فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله عز وجل: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب} يعني: أعطينا موسى التوراة {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هارون وَزِيرًا} أي معينًا {فَقُلْنَا اذهبا إِلَى القوم} يعني: به موسى، كقوله عز وجل في سورة طه: {اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بأاياتى وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِى} [طه: 42] خاطب موسى خاصة إلى القوم {الذين كَذَّبُواْ بآياتنا} يعني: فرعون وقومه كذبوا بآياتنا، أي بتوحيدنا وديننا.
وقال الكلبي: يعني كذبوا بآياتنا التسع.
وقال بعضهم: هذا التفسير خطأ، لأن الآيات التسع أعطاها الله تعالى موسى بعد ذهابه إليه، وقد قيل: معناه اذهبا إلى القوم، وهذا الخطاب لموسى عليه السلام.
ثم قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {الذين كَذَّبُواْ بآياتنا} يعني: بالعلامات التي خلق الله تعالى في الدنيا.
ويقال: بآياتنا، يعني: بالرسل، وبكتب الأنبياء عليهم السلام الذين قبل موسى، ثم قال: {فدمرناهم تَدْمِيرًا} يعني: كذبوهما فأهلكناهم إهلاكًا.
ويقال: في الآية تقديم قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب} يعني: كتابًا قبل التوراة.
قوله عز وجل: {وَقَوْمَ نُوحٍ} يعني: واذكر قوم نوح عليه السلام {لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل} يعني: نوحًا وحده كما قال: {يا أيها الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صالحا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] ولم يكن إلا واحد وقت هذا الخطاب، فيجوز أن يذكر الجماعة، ويراد به الواحد كما يذكر الواحد، ويراد به الجماعة كقوله: {والعصر} [العصر: 1] وإنما أراد به الناس، ألا ترى أنه استثنى منه جماعة.
ويقال: إن نوحًا كان يدعو قومه إلى الإيمان به، وبالأنبياء الذين بعده، فلما كذبوه فقد كذبوا جميع الرسل، فلهذا قال: {لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل} {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ} يعني: عبرة لمن بعدهم {وَأَعْتَدْنَا للظالمين عَذَابًا أَلِيمًا} أي: وجيعًا، ثم قال عز وجل: {وَعَادًا وَثَمُودَ وأصحاب الرس} يعني: واذكر عادًا وثمود وأصحاب الرس، وهم قوم قد نزلوا عند بئر، كانت تسمى: الرس، فكذبوا رسلهم، فأهلكهم الله تعالى، ويقال: إنما سُمُّوا أصحاب الرس، لأنهم قتلوا نبيهم ورسولهم في بئر لهم، وقال مقاتل: يعني: البئر التي كان فيها أصحاب ياسين بأنطاكية التي بالشام {وَقُرُونًا بَيْنَ ذلك كَثِيرًا} يعني: أهلكنا أممًا بين قوم نوح وعاد، وبين عاد وثمود إلى أصحاب الرس كثيرًا {وَكُلًا ضَرَبْنَا لَهُ الامثال} يعني: بينا لهم العذاب أنه نازل بهم في الدنيا {وَكُلًا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} أي: دمرناهم بالعذاب تدميرًا، يقال: تبره إذا أهلكه.
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية} يعني: أهل مكة مروا على القرية {التى أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء} يعني: قريات لوط أمطرنا عليهم الحجارة قوله: {أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا} يعني: أفلم يبصرونها، فيعتبروا بها {بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُورًا} يعني: بل كانوا لا يخافون البعث.
ويقال: لا يرجون ثواب الآخرة، وإنما جاز أن يعبر به عنهما، لأن في الرجاء طرفًا من الخوف، لأن كل من يرجو شيئًا، فإنه يخاف، وربما يدرك، وربما لا يدرك، قوله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْكَ} يعني: أهل مكة {إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا} يعني: ما يقولون لك إلا سخرية فيما بينهم ويقولون: {أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولًا} يعني: إلينا، وهو قول أبي جهل، حين قال لأبي سفيان بن حرب: أهذا نبي بني عبد مناف {إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا} يعني: أراد أن يصرفنا {عَنْ ءالِهَتِنَا} يعني: عن عبادة آلهتنا {لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا} يعني: ثبتنا على عبادتها لأدخلنا في دينه حكى قولهم ثم بين مصيرهم فقال: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب} يعني: يوم القيامة {مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} يعني: أخطأ طريقًا يعني: تبين لهم أن الذي قلت لهم كان حقًا، قوله عز وجل: {أَرَءيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} يعني: اتخذ هوى نفسه إلهًا، يعني: يعمل بكل ما يدعوه إليه هواه.
ويقال: إنهم كانوا يعبدون حجرًا، فإذا رأوا جحرًا أحسن منه تركوا الأول، وعبدوا الثاني {أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} يعني: أتريد أن تكون بيدك المشيئة في الهدى والضلالة، ويقال: معناه أفأنت تكون عليه وكيلًا، يعني: أتريد أن تكون ربًا لهم، فتجزيهم بأعمالهم، يعني: لست كذلك، فأنذرهم، فإنما أنت منذر ثم قال عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ} يعني: أتظن أنهم يريدون الهدى أو {يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} الهدى {إِنْ هُمْ} يعني: ما هم {إِلاَّ كالانعام} في الأكل والشرب، ولا يتفكرون في أمر الآخرة، {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} يعني: أخطأ طريقًا من البهائم، لأن البهائم ليسوا بمأمورين، ولا بمنهيين.
وقال مقاتل: البهائم تعرف ربها، وتذكره وكفار مكة لا يعرفون ربهم، فيوحدونه.
قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إلى رَبّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل} قال بعضهم: فيه تقديم، ومعناه: ألم تر إلى الظل كيف مده ربك. وقال بعضهم: فيه مضمر.
ومعناه: ألم تر إلى صنع ربك كيف مد الظل؟ يعني: بسط الظل بعد انفجار الصبح إلى طلوع الشمس {وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} يعني: دائمًا كما هو لا شمس معه، كما يكون في الجنة ظل ممدود، ويقال: تلك الساعة تشبه ساعات الجنة إلا أن الجنة أنور {ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلًا} حيث ما تكون الشمس يظهر الظل.
وقال القتبي: إنما يكون دليلًا، لأنه لو لم تكن الشمس لم يعرف الظل، لأن الأشياء تعرف بأضدادها {ثُمَّ قبضناه إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} يعني: الظل بعد غروب الشمس، وذلك أن الشمس إذا غابت عاد الظل، وذلك وقت قبضه، لأن ظل الشمس بعد غروب الشمس لا يذهب كله جملة، وإنما يقبض الله ذلك الظلّ قبضًا خفيًا شيئًا فشيئًا، دلَّ الله تعالى بهذا الوصف على قدرته، ولطفه في معاقبته بين الظل والشمس لمنافع الناس، ولمصالح عباده، وبلاده.
ويقال: ثم قبضناه، أي: قبضناه سهلًا.
ويقال: يسيرًا عند طلوع الشمس، ثم قبضناه يسيرًا.
يعني: هينًا سهلًا.
ويقال: يسيرًا يعني: خفيًا، فلا يدري أحد أين يصير، وكيف يصير؟ ويقال: ثم قبضناه، يعني.
ورفعناه رفعًا خفيفًا.
ويقال قوله: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلًا} أي: على الأوقات في النهار ليعرف زوال الشمس وأوقات الصلاة.
قوله عز وجل: {وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الليل لِبَاسًا} يعني: سكنًا لتسكنوا فيه.
ويقال: لباسًا سترًا يستر جميع الأشياء {والنوم سُبَاتًا} يعني: راحة للخلق ليستريحوا فيه بالنوم {وَجَعَلَ النهار نُشُورًا} أي: للنشور ينتشرون فيه لابتغاء الرزق.
ثم قال عز وجل: {وَهُوَ الذي أَرْسَلَ الرياح بَشَرًا} يعني: تنشر السحاب، والاختلاف في القراءات كما ذكرنا في سورة الأعراف {بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} يعني: قدام المطر {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء طَهُورًا} يعني: مطهرًا يطهر به الأشياء، ولا يطهر بشيء {لّنُحْيِىَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا} يعني: أرضًا لا نبات فيها، فينبت بالمطر {وَنُسْقِيَهِ} يعني: نسقي بالمطر {مِمَّا خَلَقْنَا أنعاما وَأَنَاسِىَّ كَثِيرًا} وهو جماعة الإنس يعني: نسقي به الناس والدواب لفظ البلدة مؤنث، إلا أن معنى البلدة والبلد واحد، فانصرف إلى المعنى، ولو قال: ميتة، لجاز إلا أنه لم يقرأ.
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ صرفناه بَيْنَهُمْ} يعني: قسمناه بين الخلق.
ويقال: نصرفه من بلد إلى بلد مرة بهذا البلد، ومرة ببلد آخر.
كما روي عن ابن مسعود أنه قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله تعالى يصرفه في الأرض ثم قرأ هذه الآية.
كما روي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «مَا مِنْ سَنَةٍ بَأَمْطَرَ مِنْ أُخْرَى، ولكن إذَا عَمِلَ قَوْمٌ بِالمَعَاصِي حَوَّلَ الله ذلك إلَى غَيْرِهِمْ فَإذَا عَصَوْا جَمِيعًا، صَرَفَ الله ذلك إلَى الفَيَافِي وَالبِحَارِ».
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما من عام بأكثر من عام، ولكنه يصرفه حيث يشاء، فذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ صرفناه بَيْنَهُمْ} {لّيَذْكُرُواْ} يعني: ليتعظوا في صنعه، فيعتبروا في توحيد الله تعالى، فيوحدوه.
وقرأ حمزة والكسائي {لّيَذْكُرُواْ} بالتخفيف، وضم الكاف. وقرأ الباقون بالتشديد والنصب.
ثم قال: {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا} يعني: كفرانًا في النعمة، وهو قولهم: مطرنا بنوء كذا، ويقال: إلا جحودًا وثباتًا على الكفر قوله عز وجل: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا} قال مقاتل: ولو شئنا لبعثنا في زمانك في كل قرية رسولًا، ولكن بعثناك إلى القرى كلها رسولًا اختصصناك بها {فَلاَ تُطِعِ الكافرين} وذلك حين دعوه إلى ملة آبائه {وجاهدهم بِهِ} أي بالقرآن {جِهَادًا كَبيرًا} يعني: شديدًا. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة} فتخبرنا أنَّ محمدًا صادق محقّ {أَوْ نرى رَبَّنَا} فيخبرنا بذلك نظيرها قوله سبحانه: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} [الإسراء: 90] الى قوله: {والملائكة قَبِيلًا} [الإسراء: 92].
قال الله تعالى {لَقَدِ استكبروا في أَنفُسِهِمْ} بهذه المقالة {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} قال مقاتل: غلوًّا في القول، والعتو: أشدّ الكفر وأفحش الظلم.
{يَوْمَ يَرَوْنَ الملائكة} عند الموت وفي القيامة {لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} للكافرين {وَيَقُولُونَ} يعني الملائكة للمجرمين {حِجْرًا مَّحْجُورًا} أي حرامًا محرمًا عليكم البشرى بخير، وقيل: حرام عليكم الجنة، وقال بعضهم: هذا قول الكفار للملائكة، قال ابن جريج: كانت العرب إذا نزلت بهم شديدة أو رأوا ما يكرهون قالوا: حجرًا محجورًا، فقالوا حين عاينوا الملائكة هذا، وقال مجاهد: يعني عوذًا معاذًا، يستعيذون من الملائكة.
{وَقَدِمْنَآ} وعمدنا {إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} باطلًا لا ثواب له لأنّهم لم يعملوه لله سبحانه وإنّما عملوه للشيطان، واختلف المفسّرون في الهباء فقال بعضهم: هو الذي يرى في الكوى من شعاع الشمس كالغبار ولا يُمسّ بالأيدي ولا يُرى في الظلّ، وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد.
وقال قتادة وسعيد بن جبير: هو ما تسفيه الرياح وتذريه من التراب وحطام الشجر، وهي رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس، وقال ابن زيد: هو الغبار، والوالبي عن ابن عباس: هو الماء المهراق، مقاتل: ما يسطع من حوافر الدواب، والمنثور: المتفرق.
{أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا} من هؤلاء المشركين المتكبرين المفتخرين بأموالهم {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} موضع قائلة وهذا على التقدير، قال المفسرون: يعني أنّ أهل الجنة لا يمر بهم في الآخرة إلاّ قدر ميقات النهار من أولّه إلى وقت القائلة حتى يسكنوا مساكنهم في الجنة.
قال ابن مسعود: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار وقرأ: ثم إن مقيلهم لاَلى الجحيم، هكذا كان يقرأها، وقال ابن عباس في هذه الآية: الحساب من ذلك اليوم في أولّه، وقال القوم حين قالوا في منازلهم في الجنة.
وروى ابن وهب عن عمرو بن الحرث أنّ سعيدًا الصوّاف أو الصراف حدّثه أنّه بلغه أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس وأنّهم ليقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من الناس، وقرأ هذه الآية.
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام} قرأ أبو عمر وأهل الكوفة بتخفيف الشين على الحذف والتخفيف هاهنا وفي سورة ق، وقرأ الآخرون بالتشديد فيهما على معنى تنشق السماء بالغمام أي عن الغمام، والباء وعن يتعاقبان كما يقال: رميت عن القوس وبالقوس بمعنى واحد.
وقال المفسّرون: وهو غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم، وهو الذي قال الله سبحانه وتعالى {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام والملائكة}.
{وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلًا} هكذا قراءة العامة، وقرأ ابن كثير ونُنزل بنونين الملائكة نصبٌ {الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن} خالصًا وبطلت ممالك غيره {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الكافرين عَسِيرًا} صعبًا شديدًا نظيرها قوله سبحانه: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 9- 10] والخطاب يدلّ على أنّه على المؤمنين يسير.