فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}.
الحق تبارك وتعالى يقصُّ على رسوله قصص الأنبياء، وهو أحسن القصص لحكمة: {وَكُلًا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120].
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بمعارك كثيرة مع الكفر، فكان يحتاج إلى تثبيت مستمر كلما تعرض لشدة؛ لذلك تكرر القصص القرآني لرسول الله على مدى عمر الدعوة، والقصص القرآني لا يراد به التأريخ لحياة الرسل السابقين، إنما إعطاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم عِبرةً وعظة بمَنْ سبقه من إخوانه الرسل؛ لذلك كانت القصة تأتي في عدة مواضع، وفي كل موضع لقطة معينة تناسب الحدث الذي نزلت فيه.
وهنا يقول سبحانه: {وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى} [الشعراء: 10] يعني: اذكر يا محمد، إذ نادى ربك موسى أي: دعاه. لكن لماذا بدأ بقصة موسى عليه السلام بالذات؟
قالوا: لأن كفار مكة كفروا بك أنت، فلا تحزن؛ لأن غيرهم كان أفظع منهم، حيث ادعى الألوهية، وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي} [القصص: 38].
والسياق هنا لم يذكر: أين ناداه ربه، ولا متى ناداه، وبدأ الحوار معه مباشرة، لكن في مواضع أخرى جاء تفصيل هذا كله.
ثم يأتي الأمر المباشر من الله تعالى لنبيه موسى: {أَنِ ائت القوم الظالمين} [الشعراء: 10] أي: الذين ظلموا أنفسهم، بأنْ جعلوا لله تعالى شريكًا، والشرك قِمَّة الظلم {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
ولم يُبيِّن القرآن مَنْ هم هؤلاء الظالمون؛ لأنهم معروفون مشهورون، فهم في مجال الشرك أغنياء عن التعريف، بحيث إذا قلنا {القوم الظالمين} [الشعراء: 10] انصرف الذِّهْن إليهم، إلى فرعون وقومه؛ لأنه الوحيد الذي تجرّأ على ادعاء الألوهية، وبعد أنْ ذكرهم بالوصف يُعيِّنهم: {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} أي: قُلْ لهم يا موسى ألا تتقون ربكم؟ واعرض عليهم هذا العرض؛ لأن الطلب يأتي مرة بالأمر الصريح: افعل كذا، ومرة يتحنّن إليك بأسلوب العرض، ألا تفعل كذا؟ على سبيل الاستفهام والعرض والحضِّ.
والمعنى: ألا يتقون الله في ظلمهم لأنفسهم باتخاذهم مع الله شريكًا ولا إله غيره، وظلموا بني إسرائيل في أنهم يُذبِّحونَ أبناءهم ويستحيُون نساءهم.
لكن، لماذا تكلم عن قوم فرعون أولًا، ولم يعرض عليه هو أولًا، وهو رأس الفساد في القوم؟
ويجيب على هذا السؤال المثل القائل: يا فرعون ماذا فرعنك؟ قال: لأنني لم أجد أحدًا يردني فلو وقف له قومه ورَدَعوه لارتدع، لكنهم تركوه، بل ساروا في رَكْبه إلى أنْ صار طاغية، وأعانوه حتى أصبح طاغوتًا.
فقال موسى: {قَالَ رَبِّ إني أَخَافُ} لما دعا الحق تبارك وتعالى، نبيه موسى عليه السلام لأنْ يذهب إلى قوم فرعون لم يبادر بالذهاب، إنما أبدى لربه هواجس نفسه وخلجاتها؛ لأنه يعلم مُقدَّمًا مشقة هذه المهمة، فقد عاش مع فرعون ويعلم طبيعته، فقال: {إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} [الشعراء: 12] وكيف لمن يدّعي الألوهية أنْ يسمع لرسول؟
ويُرْوَى أنه في عهد الخليفة المأمون ادَّعَى أحدهم النبوة، فحبسوه، ثم ادعاها آخر فقال: اجمعوا بينهما حتى يواجه أحدهما الآخر، فلما حضرا قالوا: يا هذا إن هذا الرجل يدَّعي النبوة، فقال: كذب، أنا لم أُرسِل أحدًا. وهكذا جعل من نفسه إلهًا بعد أن كان نبيًا.
ويواصل موسى الحديث عن مخاوفه: {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي} يضيق صدري ساعةَ يكذّبونني، وضيق الصدر ينتج عنه أن أتلجلج وأتعصب، فلا أستطيع أن أتكلم الكلام المُقْنِع؛ ذلك لأنني سأشاهد باطلًا واضحًا يُجابه حقًا واضحًا، ولابد أنْ يضيق صدري بذلك، خاصة وأن موسى عليه السلام سابقه في مسألة الكلام.
لذلك قال: {فَأَرْسِلْ إلى هَارُونَ} [الشعراء: 13] وفي آية أخرى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} [القصص: 34].
يعني: مساعدًا لي يتكلم بدلًا عني، إنْ عجز لساني عن الكلام، وهذا يدل على حرصه عليه السلام على تبليغ دعوة ربه إلى فرعون وقومه.
وعليه، فقد كان موسى وهارون كلاهما رسول، إلا أن القرآن قال مرة عنهما: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العالمين} [الشعراء: 16] بصيغة المفرد، وقال مرة أخرى: {إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ} [طه: 47] بصغية المثنى.
الرسول: هو المرسَل من شخص لآخر، سواء كان واحدًا أو مُثَنى أو جمعًا.
ومعلوم أن الإنسان يحتاج لا ستبقاء حياته طعامًا وشرابًا، وقبل ذلك وأهمَ منه يحتاج لاستبقاء نفسه، أَلاَ تراه يصبر على الطعام، ويصبر على الشراب، لكنه لا يصبر بحال على الهواء، فإنْ حُبِس عنه شهيق أو زفير فارق الحياة؟
وسبق أن قلنا: إن من رحمة الله تعالى بنا أنْ يُملِّك الطعام كثيرًا، وقليلًا ما يُملِّك الماء، لكن الهواء لا يُملّكه الله لأحد، لماذا؟ لأنه لو ملَّك عدوك الهواء فمنعه عنك، فسوف تموت قبل أنْ يرضى عنك، بالإضافة إلى أن الهواء هو العنصر الأساسي في الحياة، وعليه تقوم حركاتها.
ونلحظ أن الإنسان إذا صعد مكانًا عاليًا ينهج، وتزداد ضربات قلبه وحركة تنفسه، لماذا؟ لأن الحركة تحتاج لكثير من الهواء، فإنْ قَلَّ الهواء يضيق الصدر؛ لأنه يكفي فقط لا ستبقاء الحياة، لكنه لا يكفي الحركة الخارجية للإنسان.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ} وليت المسألة تقف بين نبي الله موسى وبين قومه عند مسألة الكلام، إنما لهم عنده ثَأْرٌ قديم؛ لأنه قتل منهم واحدًا، وإنْ كان عَنْ غير قصد، كما قال تعالى في آية أخرى: {فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ} [القصص: 15] فأخاف أنْ يقتلوني به.
فيقول الحق سبحانه لموسى وهارون: {قَالَ كَلاَّ فاذهبا}.
{كَلاَّ} تفيد نَفْي ما قبلها، وقبلها مسائل ثلاث: {أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} [الشعراء: 12]، {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي} [الشعراء: 13]، {فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} [الشعراء: 14] فعلى أيٍّ منها ينصَبُّ هذا النفي؟
النفي هنا يتوجَّه إلى ما يتعلق بموسى عليه السلام لا بما يتعلق بالقوم من تكذيبهم إياه، يقول له ربه: اطمئن، فلن يحدث شيء من هذا كله. ولا ينصبُّ النفي على تكذيبهم له؛ لأنه سيُكذَّب؛ لذلك نرى دقة الأداء القرآني حيث جاءت {أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} [الشعراء: 12] في نهاية الآية، وبعدها كلام جديد {وَيَضِيقُ صَدْرِي} [الشعراء: 13] وهو المقصود بالنفي.
وقد بيَّنَتْ سورة الفجر معنى {كلا} بوضوح في قوله تعالى {فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربي أَهَانَنِ} [الفجر: 15- 16].
فيقول تعالى بعدها ردًا عليها {كَلاَّ} [الفجر: 17] يعني: ليس الإعطاء دليلَ إكرام، ولا المنعُ دليلَ إهانة، إنما المراد الابتلاء بالنعمة وبالنقمة.
وكيف يكون الأمر كما تظنون، وقد أعطاكم الله فبخلتُم، وأحببتم المال حُبّا جمًا، فلم تنفقوا منه على اليتيم أو المسكين، بل تنافستُم في جَمْعه حتى أكلتم الميراث، وأخذتم أموال الناس.
إذن: فالمال الذي أكرمكم الله به لم يكُنْ نعمة لكم؛ لأنكم جعلتموه نقمة ووبالًا، حين أُعطيتم فمنعتم.
وكلمة {كَلاَّ} هذه أصبح لها تاريخ مع موسى عليه السلام فقد تعلَّمها من ربه، ووعى درسها جيدًا، فلما حُوصِر هو وأتباعه بين البحر من أمامهم، وفرعون وجنوده من خلفهم، حتى أيقن أتباعه أنهم مُدْركون هالكون، قالها موسى عليه السلام بملء فيه {قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].
وقوله تعالى: {فاذهبا بِآيَاتِنَآ} [الشعرءا: 15] الآيات هنا يُقصَد بها المعجزات الدالة على صِدْقهما في البلاغ عن الله، وهي هنا العصا {إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 15] كما قال لهما في موضع آخر: {إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وأرى} [طه: 46].
فمرّة يأتي بالسمع فقط، ومرّة بالسمع والرؤية، لماذا؟ لأن موقفه مع فرعون في المقام الأول سيكون جدلًا ونقاشًا، وهذا يناسبه السمع، وبعد ذلك ستحدث مقامات في فعل وعمل في مسألة السحر وإلقاء العصا، وهذا يحتاج إلى سمع وإلى بصر؛ لأن الإيذاء قد يكون من السمع فقط في أول اللقاء، وقد يكون من السمع والعين فيما بعد. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {وَإِذْ نادى}:
العامل فيه مضمرٌ. فقدَّره الزجَّاج: اتلُ، وغيرُه: اذكر.
قوله: {أَنِ ائت} يجوزُ أن تكونَ مفسِّرةً، وأن تكونَ مصدريةً أي بأن.
قوله: {قَوْمَ فِرْعَوْنَ}: بدلٌ أو عطفُ بيانٍ للقومِ الظالمين. وقال أبو البقاء: إنه مفعولٌ {تَتَّقون} على قراءةِ مَنْ قرأ: {تتقون} بالخطاب وفتح النون كما سيأتي. ويجوز على هذه القراءةِ أن يكونَ منادى.
قوله: {أَلا يَتَّقُونَ} العامَّةُ على الياء في {يتَّقون} وفتحِ النون، والمرادُ قومُ فرعونَ. والمفعولُ محذوفٌ أي: يتقون عقابَ. قرأ عبد الله بن مسلم ابن يسار وحماد وشقيق بن سلمة بالتاء من فوق على الالتفات، خاطبهم بذلك توبيخًا، والتقدير: يا قومَ فرعونَ وقرأ بعضُهم {يتقونِ} بالياءِ مِنْ تحتُ وكسرِ النونِ. وفيها تخريجان، أحدهما: أنَّ يتَّقونِ مضارعٌ، ومفعولُه ياءُ المتكلم، اجتُزِىءَ عنها بالكسرةِ. الثاني: جَوَّزَه الزمخشري أن تكونَ يا للنداء. واتقون فعلُ أمرٍ كقوله: ألا يا اسْجدوا أي يا قومِ اتقونِ. أو ياناسُ اتقونِ. وسيأتي تحقيقُ مثلِ هذا في النمل. وهذا تخريجٌ بعيد.
وفي هذه الجملةِ وجهان، أحدُهما: أنها مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإِعرابِ. وجَّوزَ الزمخشري أن تكونَ حالًا من الضمير في الظالمين أي: يَظْلِمون غيرَ متقين اللهَ وعقابَه. فأُدْخلت همزةُ الإِنكارِ على الحالِ. وخطَّأه الشيخ من وجهين، أحدهما: أنه يلزَمُ منه الفصلُ بين الحالِ وعامِلها بأجنبيّ منهم، فإنه أعربَ {قومَ فرعون} عطفَ بيانٍ للقوم الظالمين. والثاني: أنه على تقديرِ تسليمِ ذلك لا يجوزُ أيَضًا؛ لأنَّ ما بعد الهمزةِ لا يعمل فيه ما قبلها. قال: وقولك: جئت أمسرعًا إن جعلت مسرعًا معمولًا ل جئت لم يَجُزْ فإنْ أضمرْتَ عاملًا جاز.
والظاهرُ أن ألا للعرض. وقال الزمخشري: إنها لا النافيةُ دخلت عليها همزةُ الإِنكار. وقيل: هي للتنبيهِ.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12)}.
قوله: {أَن يُكَذِّبُونِ}: مفعولُ {أخافُ} أي: أخاف تكذيبهم إيَّاي.
قوله: {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ}: الجمهورُ على الرفع. وفيه وجهان، أحدُهما: أنه مستأنفٌ، أخبر بذلك. والثاني: أنه معطوفٌ على خبر {إنَّ}. وقرأ زيد بن علي وطلحة وعيسى والأعمش بالنصب فيهما. والأعرج بنصبِ الأولِ ورفعِ الثاني: فالنصبُ عطفٌ على صلة {أنْ} فتكونُ الأفعالُ الثلاثة: يُكَذِّبُونِ، ويَضيقُ، ولا يَنْطَلِقُ، داخلةً في حَيِّز الخوف. قال الزمخشري: والفرقُ بينهما أي الرفع والنصب أن الرفعَ فيه يُفيد أن فيه ثلاثَ عللٍ: خوفَ التكذيبِ، وضيقِ الصدر، وامتناعَ انطلاقِ اللسانِ. والنصبُ: على أنَّ خَوْفَه متعلقٌ بهذه الثلاثة. فإنْ قلتَ: في النصبِ تعليقُ الخوفِ بالأمور الثلاثةِ. وفي جُملتها نفيُ انطلاقِ اللسانِ، وحقيقةُ الخوف إنماهي غَمٌّ يَلْحَقُ الإِنسانَ لأمرٍ سيقعُ، وذلك كان واقعًا، فكيف جازَ تعليقُ الخوفِ به؟ قلت: قد عَلَّقَ الخوفَ بتكذيبهم، وبما يَحْصُل له بسببِه من ضيقِ الصدرِ، والحَبْسَةُ في اللسانِ زائدةٌ على ما كان به. على أن تلك الحَبْسَةَ التي كانَتْ به زالَتْ بدعوتِه. وقيل: بَقيَتْ منها بقيةٌ يسيرةٌ. فإنْ قلت: اعتذارُك هذا يَرُدُّه الرفعُ؛ لأن المعنى: إني خائفٌ ضَيِّقُ الصدرِ غيرُ منطلقِ اللسانِ. قلت: يجوز أن يكونَ هذا قبلَ الدعوةِ واستجابتِها. ويجوز أَنْ يريدَ القَدْرَ اليسيرَ الذي بقي.
قوله: {فَأَرْسِلْ} أي: فأَرْسِلْ جبريلَ أو المَلَكَ، فحذف المفعولَ به.
{قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)}.
قوله: {فاذهبا}: عطفٌ على ما دَلَّ عليه حرفُ الرَّدْعِ من الفعل. كأنه قيل: ارتدِعْ تظنُّ فاذهَبْ أنت وأخوكَ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}.
أخبر أنه لما أمره بالذهاب إلى فرعون لدعوته إلى الله عَلِمَ أن شديد الخصومة، قد غَرَّتْه نَفْسُه فهو لا يبالي بما فعل. وأخَذَ موسى يتعلَّلُ- لا على جهة الإباء والمخالفة- ولكن على وجه الاستعفاء والإقالة إلى أن عَلِمَ أنَّ الأمرَ به جَزْمٌ، والحُكْمَ به عليه حَتْمٌ.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12)}.
سأل موسى- عليه السلام- أن يَشْفَعَه بهارون ويُشْرِكَه في الرسالة. وأخبر أنه قَتَلَ نَفْسًا، وأنه في حُكْمِ فرعون عليه دَمٌ، فقال: {فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} إلى أنْ قال له الحقُّ:
{قَالَ كَلاَّ فاذهبا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ}.
{كَلاَّ} حرفُ رَدْعٍ وتنبيه؛ أي كلا أن يكون ذلك كما توهمتَ، فارْتَدِعْ عن تجويز ذلك، وانتَبِهْ لغيره. إني معكما بالنصرة والقوة والكفاية والرحمة، واليدُ ستكون لكما، والسلطانُ سيكون لكما دونَ غيركما، فأنا أسمع ما تقولون وما يقال لكم، وأُبْصِرُ ما يُبْصِرُونَ وما تُبْصِرُون أنتم. اهـ.