فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ}.
شروعٌ في بيان اجتنابِهم عن المعاصي بعد بيانِ إتيانِهم بالطَّاعات. وذكرُ نفيِ الإسرافِ والقَتْرِ لتحقيقِ معنى الاقتصادِ والتَّصريحُ بوصفِهم بنفيِ الإشراكِ مع ظهورِ إيمانِهم لإظهارِ كمالِ الاعتناء بالتَّوحيدِ والإخلاصِ وتهويلِ أمرِ القتلِ والزِّنا بنظمِهما في سلكِه وللتَّعريضِ بما كانَ عليه الكَفَرةُ من قُريشٍ وغيرِهم أي لا يعبدونَ معه تعالى إلهًا آخرَ.
{وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله} أي حرَّمها بمعنى حرَّم قتلَها فحُذف المضافُ وأُقيم المضافُ إليهِ مقامَه مبالغةً في التَّحريمِ {إِلاَّ بالحق} أي لا يقتلونَها بسببٍ من الأسبابِ إلا بسببِ الحقِّ المزيلِ لحُرمتِها وعصمتِها أو لا يقتلون قتلًا ما إلا قتلًا ملتبسًا بالحقِّ أو لا يقتلونها في حالٍ من الأحوال إلا حالً كونِهم ملتبسين بالحقِّ {وَلاَ يَزْنُونَ} أي الذين لا يفعلُون شيئًا من هذه العظائمِ القبيحةِ التي جمعهنَّ الكفرةُ حيث كانُوا مع إشراكِهم به سبحانه مداومين على قتلِ النُّفوسِ المحرَّمةِ التي من جُملتها الموءودةُ مكبِّين على الزِّنا لا يرعُوون عنه أصلًا {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} أي ما ذُكر كما هو دأبُ الكَفرةِ المذكُورين {يَلْقَ} في الآخرةِ. وقرئ يلقَّى وقرئ يلقَّ بالتَّشديدِ مجزومًا {أَثَامًا} وهو جزاءُ الإثمِ كالوبال والنِّكال وزنًا ومعنى. وقيل: هو الإثم أبي يلقَ جزاءُ الإثم والتَّنوينُ على التَّقديرين للتفخيم. وقرئ أيَّامًا أي شدائدَ يقال يومٌ ذُو أيَّام لليومِ الصَّعبِ.
{يضاعف لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة} بدلٌ من يلقَ لاتِّحادِهما في المعنى كقوله:
متى تأتِنا تُلممْ بنا في ديارِنا ** تجدْ حَطَبًا جَزْلًا ونارًا تأجَّجًا

وقرئ بالرَّفع على الاستئنافِ أو على الحالَّيةِ وكذا ما عُطف عليه وقرئ يُضعَّف ونُضعِّف له العذابَ بالنُّون ونصبِ العذابِ {وَيَخْلُدْ فِيهِ} أي في ذلكَ العذابِ المضاعفِ {مُهَانًا} ذليلًا مستحقرًا جامعًا للعذاب الجُسمانيِّ والرُّوحانيِّ وقرئ يُخلَد ويُخلَّد مبنيًا للمفعول من الإخلاد والتَّخليدِ. وقرئ تخلُد بالتاء على الالتفات المنبىءِ عن شدَّة الغضبِ ومضاعفةِ العذابِ لانضمامِ المعاصي إلى الكفر كما يفصح عنه قوله تعالى: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالحا} وذكر الموصوفِ مع جريانِ الصَّالحِ والصَّالحاتِ مَجرى الاسم للاعتناء به والتنَّصيص على مغايرتهِ للأعمال السَّابقةِ {فَأُوْلَئِكَ} إشارةٌ إلى الموصولِ والجمعُ باعتبارِ معناه كما أنَّ الإفرادَ في الأفعالِ الثَّلاثة باعتبار لفظةِ أي أولئك الموصُوفون بالتَّوبةِ والإيمانِ والعملِ الصَّالحِ {يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات} بأنْ يمحوَ سوابقَ معاصِيهم بالتَّوبةِ ويثبت مكانَها لواحقَ طاعتِهم أو يبدلَ بملكة المعصيةِ ودواعيها في التَّفسِ ملكةَ الطَّاعةِ بأنْ يُزيلَ الأُولى ويأتيَ بالثَّانيةِ وقيل: بأنْ يُوفقَه لأضدادِ ما سلفَ منه أو بأنْ يُثبت له بدَل كلِّ عقابٍ ثوابًا وقيل: يبدلهم بالشِّركِ إيمانًا وبقتل المسلمينَ قتلَ المشركين وبالزِّنا عفَّةً وإحصانًا {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} اعتراضٌ تذييلىٌّ مقررٌ لما قبله من المحوِ والإثبات.
{وَمَن تَابَ} أي عن المعاصي بتركها بالكليَّة والنَّدمِ عليها {وَعَمِلَ صالحا} يتلافى به ما فَرَطَ منه أو خرج عن المعاصي ودخل في الطَّاعات {فَإِنَّهُ} بما فعلَ {يَتُوبُ إِلَى الله} أي يرجعُ إليه تعالى: {مَتابًا} أي متابًا عظيمَ الشَّأنِ مرضيًّا عنده تعالى ماحيًا للعقاب محصِّلًا للثَّوابِ أو يتوب متابًا إلى الله تعالى الذي يحبُّ التَّوابينَ ويحسن إليهم أو فإنَّه يرجعُ إليه تعالى أو إلى ثوابه مرجعًا حسنًا وهذا تعميمٌ بعد تخصيصِ. اهـ.

.قال الألوسي:

{والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ}.
أي لا يشركون به غيره سبحانه.
{وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله} أي حرمها الله تعالى بمعنى قتلها لأن التحريم إنما يتعلق بالأفعال دون الذوات فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه مبالغة في التحريم {إِلاَّ بالحق} متعلق بلا يقتلون والاستثناء مفرغ من أعم الأسباب أي لا يقتلونها بسبب من اللأسباب إلا بسبب الحق المزيل لحرمتها وعصمتها كالزنا بعد الأحصان والكفر بعد الإيمان، وجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي لا يقتلونها نوعًا من القتل إلا قتلًا ملتبسًا بالحق وأن يكون حالًا أي لا يقتلونها في حال من الأحوال إلا حال كونهم ملتبسين بالحق.
وقيل: يجوز أن يكون متعلقًا بالقتل المحذوف والاستثناء أيضًا من أعم الأسباب أي لا يقتلون النفس التي حرم الله تعالى قتلها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق.
ويكون الاستثناء مفرغًا في الإثبات لاستقامة المعنى بإرادة العموم أو لكون حرم نفيًا معنى.
ولا يخفى ما فيه من التكلف {وَلاَ يَزْنُونَ} ولا يطؤن فرجًا مجرمًا عليهم، والمراد من نفي هذه القبائح العظيمة التعريض بما كان عليه أعداؤهم من قريش وغيرهم وإلا فلا حاجة إليه بعد وصفهم بالصفات السابقة من حسن المعاملة وإحياء الليل بالصلاة ومزيد خوفهم من الله تعالى لظهور استدعائها نفي ما ذكر عنهم.
ومنه يعلم حل ما قيل الظاهر عكس هذا الترتيب وتقديم التخلية على التحلية فكأنه قيل: والذين طهرهم الله تعالى وبرأهم سبحانه مما أنتم عليه من الإشراك وقتل النفس المحرمة كالموؤدة والزنا.
وقيل: إن التصريح بنفي الإشراك مع ظهور إيمانهم لهذا أو لإظهار كمال الاعتناء والإخلاص وتهويل أمر القتل والزنا بنظمهما في سلكه، وقد صح من رواية البخاري ومسلم والترمذي عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر؟ قال: أن تجعل لله تعالى ندا وهو خلقك قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت: تم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديق ذلك {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} الآية.
وأخرج الشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ناسًا من أهل الشرك قد قتلوا فاكثروا ثم أتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} الآية ونزلت {قُلْ يا أهل عِبَادِى الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} [الزمر: 53] الآية.
وقد ذكر الإمام الرازي أن ذكر هذا بعد ما تقدم لأن الموصوف بتلك الصفات قد يرتكب هذه الأمور تدينا فبين سبحانه أن المكلف لا يصير بتلك الخلال وحدها من عباد الرحمن حتى ينضاف إلى ذلك وكنه مجانبًا لهذه الكبائر وهو كما ترى، وجوز أن يقال في وجه تقديم التحلية على التخلية كون الأوصاف المذكورة في التحلية أوفق بالعبودية التي جعلت عنوان الموضوع لظهور دلالتها على ترك الأنانية ومزيد الانقياد والخوف والاقتصاد في التصرف بما أذن المولى بالتصرف فيه.
ولا يأبى هذا قصد التعريض بما ذكر في التخلية.
ويؤيد هذا القصد التعقيب بقوله عز وجل: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَامًا} أي ومن يفعل ما ذكر يلق في الآخرة عقابًا لا يقادر قدره.
وتفسير الأثام بالعقاب مروى عن قتادة وابن زيد ونقله أبو حيان عن أهل اللغة وأنشد قوله:
جزى الله ابن عورة حيث أمسى ** عقوقا والعقوق له أثام

وأخرج ابن الأنبارى عن ابن عباس أنه فسره لنافع بن الأزرق بالجزاء وأنشد قول عامر بن الطفيل:
وروينا الأسنة من صداه ** ولاقت حمير منا أثامًا

والفرق يسير: وقال أبو مسلم: الأثام الاثم والكلام عليه على تقدير مضاف أي جزاء أثام أو هو مجاز من ذكر السبب وأرادة المسبب، وقال الحسن: هو اسم من أسماء جهنم، وقيل: اسم بئر فيها، وقيل: اسم جبل.
وروي جماعة عن عبد الله بن عمر ومجاهد أنه واد في جهنم، وقال مجاهد: فيه قيح ودم.
وأخرج ابن المبارك في الزهد عن شفى الأصبحى أن فيه حيات وعقارب في فقار إحداهن مقدار سبعين قلة من سم والعقرب منهن مثل البغلة الموكفة، وعن عكرمة اسم لاودية في جهنم فيها الزناة.
وقرئ {يلق} بضم الياء وفتح اللام والقاف مشددة. وقرأ ابن مسعود. وأبو رجاء {يلقي} بألف كأنه نوى حذف الضمة المثدرة على الألف فأقرب الألف.
وقرأ أبو مسعود أيضًا {أَيَّامًا} جمع يوم يعني شدائد، واستعمال الأيام بهذا المعنى شائع ومنه يوم ذو أيام وأيام العرب لوقائعهم ومقاتلتهم.
{يضاعف لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة} بدل من {يلق} [الفرقان: 68] بدل كل من كل أو بدل اشتمال.
وجاء الإبدال من المجزوم بالشرط في قوله:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ** تجد حطبًا جزلًا ونارًا تأججًا

{وَيَخْلُدْ فِيهِ} أي في ذلك العذاب المضاعف {مُهَانًا} ذليلًا مستحقر فيجتمع له العذاب الجسماني والروحاني.
وقرأ الحسن وأبو جعفر وابن كثير {يضاعف} بالياء والبناء للمفعول وطرح الألف والتضعيف.
وقرأ شيبة وطلحة بن سليمان وأبو جعفر أيضًا {نضعف} بالنون مضمومة وكسر العين مضعفة و{يَرَوْنَ العذاب} بالنصب، وطلحة بن مصرف {يضاعف} مبنيًا للفاعل و{العذاب} بالنصب.
وقرأ طلحة بن سليمان {وتخلد} بتاء الخطاب على الالتفات المنبى عن شدة الغضب مرفوعًا.
وقرأ أبو حيوة {وتخلد} مبنيًا للمفعول مشدد اللام مجزومًا ورويت عن أبي عمرو وعنه كذلك مخففًا.