلِ مِنْه.
والثاني: أنه منصوب على المَفْعُولِ بهِ، أَي: اجْمَعْ ضَبُعًا، والأوّلُ أَحْسَنُ؛ للدَّلالَةِ اللفظيةِ.
وقراءَةُ الرفْعِ أمكنُ، وأَبْلَغُ مِنْ قراءَةِ النَّصب، لأنَّ الرفعَ في باب المَصَادِر التي أَصْلُها النِّيَابَةُ عَنْ أَفْعَالِها يدل على الثُّبُوتِ والاستقرَارِ، بخلافِ النَّصبِ، فإنه يدلُّ على التجددِ والحُدوثِ، ولذلك قال العلماء- رحمهم الله-: إن جوابَ إِبْرَاهيمَ- عليه الصلاة والسّلام- في قوله تَعَالَى حكايةً عنه: {قَالَ سَلاَم} [هود: 69] أَحْسَنُ من قولِ الملائكة: {قَالُواْ سَلاَمًا} [هود: 69] امتثالًا لقوله تعالى: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: 86].
و{لله} على قراءةِ النصبِ يتعّقُ بمحذوفٍ لا بالمصدرِ، لأنَّها للبيانِ، تقديرهُ: أَعْنِي لله، كقولِهم: سُقْيًا له ورَعيًا لك تقديرُه: أَعْنِي له ولك، ويدلُّ على أنَّ اللام تتعلّقُ في هذا النوع بمحذوف لا بنفس المصدر، أنَّهم لم يُعْمِلُوا المصدر المتعدِّي في المجرور باللام، فينصبوه به فيقُولُوا: سُقْيًا زيدًا، ولا رَعْيًا عمرًا، فدلَّ على أنه ليس مَعْمولًا للمصدرِ، ولذلك غَلِطَ من جعل قوله تعالى: {والذين كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَّهُمْ} [محمد: 8]، مِنْ بَابِ الاشْتِغَالِ؛ لأنَّ لَهُمْ لا يتعلَّقُ بتَعْسًا كما مَرَّ.
ويحتملُ أَنْ يُقالُ: إن اللام في سُقيًا لك ونحوِهِ مقوية لتعدِيَةِ العامل؛ لكونِهِ فَرْعًا فيكون عاملًا فيما بعده.
وقرئ:-أَيْضًا- بِكَسْرِ الدَّال، وجهُهُ: أَنَّها حركةُ إِتباعٍ لكسرَةِ لاَمِ الجَرِّ بعده، وهي لُغَةُ تَمِيم، وبَعْضِ غَطَفَان، يُتْبِعُونَ الأوّل للثَّاني؛ للتَّجانسِ.
ومنه: الطويل:
اضْرِبِ السَّاقَيْنُ أُمُّكَ هَابِلُ

بضمِ نُونِ التّثنِيَةِ لأجل ضمّةِ الهَمْزَةِ، ومثلُه، البسيط:
- وَيْلِمِّهَا فِي هَوَاءِ الْجَوِّ طَالِبَةً ** وَلاَ كَهَذَا الَّذِي في الأَرْضِ مَطْلُوبُ

الأصل: وَيْل لأُمِّهَا، فحذفَ اللَّامَ الأُولَى، واستثقَلَ ضَمَّةَ الهمزةِ بعد الكَسْرَةِ، فنقلَها إلى اللام بعد سَلْبِ حَرَكَتِها، وحذَفَ الهَمْزَةَ، ثم أَتْبَعَ اللاَّمَ المِيمَ، فصار اللفظ: وَيْلِمِّهَا.
ومِنْهم مَنْ لا يُتْبِعُ، فيقول: وَيْلُمِّهَا بِضَمِّ اللاَّمِ، قال: البسيط:
وَيْلُمِّهَا خُلَّةً قَدْ سِيْطَ مِنْ دَمِهَا ** فَجْع وَوَلْع وَإِخْلاف وتَبْديلُ

ويحتملُ أَنْ تَكُونَ هذه القراءةُ مِنْ رَفْعٍ، وأَنْ تَكُونَ مِنْ نَصْبٍ، لأنَّ الإعرابَ نُقَدَّر مَنَعَ من ظُهُورِهِ حَرَكَةُ الإتباعِ.
قرئ أيضًا: {لُلَّهِ} بضم لاَمِ الجَرِّ، قَالُوا: وهي إتباع لحركةِ الدَّالِ وفضّلها الزمخشريُّ على قراءة كَسْرِ الدَّالِ، مُعَلِّلًا لذلك بِأَنَّ إتباعَ حركَةِ الإعرابِ أَحْسَنُ مِنَ العَكْسِ، وهي لغةُ بَعْضِ قَيْس، يُتْبِعُون الثانِي نحو: مُنْحَدُر ومُقُبِلِينَ بضم الدَّال والقاف لأجل الميم، وعليه قرئ: {مُرُدفين} [الأنفال: 9] بِضَمِّ الراءِ، إِتْباعًا لِلْمِيمِ.
فهذه أَرْبَعُ قِرَاءَاتٍ في {الحَمْدِ للهِ}.
ومعنى لام الجَرِّ- هنا- الاستحقاقُ أَيْ: الحمدُ مستحقّ لله تعالى ولها معانٍ أخر نَذْكُرُها وهي:
المُلْكُ: المالُ لِزَيْدٍ.
والاستحقاقُ: الجُل لِلْفَرَسِ.
والتَّمْليكُ: نحو: وهبتُ لَكَ وَشِبْهُهُ نحو: {جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الشورى: 11] لتسكنوا إليها.
والنسب: نحو: لِزَيْدٍ عَمّ.
والتعليلُ: نحو: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس} [النساء: 105]، والتبليغُ: نحو: قُلْتُ لَكَ.
والتبليغُ: نحو قلتُ لك.
وللتعجُّبِ في القَسَمِ خاصَّةً؛ كقوله: البسيط:
للهِ يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حِيَدٍ ** بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيَّانُ وَالآسُ

والتَّبيِينُ نحو قوله تعالى: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23].
والصيرورةُ: نحو قوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8].
والظرفية إِمَّا بِمَعْنَى فِي: كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة} [الأنبياء: 47]، أَوْ بِمَعْنَى عِنْدَ: كقولِهم: كَتَبُتُهُ لِخَمْسٍ، أيْ: عِنْدَ خَمْسٍ، أَوْ بِمَعْنَى بَعْدَ: كقوله تعالى: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} [الإسراء: 78] أيْ: بَعْدَ دُلُوكها.
والانتهاءُ: كقوله تعالى: {كُلّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} [الرعد: 2].
والاستعلاءُ: نحو قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} [الإسراء: 109].
وقد تُزَادُ باطّرادِ في معمول الفعلِ مُقدَّمًا عليه؛ كقوله تعالى: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] وإذا كان العامِلُ فرعًا، نحو قوله تعالى: {فَعَّال لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 107].
وَبِغَيْرِ اطرادٍ؛ نحو قوله في ذلك البيت: الوافر:
فَلَمَّا أَنْ تَوَاقَفْنَا قَليلًا ** أَنَخْنَا لِلكَلاَكِلِ فَارتَمَيْنَا

وأما قوله تعالى: {عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} [النمل: 72] فقِيل: على التَّضْمِينِ، وقِيلَ: هي زَائِدَة.
ومن الناسِ مَنْ قال: تقديرُ الكَلام: قُولُوا: الحمد لله.
قال ابنُ الخَطِيب:- رحمه الله تعالى-: وهذا عندي ضعيف؛ لأنْ الإضمارَ إنما يُصارُ إليه ليصحّ الكلامُ، وهذا الإضمار يُوجِبُ فسادَ الكلامِ، والدليل عليه: أن قوله- تعالى- {الحَمْدُ للهِ} إخبار عن كونِ الحَمْدِ حقَّا لله تعالى وملكًا له، وهذا كَلاَم تام في نفسه، فلا حاجةَ إلى الإضمار. وأيضًا فإن قولَه: {الحمد لله} يدلُّ على كونِهِ مُسْتَحقًا للحمدِ بحسب ذاته، وبحسبِ أَفْعَالِه، سواء حَمَدُوه أَوْ لَمْ يَحْمِدُوه.
قوله تعالى: {رَبِّ العالمين}.
الرَّبُّ: لُغَةً: السيدُ، والمَالِكُ، والثَّابِتُ والمَعْبُودُ؛ ومنه قولُه: الطويل:
أرَبّ يَبُولُ الثُّعْلُبَانُ بِرَأْسِهِ ** لَقَدْ هَانَ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ

والمُصْلِحُ، وزاد بعضُهم أنه بمعنى: الصّاحبِ؛ وأنشد القائل: الكامل:
قَدْ نَالَهُ رَبُّ الكِلاَبِ بِكَفِّهِ ** بِيض رِهَاب ريشُهُنَّ مُقزَّعُ

والظاهِرُ أَنَّهُ- هنا- بمعنى المَالِك، فليس هو معنى زائدًا.
وقيل: يكون بمعنى الخَالِقِ.
واختُلِفَ فيه: هل هو في الأصلِ وَصْف أو مصدر؟
فمنهم من قال: هو وَصْف أي صِفَة مشبهة بمعنى مُرَبٍّ، ثم اختلف هَؤلاءِ في وزنه.
فمنهم من قال: هو على فَعِل كقولك: نَمَّ- يَنِمُّ- فهو نَمّ من النّمام، بمعنى غَمَّاز.
وقيل: وزنه فَاعِل، وأصلُه: رَابّ، ثم حُذِفت الألفُ؛ لكثرةِ الاستعمالِ؛ لقولِهم: رَجُل بَارّ وَبَرّ.
ولقائلٍ أن يقولَ: لا نسلم أن بَرَّ مأخوذ من بَارّ بل هما صِفتان مُسْتقلتَانِ، فَلاَ يَنْبَغِي أنْ يُدّعَى أنّ ربَّا أصله رابّ.
ومنهم مَنْ: قال إنه مَصْدر رَبَّهُ- يَرُبُّهُ- رَبًّا أي: مَلَكَهُ.
قال: لأنْ يَرُبَّنِي رَجَل مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ من أن يَرُبَّنِي رَجَل من هَوَازِنَ.
فهو مصدر في معنى الفاعل نحو: رجل عَدْل وصَوْم.
ولا يُطْلقُ على غَيْرِ الباري تعالى إلاّ بقيد إضافةٍ، نحو قوله تعالى: {ارجع إلى رَبِّكَ} [يوسف: 50]، ويقولون: هو رَبُّ الدَّارِ، ورَبُّ البَعِير، وقد قالته الجاهليةُ لِلْمَلِكِ من الناس مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ؛ قال الحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ: الخفيف:
وَهُوَ الرَّبُّ وَالشَّهِيدُ عَلَى يَوْ ** مِ الحِيَارَيْنِ وَالبَلاءُ بَلاَءُ

وهذا مِنْ كُفْرِهِمْ.
وقرأ الجمهورُ: {رَبِّ} مجرورًا على النعتِ {لله} أو البَدَلِ منه.
وقرِئَ مَنْصوبًا، وفيه ثلاثةُ أَوْجُهٍ:
إمَّا بِمَا دَلَّ عليه الحمدُ، تقدِيرُه: أحمد ربَّ العالمين.
أو على القطع من التبعية، أو على النِّداءِ وهذا أضعفُهَا، لأنه يُؤَدِّي إلى الفَصْلِ بين الصفة والموصوف.
وقرئ مَرْفُوعًا على القَطْعِ من التبعية، فيكونُ خبرًا لمبتدإٍ مَحْذّوفٍ، أيْ: هُوَ رَبُّ وإذْ قد عرض ذِكْرُ القَطْعِ في التَبعيَّةِ، فلنستطردْ ذِكْرَهُ، لِعُمُومِ فَائِدَتِهِ فنقول:
اعلم أنَّ الموصوفَ إذا كان معلومًا بدون صفته، وكان الوصفُ مَدْحًا، أو ذمًا، أو ترحُّما- جاز في الوَصْفِ الإتباعُ والقطعُ.
والقطعُ: إما على النصْبِ بإضمار فعل لائقٍ، وإمَّا على الرَّفعِ على خَبَرٍ لمبتدإ مَحْذُوفٍ، ولا يجوزُ إظهارُ هذا الناصِبِ، ولا هذا المبتدإ، نحو قولِهم: الحَمْدُ لله أَهْلُ الحَمْدِ رُوِيَ بنصبِ أهْل ورفعِه، أيْ: أعني أَهْلَ، أو هو أَهلُ الحمدِ.
وإِذا تكررتِ النُّعوتُ، والحالةُ هذه، كُنْتَ مُخَيَّرًا بين ثلاثة أوجه:
إما إتباعُ الجَميعِ، أو قَطْعُ الجَميع، أوْ قَطْعُ البَعْضِ، وإتباعُ البَعْضِ.
إلاّ أنك إذا أَتْبَعْتَ البعضَ، وقطعتَ البعضَ وجب أَنْ تَبْدَأ بالإتباعِ، ثُمَّ تأتي بالقَطْعِ من غير عَكْسٍ، نحو: مررتُ بزيدٍ الفَاضِلِ الكَرِيمُ؛ لِئَلاَّ يلزمَ الفصلُ بين الصفَةِ والموصُوفِ بالجملةِ المَقْطُوعَةِ.
و{العَالَمِينَ} خَفْض بالإضافَةِ، عَلاَمةُ خفضِه الياءُ؛ لجريانه مَجْرى جمع المذكرِ السَّالِمِ، وهم اسْمُ جَمْعٍ؛ لأنَّ واحِدَهُ مِنْ غَيْرِ لفظه، ولا يَجوزُ أن يكونَ جمعًا لعَالَم مُرَادًا به العاقل دُونَ غَيْره، فيزولَ المحذْورُ المذكور؟
وأُجِيبَ عنه: بأنه لَوْ جاز ذلك، لَجَازَ أَنْ يُقالَ: شَيْئُون جَمْعُ شَيءٍ مُرَادًا به العاقل دون غيره، فدل عَدَمُ جَوَازِه على عدم ادّعاءِ ذلك.
وفي الجواب نَظَر، إذْ لِقائل أنْ يقول: شيئون منع منه مانِع آخرُ، وهو كونهُ لَيْسَ صِفَةً ولا علمًا، فلا يلزَمُ مِنْ مَنْعِ ذلك منعُ عَالَمِين مرادًا به العاقل.
ويُؤَيِّدُ هذا ما نَقَلَ الراغِبُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ- رضي الله تعالى عنهما- أنَّ عَالَمِين إنما جمع هذا الجمع؛ لأن المراد به الملائكةُ والجنُّ والإنْسُ.
وقال الراغِبُ أيضًا: إنَّ العَالَم في الأصلِ اسم لما يُعْلَمُ به كالطَّابَعِ اسم لما يُطْبَعُ وجُعِلَ بناؤُه على هذه الصيغَةِ، لكونه كالآلةِ، فالعالَمُ آلة في الدلالةِ على صَانعه.
وقال الرَّاغبُ أيضًا: إنَّ العَالَم في الأصل لما يُعْلَمُ به كالطَّابَعِ اسم لما يُطْبَعُ وجُعِلَ بناؤه على هذه الصيغَةِ، لكونه كالآلةِ، فالعالَمُ آلة في الدلالةِ على صَانِعه.
وقال الرَّاغِبُ: أيضًا: وأما جمعُه جَمْعُ السَّلامةِ، فلكون الناس في جُمْلَتِهِم، والإنسانُ إذا شَارَك غيرَهُ في اللَّفظِ غَلَبَ حُكْمُ، فظاهر هذا أَنَّ {العَالَمِين} يطلق على العُقَلاء وغَيْرِه، وهو مُخالِف لما تقدّم من اختصاصِهِ بالعقلاء، كما زعم بعضُهم، وكلام الراغِبِ هو الأصَحُّ الظّاهرُ. اهـ. بتصرف يسير.

.تفسير الآية رقم (3):

قوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)}:

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

الفصل الثالث: في تفسير قوله: {الرحمن الرحيم}.

.فوائد خاصة بتفسير قوله: {الرحمن الرحيم}:

.الفائدة الأولى: معنى الرحمن:

الرحمن: هو المنعم بما لا يتصور صدور جنسه من العباد، والرحيم: هو المنعم بما يتصور جنسه من العباد، حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال كنت ضيفًا لبعض القوم فقدم المائدة، فنزل غراب وسلب رغيفًا، فاتبعته تعجبًا، فنزل في بعض التلال، وإذا هو برجل مقيد مشدود اليدين فألقى الغراب ذلك الرغيف على وجهه.
وروى ذي النون أنه قال: كنت في البيت إذ وقعت ولولة في قلبي، وصرت بحيث ما ملكت نفسي، فخرجت من البيت وانتهيت إلى شط النيل، فرأيت عقربًا قويًا يعدو فتبعته فوصل إلى طرف النيل فرأيت ضفدعًا واقفًا على طرف الوادي، فوثب العقرب على ظهر الضفدع وأخذ الضفدع يسبح ويذهب، فركبت السفينة وتبعته فوصل الضفدع إلى الطرف الآخر من النيل، ونزل العقرب من ظهره، وأخذ يعدو فتبعته، فرأيت شابًا نائمًا تحت شجرة، ورأيت أفعى يقصده فلما قربت الأفعى من ذلك الشاب وصل العقرب إلى الأفعى فوثب العقرب على الأفعى فلدغه، والأفعى أيضًا لدغ العقرب، فماتا معًا، وسلم ذلك الإنسان منهما.