فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56)}.
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما أرسلناك إلا مبشرًا ونذيرًا} قال: مبشرًا بالجنة، ونذيرًا من النار. وفي قوله: {إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلًا} قال: بطاعته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قل ما أسألكم عليه من أجر} قال: قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من أجر يقول: عرض من عرض الدنيا.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)}.
وأخرج ابن أبي الدنيا في التوكل والبيهقي في شعب الإِيمان عن عتبة بن أبي ثبيت قال: مكتوب في التوراة لا تتوكل على ابن آدم فإن ابن آدم ليس له قوام، ولكن توكل على الحي الذي لا يموت.
{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59)}.
أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فاسأل به خبيرًا} قال: ما أخبرتك من شيء فهو ما أخبرتك به.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن شمر بن عطية في قوله: {الرحمن فاسأل به خبيرًا} قال: هذا القرآن خبير به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن} قال: قالوا ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة. فأنزل الله {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} [البقرة: 163].
وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين الجحفي في قوله: {قالوا وما الرحمن} قال: جوابها {الرحمن علم القرآن} [الرحمن: 1- 2].
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن إبراهيم قال: قرأ الأسود {أنسجد لما تأمرنا} فسجد فيها قال: وقرأها يحيى {أنسجد لما تأمرنا}.
وأخرج عبد بن حميد عن سليمان قال: قرأ إبراهيم في الفرقان {أنسجد لما يأمرنا} بالياء. وقرأ سليمان كذلك. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)}.
قوله: {إِلاَّ مَن شَاءَ} فيه وجهان، أحدُهما: هو منقطعٌ أي: لكنْ مَنْ شاءَ أَنْ يتَّخِذَ إلى ربه سبيلًا فَلْيَفْعَلْ. والثاني: أنه متصلٌ على حَذْفِ مضافٍ يعني: إلاَّ أجرَ مَنْ، أي: الأجر الحاصل على دعائِه إلى الإِيمانِ وقَبولِه؛ لأنَّه تعالى يَأْجُرُني على ذلك. كذا حكاه الشيخ. وفيه نظرٌ؛ لأنَّه لم يُسْنِدِ السؤالَ المنفيَّ في الظاهر إلى اللهِ تعالى، إنما أسندَه إلى المخاطبين. فكيف يَصِحُّ هذا التقديرُ؟
قوله: {الذي خَلَقَ السماوات} يجوزُ فيه على قراءةِ العامَّةِ في {الرحمنُ} بالرفع أوجهٌ، أحدُها: أن يكونَ مبتدأ و{الرحمنُ} خبره، وأَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ مقدرٍ أي: هو الذي خَلَقَ، وأَنْ يكونَ منصوبًا بإضمارِ فعلٍ، وأَنْ يكونَ صفةً للحيِّ الذي لا يموت أو بدلًا أو بيانًا. وأمَّا على قراءةِ زيدِ بن علي {الرحمنِ} بالجرِّ فيتعيَّن أَنْ يكونَ {الذي خلق} صفةً للحيِّ فقط؛ لئلا يُفْصَلَ بين النعتِ ومنعوتِه بأجنبيّ.
قوله: {الرحمن} مَنْ قرأ بالرفعِ ففيه أوجهٌ، أحدُها: أنه خبرُ {الذي خَلَق} وقد تقدَّم. أو يكونُ خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: هو الرحمنُ، أو يكونُ بدلًا من الضمير في {استوى} أو يكونُ مبتدأ، وخبرُه الجملةُ مِنْ قوله: {فَسْئَلْ بِهِ} على رأيِ الأخفش. كقوله:
وقائلةٍ خَوْلانُ فانكِحْ فتاتَهُمْ

أو يكونُ صفةً للذي خلق، إذا قلنا: إنه مرفوعٌ. وأمَّا على قراءةِ زيدٍ فيتعيَّن أَْن يكونَ نعتًا.
قوله: {به} في الباء قولان: أحدهما: هي على بابِها، وهي متعلقةٌ بالسؤالِ. والمرادُ بالخبير اللهُ تعالى، ويكونُ مِنَ التجريدِ، كقولك: لقيت به أَسَدًا. والمعنى: فاسألِ اللهَ الخبيرَ بالأشياء. قال الزمخشري: أو فاسْأَلْ بسؤالِه خبيرًا، كقولك: رأيتُ به أسدًا أي: برؤيتِه. انتهى. ويجوزُ أَنْ تكونَ الباءُ صلةً {خبيرًا} و{خبيرًا} مفعول {اسْأَلْ} على هذا، أو منصوبٌ على الحالِ المؤكِّدة. واستضعفه أبو البقاء. قال ويَضْعُفُ أَنْ يكونَ خبيرًا حالًا مِنْ فاعل اسألْ لأنَّ الخبيرَ لا يُسْأل إلاَّ على جهةِ التوكيد كقوله: {وَهُوَ الحق مُصَدِّقًا} [البقرة: 91] ثم قال: ويجوز أَنْ يكونَ حالًا من {الرحمن} إذا رَفَعْتَه ب {استوى}. والثاني: أن تكونَ الباءُ بمعنى عن: إمَّا مطلقًا، وإمَّا مع السؤالِ خاصةً كهذه الآيةِ الكريمةِ وكقولِ الشاعر:
فإنْ تَسْأَلُوني بالنِّساءِ

البيت. والضميرُ في {عنه} للهِ تعالى و{خبيرًا} من صفاتِ المَلَكِ وهو جبريلُ عليه السلام. ويجوز على هذا أعني كونَ {خبيرًا} من صفاتِ جبريل أَنْ تكونَ الباءُ على بابِها، وهي متعلقةٌ ب {خبيرًا} كما تقدَّم أي: فاسْأَلِ الخُبَراء به.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)}.
قوله: {لِمَا تَأْمُرُنَا} قرأ الأخَوان {يأْمُرُنا} بياءِ الغَيْبة يعني محمد صلَّى الله عليه وسلَّم. والباقون بالخطاب يعني: لِما تأمرنا أنت يا محمد. وما يجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى الذي. والعائدُ محذوفٌ؛ لأنه متصلٌ؛ لأنَّ أَمَرَ يَتَعَدَّى إلى الثاني بإسقاطِ الحرفِ. ولا حاجةَ إلى التدريجِ الذي ذكره أبو البقاء: وهو أنَّ الأصلَ: لِما تَأْمُرنا بالسُّجودِ له، ثم بسجودِه، ثم تَأْمُرُناه، ثم تأْمُرُنا. كذا قَدَّره، ثم قال: هذا على مذهبِ أبي الحسن، وأَمَّا على مذهبِ سيبويهِ فَحَذْفُ ذلك مِنْ غيرِ تَدْريج. قلت: وهذا ليس مذهبَ سيبويه. ويجوزُ أَنْ تكونَ موصوفةً، والكلامُ في عائِدها موصوفةً كهي موصولةً. ويجوز أَنْ تكونَ مصدريةً، وتكونَ اللامُ للعلةِ أي: أَنَسجُدُ مِنْ أجلِ أَمْرِكَ، وعلى هذا يكونُ المسجودُ له محذوفًا. أي: أَنَسْجُدُ للرحمن لِما تَأْمُرُنا. وعلى هذا لا تكونُ ما واقعةً على العالِم. وفي الوجهين الأوَّلَيْن يُحْتمل ذلك، وهو المتبادَرُ للفَهْمِ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56)}.
رسولًا مِنَّا، مأمورًا بالإنذار والتبشير، واقفًا حيث وقفناك على نعت التبليغ، غيرَ طالب منهم أجرًا، وغير طامع في أن تجد منهم حظًَّا.
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (57)}.
{إِلاَّ} أداة استثناء منقطع؛ إذ ابتغاؤهم السبيل إلى ربِّهم ليس بأجرٍ يأخذه منهم، فهو لِمَنْ أقْبَلَ بشيرٌ، ولِمَنْ أعرض نذير.
قوله جل ذكره: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الذي لاَ يَمُوتُ}.
التوكلْ تفويضُ الأمور إلى الله وحقُّه وأصْلُهُ عِلْمُ العبدِ بأنَّ الحادثاتِ كلّها حاصِلةٌ من الله تعالى، وأنه لا يقدر أحدٌ على الإيجاد غيرُه.
فإذا عَرَفَ هذا فهو فيما يحتاج إليه- إذا عَلِمَ أن مرادَهُ لا يرتفع إلا مِنْ قِبَلِ الله- حصل له أصل التوكل. وهذا القَدْرُ فَرْضٌ، وهو من شرائط الإيمان، فإن الله تعالى يقول: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] وما زاد على هذا القَدْرِ- وهو سكون القلب وزوال الانزعاج والاضطرار- فهي أحوال تلحق بالتوكل على وجه كماله.
فإن تقرَّرَ هذا فالناس في الاكتفاء والسكون على أقسام، ولكلِّ درجةٍ من هذه الأقسام اسم: إمَّا من حيث الاشتقاق، أو من حيث الاصطلاح.
فأول رتبة فيه أن يكتفي بما فيه يده، ولا يطلب زيادة عليه، ويستريح قلبه من طلب الزيادة، وتسمى هذه الحالة القناعة، وفيها يقف صاحبها حيث وقف، ويقنع بالحاصل له فلا يستزيد ثم اكتفاءُ كلِّ أحدٍ يختلف في القلة والكثرة، وراحة قلوب هؤلاء في التخلص من الْحِرصِ وإرادة الزيادة.
ثم بعد هذا سكونُ القلب في حالة عَدَمِ وجود الأسباب، فيكون مجردًا عن الشيء، ويكون في إرادته متوكلًا على الله. وهؤلاء متباينون في الرتبة، فواحد يكتفي بوعده لأنه صَدَقَه في ضمانه، فيسكن- عند فقد الأسباب- بقلبه ثقةً منه بوعد ربه، ويسمى هذا توكلًا، ويقال على هذا: إن التوكل سكون القلب بضمان الربِّ، أو سكون الجاش في طلب المعاش، أو الاكتفاء بوعده عند عدم نَقْدِه، أو الاكتفاء بالوعد عند فقد النقد.
وألطف من هذا أن يكتفي بِعِلْمِ أنه يعلم حاله فيشتغل بما أمره الله؛ ويعمل على طاعته؛ ولا يراعي إنجاز ما وَعَدَهَ؛ بَل يِكلُ أمرَه إلى الله، وهذا هو التسليم.
وفوق هذا التفويض، وهو أنْ يَكِلَ أمرَه إلى الله. ولا يقترح على مولاه بحالٍ، ولا يختار؛ ويستوي عند وجودُ الأسباب وعَدَمُها؛ فيشتغل بأداء ما ألزمه الله؛ ولا يفكر في حال نَفْسِه؛ ويعلم أنه مملوكٌ لمولاه؛ والسيِّدُ أوْلَ بِعَبْدِهِ من العبد بنفسه.
فإذا ارتقى عن هذه الحالة وَجَدَ راحةً في المَنْع؛ واستعذب ما يستقبله من الرَّدِّ وتلك هي مرتبة الرضا؛ ويصلح له في هذه الحالة من فوائد الرضا ولطائفه ما لا يحصل لِمَنْ دونَه من الحلاوة في وجود المقصود.
وبعد هذا الموافقة؛ وهي ألا يجد الراحة في المَنْعِ، بل يجد بَدَلَ هذا عند نسيم القربِ زوائد الأُنْس بنسيان كلِّ أرَبٍ، ونيسان وجود سبب أو عدو وجود سبب؛ فكما أنَ حلاوة الطاعة تتصاغر عند بَرْدِ الرضا- وأصحاب الرضا يعدون ذلك حجابًا- فكذلك أهل الأُنْسِ بالله.
بنسيانِ كلِّ فَقْدٍ ووَجْدٍ، وبالتغافل عن أحوالهم في الوجود والعدم يعدون النزول إلى استلذاذ المنع، والاستقلال بلطائف نقصانًا في الحال.
ثم بعد هذا استيلاءُ سلطان الحقيقة فيؤخذ العبد عن جملته بالكلية، والعبارة عن هذه الحالة أنه يحدث الخمود والاستهلاك والوجود والاصطلام والفناء، وأمثال هذا، وذلك هو عين التوحيد، فعند ذلك لا أُنْسَ ولا هيبة، ولا لذة ولا راحة، ولا وحشة ولا آفة.
هذا بيان ترتيبهم فأمّا دون ذلك فالخبر عن أحوال المتوكلين- على تباين شِرْبِهم.- يختلف على حسب اختلاف على حسب اختلاف محالِّهم.
فيقال شرط التوكل أن يكون كالطفل في المهد؛ لا شيء مِنْ قِبَلِه إلا أن يرضعه مَنْ هو في حضانته.
ويقال التوكل زوال الاستشراف، وسقوط الطمع، وفراغ القلب من تعب الانتظار.
ويقال التوكل السكون عند مجاري الأقدار على اختلافها.
ويقال إذا وثق القلب بجريان القسمة لا يضره الكسب، ولا يقدح في توكله.
ويقال عوام المتوكلين إذا أُعْطُوا شكروا، وإذا مُنعُوا صبروا. وخواصُّهم إذا أَعْطُوا آثروا، وإذا مٌنِعُوا شكروا.
ويقال الحقُّ يجود على الأولياء إذا توكلوا بتيسير السبب من حيث يُحْتَسَبُ ولا يُحْتَسَبُ، ويجود على الأصفياء بسقوط الأرب وإذا لم يكن الأرَبُ فمتى يكون الطلب؟
ويقال التوكل في الأسباب الدنيوية إلى حدَّ، فأمَّا التوكل على الله في إصلاحه- سبحانه- أمورَ آخرِة العبد فهذا أشدُّ غموضًا، وأكثرُ خفاءً. فالواجبُ في الأسباب الدنيوية أن يكون السكونُ عن طلبها غالبًا، والحركةُ تكون ضرورةً. فأمَّا في أمور الآخرة وما يتعلَّقُ بالطاعةِ فالواجبُ البِدارُ والجِدُّ والانكماشُ، والخروجُ عن أوطان الكسل والجنوح إلى الفشل.
والذي يتَّصِفُ بالتواني في العبادات، ويتباطؤ في تلافي ما ضيَّعَه من أرضاء الخصوم والقيام بحقِّ الواجبات، ثم يعتقد في نفسه أنه متوكِّلٌ على الله وأنه- سبحانه- يغفو عنه فهو مُتَّهَمٌب معلولُ الحالِ، ممكورٌ مُسْتَدْرَجٌ، بل يجب أن يبذل جهده، ويستفرغ وسعه. ثم بعد ذلك لا يعتمد على طاعته، ولا يستنِدُ إلى سكونه وحركته، ويتبرأُ بِسِرِّه من حَوْلِهِ وقوَّتِه. ثم يكون حَسَنَ الظنِّ بربِّه، ومع حُسْنِ ظنه بربه لا ينبغي أن يخلوَ من مخافته، اللهم إلا أن يَغْلِبَ على قلبه ما يشغله في الحال من كشوفات الحقائق عن الفكرة في العواقب؛ فإن ذلك- إذا حَصَلَ- فالوقتُ غالِبٌ، وهو أحد ما قيل في معاني قولهم: الوقت سيف.
قوله جل ذكره: {الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ}.
انتظم به الكونُ- والعرشُ من جملة الكون- ولم يتجمَّل الحقُّ- سبحانه- بشيءٍ من إظهار بَرِيَّتهِ؛ فعلوُّه على العرش بقهره وقدرته، واستواؤه بفعلٍ خص به العرش بتسوية أجزائه وصورته.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)}.
أقبل الحقُّ- سبحانه- بلطفه وبفضله على أقوام فلذلك وجدوه، وأعرض عن آخرين بتكبره وتعزُّزِه فلذلك جحدوه؛ فَطَرَهُم على سِمَةِ البُعْدِ، وعَجَنَ طينتهم بماء الشقاوة والصدِّ؛ فلما أظهرهم ألبسهم صدار الجهل والجحد. اهـ.

.قال التستري:

قوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ} (58).
سئل ابن سالم عن التوكل والكسب بأيهما تعبد الخلق؟ قال: التوكل حال الرسول صلى الله عليه وسلم، والكسب سنته.
وإنما استنّ الكسب لهم لضعفهم حين أسقطوا عن درجة التوكل الذي هو حاله، فلم يسقطهم عن درجة طلب المعاش بالكسب الذي هو سنته، ولولا ذلك لهلكوا.
قال سهل: من طعن في الكسب فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان. اهـ.