فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولهما عن أبي سعيد الخدري قال: قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم «لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي».
قوله: {وقال الرسول} يعني ويقول الرسول في ذلك اليوم {يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا} أي متروكًا وأعرضوا عنه، ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه وقيل جعلوه بمنزلة الهجر وهو السيىء من القول فزعموا أنه سحر وشعر، والمعنى أن محمدًا صلّي الله عليه وسلّم، يشكو قومه إلى الله يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا، فعزاه الله تعالى فقال: {وكذلك جعلنا} أي وكما جعلت لك أعداء من مشركي مكة، وهم قومك كذلك جعلنا {لكل نبي عدوًا من المجرمين} أي المشركين والمعنى لا يكبرن عليك ذلك فإن الأنبياء قبلك قد لقوا هذا من قومهم، فصبروا فاصبر أنت كما صبروا فإني ناصرك، وهاديك وهو قوله تعالى: {وكفى بربك هاديًا ونصيرًا} قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} أي كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود صلوات الله عليهم أجمعين قال الله {كذلك} فعلنا ذلك {لنثبت به فؤادك} أي أنزلناه مفرقًا لنقوي به قلبك، فتعيه وتحفظه فإن الكتب المتقدمة نزلت على أنبياء، يكتبون ويقرءون وأنزلنا القرآن على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور تحدث في أوقات مختلفة ففرقناه ليكون أوعى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأيسر على العامل به {ورتلناه ترتيلًا}.
قال ابن عباس: وبيناه بيانًا والترتيل التبيين في ترسل وتثبت وقيل فرقناه تفريقًا آية بعد آية {ولا يأتونك} يعني يا محمد هؤلاء المشركون {بمثل} يعني يضربونه لك في إبطال أمرك {إلا جئناك بالحق} أي بما ترد به ما جاءوا به من ما يوردون المثل، وتبطله فسمي ما يوردون من الشبه مثلًا، وسمي ما يدفع به الشبه حقًا {وأحسن تفسيرًا} يعني أحسن بيانًا وتفصيلًا ثم ذكر ما لهؤلاء المشركين فقال تعالى: {الذين} يعني هم الذين {يحشرون} أي يساقون ويجرون {على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانًا} يعني منزلًا ومصيرًا {وأضل سبيلًا} أي أخطأ طريقًا.
قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرًا} أي معينًا وظهيرًا {فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا} يعني القبط {فدمرناهم} فيه إضمار أي فكذبوهما فدمرناهم {تدميرًا} يعني أهلكناهم إهلاكًا {وقوم نوح لما كذبوا الرسل} يعني رسولهم ومن كذب رسولًا واحدًا فقد كذب جميع الرسل فلذلك ذكره بلفظ الجمع {أغرقناهم وجعلناهم للناس أية} أي عبرة لمن بعدهم {وأعتدنا للظالمين} في الآخرة {عذابًا أليمًا} يعني سيرى ما حل بهم من عاجل العذاب في الدنيا {وعادًا وثمود} أي أهكلنا عادًا وثمود {وأصحاب الرس} قال وهب بن منبه كان أهل بئر الرس نزولًا عليها، وكانوا أصحاب مواش يعبدون الأصنام فبعث الله إليهم شعيبًا يدعوهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وآذوا شعيبًا فبينما هم حول البئر في منازلهم، انهارت البئر وخسف بهم وبديارهم ورباعهم وقيل: الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فأهلكهم الله.
وقال سعيد بن جبير: كان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوه فأهلكهم الله وقيل الرس بأنطاكية قتلوا فيها حبيبًا النجار هم الذين ذكرهم الله في سورة يس وقيل هم أصحاب الأخدود والرس الأخدود {وقرونًا بين ذلك كثيرًا} أي وأهلكنا قرونًا كثيرًا بين عاد وثمود وأصحاب الرس {وكلًا ضربنا له الأمثال} أي الأشباه في إقامة الحجة عليهم فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار {وكلًا تبرنا تتبيرًا} أي أهلكناهم إهلاكًا قوله تعالى: {ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء} يعني الحجارة وهي قريات قوم لوط، وهي خمس قرى أهلك الله منها أربعًا ونجت واحدة.
وهي أصغرها وكان أهلها لا يعملون العمل الخبيث {أفلم يكونوا يرونها} يعني إذا مروا بها في أسفارهم فيعتبروا ويتعظوا لأن مدائن قوم لوط كانت على طريقهم في ممرهم إلى الشام {بل كانوا لا يرجون نشورًا} يعني لا يخافون بعثًا.
قوله تعالى: {وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوًا} نزلت في أبي جهل كان إذا مر مع أصحابه قال مستهزئًا {أهذا الذي بعث الله رسولًا إن كان ليضلنا} يعني قد قارب أن يضلنا {عن} عبادة {آلهتنا لولا أن صبرنا عليها} يعني على عبادتها والمعنى لو لم نصبر عليها لصرفنا عنها {وسوف يعلمون حين يرون العذاب} أي في الآخرة عيانًا {من أضل سبيلًا} أي أخطأ طريقًا {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد حجرًا، فإذا رأى حجرًا أحسن منه رماه وأخذ الأحسن منه وعبده وقال ابن عباس: أرأيت من ترك عبادة الله خالقها ثم هوى حجرًا فعبده ما حاله عندي وقيل الهوى إله يعبد {أفأنت تكون عليه وكيلًا} أي حافظًا تحفظه من اتباع الهوى وعبادة ما يهواه من دون الله والمعنى لست كذلك وقال الكلبي نسختها آية القتال {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون} أي ما تقول سماع طالب الإفهام {أو يعقلون} يعني ما يعاينون من الحجج والأعلام وهذه المذمة أعظم من التي تقدمت، لأنهم لشدة عنادهم لا يسمعون القول وإذا سمعوه لا يتفكرون فيه، فكأنهم لا سمع لهم ولا عقل البتة فعند ذلك شبههم بالأنعام فقال تعالى: {إن هم} أي ما هم إلا كالأنعام أي في عدم انتفاعهم بالكلام وعدم إقدامهم على التدبر والتفكير ثم قال تعالى: {بل هم أضل سبيلًا} لأن البهائم تهتدي لمراعيها ومشاربها وتنقاد لأربابها الذي يتعاهدونها، وهؤلاء الكفار لا يعرفون طريق الحق ولا يطيعون ربهم الذي خلقهم ورزقهم لأن الأنعام تسجد وتسبح والكفار لا يفعلون ذلك.
قوله تعال {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس جعله ممدودًا، لأنه ظل لا شمس معه {ولو شاء لجعله ساكنًا} يعني دائمًا ثابتًا لا يزول ولا تذهبه الشمس {ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا} معنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس لما عرف الظل، ولولا النور لما عرفت الظلمة، والأشياء تعرف بضدها {ثم قبضناه} يعني الظل {إلينا قبضًا يسيرًا} يعني بالشمس التي تأتي عليه والمعنى أن الظل يعم جميع الأرض قبل طلوع الشمس فإذا طلعت الشمس قبض الله الظل جزأ فجرأ قبضًا خفيفًا {وهو الذي جعل لكم الليل لباسًا} يعني سترًا تسترون به والمعنى أن الظلمة الليل تغشى كل شيء كاللباس، الذي يشتمل على لابسه {والنوم سباتًا} يعني راحة لأبدانكم وقطعًا لأعمالكم {وجعل النهار نشورًا} يعني يقظة وزمانًا تنتشرون فيه لابتغاء رزقكم وطلب الاشتغال {وهو الذي أرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته} يعني المطر {وأنزلنا من السماء ماء طهورًا} الطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره فهو اسم لما يتطهر به بدليل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البحر: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
وأراد به المطهر والماء المطر لأنه يطهر الإنسان من الحدث والنجاسة فثبت أن التطهير مختص بالماء وذهب أصحاب الرأي إلى أن الطهور وهو الطاهر حتى جوزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة مثل الخل والريق ونحوها، ولو جاز إزالة النجاسة بها لجاز إزالة الحدث بها وذهب بعضهم إلى أن الطهور ما تكرر منه التطهير، وهو قول مالك حتى جوز الوضوء بالماء إذا توضىء به مرة، وإن وقع في الماء شيء غير طعمه أو لونه أو ريحه هل تزول طهوريته نظر إن كان الواقع شيئًا لا يمكن صون الماء عنها كالطين والتراب وأوراق الأشجار فتجوز الطهارة به كما لو تغير بطول المكث في قراره، وكذلك لو وقع فيه ما لا يختلط كالدهن يصب فيه فيتروح الماء برائحته تجوز الطهارة به لأن تغيره للمجاورة لا للمخالطة وإن كان شيئًا يمكن صون الماء عنه، ومخالطته كالخل والزعفران ونحوهما تزل طهوريته فلا يجوز الوضوء به وإن لم يتغير أحد أوصافه نظر إن كان الواقع شيئًا طاهرًا لا يزيل طهوريته يجوز الوضوء به سواء كان الماء قليلًا أو كثيرًا، وإن كان الواقع شيئًا نجسًا نظر فيه فإن كان الماء، أقل من قلتين نجس الماء وإن كان قدر قلتين فأكهر فهو طاهر يجوز الوضوء به والقلتان خمسمائة رطل بالبغدادي يدل عليه ما روي عن ابن عمر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه سئل عن الماء يكون في الفلاة، ترده السباع والذئاب فقال: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» أخرجه أبو داود والترمذي.
وهذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة من أهل الحديث، أن الماء إذا بلغ هذا الحد لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير أحد أوصافه، وذهب جماعة إلى أن الماء القليل لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه، وهذا قول الحسن وعطاء والنخعي والزهري واحتجوا بما روي عن أبي سعيد الخدري قال: «قيل يا رسول الله إنه يستقى لك من بئر بضاعة ويلقى فيها لحوم الكلام وخرق الحيض وعذر النساء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن الماء طهور لا ينجسه شيء» وفي رواية قال «قلت يا رسول الله أيتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر تطرح فيها خرق الحيض ولحوم الكلام والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شيء».
وقوله تعالى: {لنحيي به} أي بالمطر {بلدة ميتًا} قيل: أراد به موضع البلدة {ونسقيه مما خلقنا} أي نسقي من ذلك الماء {أنعامًا وأناسيّ كثيرًا} أي بشرًا كثيرًا والأناسي جمع إنسي وقي لجمع إنسان قوله: {ولقد صرفناه بينهم} يعني المطر مرة ببلدة ومرة ببلدة أخرى وقال ابن عباس ما عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه في الأرض وقرأ هذه الآيةا وهذا كما روي مرفوعًا «ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء» وروي عن ابن مسعود يرفعه، قال: ليس من سنة بأمطر من سنة أخرى ولكن الله عزّ وجلّ قسم هذه الأرزاق فجعلها في هذه السماء الدنيا في هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم، ووزن معلوم وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم وإذا عصوا جميعًا صرف الله ذلك المطر إلى الفيافي والبحار، وقيل: المراد من تصريف المطر تصريفه وابلًا وطشًا ورذاذًا ونحوها وقيل التصريف راجع إلى الريح {ليذكروا} أي ليتذكروا ويتفكروا في قدرة الله تعالى {فأبى أكثر الناس إلى كفورًا} أي جحودًا في كفرهم هو أنهم إذا مطروا قالوا أمطرنا بنوء كذا ق: عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال «هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال أصبح عن عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بن مؤمن بالكواكب».
قوله تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرًا} أي رسولًا ينذرهم ولكن بعثناك إلى القرى كلها وحملناك ثقل النذارة لتستوجب بصبرك ما أعددنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة {فلا تطع الكافرين} فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم {وجاهدهم به} أي بالقرآن {جهادًا كبيرًا} أي شديدًا. اهـ.

.قال النسفي:

{وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ}.
لا يأملون {لِقَاءنَا} بالخير لأنهم كفرة لا يؤمنون بالبعث أو لا يخافون عقابنا إما لأن الراجي قلق فيما يرجوه كالخائف، أو لأن الرجاء في لغة تهامة الخوف {لَوْلاَ} هلا {أُنزِلَ عَلَيْنَا الملئكة} رسلًا دون البشر أو شهودًا على نبوته ودعوى رسالته {أَوْ نرى رَبَّنَا} جهرة فيخبرنا برسالته واتباعه {لَقَدِ استكبروا فِي أَنفُسِهِمْ} أي أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد في قلوبهم {وَعَتَوْ} وتجاوزوا الحد في الظلم {عُتُوًّا كَبِيرًا} وصف العتو بالكبر فبالغ في إفراطه أي أنهم لم يجسروا على هذا القول العظيم إلا أنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو.
واللام في {لقد} جواب قسم محذوف.
{يَوْمَ يَرَوْنَ الملئكة} أي يوم الموت أو يوم البعث و{يَوْم} منصوب بما دل عليه {لاَ بشرى} أي يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى.
وقوله: {يَوْمَئِذٍ} مؤكد ل {يوم يرون} أو بإضمار اذكر أي اذكر يوم يرون الملائكة، ثم أخبر فقال: لا بشرى بالجنة يومئذ ولا ينتصب ب {يرون} لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، ولا ب {بشرى} لأنها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله ولأن المنفي بلا لا يعمل فيما قبل {لا} {لّلْمُجْرِمِينَ} ظاهر في موضع ضمير أو عام يتناولهم بعمومه وهم الذين اجترموا الذنوب والمراد الكافرون لأن مطلق الأسماء يتناول أكمل المسميات {وَيَقُولُونَ} أي الملائكة {حِجْرًا مَّحْجُورًا} حرامًا محرمًا عليكم البشرى أي جعل الله ذلك حرامًا عليكم إنما البشرى للمؤمنين.