فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

قوله: {لِّنُحْيِيَ بِهِ} فيه وجهان أظهرُهما: أنَّه متعلقٌ بالإِنزالَ. والثاني: وهو ضعيفٌ أنَّه متعلقٌ بطَهورٍ. وقال الزمخشري: فإنْ قلتَ: إنزالُ الماءِ موصوفًا بالطهارة، وتعليلُه بالإِحياءِ والسَّقْيِ يُؤْذِنُ بأنَّ الطهارةَ شرطٌ في صحةِ ذلك كما تقول: حَمَلني الأميرُ على فَرَس جوادٍ لأَصِيْدَ عليه الوحشَ، قلت: لَمَّا كان سَقْيُ الأناسيِّ مِنْ جملة ما أُنْزِل له الماءُ وُصِفَ بالطهارة إكرامًا لهم وتَتْميمًا للمِنَّةِ عليهم.
وطَهُور يجوز أَنْ يكونَ صفةَ مبالغةٍ منقولًا من طاهر كقوله تعالى: {شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21]، وقال:
إلى رُجَّح الأَكْفالِ غِيْدٍ من الصِّبا ** عِذابِ الثَّنايا رِيْقُهُنَّ طَهُوْرُ

وأَنْ يكونَ اسمَ ما يُتَطَهَّرُ به كالسَّحُور، وأَنْ يكونَ مصدرًا كالقَبول والوَلُوع. ووصفُ {بَلْدةً} ب {مَيْت} وهي صفةٌ للمذكورِ لأنها بمعنى البلد.
قوله: {وَنُسْقِيَهِ} العامَّةُ على ضمِّ النونِ. وقرأ أبو عمرو وعاصم في روايةٍ عنهما وأبو حيوة وابنُ أبي عبلة بفتحها. وقد تقدم أنه قُرىء بذلك في النحل والمؤمنين. وتقدم كلامُ الناسِ عليهما.
قوله: {مِمَّا خَلَقْنَآ} يجوز أن تَتَعلَّقَ ب {نُسْقيه}، وهي لابتداء الغاية. ويجوزُ أن تَتَعلَّق بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ مِنْ {أنعامًا}. ونُكِّرَتِ الأنعام والأناسيّ: قال الزمخشري: لأنَّ عليَّةَ الناسِ وجُلَّهم مُنيخون بالأودية والأنهارِ، فبهم غُنْيَةٌ عن سقْي الماء، وأعقابُهم وهم كثيرٌ منهم لا يُعَيِّشهم إلاَّ ما يُنْزِلُ اللهُ مِنْ رحمتِه وسُقْيا سمائِه.
قوله: {وَأَنَاسِيَّ} فيه وجهان، أحدهما: وهو مذهبُ سيبويه أنَّه جمعُ إنسان. والأصلُ: إنسان وأنَاسين، فَأُبْدِلَتِ النونُ ياءً وأُدْغم فيها الياءُ قبلَها، ونحوَ ظِرْبانِ وظَرابِيّ. والثاني: وهو قولُ الفراء والمبرد والزجَّاج أنه جمع إنْسِيّ. وفيه نظرٌ لأنَّ فَعالِيّ إنما يكونُ جمعًا لِما فيه ياءٌ مشددةٌ لا تدلُّ على نَسَبٍ نحو: كُرْسِيّ وكَرَاسيّ. فلو أُريد بكرسيّ النسبُ لم يَجُزْ جمعُه على كراسيّ. ويَبْعُدُ أَنْ يُقالَ: إن الياءَ في إِنْسِي ليست للنسبِ وكان حقُّه أَنْ يُجْمَعَ على أَناسِية نحو: مَهالبة في المُهَلَّبي وأَزارِقة في الأَزْرقي.
وقرأ يحيى بن الحارث الذِّماري والكسائي في رواية {وأناسِيَ} بتخفيف الياء. قال الزمخشري: بحذفِ ياءِ أفاعيل كقولك: أناعِم في أناعِيم. وقال: فإنْ قلت لِمَ قَدَّمَ إحياءَ الأرضِ وسَقْيَ الأنعامِ على سَقْي الأناسي. قلت: لأن حياةَ الأناسيِّ بحياةِ أرضِهم وحياةِ أنعامهم، فقدَّم ما هو سببُ حياتِهم، ولأنَّهم إذا ظَفِروا بسُقيْا أرضِهم وسَقْيِ أنعامِهم لم يَعْدِموا سُقْياهم.
قوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ} يجوزُ أَنْ تعودَ الهاءُ على القرآن، وأن تعودَ على الماءِ أي: صَرَّفنا نُزولَه مِنْ وابِل وَطلّ وجَوْد ورَذاذ وغيرِ ذلك. وقرأ عكرمة {صَرَفْناه} بتخفيف الراء.
قوله: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} أي بالقرآن، أو بتركِ الطاعةِ المدلولِ عليها بقوله: {فَلاَ تُطِعِ}، أو بما دَلَّ عليه {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا} مِنْ كونِه نذيرَ كافةِ القُرى أو بالسيف. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة فِي الجهد بالفتح والضم:
وهو الطَّاقة والمَشَقَّة.
وقيل بالفتح: المشقَّة، وبالضمّ الْوُسْع.
وقيل: الجهد: ما يَجْهَد الإِنسان.
قوله تعالى: {لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} {وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أَى حَلفوا واجتهدوا فِي الحلفِ أَن يأْتوا به على أَبلغ ما فِي وُسْعهم.
والاجتهاد: أَخْذ النَّفس ببذل الطَّاقة، وتحمّل المشقَّة فِي العبادة.
يقال جَهَدت رأْيى واجتهدت: أَتعبته بالفكر.
والجهاد والمجاهدة: استفراغ الوُسْع فِي مدافعة العدُوِّ.
قال صلَّى الله عليه وسلَّم «المجاهِد مَن جاهد نفسه فِي طاعة الله» وكان إِذا رجع من الغَزْو يقول: «رجعنا من الجهاد الأَصغر إِلى الجهاد الأَكبر» وقال «أَفضل الجهادِ النَّفس» وقال للنِّساءِ «لكنَّ أَفضل الجهاد: حجّ مبرور» وسأَله رجل عن الخروج إِلى الغَزْو فقال «أَوالدَِاك فِي الأَحياءِ؟ قال: بلى قال: ففيهما فجاهِدْ».
قال الشاعر:
يا من يجاهد غازيا أَعداءَ دين الله ** يرجو أَن يعان ويُنْصرا

هلاَّ غشِيت النفس غزوًا إِنها ** أَعدى عدوّك كى تفوز وتظفرا

مهما عنَيت جهادها وعنادها ** فلقد تعاطيت الجاهد الأَكبرا

وقال آخر فِي الجهد ومعنييه:
تعاليت عن قدر المدائح صاعدًا ** فسيّان عفو القول عندك والجَهْد

وإِنى لأَدرى أَنَ وصفك زائد ** على منطقى لكن على الواصف الجُهْد

وإِنّ قليل القول يكثر وَقْعُه ** إِذا عُرِفت فيه الموالاة والودّ

وورد فِي القرآن على معان:
الأَول: مجاهدة الكفَّار والمنافقين بالبرهان والحجّة {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبيرًا}.
الثانى: جهاد أَهل الضَّلالة بالسّيف والقتال {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ} {هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
الثالث: مجاهدة مع النفس {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ}.
الرابع: مجاهدة مع الشيطان بالمخالفة طمعًا فِي الهداية.
{وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
الخامس: جهاد مع القلب لنيل الوصْل والقُرب {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ}.
والحقّ أَن يقال: المجاهدة ثلاثة أَضرب: مجاهدة العدوّ الظَّاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النَّفْس.
ويدخل الأَضرب الثلاثة فِي {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ} وفي الحديث: «جاهدوا أَهواءَكم كما تجاهدون أَعداءَكم» والمجاهدة تكون باليد واللِّسان.
قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «جاهدوا الكفَّار بأَيديكم وأَلسنتكم». اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشوُرًا}.
جعل الليلَ وقتًا لسكون قومٍ ووقتًا لانزعاج آخرين؛ فأربابُ الغفلة يسكنون في ليلهم، والمحبون يسهرون في ليلهم إنْ كانوا في رَوْحِ الوصال، فلا يأخذهم النومُ لكمال أُنْسِهم، وإن كانوا في ألم الفراق فلا يأخذهم النوم لكمال قلقهم، فالسّهرُ للأحباب صِفَةٌ: إمَّا لكمال السرور أو لهجوم الهموم. ويقال جعل النومَ للأحباب وقتَ التجلِّي بما لا سبيلَ إليه في اليقظة، فإذا رَأَوْا ربَّهم في المنام يؤثِرون النومَ على السَّهر، قال قائلهم:
وإني لأَستغفي وما بي نَعْسَةٌ ** لعلَّ خيالًا منك يلقى خياليا

وقال قائلهم:
رأيتُ سرورَ قلبي في منامي ** فأحببتُ التَّنَعُّسَ والمناما

ويقال النوم لأهلِ الغفلة عقوبةٌ ولأهل الاجتهادِ رحمةٌ؛ فإن الحقَّ- سبحانه- يُدْخِلُ عليهم النوم ضرورةً رحمةً منه بنفوسهم ليستريحوا من كَدِّ المجاهدة.
قوله جلّ ذكره: {وَهُوَ الذي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرَا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}.
يُرْسِلُ رياحَ الكَرَم فتهب على قلوب ذوي الحاجات فتزعجها إلى طلب مبارِّه، ويرسل رياحَ الولاية فتهب على قلوب الخواص فتطهرها من جميع الإرادات فتُكْفَى بالله لله، ويرسِلُ رياحَ الخوفِ على قلوبِ العُصَاةِ فتحملهم على النَّدَمِ، وتطهرها من الإصرار فترجع إلى التوبة، ويرسل رياح الاشتياق على قلوب الأحباب، فتزعجها عن المساكنات، وتطهرها عن كل شيء إلا عن اللواعج فلا يستقِرُّ إلا بالكشف والتجلَّّي.
ويقال إذا تَنَسَّمَ القلبُ نسيمَ القُرْبِ هَامَ في ملكوت الجلال، وامتحى عن كل مرسوم ومعهود.
قوله جل ذكره: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِّنُحِْىَ بِهِ بَلَدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَامًا وَأَنَاسِىَّ كَثِيرًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا}.
أنزل من السماء ماء المطرِ فأحيا به الغياضَ والرياضَ، وأنبت به الأزهار والأنوار، وأنزل من السماء ماء الرحمةِ فغَسَلَ العصاةُ ما تلطخوا به من الأوضار، وما تدنَّسوا به من الأوزار.
و{الطَّهُور} هو الطاهرُ المُطَهِّرُ، وماءُ الحياء يُطِهرُ قلوبَ العارفين عن الجنوح إلى المساكنات وما يتداخلها في بعض الأحيان من الغفلات. وماء الرعاية يُحْيِي به قلوبَ المشتاقين بما يتداركها من أنوار التجلِّي حتى يزول عنها عَطَشُ الاشتياق ويحصل فيها من سكينة الاستقلال، ويحيي به نفوسًا ميتةً باتباع الشهوات فيردها إلى القيام بالعبادات.
{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51)}.
إنَّ الله- سبحانه- خصَّ نبينا صلى الله عليه وسلم بأن فضَّله على الكافة، وأرسله إلى الجملة، وبألا يُنْسَخَ شَرْعُه إلى الأبد. وبهذه الآية أدَّبه بأدقِّ إشارة، حيث قال: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا} وهذا كما قال: {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} [الإسراء: 86].
وَقَصْدُ الحقِّ أن يكون خواصُّ عباده أبدًا معصومين عن شواهدهم.
وفي القصة أن موسى عليه السلام تَبَرَّمَ وقتًا بكثرة ما كان يُسْأل، فأوحى الله في ليلة واحدة إلى ألف نبي من بني إسرائيل فأصبحوا رُسلًا، وتفرَّقَ الناسُ عن موسى عليه السلام إليهم عليهم السلام، فضاق قلبُ موسى وقال: يا رب، إني لا أطيق ذلك! فقبض اللَهُ أرواحهم في ذلك اليوم.
{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)}.
أي كُنْ قائمًا بحقِّنا من غير أن يكون منك جنوحٌ إلى غيرنا أو مبالاةٌ بِمَنْ سوانا، فإنَّا نَعْصِمُكَ بكلِّ وجهٍ، ولا نرفع عنك ظِلَّ عنايتنا بحالٍ. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {ويوم تشقق السماء} سماء القلب من غمام البشرية وهو يوم سعادة الطالبين الصادقين، ونزل ملائكة الصفات الروحانية {الملك} الحقيقي {يومئذ} {للرحمن} إذ لم يبق غيره ورجع إليه وذلك مقام الوحدة والفناء في الله والبقاء به: {وكان يومًا على الكافرين عسيرًا} إذ لم يبق من صفات النفوس الكافرة وحظوظها أثر ولا عين: {ويوم يعض الظالم} نفسه وهو المشرك شركًا ظاهرًا أو خفيًا {على يديه} والآية حكمها عام في كل متحابين اجتمعا على معصية الله تعالى.