فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الزمخشري: فإن قلت: بم تعلق قوله: {ألا يتقون}؟ قلت: هو كلام مستأنف اتبعه عز وجل إرساله إليهم للإنذار والتسجيل عليهم بالظلم تعجيبًا لموسى عليه السلام من حالهم التي سعت في الظلم والعسف، ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم وحذرهم من أيام الله.
ويحتمل أن يكون ألا يتقون حالًا من الضمير في الظالمين، أي يظلمون غير متقين الله وعقابه، فأدخلت همزة الإنكار على الحال. انتهى.
وهذا الاحتمال الذي أورده خطأ فاحش لأنه جعله حالًا من الضمير في الظالمين، وقد أعرب هو {قوم فرعون} عطف بيان، فصار فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي بينهما، لأن قوم فرعون معمول لقوله: {ائت} والذي زعم أنه حال معمول لقوله الظالمين، وذلك لا يجوز أيضًا لو لم يفصل بينهما بقوله: {قوم فرعون}.
لم يجز أن تكون الجملة حالًا، لأن ما بعد الهمزة يمتنع أن يكون معمولًا لما قبلها.
وقولك: جئت أمسرعًا؟ على أن يكون أمسرعًا حالًا من الضمير في جئت لا يجوز، فلو أضمرت عاملًا بعد الهمزة جاز.
وقرىء: بفتح النون وكسرها، التقدير: أفلا يتقونني؟ فحذفت نون الرفع لالتقاء الساكنين، وياء المتكلم اكتفاء بالكسرة.
وقال الزمخشري: في ألا يتقون بالياء وكسر النون وجه آخر، وهو أن يكون المعنى: ألا يا ناس اتقون، كقوله: {ألا يسجدوا}. انتهى.
يعني: وحذف ألف ياخطًا ونطقًا لالتقاء الساكنين، وهذا تخريج بعيد.
والظاهر أن ألا للعرض المضمن الحض على التقوى، وقول من قال إنها للتنبيه لا يصح، وكذلك قول الزمخشري: إنها للنفي دخلت عليها همزة الإنكار.
ولما كان فرعون عظيم النخوة حتى ادعى الإلهية، كثير المهابة، قد أشربت القلوب الخوف منه خصوصًا من كان من بني إسرائيل، قال موسى عليه السلام: {إني أخاف أن يكذبون}.
وقرأ الجمهور: {ويضيق} {ولا ينطلق}، بالرفع فيهما عطفًا على أخاف.
فالمعنى: إنه يفيد ثلاث علل: خوف التكذيب، وضيق الصدر، وامتناع انطلاق اللسان.
وقرأ الأعرج، وطلحة، وعيسى، وزيد بن عليّ، وأبو حيوة، وزائدة، عن الأعمش، ويعقوب: بالنصب فيهما عطفًا على يكذبون، فيكون التكذيب وما بعده يتعلق بالخوف.
وحكى أبو عمرو الداني، عن الأعرج: أنه قرأ بنصب: ويضيق، ورفع: ولا ينطلق، وعدم انطلاق اللسان هو بما يحصل من الخوف وضيق الصدر، لأن اللسان إذ ذاك يتلجلج ولا يكاد يبين عن مقصود الإنسان.
قال ابن عطية: وقد يكون عدم انطلاق اللسان بالقول لغموض المعاني التي تطلب لها ألفاظ محررة، فإذا كان هذا في وقت ضيق الصدر، لم ينطلق اللسان.
{فأرسل إلى هارون}: معناه يعينني ويؤازرني، وكان هارون عليه السلام فصيحًا واسع الصدر، فحذف بعض المراد من القول، إذ باقية دال عليه. انتهى.
وقال الزمخشري: ومعنى {فأرسل إلى هارون}: أرسل إليه جبريل عليه السلام، واجعله نبيًا، وأزرني به، واشدد به عضدي؛ وهذا كلام مختصر، وقد أحسن في الاختصار حيث قال: {فأرسل إلى هارون}، فجاء بما يتضمن معنى الاستثناء.
وقوله: {إني أخاف}. إلى آخره، بعد أن أمره الله بأن يأتي القوم الظالمين، ليس توقفًا فيما أمره الله تعالى به، ولكنه طلب من الله أن يعضده بأخيه، حتى يتعاونا على إنفاذ أمره تعالى، وتبليغ رسالته، مهد قبل طلب ذلك عذره ثم طلب.
وطلب العون دليل على القبول لا على التوقف والتعلل، ومفعول أرسل محذوف.
فقيل جبريل، كما تقدم ذكره، وفي الخبر أن الله أرسل موسى إلى هارون، وكان هارون بمصر حين بعث الله موسى نبيًا بالشام.
قال السدي: سار بأهله إلى مصر، فالتقى بهارون وهو لا يعرفه فقال: أنا موسى، فتعارفا؛ وأمرهما أن ينطلقا إلى فرعون لأداء الرسالة، فصاحت أمهما لخوفها عليهما، فذهبا إليه.
{ولهم عليّ ذنب}: أي قبلي قود ذنب، أو عقوبة، وهو قتله القبطي الكافر خباز فرعون بالوكزة التي وكزها، أو سمى تبعة الذنب ذنبًا، كما سمى جزاء السيئة سيئة.
وليس قول موسى ذلك تلكأ في أداء الرسالة، بل قال ذلك استدفاعًا لما يتوقعه منهم من القتل، وخاف أن يقتل قبل أداء الرسالة، ويدل على ذلك قوله: {كلا}، وهي كلمة الردع، ثم وعده تعالى بالكلاءة والدفع.
وكلا رد لقوله: {إني أخاف}، أي لا تخف ذلك، فإني قضيت بنصرك وظهورك. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى} كلامٌ مستأنف مسوق لتقريرِ ما قبله من إعراضِهم عن كلِّ ما يأتيهم من الآيات التنَّزيليةِ وتكذيبِهم بما إثرَ بيانِ إعراضهم عمَّا يُشاهدونه من الآيات التَّكوينَّيةِ. وإذْ منصوبٌ على المفعوليةِ بمضمرٍ خُوطب به النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أي وأذكرُ لأولئك المعرضين المكذِّبين وقت ندائه تعالى إيَّاه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وذكِّرهم بما جَرى على قوم فرعونَ بسبب تكذيبِهم إيَّاه زجرًا لهم عمَّا هم عليه من التَّكذيبِ وتحذيرًا من أنْ يحيقَ بهم مثلُ ما حاق بأضرابهم المكذِّبين الظَّالمين حتَّى يتَّضحَ لك أنَّهم لا يُؤمنون بما يأتيهم من الآيات، لكنْ لا بقياس حالِ هؤلاء بحالِ أُولئك فقط بل بمشاهدةِ إصرارهم على ما هُم عليه بعد سماع الوحي النَّاطقِ بقصَّتِهم وعدم اتِّعاظِهم بذلك كما يُلوِّحُ به تكريرُ قولِه تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ} عقيب كلِّ قصَّةٍ، وتوجيهُ الأمر بالذِّكرِ إلى الوقت مع أن المقصودَ تذكير ما وقع فيه من الحوادث قد مرَّ سردُه مرارًا {أَنِ ائت} بمعنى أي ائت على أنّ أنْ مفسِّرة أو بأن ائت على أنَّها مصدريةٌ حُذف منها الجارُّ {القوم الظالمين} أي بالكُفر والمعاصي واستعبادِ بني إسرائيلَ وذبحِ أبنائِهم وليس هذا مطلعَ ما ورد في حيِّزِ النَّداءِ وإنَّما هو ما فُصِّل في سورةِ طه من قوله تعالى: {إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ} إلى قوله: {لِنُرِيَكَ مِنْ ءاياتنا الكبرى} وإيراد ما جرى في قصَّةٍ واحدةٍ من المقالاتِ بعباراتٍ شَتَّى وأساليبَ مختلفةٍ قد مرَّ تحقيقُه في أوائل سورةِ الأعرافِ عند قوله تعالى: {قَالَ أَنظِرْنِى}.
{قَوْمِ فِرْعَونَ} بدلٌ من الأَوَّلِ، أو عطفٌ بيانٍ له جيء به للإيذانِ بأنَّهم عَلَمٌ في الظُّلم كأنَّ معنى القومِ الظَّالمينَ وترجمتَهُ قومُ فرعونَ. والاقتصارُ على ذكرِ قومِه للإيذانِ بشهرةِ أنَّ نفسَه أَوَّلُ داخلٍ في الحُكم {أَلا يَتَّقُونَ} استئنافٌ جيء به إثرَ إرسالِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إليهم للإنذارِ تعجيبًا من غُلوِّهم في الظُّلم وإفراطِهم في العُدوان. وقرئ بتاء الخطابِ على طريقة الالتفاتِ المنبىءِ عن زيادة الغَضَبِ عليهم كأنَّ ذكرَ ظُلمِهم أدَّى إلى مشافهتِهم بذلك وهُم وإن كانُوا حينئذٍ غُيّبًا لكنَّهم قد أُجروا مجرى الحاضرين في كلام المُرسل إليهم من حيثُ إنَّه مبلغه إليهم وإسماعُه مبتدأُ إسماعِهم مع ما فيه من مزيد الحثِّ على التقوى لمن تدبَّر وتأمَّل. وقرئ بكسرِ النُّونِ اكتفاءً به عن ياء المتكلِّم وقد جُوِّزَ أنْ يكونَ بمعنى ألا يا ناسُ اتقَّون نحو ألاّ يسجدُوا.
{قَالَ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤالٍ نشأَ من حكاية ما مَضَى كأنَّه قيل: فماذا قال مُوسى عليه السَّلامُ فقيل قال متضرِّعًا إلى الله عزَّ وجلَّ {رَبّ إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ} من أوَّلِ الأمرِ {وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى} معطوفانِ على أخافُ {فَأَرْسِلْ} أي جبريلَ عليه السَّلامُ {إِلَىَّ هارون} ليكونَ معي وأتعاضدُ به في تبليغِ الرِّسالة رتَّب عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ استدعاءَه ذلك على الأمورِ الثَّلاثةِ: خوفُ التَّكذيبِ وضيقُ الصَّدرِ وازديادُ ما كان فيه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من حَبسةِ اللِّسان بانقباضِ الرُّوحِ إلى باطنِ القلبِ عند ضيقِه بحيث لا ينطقُ لأنَّها إذا اجتمعتْ تمسُّ الحاجةُ إلى معينٍ يُقوِّي قلبه وينوبُ منابَه إذا اعتراهُ حبسةٌ حتَّى لا تختلَّ دعوتُه ولا تنقطعَ حجَّتُه، وليس هذا من التَّعلل والتَّوقف في تلقِّي الأمرِ في شيءٍ وإنَّما هو استدعاءٌ لما يُعينه على الامتثالِ به وتمهيدُ عذرٍ فيه. وقرئ ويضيقَ ولا ينطلقَ بالنَّصبِ عطفًا على يكذِّبون فيكونانِ من جملةً ما يَخافُ منه.
{وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ} أي تبعةُ ذنبٍ فحُذف المضافُ وأقيم المضافُ إليه مقامَه أو سمِّي باسمِه. والمرادُ به قتلُ القِبْطيِّ وتسميتُه ذنبًا بحسبِ زعمِهم كما ينبىءُ عنه قولُه لهم وهذا إشارةٌ إلى قصَّةٍ مبسوطةٍ في غيرِ موضعٍ {فَأَخَافُ} أي إنْ أتيتهم وحدي {أَن يَقْتُلُونِ} بمقابلتِه قبل أداءِ الرِّسالةِ كما ينبِغي وليس هذا أيضًا تعلُّلًا وإنما هو استدفاعٌ للبليَّةِ المتوقّعةِ قبل وقوعِها.
وقوله تعالى: {قَالَ كَلاَّ فاذهبا بآياتنا} حكايةٌ لإجابتِه تعالى إلى الطِّلبتينِ: الدَّفعِ المفهومِ من الرَّدعِ عن الخوفِ وضمِّ أخيهِ المفهومِ من توجيهِ الخطابِ إليهما بطريقِ التَّغليبِ فإنَّه معطوفٌ على مضميرٍ ينبىءُ عنه الرَّدعُ كأنَّه قيل: ارتدِع يا موسى عمَّا تظنُّ فاذهب أنت ومن استدعيته. وفي قوله بآياتنا رمزٌ إلى أنَّها تدفع ما يخافه. وقوله تعالى: {إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ} تعليلٌ للرَّدعِ عن الخوفِ ومزيد تسلية لهما بضمانِ كمالِ الحفظِ والنُّضرةِ كقولِه تعالى: {إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وأرى} وحيثُ كان الموعودُ بمحضرٍ من فرعونَ اعتبر هاهنا في المعيَّةِ وقيل: أجريا مجرى الجماعةِ ويأباهُ ما قبله وما بعده من ضميرٍ التَّثنية أي سامعون ما يجري بينكما وبينه فنظهركما عليه، مثَّل حالَه تعالى بحالِ ذِي شَوكةٍ قد حضَر مجادلَة قومٍ يستمعُ ما يجري بينَهم ليمدَّ أولياءَهُ ويُظهرهم على أعدائِهم مبالغةً في الوعدِ بالإعانةِ أو استعير الاستماع الذي هو بمعنى الإصغاءِ للسَّمعِ الذي هو العلمُ بالحروفِ والأصواتِ وهو خبرٌ ثانٍ أو خبرٌ وحدَهُ ومعكم ظرفُ لغوٍ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى}.
كلام مستأنف مقرر لسوء حالهم ومسل له صلى الله عليه وسلم أيضًا لكن بنوع آخر من أنواع التسلية على ما قيل: و{إِذَا} منصوب على المفعولية بمقدر خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم معطوف على ما قبله عطف القصة على القصة، والتقدير عند بعض واذكر في نفسك وقت ندائه تعالى أخاك موسى عليه السلام وما جرى له مع قومه من التكذيب مع ظهور الآيات وسطوع المعجزات لتعلم أن تكذيب الأمم لأنبيائهم ليس بأول قارورة كسرت ولا بأول صحيفة نشرت فيهون عليك الحال وتستريح نفسك مما أنت فيه من البلبال{أَلا يَتَّقُونَ} حال بتقدير القول أي ائتهم قائلًا لهم ألا يتقون.