فصل: قال ابن عرفة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عرفة:

وجواب السؤال في القرآن كله بغير فاء مثل {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى} ومثل {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ} إلا قوله: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} قال ابن عرفة: وعادتهم يجيبون بأن الكل أمور دنيوية فالسؤال عنها ثابت واقع في الوجود وقوله: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال} فأمر أخروي والكفار منكرون للبعث فالسؤال غير واقع لكنه مقدر الوقوع في المستقبل أي إِنْ يَسْأَلُوكَ عَنِ الجِبَالِ، فهو جواب لشرط مقدر فحسنت فيه الفاء. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} ففيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوها:
أحدها: قال الحسن والأصم كان الرجل في الجاهلية إذا هم بشيء فتعسر عليه مطلوبه لم يدخل بيته من بابه بل يأتيه من خلفه ويبقى على هذه الحالة حولًا كاملًا، فنهاهم الله تعالى عن ذلك لأنهم كانوا يفعلونه تطيرًا، وعلى هذا تأويل الآية ليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها على وجه التطير، لكن البر من يتقي الله ولم يتق غيره ولم يخف شيئًا كان يتطير به، بل توكل على الله تعالى واتقاه وحده، ثم قال: {واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي لتفوزوا بالخير في الدين والدنيا كقوله: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 3] {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4] وتمام التحقيق في الآية أن من رجع خائبًا يقال: ما أفلح وما أنجح، فيجوز أن يكون الفلاح المذكور في الآية هو أن الواجب عليكم أن تتقوا الله حتى تصيروا مفلحين منجحين وقد وردت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن التطير، وقال: «لا عدوى ولا طيرة» وقال من «رده عن سفره تطير فقد أشرك» أو كما قال وأنه كان يكره الطيرة ويحب الفأل الحسن وقد عاب الله تعالى قومًا تطيروا بموسى ومن معه {قَالُواْ اطيرنا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ الله} [النمل: 47].
الوجه الثاني: في سبب نزول هذه الآية، روي أنه في أول الإسلام كان إذا أحرم الرجل منهم فإن كان من أهل المدن نقب في ظهر بيته منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلمًا يصعد منه سطح داره ثم ينحدر، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء، فقيل لهم: ليس البر بتحرجكم عن دخول الباب، ولكن البر من اتقى.
الوجه الثالث: أن أهل الجاهلية إذا أحرم أحدهم نقب خلف بيته أو خيمته نقبًا منه يدخل ويخرج إلا الحمس، وهم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخيثم وبنو عامر بن صعصعة وبنو نصر بن معاوية، وهؤلاء سموا حمسًا لتشددهم في دينهم، الحماسة الشدة، وهؤلاء متى أحرموا لم يدخلوا بيوتهم ألبتة ولا يستظلون الوبر ولا يأكلون السمن والأقط، ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كام محرمًا ورجل آخر كان محرمًا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كونه محرمًا من باب بستان قد خرب فأبصره ذلك الرجل الذي كان محرمًا فاتبعه، فقال عليه السلام: تنح عني، قال: ولم يا رسول الله؟ قال: دخلت الباب وأنت محرم فوقف ذلك الرجل فقال: إني رضيت بسنتك وهديك وقد رأيتك دخلت فدخلت فأنزل الله تعالى هذه الآية وأعلمهم أن تشديدهم في أمر الإحرام ليس ببر ولكن البر من اتقى مخالفة الله وأمرهم بترك سنة الجاهلية فقال: {وَأْتُواْ البيوت مِنْ أبوابها} فهذا ما قيل في سبب نزول هذه الآية. اهـ.
وذكر العلامة الماوردى ثلاثة أسباب أخرى هي عنى بالبيوت النساء، سُمِّيَتْ بيوتًا للإيواء إليهن، كالإيواء إلى البيوت، ومعناه: لا تأتوا النساء من حيث لا يحل من ظهورهن، وأتوهن من حيث يحل من قُبُلهن، قاله ابن زيد.
والخامس: معناه ليس البر أن تطلبوا الخير من غير أهله، وتأتوه من غير بابه، وهذا قول أبي عبيدة.
والقول السادس: أنه مثلٌ ضَربه الله عز وجل لهم، بأن يأتوا البر من وجهه، ولا يأتوه من غير وجهه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الصحيح من ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال: كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها فجاء رجل فدخل من بابه فكأنَّه عبّر بذلك هذه الآية، ورواية السدي وهَم، وليس في الصحيح ما يقتضي أن رسول الله أمر بذلك ولا يظن أن يكون ذلك منه، وسياق الآية ينافيه. اهـ.

.قال ابن الجوزى:

وفيما كانوا لا يدخلون البيوت من أبوابها لأجله أربعة أقوال. أحدها: أنهم كانوا يفعلون ذلك لأجل الإحرام، قاله ابن عباس، وأبو العالية، والنخعي، وقتادة، وقيس النهشلي. والثاني: لأجل دخول الشهر الحرام، قاله البراء بن عازب. والثالث: أن أهل الجاهلية كانوا إذا همَّ أحدهم بالشيء فاحتبس عنه؛ لم يأت بيته من بابه حتى يأتي الذي كان هم به، قاله الحسن. والرابع: أن أهل المدينة كانوا إذا رجعوا من عيدهم فعلوا ذلك، رواه عثمان بن عطاء عن أبيه. اهـ.

.قال الألوسي:

والظاهر أن جملة النفي معطوفة على مقول قل فلابد من الجامع بينهما فأما أن يقال: إنهم سألوا عن الأمرين كيف ما اتفق، فجمع بينهما في الجواب بناءًا على الاجتماع الاتفاقي في السؤال، والأمر الثاني: مقدر إلا أنه ترك ذكره إيجازًا واكتفاءًا بدلالة الجواب عليه، وإيذانًا بأن هذا الأمر مما لا ينبغي أن يقع فيحتاج إلى السؤال عنه، أو يقال: إن السؤال واقع عن الأهلة فقط وهذا مستعمل إما على الحقيقة مذكور للاستطراد حيث ذكر مواقيت الحج والمذكور أيضًا من أفعالهم فيه إلا الخمس، أو للتنبيه على أن اللائق بحالهم أن يسألوا عن أمثال هذا الأمر، ولا يتعرضوا بما لا يهمهم عن أمر الأهلة وإما على سبيل الاستعارة التمثيلية بأن يكون قد شبه حالهم في سؤالهم عما لا يهم، وترك المهم بحال من ترك الباب وأتى من غير الطريق للتنبيه على تعكيسهم الأمر في هذا السؤال، فالمعنى: وليس البر بأن تعكسوا مسائلكم ولكن البر من اتقى ذلك ولم يجبر على مثله، وجوز أن يكون العطف على قوله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ} والجامع بينهما أن الأول: قول لا ينبغي، والثاني: فعل لا ينبغي وقعًا من الأنصار على ما تحكيه بعض الروايات. اهـ.
سؤال: ما معنى نفي البر في الآية؟
الجواب: معنى نفي البر عن هذا نفي أن يكون مشروعًا أو من الحنيفية، وإنما لم يكن مشروعًا لأنه غلو في أفعال الحج، فإن الحج وإن اشتمل على أفعال راجعة إلى ترك الترفه عن البدن كترك المخيط وترك تغطية الرأس إلاّ أنه لم يكن المقصد من تشريعه إعنات الناس بل إظهار التجرد وترك الترفه، ولهذا لم يكن الحمس يفعلون، ذلك لأنهم أقرب إلى دين إبراهيم، فالنفي في قوله: {وليس البر} نفي جنس البر عن هذا الفعل بخلاف قوله المتقدم {ليس البر أن تولوا وجوهكم} [البقرة: 177] والقرينة هنا هي قوله: {وأتوا البيوت من أبوابها} ولم يقل هنالك: واستقبلوا أية جهة شئتم، والمقصود من الآيتين إظهار البر العظيم وهو ما ذكر بعد حرف الاستدراك في الآيتين بقطع النظر عما نفي عنه البر، وهذا هو مناط الشبه والافتراق بين الآيتين. اهـ.

.قال الفخر:

ذكروا في تفسير الآية ثلاثة أوجه:
الأول: وهو قول أكثر المفسرين حمل الآية على هذه الأحوال التي رويناها في سبب النزول، إلا أن على هذا التقدير صعب الكلام في نظم الآية، فإن القوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحكمة في تغيير نور القمر، فذكر الله تعالى الحكمة في ذلك، وهي قوله: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج} فأي تعلق بين بيان الحكمة في اختلاف نور القمر، وبين هذه القصة، ثم القائلون بهذا القول أجابوا عن هذا السؤال من وجوه:
أحدها: أن الله تعالى لما ذكر أن الحكمة في اختلاف أحوال الأهلة جعلها مواقيت للناس والحج، وكان هذا الأمر من الأشياء التي اعتبروها في الحج لا جرم تكلم الله تعالى فيه.
وثانيها: أنه تعالى إنما وصل قوله: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} بقوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأهلة} لأنه إنما اتفق وقوع القصتين في وقت واحد فنزلت الآية فيهما معًا في وقت واحد ووصل أحد الأمرين بالآخر وثالثها: كأنهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال الأهلة فقيل لهم: اتركوا السؤال عن هذا الأمر الذي لا يعنيكم وارجعوا إلى ما البحث عنه أهم لكم فإنكم تظنون أن إتيان البيوت من ظهورها بر وليس الأمر كذلك.
القول الثاني: في تفسير الآية أن قوله تعالى: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} مثل ضربه الله تعالى لهم، وليس المراد ظاهره، وتفسيره أن الطريق المستقيم المعلوم هو أن يستدل بالمعلوم على المظنون، فأما أن يستدل بالمظنون على المعلوم فذاك عكس الواجب وضد الحق وإذا عرفت هذا فنقول: إنه قد ثبت بالدلائل أن للعالم صانعًا مختارًا حكيمًا، وثبت أن الحكيم لا يفعل إلا الصواب البريء عن العبث والسفه، ومتى عرفنا ذلك، وعرفنا أن اختلاف أحوال القمر في النور من فعله علمنا أن فيه حكمة ومصلحة، وذلك لأن علمنا بهذا الحكيم الذي لا يفعل إلا الحكمة يفيدنا القطع بأن فيه حكمة، لأنه استدلال بالمعلوم على المجهول، فأما أن يستدل بعدم علمنا بما فيه من الحكمة على أن فاعله ليس بالحكيم، فهذا الاستدلال باطل، لأنه استدلال بالمجهول على القدح في المعلوم إذا عرفت هذا فالمراد من قوله تعالى: {وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} يعني أنكم لما لم تعلموا حكمته في اختلاف نور القمر صرتم شاكين في حكمة الخالق، فقد أتيتم الشيء لا من البر ولا من كمال العقل إنما البر بأن تأتوا البيوت من أبوابها فتستدلوا بالمعلوم المتيقن وهو حكمة خالقها على هذا المجهول فتقطعوا بأن فيه حكمة بالغة، وإن كنتم لا تعلمونها، فجعل إتيان البيوت من ظهورها كناية عن العدول عن الطريق الصحيح، وإتيانها من أبوابها كناية عن التمسك بالطريق المستقيم، وهذا طريق مشهور في الكناية فإن من أرشد غيره إلى الوجه الصواب يقول له: ينبغي أن تأتي الأمر من بابه وفي ضده يقال: إنه ذهب إلى الشيء من غير بابه قال تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187] وقال: {واتخذتموه وَرَاءكُمْ} [هود: 92] فلما كان هذا طريقًا مشهورًا معتادًا في الكنايات، ذكره الله تعالى ههنا، وهذا تأويل المتكلمين ولا يصح تفسير هذه الآية فإن تفسيرها بالوجه الأول يطرق إلى الآية سوء الترتيب وكلام الله منزه عنه.
القول الثالث: في تفسير الآية ما ذكره أبو مسلم، أن المراد من هذه الآية ما كانوا يعلمونه من النسيء، فإنهم كانوا يخرجون الحج عن وقته الذي عينه الله له فيحرمون الحلال ويحلون الحرام فذكر إتيان البيوت من ظهورها مثل لمخالفة الواجب في الحج وشهوره. اهـ.

.قال الجصاص:

وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ جَمِيعَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ إتْيَانَ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا هُوَ مِمَّا شَرَعَهُ وَلَا نَدَبَ إلَيْهِ، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مَثَلًا أَرْشَدَنَا بِهِ إلَى أَنْ نَأْتِيَ الْأُمُورَ مِنْ مَأْتَاهَا الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَنَدَبَ إلَيْهِ.
وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ مَا لَمْ يَشْرَعْهُ قُرْبَةٌ وَلَا نُدِبَ إلَيْهِ لَا يَصِيرُ قُرْبَةً وَلَا دِينًا بِأَنْ يَتَقَرَّبَ بِهِ مُتَقَرِّبٌ وَيَعْتَقِدَهُ دِينًا وَنَظِيرُهُ مِنْ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ صَمْتِ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ وَأَنَّهُ رَأَى رَجُلًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: مَا شَأْنُهُ؟ فَقِيلَ: إنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْسِ؛ فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى الْفَيْءِ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ الْوِصَالِ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا صَوْمَ فِيهِ، فَنَهَى أَنْ يُعْتَقَدَ صَوْمُهُ وَتَرْكُ الْأَكْلِ فِيهِ قُرْبَةٌ، وَهَذَا كُلُّهُ أَصْلٌ فِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالنَّذْرِ وَلَا يَصِيرُ قُرْبَةً بِالْإِيجَابِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً لَا يَصِيرُ وَاجِبًا بِالنَّذْرِ، نَحْوَ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَالْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْقُعُودِ فِيهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقد قيل في تفسير الآية وجوه واحتمالات أخرى كلها بعيدة: فقيل إن قوله: {وليس البر} مثل ضربه الله لما كانوا يأتونه من النسيء قاله أبو مسلم وفيه بعد حقيقة ومجازًا ومعنى؛ لأن الآيات خطاب للمسلمين وهم الذين سألوا عن الأهلة، والنسيء من أحوال أهل الجاهلية، ولأنه يئول إلى استعارة غير رشيقة، وقيل: مثل ضرب لسؤالهم عن الأهلة من لا يعلم وأمرهم بتفويض العلم إلى الله وهو بعيد جدًا لحصول الجواب من قبل، وقيل: كانوا ينذرون إذا تعسر عليهم مطلوبهم ألاّ يدخلوا بيوتهم من أبوابها فنهوا عن ذلك وهذا بعيدٌ معنى، لأن الكلام مع المسلمين وهم لا يفعلون ذلك، وسَنَدًا، إذ لم يروِ أحد أن هذا سبب النزول. اهـ.
سؤال: ما فائدة الباء الزائدة في قوله تعالى: {بأن تأتوا}؟
الجواب: لتأكيد النفي بلَيْس، ومقتضى تأكيد النفي أنهم كانوا يظنون أن هذا المنفي من البر ظنًا قويًا فلذلك كانَ مقتضى حالهم أن يؤكَّد نفيُ هذا الظن. اهـ.
قال ابن عاشور:
وقوله: {وأتوا البيوت من أبوابها} معطوف على جملة {وليس البر} عطف الإنشاء على الخبر الذي هو في معنى الإنشاء؛ لأن قوله: {ليس البر} في معنى النهي عن ذلك فكان كعطف أمر على نهي. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما كان الأمر بالتقوى قد تقدم ضمنًا وتلويحًا أتى به دالًا على عظيم جدواها ذكرًا وتصريحًا دلالة على التأكيد في تركهم تلك العادة لاقتضاء الحال ذلك لأن من اعتاد شيئًا قلّ ما يتركه وإن تركه طرقه خاطره وقتًا ما فقال: {واتقوا الله} أي الملك الأعظم في كل ما تأتون وما تذرون ووطنوا النفوس واربطوا القلوب على أن جميع أفعاله تعالى حكة وصواب من غير اختلاج شبهة ولا اعتراض شك في ذلك حتى لا يسأل عنه لما في السؤال من الإيهام بمفارقة الشك. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

في قوله: {وليس البر} الآية إشارة إلى أن لكل شيء سببا ومدخلا لا يمكن الوصول إليه ولا الدخول إلا باتباع ذلك السبب والمدخل كقوله تعالى: {وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا} فسبب الوصول إلى حضرة الربوبية والمدخل فيها هو التقوى، وهى اسم جامع لكل بر من أعمال الظاهر وأحوال الباطن والقيام باتباع الموافقات واجتناب المخالفات وتصفية الضمائر ومراقبة السرائر فبقدر السلوك في مراتب التقوى يكون الوصول إلى حضرة المولى كقوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وقال عليه السلام: «عليكم بتقوى الله فإنه جماع كل خير» فقوله: {وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها} أى غر مدخلها بمحافظة ظواهر الأعمال من غير رعاية حقوق بواطنها بتقوى الأحوال {ولكن البر من اتقى} أى حق التقوى كقوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته} قيل في معناه أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر {وائتوا البيوت من أبوابها} أى ادخلوا الأمور من مداخلها ثم ذكر مدخل الوصول وقال: {واتقوا الله} أى اتقوا بالله عما سواه يقال فلان اتقى بترسه يعنى: اجعلوا لله محرزكم ومتقاكم ومفركم ومفزعكم ومرجعكم منه إليه كما كان حال النبي عليه السلام يقول: «أعوذ بك منك» {لعلكم تفلحون} لكى تنجوا وتتخلصوا من مهالك النفوس باعانة الملك القدوس. اهـ.