فصل: قال السمرقندي فِي الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي فِي الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} يعني: لا يخافون البعث بعد الموت.
ويقال: لا يرجون الجنة والمغفرة، وهم كفار أهل مكة {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملئكة} يعني: هلا أنزل علينا الملائكة، فيخبروننا بأنك رسول الله إلينا {أَوْ نرى رَبَّنَا} فيخبرنا بأنك مرسل.
قال الله تعالى: {لَقَدِ استكبروا فِي أَنفُسِهِمْ} يعني: تعظموا في أنفسهم، وأعرضوا عن الإيمان.
ويقال: لقد استكبروا في أنفسهم، يعني: وضعوا لأنفسهم قدرًا ومنزلة، حيث أرادوا لأنفسهم الرسل من الملائكة عليهم السلام ورؤية الرب عز وجل: {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} يعني: أبوا إباءً كثيرًا.
ويقال اجترءوا على الله اجتراء كثيرًا.
وقال أهل اللغة: العاتي الذي لا ينفعه الوعظ والنصيحة، ثم أخبر متى يرون الملائكة فقال عز وجل: {يَوْمَ يَرَوْنَ الملئكة} يعني: يوم القيامة {لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لّلْمُجْرِمِينَ} يعني: للمشركين، وتكون البشارة للمؤمنين.
ثم قال: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا} يعني: تقول لهم الملائكة: حرامًا محرمًا، أي تكون لهم البشرى يومئذ بما يبشر به المتقون، وإنما قيل للحرام حجر، لأنه حجر عليه.
وقال مجاهد: تقول الملائكة حرامًا محرمًا أن يدخلوا الجنة.
وقال الحسن وقتادة، وهي كلمة كانت العرب تقولها.
كان الرجل إذا نزلت به الشدة قال: حجرًا محجورًا، أي: حرامًا محرمًا.
ويقال: إن قريشًا كانوا إذا استقبلهم أحد كانوا يقولون له: حاجورا حاجورا، حتى يعرف أنهم من الحرم، فلا يضرونهم، وأخبر أنهم كانوا يقولون ذلك، ولا ينفعهم.
ويقال: إن المشركين في الشهر الحرام إذا استقبلهم أحد يقولون: حجرًا محجورًا، ويريدون أن يذكروه أنه في الشهر الحرام، وذلك القول لا ينفعهم يوم القيامة.
وقرأ الحسن حجرًا بضم الحاء، وقراءة العامة بكسر الحاء {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ} قال الكلبي: يعني عمدنا إلى ما عملوا من عمل لغير الله تعالى.
ويقال: قصدنا إلى ما عملوا من عمل، ومعناه نظرنا في أعمالهم، ولم نجد فيها خيرًا، فأبطلناها، ولم نجعل لها ثوابًا، فذلك قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} قال الضحاك: هو الغبار ما لا يستطاع جمعه، ولا أخذه بيد.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الهباء المنثور الذي تراه في شعاع الشمس في الكوة، وهذا قول عكرمة والكلبي.
وقال قتادة: هو ما ذرت الريح من حطام الشجر.
ويقال: الغبار الذي يسطع من حوافر الدواب.
ثم قال عز وجل: {أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا} يعني: أفضل منزلًا {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} يعني: مرجعًا ومجلسًا.
وروي عن الأعمش عن إبراهيم في قوله: خير مستقرًا، وأحسن مقيلًا يعني، قال: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس إلى مقدار نصف النهار فيقيل هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار.
وروي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما قالا: لا ينتصف النهار من ذلك اليوم، حتى يقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، عنيا بذلك يوم القيامة، ولأن مقدار ذلك اليوم خمسون ألف سنة، وإنما أراد بتلك القيلولة القرار لا النوم، لأنه لا يكون في الجنة نوم، ولا في النار نوم قوله عز وجل: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء}. قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر تشقَّق بتشديد الشين، لأن أصله يتشقق، فأدغم إحدى التاءين في الشين.
وقرأ الباقون بالتخفيف، وهذا مثل الاختلاق في قوله تسألون فقال: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام} يعني: الغمام والغمام هو شيء مثل السحاب الأبيض فوق سبع سموات.
كما روي في الخبر أن دعوة المظلوم ترفع فوق الغمام، يعني: تشقق السماء، وتظهر بالغمام {وَنُزّلَ الملائكة تَنزِيلًا}.
قرأ ابن كثير وننزل الملائكة بنونين ونصب الهاء، ومعناه: أن الله تعالى يقول: {نُنَزّلُ الملائكة} وقرأ الباقون ونزل على ما فعل ما لم يسم فاعله، معناه: أن الله تعالى ينزل ملائكة السموات.
وروي في الخبر أنه تشقق سماء الدنيا فينزل ملائكة سماء الدنيا، بمثلَيْ من في الأرض من الجن والإنس.
ويقول لهم: الخلائق أفيكم ربنا؟ يعني: هل جاء أمر ربنا بالحساب؟ فيقول: لا، وسوف يأتي، ثم تنزل ملائكة السماء الثانية بمثلي من في الأرض من الملائكة، والإنس والجن، ثم تنزل ملائكة كل سماء على هذا التضعيف حتى تنزل ملائكة سبع سموات، فيظهر بالغمام، وهو كالسحاب الأبيض فوق سبع سموات، ثم ينزل بالأمر بالحساب، فذلك قوله: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام وَنُزّلَ الملائكة تَنزِيلًا} ويقال: الغمام الذي قال في سورة البقرة: {فِي ظُلَلٍ مّنَ الغمام والملائكة} ثم قال عز وجل: {الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن} وفي الآية تقديم، ومعناه: الملك يومئذ الحق للرحمن الحق صفة الملك، والمعنى: الملك الذي هو الملك حقًا ملك الرحمن، لأنه لا يدعي الملك يومئذ أحد.
ويقال: الحق يومئذ الملك الخالص.
ويقال: يعني: الملك الصدق.
ثم قال تعالى: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الكافرين عَسِيرًا} يعني: شديدًا.
وفي الآية دليل أن ذلك اليوم يكون على المؤمنين يسيرًا، وهذا كما قال في آية أخرى: {عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 10].
قوله عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} يعني: عقبة بن أبي معيط، وذلك أن عقبة كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعامًا، وكان يدعو إلى الطعام من أهل مكة من أحب وأراد، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعجبه حديثه، فقدم ذات يوم من سفره، وصنع طعامًا، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم الطعام إليه، فأبى أن يأكل، وقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك، حتى تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وكان عندهم من العار أن يخرج أحدهم، قبل أن يأكل من الطعام شيئًا، فألح عليه أن يأكل، فلم يأكل، فشهد بذلك عقبة، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من طعامه، وكان أبيُّ بن خلف الجمحي غائبًا، وكان خليله، فلما قدم أخبر ذلك، فأتاه فقال: صبوت يا عقبة.
فقال: لا والله ما صبوت، ولكن دخل علي رجل، فأبى أن يأكل من طعامي، إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم، فشهدت فطعم.
فقال له: ما أنا بالذي أرضى عنك أبدًا حتى تأتيه، فتبزق في وجهه، وتشتمه وتكذبه، ففعل ذلك.
فنزلت هذه الآية: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم} يعني: عقبة على يديه يعني: على أنامله.
وروي عن أنس بن مالك أنه قال: يعض عقبة بن أبي معيط على يديه يوم القيامة، يأكل لحم يديه حتى يبلغ العضد من الندامة، وهو {يَقُولُ ياليتنى لَيْتَنِى اتخذت مَعَ الرسول سَبِيلًا} يعني: اتخذت طريق الهدى، وكنت معه على الإسلام قوله عز وجل: {سَبِيلًا يا ويلتى لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلًا} يعني: أبيَّ بن خلف.
وقال إنما قال فلانًا، ولم يذكر اسمه لحقارته {لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذكر} أي عن الإيمان {بَعْدَ إِذْ جَاءنِى} أي حين جاءني ويقال: إنه لم يذكر اسمه، لأنه دخل في جميع الظالمين، لأن مَنْ صَنَع مِثْلَ هَذَا الصَّنِيع يكون جزاؤه هذا، وقتل عقبة يوم بدر صبرًا، وقتل أبيُّ بن خلف يوم أحد ويقال: {لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلًا}، يعني: الشيطان بدليل قوله عز وجل: {وَكَانَ الشيطان للإنسان خَذُولًا} يعني: يتبرأ منه يوم القيامة، ونزل فيه: {الاخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67] ثم قال عز وجل: {وَقَالَ الرسول يارب رَبّ إِنَّ قَوْمِى اتخذوا هذا القرءان مَهْجُورًا} يعني: متروكًا لا يؤمنون به، ولا يعملون بما فيه.
وقال القتبي: يعني: جعلوه كالهذيان.
ويقال: فلان يهجر في منامه، أي يهذي.
وقال مجاهد: يهجرون منه بالقول، يعني: يقولون فيه بالقبيح، فبين الشكاية من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرب عز وجل، ثم إن الله عز وجل عزاه، وأخبره أن الرسل من قبله كانوا يتأذون بقومهم، فذلك قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ المجرمين} يعني: من المشركين، فيهجرون الكتاب.
ثم قال: {وكفى بِرَبّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} يعني: هاديًا إلى دينه من كان أهلًا لذلك.
ويقال: وكفى بربك حافظًا على الدين ونصيرًا، أي مانعًا.
ويقال: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا، يعني: فرعونًا كما جعلنا أبا جهل فرعونك، ويقال: سلطنا على كل نبي متكبرًا ليتكبر عليه، ويكذبه ويؤذيه.
وروي في الخبر لو أن مؤمنًا ارتقى على ذروة جبل، فقيض الله تعالى إليه منافقًا يؤذيه، فيؤجر عليه {وكفى بِرَبّكَ هَادِيًا} يعني: اكتف بربك واصبر على أذاهم، صار هاديًا ونصيرًا، نصبًا على الحال، أي: وكفى بربك في حال الهداية، والنصرة نصيرًا ويقال: الباء زائدة للصلة.
ومعناه: كفى بربك هاديًا إلى دينه ونصيرًا.
قوله: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ} يعني: هلا {نُزّلَ عَلَيْهِ القرءان جُمْلَةً واحدة} كما أنزلت التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى عليهما السلام ويقول الله تعالى: {كذلك} يعني: هكذا أنزلناه متفرقًا {لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} يعني: ليحفظ ويقوى به قلبك، ونفرحك دخل قلبه الغم نزلت عليه آية وآيتان، فيفرح بها.
ويقال: لنثبت به فؤادك يعني: ليكون قبوله على المسلمين أسهل، لأنه لو أنزلت الأحكام والشرائع كلها جملة واحدة، شق على المسلمين قبولها، كما شق على بني إسرائيل.
ويقال: أنزلناه هكذا لنرسخ القرآن في قلبك، لكي تحفظ الآية والآيتين.
ويقال: كذلك أنزلناه لتحكم عند كل حادثة، وعند كل واقعة لتقوي به قلبك في ذلك {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} يعني: بيناه تبيينًا.
ويقال: شيء رتل ورتيل إذا كان مبينًا.
وقال مجاهد: ورتلناه ترتيلًا، أي: بعضه على أثر بعض.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم أنزل بعد ذلك جبريل عليه السلام به في عشرين سنة، وهو قوله تعالى: {كَذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} {وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ ونزلناه تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جئناك بالحق} يعني: لا يخاصمونك بمثل مثل قوله: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرءان جُمْلَةً واحدة كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32] ثم قال: {إِلاَّ جئناك بالحق} يعني: أنزلنا عليك جبريل بالقرآن، فتخاصمهم به {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} يعني: وأحسن بيانًا لترد به خصومهم.
ويقال: معناه ولا يأتونك بحجة، إلا بينا لك في القرآن ما فيه نقص لحجتهم، وأحسن تفسيرًا، أي جوابًا لهم ويقال: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بما هو أحسن من مثلهم.
ويقال: كل نبي، إذا قال له قومه قولًا، كان هو الذي يرد عليهم وأما النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قالوا له شيئًا، فالله تعالى هو الذي يرد عليهم، ثم أخبرهم بمستقرهم في الآخرة فقال عز وجل: {الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ} يعني: يسحبون على وجوههم {إلى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا} يعني: منزلًا في النار وضيقًا في الدنيا {وَأَضَلُّ سَبِيلًا} يعني: أخطأ طريقًا، وذلك أن كفار مكة قالوا: ما كان محمد وأصحابه أولى بهذا الأمر منا، والله إنهم لشر خلق الله، فأنزل الله عز وجل: {الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ}.
وروي في الخبر أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أصناف فصنف على النجائب، وصنف على أرجلهم، وصنف على وجوههم، فقيل: يا رسول الله كيف يحشرون على وجوههم؟ فقال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم، فهو قادر على أن يمشيهم على وجوههم، فذلك قوله: {أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا}.