فصل: فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الشعراء:
لقيت الدعوة الإسلامية مقاومة شديدة من جمهور المشركين الذين استنكروا أن يكون الله واحدا وأن يكون محمد رسوله!.. وهم قد مردوا على حياة لا تعرف الوحى، ولا تصدق بآخرة. وكانت نظرتهم إلى بقايا أهل الكتاب تنطوى على الزراية والاستهانة، ولذلك أعرضوا عن الإيمان بالرسالة الخاتمة، وكلما ازداد الرسول حرصا على دعوتهم كذبوه وكابروه، وكأنما شعروا بمزيد حرصه على إيمانهم فأرادوا إحزانه بالانصراف عنه، وإدخال الكآبة على نفسه!. فقال الله له: {تلك آيات الكتاب المبين لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين}! أقاتل أنت نفسك وراءهم؟ {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين}. لكن حكمة الله قضت أن تكون آية محمد وحيا يتلى تستمع إليه أجيال المستقدمين والمستأخرين. وهو يخاطب العقول ويهاجم الخرافات الشائعة. ماذا يطلبون؟ يطلبون آية مادية تبهرهم فيستسلمون كما يقولون!. ما أكثر الآيات من حولهم لو كانت لهم بصيرة مخفؤة: آيات في المكان والزمان!. فأما المكان فقد اكتفى القرآن الكريم بذكر الأرض التي تبدو جرداء عفراء وبعد حين تتحول إلى رقعة نضيرة خضراء حافلة بالثمر الطيب والجنى الكريم!! {أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} والآيتان الآخيرتان تكررتا ثمانى مرات في هذه السورة: مرة واحدة بعد آية مكانية في الأرض التي نعيش فوقها، والتى منها بدأنا وإليها نعود، وسبع مرات بعد آيات توحى بها أحوال الأمم الأولى، تلك الأمم التي جاء المرسلون إليها بمثل الوحى الذي جاء به محمد، فأبت إلا الصدود والكفران. فآبت بالهلاك والخسران، فهل يريد العرب أن يردوا المصير نفسه؟!.
والأنبياء هم سائقو الرشد إلى الفكر الإنسانى، وهم أطهر الناس قلوبا، وأشدهم إخلاصا، ماطلبوا كسبا ماديا ولا أدبيا من أحد. بل إنهم جميعا رددوا ما جاء على لسان نوح الذي قال الله فيه: {كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين}. إن الأنبياء ما تطلب من الشعوب إلا تقوى الله، وما تطلب على رسالتها أجرا من أحد، وما جرى بخاطر أحدهم أن يطلب في الأرض علوا أو فسادا. ومع ذلك عوملوا بغلظة، وقتل بعضهم وهو يؤدى واجبه، فماذا كانت العاقبة؟ {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين}. وتضمنت سورة الشعراء جملة الأمم القديمة، موسى مع فرعون، وإبراهيم مع قومه، وكذلك قصص عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وظهرت فيها جميعا وحدة العرض الحسن المنزه عن كل غرض، ووحدة الرد السيئ المشوب بالعناد والغدر وننظر أولا في قصة موسى فيستوقفنا تساؤل فرعون عن الله، ما هو؟. إنه يسأل عن الكنه وذاك مستحيل، فنحن لانعرف كنه أنفسنا فكيف نعرف خالقنا؟. ولذلك جاء الرد بالإجابة الممكنة {قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون}. إلخ، والجواب هنا يشبه الجواب في سورة طه، وقد رفض فرعون الإيمان بهذا الإله، وقال لموسى: {قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين}!. ثم تحدد يوم عام يعرض فيه موسى ما عنده، ويواجه السحرة، وطيب من الجماهير أن تحضر المباراة! ويلفت نظرنا هنا أن الناس لم يحددوا موقفهم إذا انهزم السحرة، بل الذي دار على ألسنتهم: {وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين}!. إن اتباع موسى لم يخطر بالبال..! وأوغل في البعد أن ينهزم السحرة ويتبعوا موسى، ويخلعوا إيمانهم بفرعون!! ولكن ذلك ماحدث، وقد جن جنون فرعون وغلب عليه صلف ألوهيته المزعومة {قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين}. والحق أن موقف هؤلاء السحرة لاينفك يثير العجب، لقد انتقلوا في لحظة قصيرة من الارتزاق بالضلال إلى قمة التضحية بكل شيء في ذات الله، فسبقوا سبقا بعيدا!. أما فرعون فقد بقى على غروره وعناده، وتساءل بغباء كيف يؤمن الناس دون أن يأخذوا منه إذنا؟ كأن ضمائرهم ملك له!!. وتراخت الأيام، وقرر موسى أن يخرج من مصر مع قومه فرارا من العبودية والعذاب، فعبأ فرعون جيشه وخرج وراءهم كى يستعيدهم، واقترب الفريقان حتى أصبحا على مد البصر. وقال اليهود {إنا لمدركون}. وروت التوراة جزعهم وفرقهم وصياحهم لولا أن موسى قال: {قال كلا إن معي ربي سيهدين}. واعترض البحر الأحمر الطريق، وهنا تدخلت العناية العليا، فإن موسى ضرب البحر بعصاه، فانحسرت المياه يمينا ويسارا، وانكشفت اللجج عن طريق يابس عبر منه الإسرائيليون إلى الشاطئ الآخر. وحاول فرعون أن يتبعهم فأطبق عليه الموج من كل جانب، وانتهت قصة ألوهية كاذبة، عربدت حينا ثم لفظت أنفاسها بين الماء والطين. إن الذي آتى إبراهيم رشده زوده بإيمان سهل سائغ لا تقفر فيه ولا التواء. ونحن نزداد شعورا بذلك كلما قرأنا كتب الفلاسفة الإلهيين، وطالعنا ما بها من تعقيد. أما إبراهيم فهو يقول عن ربه: {الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين}. ونبينا محمد- عليه الصلاة والسلام- أولى الناس بإبراهيم، وأقربهم إليه. والدعوة إلى التوحيد شعار الأنبياء كلهم، فهم جميعا خصوم الشرك، وقد طاف إبراهيم أقطارا شتى وهو يحارب الأوثان. ومع أن البشر الذين أشركوا خصوا الإله الأعظم بمكانة خاصة، إذ جعلوا الآلهة الأخرى وسطاء له وشفعاء عنده، فإنهم سرعان ما سووهم به، بل ذكروهم دونه!!.
ولذلك جاء في قصة إبراهيم هنا عن حديث المشركين في النار: {قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم}. والحضارة المعاصرة يغلبها النسيان، وإذا كان الشرك يشوب عقائدها فهى في ولهها بالحياة الدنيا لا تذكر الله، ولا ما جعلته جزءا منه!!. والقرآن الكريم ذكر قصة إبراهيم بعد قصة موسى، وقبل قصة نوح، لأن السرد التاريخى لا يعنيه. إنما تعنيه العبرة التي تنفع الناس!!. وفي قصة نوح نلحظ أن ازدراء الفقراء والضعفاء بدأ من عصر مبكر، فالغنى يكره الفقير، والقوى يحتقر الضعيف، وكأن بذور نظام الطبقات وجدت من فجر الإنسانية. والفقراء بداهة أسرع الناس إلى اتباع الأنبياء، لأنهم يلتمسون لديهم الإنصاف والكرامة، وذاك ما لا يعجب الكبراء ولذلك قالوا لنوح: {أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين}. ومعروف أن مشركى مكة بعد أعصار طويلة طلبوا مثل ذلك من محمد- عليه الصلاة والسلام- فأبى وقال الله له: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}. ما هذا الشبه... {أتواصوا به بل هم قوم طاغون فتول عنهم فما أنت بملوم}. على أن قصة الإيمان والكفر ليست قصة أغنياء وفقراء، فقد آمن بمحمد المكثرون والمقلون، وجمعتهم الصلوات في صفوفها المسواة، ورضى كل منهم بالاختبار الإلهى الذي تعرض له!!. ولعل أقرب القصص إلى طبيعة العصر الحاضر قصة عاد وثمود، وبينهما على بعد المكان قرب شديد! كانت عاد من الناحية الجثمانية عمالقة، قامات مديدة، وعضلات مفتولة، وعافية عاتية. وكان القوم من الناحية العقلية أصحاب ذكاء ودهاء يضرب بهما المثل. قال النابغة الذبيانى يمدح الغساسنة: أحلام عاد، وأجساد مطهرة من المعقة والآفات والأثتم!. ولكن عادا أبطرها هذا التفوق المادى والأدبى وقالوا: من أشد منا قوة؟.
وأخذوا يستمتعون بالحياة على نحو مفرط، يتطاولون في البنيان، ويذهبون بأنفسهم، وإذا وقع بأيدهم ضعيف بطشوا به، لايخافون قصاصا! من يقدر عليهم؟. قال لهم نبيهم هود: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون} والريع: الربوة أو التل أو المكان المرتفع. والآيات التي بنوها قيل: علامات تدل على الطرق في هذه المتاهات الرملية! وقيل: بل القصور المشيدة، والمصانع، وقيل: خزانات للمياه، وقيل: حصون سامقة، وعند التأمل نجد أن بناء البيوت العالية والسدود المائية ليست مما يؤاخذ امرؤ عليه! ولذلك قال العلماء: إن الذي أخذ عليهم الترف الشديد، والإغراق في حب الدنيا، والذهول عن الله، واجتياح حقوق الآخرين!. ونحن نشهد في المعاصرين من أبناء أوروبا وأمريكا أنهم يشيدون ناطحات السحاب، ويتطاولون في البنيان، ويذكرون شهواتهم، وينسون وصايا ربهم. ف!ذا حاربوا فجروا الذرة بالهلاك العام! وإذا خاصموا لم يبالوا بما يلقى عدوهم من هوان وخسف!!. وغضب الله على عاد وثمود وأشباههم في الآخرين إنما يجىء من هذه الناحية، مع جهل بالله، وذهول عن لقائه وجرأة عليه، ثم جاء قوم لوط، والغريب أن الحضارة الحديثة مهددة بالاستغراق في الملذات، والإقبال على الشذوذ، ولما بدت نذر الموت ما صاح أحد بضرورة العفاف والتقوى، بل تضافرت الجهود العالمية على استكشاف وسيلة تجمع بين اللذة الحرام والنجاة من العواقب المهلكة!!. وهذا لون من الإسراف يقتل الشعوب {أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون}. وقد دمر الله هذه القرى، وللكافرين أمثالها...!. ثم ختمت هذه القصص القديمة بشعيب وأصحاب الأيكة الذين قيل لهم: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
ولكن قوم شعيب أكلوا الحقوق، واستحفوا المظالم فبادوا، والأمة الإسلامية مكلفة بكل خيركلفت به الأمم الأولى. ورسالتها العامة لسائر الخلق تجعلها حاملة لمواريث الهداة السابقين، وإذا كانت بقايا أهل الكتاب قد نسيت- أو تناست- مالديها، فلنذكر نحن أن محمدا صاحب رسالة عامة خالدة، جمعت ماتناثر خلال القرون الأولى من عظات وعبر، واستبقته وحيا يتلى. إلى آخر الدهر. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة الشعراء:
أقول وجه اتصالها بسورة الفرقان أنه تعالى لما أشار فيها إلى قصص مجملة بقوله: {ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أَخاه هارون وزيرًا فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرًا وقوم نوح لما كذبوا الرسل أَغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأَعتدنا للظالمين عذابًا أَليمًا وعادًا وثمود وأَصحاب الرس وقرونًا بينَ ذَلِكَ كثيرًا} شرح هذه القصص، وفصلها أبلغ تفصيل في الشعراء التي تليها، ولذلك رتبت على ترتيب ذكرها في الآيات المذكورة فبدئ بقصة موسى، ولو رتبت على الواقع لأخرت كما في الأعراف فانظر إلى هذا السر اللطيف الذي من الله بإلهامه ولما كان في الآيات المذكورة بقوله: {وقرونًا بينَ ذلِكَ كثيرًا} زاد في الشعراء تفصيلًا لذلك قصة قوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب ولما ختم الفرقان بقوله: {وإِذا خاطبَهُم الجاهلونَ قالوا سَلاما} وقوله: {وإِذا مروا باللغوِ مروا كِرامًا} ختم هذه السورة بذكر الشعراء الذين هم بخلاف ذلك، واستثنى منهم من سلك سبيل أولئك، وبين ما يمدح من الشعر، ويدخل في قوله: {سلامًا} وما يذم منه، ويدخل في اللغو. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 9):

قوله تعالى {طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (6) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (7) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (9)}.