فصل: قال صاحب روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِنَّ في ذَلِكَ} أي الانبات أو المنبت {لآيَةً} عظيمة دالة على ما يجب عليهم الايمان به من شئونه عز وجل، وما ألطف ما قيل في صف النرجس:
تأمل في رياض الورد وانظر ** إلى آثار ما صنع المليك

عيون من لجين شاخصات ** على أهدابها ذهب سبيك

على قضب الزبرجد شاهدات ** بأن الله ليس له شريك

{وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ} قيل: أي وما كان في علم الله تعالى ذلك.
واعترض بناء على أنه يفهم من السياقة العلية بأن علمه تعالى ليس علة لعدم إيمانهم لأن العلم تابع للمعلوم لا بالعكس.
ورد بأن معنى كونه علمه تعالى تابعًا للمعلوم أن علمه سبحانه في الأزل بمعلوم معين حادث تابع لماهيته بمعنى أن خصوصية العلم وامتيازه عن سائر العلوم إنما هو باعتبار أنه علم بهذه الماهية وأما وجود الماهية فيما لا يزال فتابع لعلمه تعالى الأزلي التابع لماهيته بمعنى أنه تعالى لما علمها في الأزل على هذه الخصوصية لزم أن تتحقق وتوجد فيما لا يزال كذلك فنفس موتهم على الكفر وعدم إيمانهم متبوع لعلمه الأزلي ووقوعه تابع له، ونقل عن سيبويه إن {كَانَ} صلة والمعنى وما أكثرهم مؤمنين فالمراد الأخبار عن حالهم في الواقع لا في علم الله تعالى الأزلي وارتضاه شيخ الإسلام، وقال: هو الأنسب بمقام بيان عتوهم وغلوهم في المكابرة والعناد مع تعاقد موجبات الايمان من جهته عز وجل وأما نسبة كفرهم إلى علمه تعالى فربما يتوهم منها كونهم معذورين فيه بحسب الظاهر ويحتاج حينئذ إلى تحقيق عدم العذر بما يخفى على العلماء المتقنين، والمعنى على الزيادة وما أكثرهم مؤمنين مع عظم الآية الموجبة للايمان لغاية تماديهم في الكفر والضلالة وانهماكهم في الغي والجهالة، ويجوز على قياس ما مر عن بعض الأجلة في قوله تعالى: {ألا يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] أن يقال: إن {كَانَ} للاستمرار واعتبر بعد النفي فالمراد استمرار نفي إيمان أكثرهم مع عظم الآية الموجبة لايمانهم، وفيه من تقبيح حالهم ما فيه.
وهذا المعنى وإن تأتي على تقدير إسقاط {كَانَ} بأن يعتبر الاستمرار الذي تفيده الجملة الاسمية بعد النفي أضًا إلا أنه فرق بين الاستمرارين بعد اعتبار كان قوة وضعفًا فتدبر، ونسبة عدم الايمان إلى أكثرهم لأن منهم من لم يكن كذلك.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} أي الغالب على كل ما يريده من الأمور التي من جملتها الانتقام من هؤلا الكفرة {الرحيم} أي البالغ في الرحمة ولذلك يمهلهم ولا يؤاخذهم بغتة بما اجترؤا عليه من العظائم الموجبة لفنون العقوبات أو العزيز في انتقامه ممن كفر الرحيم لمن تاب وآمن أو العزيز في انتقامه من الكفرة الرحيم لك بأن يقدر من يؤمن بك إن لم يؤمن هؤلاء، والتعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من تشريفه عليه الصلاة والسلام والعدة الخفية له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى، وتقديم العزيز لأن ما قبله أظهر في بيان القدرة أو لأنه أدل على دفع المضار الذي هو أهم من جلب المصالح. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

سورة الشعراء مكية وهي اثنتان أو سبع وعشرون آية.
{طسم} الحروف المقطعة في أوائل السور يجمعها قولك: سرّ حصين قعع كلامه وأولى ما قال أهل التفسير في حق هذه الحروف الله أعلم بمراده لأنها من الأسرار الغامضة كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إن لكل كتاب سرًا وسر القرآن في المقطعات كما في رياض الأذكار والمعاني المتعلقة بالأسرار والحقائق لا يعلمها إلا الله ومن أطلعه الله عليها من الراسخين في العلم وهم العلماء بالله فلا معنى للبحث عن مرتبة ليس للسان حظ منها ولا للقلم نصيب وأما اللوازم التي تشير إلى الحقائق فلبيانها مساغ فإنها دون الحقائق وفي مرتبة الفهم وإلى الأول يشير قول ابن عباس رضي الله عنهما في {طسم} عجزت العلماء عن تفسيرها كما في فتح الرحمن.
أما جبل طور سينا الذي بين الشام ومدين فهو محل مناجاة موسى عليه السلام وكلامه مع الله تعالى ومقام التجلي كما قال: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّه لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143] وهذا الجبل إذا كسرت حجارته يخرج من وسطها صورة شجر العوسج على الدوام وتعظيم اليهود لشجرة العوسج لهذا المعنى ويقال لشجرة العوسج شجرة اليهود.
وأما الإسكندرية فهي آخر مدن المغرب ليس في معمور الأرض مثلها ولا في أقاصي الدنيا كشكلها وعدت مساجدها فكانت عشرين ألف مسجد نقل أن المدينة كانت سبع قصبات متوالية وإنما أكلها البحر ولم يبق منها إلا قصبة واحدة وهي المدينة الآن وصار منار المرآة الإسكندرية في البحر لغلبة الماء على قصبة المنار.
وقصة المرآة أنه كان في أعلى المنار الذي ارتفاعه ثلاثمائة ذراع إلى القبة مرآة غريبة قد عملها الحكماء للإسكندر يرى فيها المراكب من مسيرة شهر وكان بالمرآة أعمال وحركات تحرق المراكب في البحر إذا كان فيها عدو بقوة شعاعها فأرسل صاحب الروم يخدع صاحب مصر ويقول: إن الإسكندر قد كنز على المنار كنزًا عظيمًا من الجواهر النفيسة فإن صدقت فبادر. إلى آخراجها ولك أيضًا من الكنز ما تشاء فانخدع لذلك وظنه حقًا فهدم القبة فلم يجد شيئًا وفسد طلسم المرآة.
وأما مكة المشرفة المكرمة فهي مدينة قديمة غنية عن البيان وفيها كعبة الإسلام وقبلة المؤمنين والحج إليها أحد أركان الدين.
ويقال: الطاء طوله أي قدرته.
والسين سناؤه أي رفعته.
والميم ملكه ومجده فأقسم الله بهذه.
ويقال: يشير إلى طاء طيران الطائرين بالله وإلى سين السائرين إلى الله.
وإلى ميم مشي الماشين فالأول مرتبة أهل النهاية والثاني مرتبة أهل التوسط والثالث مرتبة أهل البداية ولكل سالك خطوة ولكل طائر جناح.
ويقال: الطاء إشارة إلى طهارة أسرار أهل التوحيد.
والسين إشارة إلى سلامة قلوبهم عن مساكنة كل مخلوق.
والميم إشارة إلى منة الخالق عليهم بذلك.
وقال سيد الطائفة الجنيد قدس سره: الطاء طرق التائبين في ميدان الرحمن.
والسين سرور العارفين في ميدان الوصلة.
والميم مقام المحبين في ميدان القربة.
وقال نجم الدين قدس سره: يشير إلى طاء طهارة قلب نبيه عن تعلقات الكونين.
وإلى سين سيادته على الأنبياء والمرسلين.
وإلى ميم مشاهدة جمال رب العالمين.
وقال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: أقسم الله بشجرة طوبى وسدرة المنتهى ومحمد المصطفى بالقرآن بقوله: {طسم} فالطاء شجرة طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد المصطفى عليه الصلاة والسلام.
أما سر اصطفاء طوبى فإن الله تعالى خلق جنة عدن بيده من غير واسطة وجعلها له كالقلعة للملك وجعل فيها الكثيب مقام تجلي الحق سبحانه وفيه مقام الوسيلة لخير البرية وغرس شجرة طوبى بيده فبي جنة عدن وأطالها حتى علت فروعها سور جنة عدن ونزلت مظلة على سائر الجنان كلها وليس في أكمامها ثمر إلا الحلي والحلل لباس أهل الجنة وزينتهم ولها اختصاص فضل لكونها خلقها الله بيده ولذلك كانت أجمع الحقائق الجنانية نعمة وأعمها بركة فإنها لجميع أشجار الجنة كآدم عليه السلام لما ظهر من البنين وما في الجنة نهر إلا وهو يجري من أصل تلك الشجرة وهي محمدية المقام.
وأما سر اجتباء سدرة المنتهى فهي شجرة بين الكرسي والسماء السابعة لأفنانها حنين بأنواع التسبيحات والتحميدات والترجيعات عجيبة الألحان تطرب بها الأرواح والقلوب وتزيد في الأحوال وهي الحد البرزخي بين الدارين سماها المنتهى لأن الأرواح إليها تنتهي وتصعد أعمال أهل الأرض من السعداء وإليها تنزل الأحكام الشرعية وأم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ملائكة السموات في الوتر فكان إمام الأنبياء في بيت المقدس وإمام الملائكة عند سدرة المنتهى فظهر بذلك فضله على أهل الأرض والسماء كما في تفسير التيسير وهي مقام جبريل يسكن في ذروتها كما أن مقر العقل وسط الدماغ وذلك لأن جبريل سدرة العقل ومقامه إشارة إلى مقام العقل وهو الدماغ ولذلك من رأى جبريل فإنما رأى صورة عقله لأن جبريل لا يرى من مقام تعينه لغير الأنبياء عليهم السلام.
وآخر الميم المشاربه إلى محمد المصطفى صلى الله عليه وسلّم لسر الختمية وكما أن ختم الأنبياء بسيد المرسلين كذلك ختم حروف الهجاء بالياء المشتمل عليها لفظ الميم فقد جمع الله في القسم بقوله: {طسم} ثلاث حقائق وهي أصول الحقائق كلها.
الأولى حقيقة جنانية نعمية جامعة وهي شجرة طوبى ولذا أودعها الله في المقام المحمدي لكونها جامعة للنعم الجنانية ومقسمًا لها كما أن النبي عليه السلام مقسم العلوم والمعارف وأنواع الكمالات.
والثانية حقيقة برزخية جامعة لحقائق الدارين وهي شجرة سدرة المنتهى فأغصانها نعيم لأهل الجنة وأصولها زقوم لأهل النار لأنها في مقعر فلك البروج وهو الفلك الأعظم ويسمى فلك الأفلاك لأنه يجمع الأفلاك وأيضًا الفلك الأطلس لأنه غير مكوكب كالثوب الأطلس الخالي عن النقش ومقعر سطحيه أي الفلك الأعظم يماس محدب الفلك الواثب ومحدبه لا يماس شيئًا إذ ليس وراءه شيء لاخلاء ولاملاء بل عنده ينقطع امتدادات العالم كلها.
وقيل: في ورائه أفلاك من أنوار غير متناهية ولا قائل بالخلاء فيما تحت الفلك الأعظم بل هو الملأ كذا في كتب الهيئة وعند الصوفية المقام الذي يقال له لاخلاء ولاملاء فوق عالم الأرواح لا فوق العرش.
قال في شرح التقويم ولما كان المذكور في الكتب الإلهية السموات السبع زعم قوم من حكماء الملة أن الثامن هو الكرسي والتاسع هو العرش وهذا يناسب قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} [البقرة: 255] والثالثة حقيقة الحقائق الكلية وهي الحقيقة المحمدية لقد أقسم الله في {طسم} بأجمع الحقائق كلها لفضلها على جميع الحقائق لأن الحقيقة المحمدية حقيقة الحقائق وروحها دنيًا وبرزخًا وآخرة ولهذا ختم به الحقائق.
وقال بعض كبار المكاشفين: لا يعرف حقائق الحروف المقطعة في أوائل السور إلا أهل الكشف والوجود فإنها ملائكة وأسماؤهم أسماء الحروف وهم أربعة عشر ملكًا لأن مجموع المقطعات من غير تكرار أربعة عشر آخرهم.
{ن وَالْقَلَمِ} [القلم: 1] وقد ظهروا في منازل القرآن على وجوه مختلفة فمنازل ظهر فيها ملك واحد مثل ن وص ومنازل ظهر فيها اثنان مثل [النمل: 1]{طس} و{يَئِسَ} و{حم} ومنازل ظهر فيها ثلاثة مثل {الام} و{طسم} ومنازل ظهر فيها أربعة مثل [الأعراف: 1]{المص} و{المر} منازل ظهر فيها خمسة مثل [مريم: 1]{كهيعص} و{حم عسق} وصورها مع التكرار تسعة وسبعون ملكًا بيد كل ملك شعبة من الإيمان فإن الإيمان بضع وسبعون شعبة والبضع من واحد إلى تسعة فقد استعمل في غاية البضع.
فإذا نطق القارىء بهذه الحروف كان مناديًا لهم فيجيبونه يقول القارىء: {أَلَمْ} فيقول هؤلاء الثلاثة من الملائكة ما تقول؟ فيقول القارىء: ما بعد هذه الحروف فيقال بهذا الباب الذي فتحت ترى عجائب وتكون هذه الأرواح الملكية التي هي الحروف أجسامها تحت تسخيره وبما بيدها من شعب الإيمان تمده وتحفظ عليه إيمانه.
وغير ذلك مما اشتمل عليه الكتاب والسنة وهي كثيرة جدًا وفي الحديث: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» انتهى وهي خصال أهل الإيمان ولم يرد تعديدها بأعيانها في حديث واحد وأهل العلم عدوا ذلك على وجوه وأقصى ما يتناوله لفظ هذا الحديث تسعة وسبعون.