فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما قوله تعالى: {إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} فقوله: {سَاءتْ} في حكم بئست وفيها ضمير مبهم تفسيره {مستقرًا}، والمخصوص بالذم محذوف معناه ساءت مستقرًا ومقامًا هي وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم إن وجعلها خبرًا، لها، ويجوز أن يكون ساءت بمعنى أحزنت، وفيها ضمير اسم إن ومستقرًا حال أو تمييز، فإن قيل دلت الآية على أنهم سألوا الله تعالى أن يصرف عنهم عذاب جهنم لعلتين: إحداهما أن عذابها كان غرامًا، وثانيهما: أنها ساءت مستقرًا ومقامًا، فما الفرق بين الوجهين؟ وأيضًا فما الفرق بين المستقر والمقام؟ قلنا المتكلمون ذكروا أن عقاب الكافر يجب أن يكون مضرة خالصة عن شوائب النفع دائمة، فقوله: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} إشارة إلى كونه مضرة خالصة عن شوائب النفع، وقوله: {إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} إشارة إلى كونها دائمة، ولا شك في المغايرة، أما الفرق بين المستقر والمقام فيحتمل أن يكون المستقر للعصاة من أهل الإيمان فإنهم يستقرون في النار ولا يقيمون فيها، وأما الإقامة فللكفار، واعلم أن قوله: {إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} يمكن أن يكون من كلام الله تعالى ويمكن أن يكون حكاية لقولهم.
الصفة الخامسة: قوله: {والذين إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} قرىء {يَقْتُرُواْ} بكسر التاء وضمها ويقتروا بضم الياء وتخفيف القاف وكسر التاء وأيضًا بضم الباء وفتح القاف وكسر التاء وتشديدها وكلها لغات.
والقتر والإقتار والتقتير التضييق الذي هو نقيض الإسراف، والإسراف مجاوزة الحد في النفقة.
وذكر المفسرون في الإسراف والتقتير وجوهًا: أحدها: وهو الأقوى أنه تعالى وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير وبمثله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط} [الإسراء: 29] وعن وهيب بن الورد قال لعالم: ما البناء الذي لا سرف فيه؟ قال: ما سترك عن الشمس وأكنك من المطر، فقال له فما الطعام الذي لا سرف فيه؟ قال ما سد الجوعة، فقال له في اللباس، قال ما ستر عورتك ووقاك من البرد، وروي أن رجلًا صنع طعامًا في إملاك فأرسل إلى الرسول عليه السلام فقال: «حق فأجيبوا» ثم صنع الثانية فأرسل إليه فقال: «حق فمن شاء فليجب وإلا فليقعد» ثم صنع الثالثة فأرسل إليه فقال: «رياء ولا خير فيه» وثانيها: وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك أن الإسراف الإنفاق في معصية الله تعالى، والإقتار منع حق الله تعالى، قال مجاهد: لو أنفق رجل مثل أبي قبيس ذهبًا في طاعة الله تعالى لم يكن سرفًا ولو أنفق صاعًا في معصية الله تعالى كان سرفًا، وقال الحسن لم ينفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عما ينبغي، وذلك قد يكون في الإمساك عن حق الله، وهو أقبح التقتير، وقد يكون عما لا يجب، ولكن يكون مندوبًا مثل الرجل الغني الكثير المال إذا منع الفقراء من أقاربه وثالثها: المراد بالسرف مجاوزة الحد في التنعم والتوسع في الدنيا، وإن كان من حلال، فإن ذلك مكروه لأنه يؤدي إلى الخيلاء، والإقتار هو التضييق فالأكل فوق الشبع بحيث يمنع النفس عن العبادة سرف وإن أكل بقدر الحاجة فذاك إقتار، وهذه الصفة صفة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون طعامًا للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثوبًا للجمال والزينة، ولكن كانوا يأكلون ما يسد جوعهم ويعينهم على عبادة ربهم، ويلبسون ما يستر عوراتهم ويصونهم من الحر والبرد، وههنا مسألتان:
المسألة الأولى: القوام قال ثعلب: القوام بالفتح العدل والاستقامة، وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر، قال صاحب الكشاف: القوام العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما، ونظير القوام من الاستقامة السواء من الاستواء، وقرئ {قَوَامًا} بالكسر وهو ما يقام به الشيء، يقال أنت قوامنا، يعني ما يقام به الحاجة لا يفضل عنه ولا ينقص.
المسألة الثانية:
المنصوبان أعني {بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} جائز أن يكونا خبرين معًا، وأن يجعل بين ذلك لغوًا وقوامًا مستقرًا، وأن يكون الظرف خبرًا وقوامًا حالًا مؤكدة، قال الفراء: وإن شئت جعلت {بَيْنَ ذلك} اسم كان، كما تقول كان دون هذا كافيًا، تريد أقل من ذلك، فيكون معنى {بَيْنَ ذلك}، أي كان الوسط من ذلك قوامًا، أي عدلًا، وهذا التأويل ضعيف، لأن القوام هو الوسط فيصير التأويل، وكان الوسط وسطًا وهذا لغو. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {هَوْنًا} قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ {وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} قَالَ: سِدَادًا.
وَعَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} حُلَمَاءُ لَا يَجْهَلُونَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ، حَلَمُوا قَدْ بَرَاهُمْ الْخَوْفُ كَأَنَّهُمْ الْقِدَاحُ، هَذَا نَهَارُهُمْ يَنْتَشِرُونَ بِهِ فِي النَّاسِ {وَاَلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} قَالَ: هَذَا لَيْلُهُمْ إذَا دَخَلَ يُرَاوِحُونَ بَيْنَ أَطْرَافِهِمْ فَهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} قَالَ: بِالتَّوَاضُعِ لَا يَتَكَبَّرُونَ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} قَالَ: مَنْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مُسْرِفٌ {وَلَمْ يَقْتُرُوا} الْبُخْلُ، مَنْعُ حَقِّ اللَّهِ {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} قَالَ: الْقَصْدُ وَالْإِنْفَاقُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وقال ابن سِيرِينَ: السَّرَفُ إنْفَاقُهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ.
وقَوْله تَعَالَى: {إنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} قِيلَ: لَازِمًا مُلِحًّا دَائِمًا، وَمِنْهُ الْغَرِيمُ لِمُلَازَمَتِهِ وَإِلْحَاحِهِ، وَإِنَّهُ لَمُغْرَمٌ بِالنِّسَاءِ أَيْ مُلَازِمٌ لَهُنَّ لَا يَصْبِرُ عَنْهُنَّ؛ وَقَالَ الْأَعْشَى: إنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ غَرَامًا وَإِنْ يُعْطِ جَزِيلًا فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي وَقَالَ بِشْرُ بْنُ أَبِي خَازِمٍ: يَوْمَ النِّسَارِ وَيَوْمَ الْجِفَا رِ كَانَا عَذَابًا وَكَانَا غَرَامَا قَالَ لَنَا أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ: أَصْلُ الْغُرْمِ اللُّزُومُ فِي اللُّغَةِ؛ وَذَكَرَ نَحْوًا مِمَّا قَدَّمْنَا.
وَيُسَمَّى الدَّيْنُ غُرْمًا وَمَغْرَمًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي اللُّزُومَ وَالْمُطَالَبَةَ، فَيُقَالُ لِلطَّالِبِ الْغَرِيمُ؛ لِأَنَّ لَهُ اللُّزُومَ وَلِلْمَطْلُوبِ غَرِيمٌ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ عَلَيْهِ اللُّزُومُ؛ وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُغْلِقُ الرَّهْنُ لِصَاحِبِهِ غُنْمَهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» يَعْنِي دَيْنَهُ الَّذِي هُوَ مَرْهُونٌ بِهِ.
وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْغُرْمَ الْهَلَاكُ؛ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا خَطَأٌ فِي اللُّغَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ غَرِيمٌ إلَّا مُفَارِقًا غَرِيمَهُ غَيْرَ جَهَنَّمَ فَإِنَّهَا لَا تُفَارِقُ غَرِيمَهَا. اهـ بتصرف يسير.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {هَوْنًا} الْهَوْنُ: هُوَ الرِّفْقُ وَالسُّكُونُ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالتَّوَاضُعِ، لَا بِالْمَرِحِ وَالْكِبْرِ، وَالرِّيَاءِ وَالْمَكْرِ، وَفِي مَعْنَاهُ قُلْت: تَوَاضَعْت فِي الْعَلْيَاءِ وَالْأَصْلُ كَابِرٌ وَحُزْت نِصَابَ السَّبْقِ بِالْهَوْنِ فِي الْأَمْرِ سُكُونٌ فَلَا خُبْثَ السَّرِيرَةِ أَصْلُهُ وَجُلُّ سُكُونِ النَّاسِ مِنْ عِظَمِ الْمَكْرِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ فِي الْإِيضَاعِ».
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُسْرِعُ جِبِلَّةً لَا تَكَلُّفًا.
وَالْقَصْدُ وَالتُّؤَدَةُ وَحُسْنُ الصَّمْتِ مِنْ أَخْلَاقِ النُّبُوَّةِ.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي قَبَسِ الْمُوَطَّأِ.
وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَاهُ يَمْشُونَ رِفْقًا مِنْ ضَعْفِ الْبَدَنِ، قَدْ بَرَاهُمْ الْخَوْفُ، وَأَنْحَلَتْهُمْ الْخَشْيَةُ، حَتَّى صَارُوا كَأَنَّهُمْ الْفِرَاخُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قوله تعالى: {وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} اُخْتُلِفَ فِي الْجَاهِلِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ الْكُفَّارُ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ السُّفَهَاءُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {سَلَامًا} فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِمَعْنَى حَسَنٍ وَسَدَادٍ.
الثَّانِي: أَنَّهُ قَوْلُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يُؤْمَرْ الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنَّهُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمْ: تَسَلُّمُنَا مِنْكُمْ وَلَا خَيْرَ بَيْنَنَا وَلَا شَرَّ.
قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ، بَلْ أُمِرُوا بِالصَّفْحِ وَالْهَجْرِ الْجَمِيلِ، وَقَدْ كَانَ مَنْ سَلَفَ مِنْ الْأُمَمِ فِي دِينِهِمْ التَّسْلِيمُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ.
وَفِي الإسرائليات: إنَّ عِيسَى مَرَّ بِهِ خِنْزِيرٌ فَقَالَ لَهُ: اذْهَبْ بِسَلَامٍ حِينَ لَمْ يَقُلْ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ السَّلَامُ.
فَأَمَّا الْكُفَّارُ فَكَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَتَلِينُ جَوَانِبُهُمْ بِهِ؟ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِفُ عَلَى أَنْدِيَتِهِمْ وَيُحَيِّيهِمْ وَيُدَانِيهِمْ وَلَا يُدَاهِنُهُمْ.
فَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ: {قَالُوا سَلَامًا} الْمَصْدَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ التَّحِيَّةَ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سُورَةِ هُودٍ.
وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ السَّفِيهَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إذَا جَفَاك يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لَهُ سَلَامٌ عَلَيْك.
وَهَلْ وُضِعَ السَّلَامُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إلَّا عَلَى مَعْنَى السَّلَامَةِ وَالتَّوَادِّ؟ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: سَلِمْت مِنِّي، فَأَسْلَمُ مِنْك.
قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: {لَمْ يُسْرِفُوا} فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: لَمْ يُنْفِقُوا فِي مَعْصِيَةٍ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّانِي: لَمْ يُنْفِقُوا كَثِيرًا قَالَهُ إبْرَاهِيمُ.
الثَّالِثُ: لَمْ يَتَمَتَّعُوا لِلنَّعِيمِ، إذَا أَكَلُوا لِلْقُوَّةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلَبِسُوا لِلسُّتْرَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ صِحَاحٌ، فَالنَّفَقَةُ فِي الْمَعْصِيَةِ حَرَامٌ، فَالْأَكْلُ وَاللُّبْسُ لِلَّذَّةِ جَائِزٌ، وَلِلتَّقْوَى وَالسَّتْرِ أَفْضَلُ، فَمَدَحَ اللَّهُ مَنْ أَتَى الْأَفْضَلَ، وَإِنْ كَانَ مَا تَحْتَهُ مُبَاحًا.
وَإِذَا أَكْثَرَ رُبَّمَا افْتَقَرَ، فَالتَّمَسُّكُ بِبَعْضِ الْمَالِ أَوْلَى، كَمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي لُبَابَةَ وَلِكَعْبٍ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلَمْ يَقْتُرُوا} فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: لَمْ يَمْنَعُوا وَاجِبًا.
الثَّانِي: لَمْ يَمْنَعُوا عَنْ طَاعَةٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {قَوَامًا} يَعْنِي عَدْلًا؛ وَهُوَ أَنْ يُنْفِقَ الْوَاجِبَ، وَيَتَّسِعَ فِي الْحَلَالِ فِي غَيْرِ دَوَامٍ عَلَى اسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا}.
فيه أربعة أقاويل:
أحدها: علماء وكلماء، قاله ابن عباس.
الثاني: أعفاء أتقياء، قاله الضحاك.
الثالث: بالسكينة والوقار، قاله مجاهد.
الرابع: متواضعين لا يتكبرون، قاله ابن زيد.
{وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا} الجاهلون فيهم قولان:
أحدهما: أنهم الكفار.
الثاني: السفهاء.
{قَالُواْ سَلاَمًا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: قالوا سدادًا، قاله مجاهد لأنه قول سليم.
الثاني: قالوا وعليك السلام، قاله الضحاك.
الثالث: أنه طلب المسالمة، قاله ابن بحر.