فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قالوا؛ لأن الغرفة هنا معناها المكان العالي الذي يشتمل على غرفات، كما قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فأولئك لَهُمْ جَزَاءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الغرفات آمِنُونَ} [سبأ: 37].
وهذا الجزاء نتيجة {بِمَا صَبَرُواْ} [الفرقان: 75] صبوا على مشاقِّ الطاعات، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسألة بقوله: «حُفَّتْ الجنة بالمكاره، وحُفَّتْ النار بالشهوات».
فالجنة تستلزم أن أصبر على مشاقِّ الطاعات، وأن أُقدِّر الجزاء على العمل، أستحضره في الآخرة، فإنْ ضِقْتَ بالطاعات وكذَّبْتَ بجزاء الآخرة، فَلِمَ العمل إذن؟
ومثَّلْنا لذلك بالتلميذ الذي يجدّ ويجتهد في دروسه، لأنه يستحضر يوم الامتحان ونتيجته، وكيف سيكون موقفه في هذا اليوم، إذن: لو استحضر الإنسانُ الثوابَ على الطاعة لَسهُلَتْ عليه وهانتْ عليه متاعبها، ولو استحضر عاقبة المعصية وما ينتظره من جزائها لا بتعد عنها.
فالتكاليف الشرعية تستلزم الصبر، كما قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين} [البقرة: 45].
فالحق تبارك وتعالى يريد منّا ألاَّ نعزل التكاليف عن جزائها، بل ضَعِ الجزاء نُصْب عينيك قبل أنْ تُقدِم على العمل.
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم يسأل أحد صحابته: «كيف أصبحتَ يا حارثة» فيقول: أصبحتُ مؤمنًا حقًا، فقال: «إنَّ لكل حقّ حقيقة، فما حقيقة إيمانك».
قال: عزفتْ نفسي عن الدنيا، حتى استوى عندي ذهبها ومدرها، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يُنعَّمون، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون.
فالمسألة إذن في نظرهم لم تكُنْ غيبًا، إنما مشاهدة، كأنهم يرونها من شدة يقينهم بها؛ لذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «عرفتَ فالزم».
والإمام علي كرَّم الله وجهه يقول: لو كُشِف عني الحجاب ما ازددتُ يقينًا. لماذا؟ لأنه بلغ من اليقين في الغيب إلى حَدِّ العلم والمشاهدة.
ثم يقول تعالى: {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَمًا} [الفرقان: 75].
التحية أن نقول له: إننا نُحيِّيك يعني: نريد حياتك بأُنْسك بِنَا، والسلام: الأمان والرحمة، لكن ممَّنْ يكون السلام؟ ورَدُّ السلام في القرآن الكريم بمعان ثلاثة: سلام من الله، كما في قوله تعالى: {سَلاَمٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} [يس: 58].
وسلام من الملائكة: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم} [الرعد: 23- 24].
وسلام من أهل الأعراف، وهم قوم استوتْ حسناتهم وسيئاتهم، فلم يدخلوا الجنة، ولم يدخلوا النار، وهؤلاء يقولون: {وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف: 46].
إذن: فعباد الرحمن يُلَقَّوْن في الجنة سلامًا من الله، وسلامًا من الملائكة، وسلامًا من أهل الأعراف.
ثم يقول الحق سبحانه: {خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ}.
وسبق أنْ قال تعالى عن النار {سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 66] لأنها قبيحة، ومقابلها هنا {حَسُنَتْ} [الفرقان: 76] والمستقر: مكان الإقامة العابرة غير الدائمة، والمقام: مكان الإقامة الدائمة، ومعلوم أن مَنْ يدخل الجنة يقيم فيها إقامة أبدية دائمة، أما مَنْ يدخل النار فقد يخرج منها، إنْ كان مؤمنًا. فكيف قال عن كل منهما: مُستقرًا ومُقَامًا؟
قالوا: لأنهم ساعةَ يأتيهم نعيم وجزاء نقول لهم: ليس هذا هو النعيم الدائم، فالمستقر في نعمة واحدة، إنما المقام في نِعَم أخرى كثيرة مُترقية مُستعلية، لدرجة أن الكمالات في عطاء الله لا تتناهى.
ثم يُنهي الحق سبحانه سورة الفرقان بقوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَؤُاُْ بِكُمْ رَبِّي}.
بعد أن تحدث الحق تبارك وتعالى عن عباد الرحمن، وذكر أوصافهم وجزاءهم توجّه إلى الآخرين الذين لم يتصرفوا بهذه الصفات ولن ينالهم شيء من هذا النعيم، يقول لهم: إياكم أنْ تظنوا أن الله تعالى سيبالي بكم، أو يهتم، أو يكون في معونتكم؛ لأن الله تعالى لا يبالي إلا بعباده الذين عبدوه حَقَّ العبادة، وأطاعوه حَقَّ الطاعة، وأنتم خالفتُمْ الأصل الأصيل من إيجاد الخَلْق، ولم تحققوا معنى الاستخلاف في الأرض الذي خلقكم الله تعالى من أجله.
فكما أنكم انصرفتم عن منهج الله ولم تَعْبئوا به ولم تعبدوه، ولم يكُنْ على بالكم، فكذلك لا يعبأ الله بكم، ولن تكونوا على ذِكْر منه سبحانه، وسوف يهملكم.
وقوله تعالى: {لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ} [الفرقان: 77] يعني: لولا عبادتكم، حيث إنها لم تقع {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} [الفرقان: 77] أي: بالأصل الأصيل، وهو أنكم مخلوقون للعبادة {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77] كما لازمتم أنتم الكفر بي ولم تعبدوني وأصررتُم على الكفر، كذلك يكون الجزاء من جنس العمل لِزامًا لكم، فلا يُفارقكم أبدًا. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {وَهُوَ الذي مَرَجَ البحرين}.
يعني: أرسل.
ويقال: حلى البحرين.
ويقال: فلق البحرين.
ويقال: خلق البحرين العذب والمالح {هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ} يعني: حلوًا {وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} يعني: مرّ مالح {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} أي حاجزًا {وَحِجْرًا مَّحْجُورًا} أي حرم على العذب أن يملح، وحرم على المالح أن يعذب، وحرم على كل واحد منهما أن يختلط بصاحبه، وأن يغير كل واحد منهما طعم صاحبه.
قوله عز وجل: {وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ الماء بَشَرًا} أي من النطفة إنسانًا {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} فالنسب ما لا يحل لك نكاحُه من القرابة، والصهر ما يحل لك نكاحه من القرابة، وغير القرابة وهذا قول الكلبي.
وقال الضحاك: النسب القرابة، والصهر الرضاع، ويحرم من الصهر ما يحرم من النسب.
ويقال: النسب الذي يحرم بالقرابة، والصهر الذي يحرم بالنسب، وهو ما ذكر في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وَبَنَاتُ الاخ وَبَنَاتُ الاخت وأمهاتكم الْلاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ وأخواتكم مِّنَ الرضاعة وأمهات نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتى في حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاتى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وحلائل أَبْنَآئِكُمُ الذين مِنْ أصلابكم وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاختين إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 23] فهذه السبع تحرم بالقرابة والسبع التي تحرم بالنسب، فهو ما ذكر بعده وهو قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وَبَنَاتُ الاخ وَبَنَاتُ الاخت وأمهاتكم الْلاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ وأخواتكم مِّنَ الرضاعة وأمهات نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتى في حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاتى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وحلائل أَبْنَآئِكُمُ الذين مِنْ أصلابكم وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاختين إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 23]. إلى آخر الآية.
وامرأة الأب ثم قال تعالى: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} فيما أحل النكاح، وفيما حرم يقال: قديرًا على ما أراد.
قوله عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} يعني: الأصنام {مَا لاَ يَنفَعُهُمْ} إن عبدوهم {وَلاَ يَضُرُّهُمْ} إن لم يعبدوهم {وَكَانَ الكافر على رَبّهِ ظَهِيرًا} أي: عونًا للشياطين على ربه.
قال بعضهم: نزلت في شأن أبي جهل بن هشام.
ويقال: في شأن جميع الكفار.
ثم قال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا وَنَذِيرًا} يعني: ما أرسلناك يا محمد إلا مبشرًا بالجنة، لمن أطاع الله، ونذيرًا بالنار لمن عصاه، {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} يعني: قل لكفار مكة: ما أسألكم، يعني: على القرآن والإيمان {مِنْ أَجْرٍ} يعني: من جُعل {إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إلى رَبّهِ سَبِيلًا} يعني: إلا من شاء أن يوحده، ويتخذ إلى ربه بذلك التوحيد سبيلًا، يعني: مرجعًا.
ويقال: يعمل، فيتخذ عند ربه مرجعًا صالحًا، فيدخل به الجنة.
يعني: لا أريد الأجر، ولكن أريد لكم هذا الذي ذكر، وقصدي هذا لا أَنْ آخُذ منكم شيئًا.
قوله عز وجل: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحى الذي لاَ يَمُوتُ} وذلك حين دعي إلى ملة آبائه، فأمره الله تعالى بأن يتوكل على ربه قال الكريم: {وَسَبّحْ بِحَمْدِهِ} قال مقاتل: واذكر بأمره وقال الكلبي: صلِّ بأمره {وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} يعني: عالمًا معناه، وكفى بالله عالمًا بذنوب عباده وبمجازاتهم، فلا أحد أعلم بذنوب عباده ومجازاتهم منه.
ثم قال عز وجل: {الذى خَلَقَ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش} وقد ذكرناه وتمّ الكلام ثم قال: {الرحمن} يعني: استوى الرحمن على العرش.
قال: ويجوز أن يكون على معنى الابتداء ثم قال: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} يعني: فاسأل عنه عالمًا.
ويقال: معناه ما أخبرتك به من شيء، فهو كما أخبرتك، فاسأل بذلك عالمًا حتى يبين لك ذلك كقوله: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الحق مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} [يونس: 94] الآية.
خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد به أمته.
قوله عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن} يعني: صلوا للرحمن.
ويقال: اخضعوا له ووحدوه {قَالُواْ وَمَا الرحمن} يعني: ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب قالوا: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} لذلك الكذاب.
قرأ حمزة والكسائي بالياء على معنى المغايبة وقرأ الباقون على المخاطبة {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} يعني: زادهم ذكر الرحمن تباعدًا عن الإيمان، فمن قرأ بالياء، فمعناه لما يأمرنا الرحمن بالسجود.
ويقال: لما يأمرنا محمد، يعني: لا نسجد لما يأمرنا كقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ في اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النساء مثنى وثلاث وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فواحدة أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ} [النساء: 3] يعني: من طاب لكم، ومن قرأ بالتاء، أراد به النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عبيد: هذا هو الوجه، لأن المشركين خاطبوه بذلك، وكانوا غير مقرين بالرحمن.
قوله عز وجل: {تبارك} وقد ذكرناه {الذى جَعَلَ في السماء بُرُوجًا} يعني: خلق في السماء بروجًا، يعني: نجومًا وكواكب.
ويقال: قصورًا.
وذكر أنه جعل في القصور حراسًا، كما قال في آية أخرى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السماء فوجدناها مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} [الجن: 8] الآية.
ويقال: البروج الكواكب العظام، وكل ظاهر مرتفع، فهو برج، وإنما قيل لها بروج لظهورها وارتفاعها، ثم قال تعالى: {وَجَعَلَ} يعني: خلق فيها {سِرَاجًا} يعني: شمسًا {وَقَمَرًا مُّنِيرًا} يعني: منورًا مضيئًا.
قرأ حمزة والكسائي {سُرُجًا} بلفظ الجمع، يعني: الكواكب.
وقرأ الباقون {الشمس سِرَاجًا}، وبه قال أبو عبيدة: بهذا نقرأ.
كقوله: {وَجَعَلَ الشمس سِرَاجًا} ولأنه قد ذكر الكواكب بقوله: {بُرُوجًا} ثم قال عز وجل: {وَهُوَ الذي جَعَلَ الليل والنهار} أي: خلق الليل والنهار {خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ} أي خلفة يخلف كل واحد منهما صاحبه يذهب الليل، ويجيء النهار، ويذهب النهار، ويجيء الليل، ويقال: خلفة يعني: مخالفًا بعضه لبعض، أحدهما أبيض، والآخر أسود، فهما مختلفان كقوله عز وجل: {إِنَّ في اختلاف الليل والنهار} الآية.
وعن الحسن أنه قال: النهار خلف من الليل، لمن أراد أن يعمل بالليل، فيفوته، فيقضي، فإذا فاته بالنهار يقضي بالليل لمن أراد أن يذكر.