فصل: مناسبة قوله تعالى: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} لما قبله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مناسبة قوله تعالى: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} لما قبله:

قال البقاعي:
ولما كانوا قد اعتادوا في الحج فعلًا منكرًا وكان ترك المألوفات أشق شيء على النفوس، ولذلك قال أهل الطريق وسادات أهل التحقيق: ملاك القصد إلى الله تعالى خلع العادات واستجداد قبول الأمور المنزلات من قيوم السماوات والأرض، وبذلك كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم سادات أهل الإسلام، قال تعالى عاطفًا على {ليس البر} مقبحًا لذلك الفعل عليهم منبهًا على أنهم عكسوا في سؤالهم كما عكسوا في فعالهم، ويجوز أن يكون معطوفًا على حال دل عليها السياق تقديرها: والحال أنه ليس البر سؤالكم هذا عنها {وليس البر} وأكد النفي بزيادة الباء في قوله: {بأن تأتوا البيوت} أي لا الحسية ولا المعنوية {من ظهورها} عند القدوم من الحج أو غيره كما أنه ليس البر بأن تعكسوا في مقالكم بترك السؤال عما يعنيكم والسؤال عما لا يعنيكم بل يعنيكم. اهـ.

.مناسبة قوله تعالى: {ولكن البر مَنِ اتقى} لما قبله:

قال البقاعي:
ولما نفي البر عن ذلك كما نفي في الأول استدرك على نهج الأول فقال: {ولكن البر} قال الحرالي: بالرفع والتخفيف استدراكًا لما هو البر وإعراضًا عن الأول، وبالنصب والتشديد مع الالتفات إلى الأول لمقصد طرحه. انتهى.
{من اتقى} فجعل المتقي نفس البر إلهابًا له إلى الإقبال على التقوى لما كانت التقوى حاملة على جميع ما مضى من خلال الإيمان الماضية اكتفى بها.
ولما كان التقدير: فاتقوا فلا تسألوا عما لا يهمكم في دينكم عطف عليه: {وأتوا البيوت من أبوابها} حسًا في العمل ومعنى في التلقي، والباب المدخل للشيء المحاط بحائط يحجزه ويحوطه- قاله الحرالي. وتقدم تعريفه له بغير هذا. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{البيوت} بضم الباء: أبو جعفر ونافع غير قالون وأبو عمرو وسهل ويعقوب وحفص والمفضل والبرجمي وهشام غير الحلواني. الباقون: بكسر الباء.

.الوقوف:

{تعلموا} o {عن الأهلة} ط لابتداء حكم آخر مع النفي {من اتقى} ج و{الحج} ط ج لعطف الجملتين المختلفتين {أبوابها} ص لعطف المتفقتين {تفلحون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

نقل عن ابن عباس أنه قال: ما كان قوم أقل سؤالًا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم سألوا عن أربعة عشر حرفًا فأجيبوا.
وأقول: ثمانية منها في سورة البقرة أولها: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] وثانيها: هذه الآية ثم الستة الباقية بعد في سورة البقرة، فالمجموع ثمانية في هذه السورة والتاسع: قوله تعالى في سورة المائدة: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة: 4] والعاشر: في سورة الأنفال {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} [الأنفال: 1] والحادي عشر: في بني إسرائيل {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح} [الإسراء: 85] والثاني عشر: في الكهف {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى القرنين} [الكهف: 83] والثالث عشر: في طه {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال} [طه: 105] والرابع عشر: في النازعات {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة} [النازعات: 42] ولهذه الأسئلة ترتيب عجيب: اثنان منها في الأول في شرح المبدأ فالأول: قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي} [البقرة: 186] وهذا سؤال عن الذات والثاني: قوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأهلة} وهذا سؤال عن صفة الخلاقية والحكمة في جعل الهلال على هذا الوجه، واثنان منها في الآخرة في شرح المعاد أحدهما: قوله: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال} والثاني: قوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها} [الأعراف: 187] ونظير هذا أنه ورد في القرآن سورتان أولهما: {يَا أَيُّهَا الناس} [البقرة: 21] أحدهما: في النصف الأول: وهي السورة الرابعة من سورة النصف الأول، فإن أولاها الفاتحة وثانيتها البقرة وثالثها آل عمران ورابعتها النساء وثانيتهما: في النصف الثاني من القرآن وهي أيضًا السورة الرابعة من سور النصف الثاني أولاها مريم، وثانيتها طه، وثالثتها الأنبياء، ورابعتها الحج، ثم {يا أيها الناس} التي في النصف الأول تشتمل على شرح المبدأ فقال: {يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة} [النساء: 1] و{يَا أَيُّهَا الناس} التي في النصف الثاني تشتمل على شرح المعاد فقال: {يَا أَيُّهَا الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيء عَظِيمٌ} [الحج: 1] فسبحان من له في هذا القرآن أسرار خفية، وحكم مطوية لا يعرفها إلا الخواص من عبيده. اهـ.
سؤال: لم جمع الضمير في قوله: {يسألونك} مع أن المروي أن الذي سأله رجلان؟
الجواب: جمع الضمير في قوله: {يسألونك} مع أن المروي أن الذي سأله رجلان نظرًا لأن المسئول عنه يهم جميع السامعين أثناء تشريع الأحكام؛ ولأن من تمام ضبط النظام أن يكون المسئول عنه قد شاع بين الناس واستشرف كثير منهم لمعرفته سواء في ذلك من سأل بالقول ومن سأل في نفسه. اهـ.
سؤال: لم جمع الأهلة؟
الجواب: جمع الأهلة إما لتعددها بتعدد الأشهر أو لاختلاف أحواله وإن كان واحدا فهو كالمتعدد. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} َإِنَّمَا يُسَمَّى هِلَالًا فِي أَوَّلِ مَا يُرَى وَمَا قَرُبَ مِنْهُ لِظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَعْدَ خَفَائِهِ؛ وَمِنْهُ الْإِهْلَالُ بِالْحَجِّ، وَهُوَ إظْهَارُ التَّلْبِيَةِ، وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ: ظُهُورُ حَيَاتِهِ بِصَوْتٍ أَوْ حَرَكَةٍ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْإِهْلَالَ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَإِنَّ إهْلَالَ الْهِلَالِ مِنْ ذَلِكَ لِرَفْعِ الصَّوْتِ بِذِكْرِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ وَأَظْهَرُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: تَهَلَّلَ وَجْهُهُ: إذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْبِشْرُ وَالسُّرُورُ، وَلَيْسَ هُنَاكَ صَوْتٌ مَرْفُوعٌ؟ وَقَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى أَسِرَّةِ وَجْهِهِ بَرَقَتْ كَبَرْقِ الْعَارِضِ الْمُتَهَلِّلِ يَعْنِي الظَّاهِرَ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُسَمَّى هِلَالًا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُسَمَّى هِلَالًا لِلَيْلَتَيْنِ مِنْ الشَّهْر، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُسَمَّى لِثَلَاثِ لَيَالٍ ثُمَّ يُسَمَّى قَمَرًا، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: يُسَمَّى هِلَالًا حَتَّى يَحْجُرَ، وَتَحْجِيرُهُ أَنْ يَسْتَدِيرَ بِخُطَّةٍ دَقِيقَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُسَمَّى هِلَالًا حَتَّى يُبْهِرَ ضَوْءُهُ سَوَادَ اللَّيْلِ، فَإِذَا غَلَبَ ضَوْءُهُ سُمِّيَ قَمَرًا.
قَالُوا: وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْأَكْثَرُ يُسَمُّونَهُ هِلَالًا لِابْنِ لَيْلَتَيْنِ، وَقِيلَ: إنَّ سُؤَالَهُمْ وَقَعَ عَنْ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي زِيَادَةِ الْأَهِلَّةِ وَنُقْصَانِهَا، فَأَجَابَهُمْ: إنَّهَا مَقَادِيرُ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ فِي صَوْمِهِمْ وَحَجِّهِمْ وَعِدَدِ نِسَائِهِمْ وَمَحَلِّ الدُّيُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ، فَكَانَتْ هَذِهِ مَنَافِعَ عَامَّةً لِجَمِيعِهِمْ وَبِهَا عَرَفُوا الشُّهُورَ وَالسِّنِينَ وَمَا لَا يُحْصِيهِ مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

السؤال عن الأهلة لا يتعلق بذواتها إذ الذوات لا يسأل إلا عن أحوالها، فيُعلم هنا تقدير وحذف أي عن أحوال الأهلة، فعلى تقدير كون السؤال واقعًا بها غير مفروض فهو يحتمل السؤال عن الحكمة ويحتمل السؤال عن السبب، فإن كان عن الحكمة فالجواب بقوله: {قل هي مواقيت للناس} جار على وفق السؤال، وإلى هذا ذهب صاحب الكشاف، ولعل المقصود من السؤال حينئذٍ استثبات كون المراد الشرعي منها موافقًا لما اصطلحوا عليه؛ لأن كونها مواقيت ليس مما يخفى حتى يسأل عنه، فإنه متعارف لهم، فيتعين كون المراد من سؤالهم إن كان واقعًا هو تحقق الموافقة للمقصد الشرعي.
وإن كان السؤال عن السبب فالجواب بقوله: {قل هي مواقيت} غير مطابق للسؤال، فيكون إخراجًا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر بصرف السائل إلى غير ما يتطلب، تنبيهًا على أن ما صرف إليه هو المهم له، لأنهم في مبدأ تشريع جديد والمسئول هو الرسول عليه الصلاة والسلام وكان المهم لهم أن يسألوه عما ينفعهم في صلاح دنياهم وأخراهم، وهو معرفة كون الأهلة ترتبت عليها آجال المعاملات والعبادات كالحج والصيام والعدة، ولذلك صرفهم عن بيان مسئولهم إلى بيان فائدة أخرى، لاسيما والرسول لم يجيء مبينًا لعلل اختلاف أحوال الأجرام السماوية، والسائلون ليس لهم من أصول معرفة الهيئة ما يهيئهم إلى فهم ما أرادوا علمه بمجرد البيان اللفظي بل ذلك يستدعى تعليمهم مقدمات لذلك العلم، على أنه لو تعرض صاحب الشريعة لبيانه لبين أشياء من حقائق العلم لم تكن معروفة عندهم ولا تقبلها عقولهم يومئذٍ، ولكان ذلك ذريعة إلى طعن المشركين والمنافقين بتكذيبه، فإنهم قد أسرعوا إلى التكذيب فيما لم يطلعوا على ظواهره كقولهم: {هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذبًا أم به جنة} [سبأ: 7، 8] وقولهم: {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاق} [ص: 7] وعليه فيكون هذا الجواب بقوله: {هي مواقيت للناس والحج} تخريجًا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر كقول الشاعر. أنشده في المفتاح ولم ينسبه ولم أقف على قائله ولم أره في غيره.
أتت تشتكي منّي مزاولة القرى ** وقد رأت الأضياف يَنْحَوْن منزلي

فقلت لها لمّا سمعت كلامها ** هم الضيف جِدِّي في قراهم وعجِّلي

وإلى هذا نحا صاحب المفتاح وكأنه بناه على أنهم لا يظن بهم السؤال عن الحكمة في خلق الأهلة لظهورها، وعلى أن الوارد في قصة معاذ وثعلبة يشعر بأنهما سألا عن السبب إذ قالا: ما بال الهلال يبدو دقيقًا الخ. اهـ.

.قال القرطبي:

إذا رُؤي الهلال كبيرًا فقال علماؤنا: لا يُعَوَّل على كبره ولا على صغره وإنما هو ابن ليلته. روى مسلم عن أبي البَخْتَرِيّ قال: خرجنا للعُمْرة فلما نزلنا ببطن نَخْلة قال: تراءينا الهلال؛ فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين. قال: فلقِينا ابن عباس فقلنا: إنا رأينا الهلال فقال بعض القوم هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم هو ابن ليلتين. فقال: أيّ ليلة رأيتموه؟ قال فقلنا: ليلة كذا وكذا. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله مدّه للرؤية فهو لِلَيْلةٍ رأيتموه». اهـ.

.قال الفخر:

المواقيت جمع الميقات بمعنى الوقت كالميعاد بمعنى الوعد، وقال بعضهم الميقات منتهى الوقت، قال الله تعالى: {فَتَمَّ ميقات رَبّهِ} [الأعراف: 142] والهلال ميقات الشهر، ومواضع الإحرام مواقيت الحج لأنها مواضع ينتهي إليها، ولا تصرف مواقيت لأنها غاية الجموع، فصار كأن الجمع يكرر فيها فإن قيل: لم صرفت قوارير؟ قيل: لأنها فاصلة وقعت في رأس آية، فنون ليجري على طريقة الآيات، كما تنون القوافي، مثل قوله:
أقل اللوم عاذل والعتابن

.قال ابن عاشور:

وقوله: {مواقيت للناس} أي مواقيت لما يُوقَّت من أعمالهم فاللام للعلة أي لفائدة الناس وهو على تقدير مضاف أي لأعمال الناس، ولم تذكر الأعمال الموقَّتة بالأهلة ليشمل الكلام كل عمل محتاج إلى التوقيت، وعطف الحج على الناس مع اعتبار المضاف المحذوف من عطف الخاص على العام للاهتمام به واحتياج الحج للتوقيت ضروري؛ إذ لو لم يوقّت لجاء الناس للحج متخالفين فلم يحصل المقصود من اجتماعهم ولم يجدوا ما يحتاجون إليه في أسفارهم وحلولهم بمكة وأسواقها؛ بخلاف الصلاة فليست موقتة بالأهلة، وبخلاف الصوم فإن توقيته بالهلال تكميلي له؛ لأنه عبادة مقصورة على الذات فلو جاء بها المنفرد لحصل المقصد الشرعي ولكن شُرع فيه توحيد الوقت ليكون أخف على المكلفين، فإن الصعب يخف بالاجتماع وليكون حالهم في تلك المدة متماثلًا فلا يشق أحد على آخر في اختلاف أوقات الأكل والنوم ونحوهما.
والمواقيت جمع ميقات والميقات جاء بوزن اسم الآلة من وقَّت وسمى العرب به الوقت، وكذلك سُمي الشهر شهرًا مشتقًا من الشهرة، لأن الذي يرى هلال الشهر يشهره لدى الناس. وسمى العرب الوقت المعيَّن ميقاتًا كأنه مبالغة وإلاّ فهو الوقت عينه. وقيل: الميقات أخص من الوقت، لأنه وقت قُدّر فيه عمل من الأعمال، قلت: فعليه يكون صوغه بصيغة اسم الآلة اعتبارًا بأن ذلك العمل المعيَّن يكون وسيلة لتحديد الوقت فكأنه آلة للضبط والاقتصار على الحج دون العمرة لأن العمرة لا وقت لها فلا تكون للأهلة فائدة في فعلها.
ومجيء ذكر الحج في هاته الآية، وهي من أول ما نزل بالمدينة، ولم يكن المسلمون يستطيعون الحج حينئذٍ لأن المشركين يمنعونهم إشارة إلى أن وجوب الحج ثابت ولكن المشركين حالوا دون المسلمين ودونه. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه سبحانه وتعالى جعل الزمان مقدرًا من أربعة أوجه: السنة والشهر واليوم والساعة، أما السنة فهي عبارة عن الزمان الحاصل من حركة الشمس من نقطة معينة من الفلك بحركتها الحاصلة عن خلاف حركة الفلك إلى أن تعود إلى تلك النقطة بعينها، إلا أن القوم اصطلحوا على أن تلك النقطة نقطة الإعتدال الربيعي وهو أول الحمل، وأما الشهر فهو عبارة عن حركة القمر من نقطة معينة من فلكه الخاص به إلى أن يعود إلى تلك النقطة، ولما كان أشهر أحوال القمر وضعه مع الشمس، وأشهر أوضاعه من الشمس هو الهلال العربي، مع أن القمر في هذا الوقت يشبه الموجود بعد العدم والمولود الخارج من الظلم لا جرم جعلوا هذا الوقت منتهى للشهر، وأما اليوم بليلته فهو عبارة عن مفارقة نقطة من دائرة معدل النهار نقطة من دائرة الأفق، أو نقطة من دائرة نصف النهار وعودها إليها، فالزمان المقدر عبارة عن اليوم بليلته، ثم أن المنجمين اصطلحوا على تعيين دائرة نصف النهار مبدأ لليوم بليلته، أما أكثر الأمم فإنهم جعلوا مبادئ الأيام بلياليها من مفارقة الشمس أفق المشرق وعودها إليه من الغداة، واحتج من نصر مذهبهم بأن الشمس عند طلوعها كالموجود بعد العدم فجعله أولا أولى، فزمان النهار عبارة عن مدة كون الشمس فوق الأرض، وزمان الليل عبارة عن كونها تحت الأرض، وفي شريعة الإسلام يفتتحون النهار من أول وقت طلوع الفجر في وجوب الصلاة والصوم وغيرهما من الأحكام، وعند المنجمين مدة الصوم في الشرع هي زمان النهار كله مع زيادة من زمان الليل معلومة المقدار محدودة المبدأ، وأما الساعة فهي على قسمين: مستوية جزء من أربعة وعشرين من يوم وليلة، فهذا كلام مختصر في تعريف السنة والشهر واليوم والساعة. اهـ.
قال الفخر:
أما قوله تعالى: {والحج} ففيه إضمار تقديره وللحج كقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أولادكم} [البقرة: 233] أي لأولادكم، واعلم أنا بينا أن الأهلة مواقيت لكثير من العبادات فإفراد الحج بالذكر لابد فيه من فائدة ولا يمكن أن يقال تلك الفائدة هي أن مواقيت الحج لا تعرف إلا بالأهلة، قال تعالى: {الحج أَشْهُرٌ معلومات} [البقرة: 197] وذلك لأن وقت الصوم لا يعرف إلا بالأهلة، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنزِلَ فِيهِ القرآن} [البقرة: 185] وقال عليه السلام: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته».
وأحسن الوجوه فيه ما ذكره القفال رحمه الله: وهو أن إفراد الحج بالذكر إنما كان لبيان أن الحج مقصور على الأشهر التي عينها الله تعالى لفرضه وأنه لا يجوز نقل الحج من تلك الأشهر إلى أشهر كما كانت العرب تفعل ذلك في النسيء والله أعلم. اهـ.