فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

{طسم} طس ويس وحم: ممالة كوفي غير الأعشى والبرجمي وحفص، ويظهر النون عند الميم يزيد وحمزة وغيرهما يدغمها {تلك آيات الكتاب المبين} الظاهر إعجازه، وصحة أنه من عند الله والمراد به السورة أو القرآن، والمعنى آيات هذا المؤلف من الحروف المبسوطة تلك آيات الكتاب المبين {لعلّك باخعٌ} قاتل ولعل للإشفاق {نّفسك} من الحزن يعني أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة وحزنًا على ما فاتك من إسلام قومك {ألاّ يكونوا مؤمنين} لئلا يؤمنوا أو لامتناع إيمانهم أو خيفة أن لا يؤمنوا {إن نّشأ} إيمانهم {ننزّل عليهم مّن السّماء آيةً} دلالة واضحة {فظلّت} أي فتظل لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل تقول: إن زرتني أكرمتك أي أكرمك كذا قاله الزجاج {أعناقهم} رؤساؤهم ومقدموهم أو جماعاتهم يقال: جاءنا عنق من الناس لفوج منهم {لها خاضعين} منقادين.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت فينا وفي بني أمية فتكون لنا عليهم الدولة فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة ويلحقهم هوان بعد عزتهم.
{وما يأتيهم مّن ذكرٍ مّن الرّحمن محدثٍ ألاّ كانوا عنه معرضين} أي وما يجدد لهم الله بوحيه موعظة وتذكيرًا إلا جددوا إعراضًا عنه وكفرًا به {فقد كذّبوا} محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما أتاهم به {فسيأتيهم} فسيعلمون {أنباؤا} أخبار {ما كانوا به يستهزئون} وهذا وعيد لهم وإنذار بأنهم سيعلمون إذا مسهم عذاب الله يوم بدر أو يوم القيامة ما الشيء الذي كانوا يستهزئون به وهو القرآن وسيأتيهم أنباؤه وأحواله التي كانت خافية عليهم.
{أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا} {كم} نصب ب {أنبتنا} {فيها من كلّ زوجٍ} صنف من النبات {كريمٍ} محمود كثير المنفعة يأكل منه الناس والأنعام كالرجل الكريم الذي نفعه عام.
وفائدة الجمع بين كلمتي الكثرة والإحاطة أن كلمة {كل} تدل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل و{كم} تدل على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة، وبه نبه على كمال قدرته {إنّ في ذلك لآيةً وما كان أكثرهم مّؤمنين} أي إن في إنبات تلك الأصناف لآية على أن مبنتها قادر على إحياء الموتى، وقد علم الله أن أكثرهم مطبوع على قلوبهم غير مرجى إيمانهم {وإنّ ربّك لهو العزيز} في انتقامه من الكفرة {الرّحيم} لمن آمن منهم ووحد آية مع الإخبار بكثرتها لأن ذلك مشار به إلى مصدر أنبتنا، أو المراد إن في كل واحد من تلك الأزواج لآية أي آية.
{وإذ} مفعول به أي اذكر إذ {نادى} دعا {ربّك موسى أن ائت} إن بمعنى أي {القوم الظّالمين} أنفسهم بالكفر وبني إسرائيل بالاستعباد وذبح الأولاد سجل عليهم بالظلم، ثم عطف.
{قوم فرعون} عليهم عطف البيان كأن معنى القوم الظالمين وترجمته قوم فرعون وكأنهما عبارتان تعتقبان على مؤدى واحد {ألا يتّقون} أي ائتهم زاجرًا فقد آن لهم أن يتقوا، وهي كلمة حث وإغراء.
ويحتمل أنه حال من الضمير في {الظالمين} أي يظلمون غير متقين الله وعقابه فأدخلت همزة الإنكار على الحال.
{قال ربّ إنّي أخاف} الخوف غم يلحق الإنسان لأمر سيقع {أن يكذّبون ويضيق صدري} بتكذيبهم إياي مستأنف أو عطف على أخاف {ولا ينطلق لساني} بأن تغلبني الحمية على ما أرى من المحال وأسمع من الجدال وبنصبهما يعقوب عطفًا على {يكذبون} فالخوف متعلق بهذه الثلاثة على هذا التقدير وبالتكذيب وحده بتقدير الرفع {فأرسل إلى هارون} أي أرسل إليه جبريل واجعله نبيًا يعينني على الرسالة، وكان هارون بمصر حين بعث موسى نبيًا بالشام.
ولم يكن هذا الالتماس من موسى عليه السلام توقفًا في الامتثال بل التماس عون في تبليغ الرسالة، وتمهيد العذر في التماس المعين على تنفيذ الأمر ليس بتوقف في امتثال الأمر، وكفى بطلب العون دليلًا على التقبل لا على التعلل {ولهم عليّ ذنبٌ} أي تبعة ذنب بقتل القبطي فحذف المضاف، أو سمى تبعة الذنب ذنبًا كما سمى جزاء السيئة سيئة {فأخاف أن يقتلون} أي يقتلوني به قصاصًا، وليس هذا تعللًا أيضًا بل استدفاع للبلية المتوقعة، وفرق من أن يقتل قبل أداء الرسالة ولذا وعده بالكلاءة والدفع بكلمة الردع.
وجمع له الاستجابتين معًا في قوله: {قال كلاّ فاذهبا} لأنه استدفعه بلاءهم فوعده الله الدفع بردعه عن الخوف والتمس منه رسالة أخيه فأجابه بقوله: {اذهبا} أي جعلته رسولًا معك فاذهبا.
وعطف {فاذهبا} على الفعل الذي يدل عليه {كلا} كأنه قيل: ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت وهارون {بأياتنا} مع آياتنا وهي اليد والعصا وغير ذلك {إنّا معكم} أي معكما بالعون والنصرة ومع من أرسلتما إليه بالعلم والقدرة {مّستمعون} خبر ل إن و{معكم} لغو، أو هما خبران أي سامعون، والاستماع في غير هذا الإصغاء للسماع يقال: استمع فلان إلى حديثه أي أصغى إليه ولا يجوز حمله هاهنا على ذلك فحمل على السماع.
{فأتيا فرعون فقولا إنّا رسول ربّ العالمين} لم يثن الرسول كما ثنى في قوله: {إنا رسولا ربك} [طه: 47] لأن الرسول يكون بمعنى المرسل وبمعنى الرسالة فجعل ثمة بمعنى المرسل فلم يكن بد من تثنيته، وجعل هنا بمعنى الرسالة فيستوي في الوصف به الواحد والتثنية والجمع، أو لأنهما لاتحادهما واتفاقهما على شريعة واحدة كأنهما رسول واحد، أو أريد إن كل واحد منا {أن أرسل} بمعنى أي أرسل لتضمن الرسول معنى الإرسال وفيه معنى القول {معنا بني إسرائيل} يريد خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين وكانت مسكنهما فأتيا بابه فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب: إن هاهنا إنسانًا يزعم أنه رسول رب العالمين فقال: ائذن له لعلنا نضحك منه.
فأديا إليه الرسالة فعرف فرعون موسى فعند ذلك.
{قال ألم نربّك فينا وليدًا} وإنما حذف فأتيا فرعون فقال اختصارًا.
والوليد الصبي لقرب عهده من الولادة أي ألم تكن صغيرًا فربيناك {ولبثت فينا من عمرك سنين} قيل: ثلاثين سنة {وفعلت فعلتك التي فعلت} يعني قتل القبطي فعرض إذ كان ملكًا {وأنت من الكافرين} بنعمتي حيث قتلت خبازي أو كنت على ديننا الذي تسميه كفرًا، وهذا افتراء منه عليه لأنه معصوم من الكفر وكان يعايشهم بالتقية {قال فعلتها إذًا} أي إذ ذاك {وأنا من الضّالّين} الجاهلين بأنها تبلغ القتل والضال عن الشيء هو الذاهب عن معرفته، أو الناسين من قوله: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: 282] فدفع وصف الكفر عن نفسه ووضع {الضالين} موضع الكافرين و{إذا} جواب وجزاء معًا، وهذا الكلام وقع جوابًا لفرعون وجزاء له لأن قول فرعون و{فعلت فعلتك} معناه أنك جازيت نعمتي بما فعلت فقال له موسى: نعم فعلتها مجازيًا لك تسليمًا لقوله لأن نعمته كانت جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء.
{ففررت منكم} إلى مدين {لمّا خفتكم} أن تقتلوني وذلك حين قال له مؤمن من آل فرعون {إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج} [القصص: 20] الآية.
{فوهب لي ربّي حكمًا} نبوة وعلمًا فزال عني الجهل والضلالة {وجعلني من المرسلين} من جملة رسله {وتلك نعمةٌ تمنّها عليّ أن عبّدتّ بني إسرائيل} كر على امتنانه عليه بالتربية فأبطله من أصله وأبى أن تسمى نعمة لأنها نقمة حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل لأن تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته، ولو تركهم لرباه أبواه فكأن فرعون امتن على موسى بتعبيد قومه وإخراجه من حجر أبويه إذا حققت وتعبيدهم تذليلهم واتخاذهم عبيدًا.
ووحد الضمير في {تمنها} و{عبدت} وجمع في {منكم} و{خفتكم} لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله بدليل قوله: {إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} [القصص: 20].
وأما الامتنان فمنه وحده وكذا التعبيد.
وتلك {إشارة} إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدري ما هي إلا بتفسيرها، ومحل {أن عبدت} الرفع عطف بيان لتلك أي تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي.
{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين} أي إنك تدعي أنك رسول رب العالمين فما صفته لأنك إذا أردت السؤال عن صفة زيد تقول: ما زيد؟ تعني أطويل أم قصير أفقيه أم طبيب نص عليه صاحب الكشاف وغيره {قَالَ} موسى مجيبًا له على وفق سؤاله {رَبّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ} أي وما بين الجنسين {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} أي إن كنتم تعرفون الأشياء بالدليل فكفى خلق هذه الأشياء دليلًا، أو إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب وإلا لم ينفع.
والإيقان العلم الذي يستفاد بالاستدلال ولذا لا يقال الله موقن.
{قَالَ} أي فرعون {لِمَنْ حَوْلَهُ} من أشراف قومه وهم خمسمائة رجل عليهم الأساور وكانت للملوك خاصة {أَلاَ تَسْتَمِعُونَ} معجبًا قومه من جوابه لأنهم يزعمون قدمهما وينكرون حدوثهما وأن لهما ربًا فاحتاج موسى إلى أن يستدل بما شاهدوا حدوثه وفناءه فاستدل حيث {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ الأولين} أي هو خالقكم وخالق آبائكم فإن لم تستدلوا بغيركم فبأنفسكم.
وإنما قال: {رَبّ ءابَائِكُمُ} لأن فرعون كان يدعي الربوبية على أهل عصره دون من تقدمهم.
{قَالَ} أي فرعون {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} حيث يزعم أن في الوجود إلهًا غيري وكان فرعون ينكر إلهية غيره {قَالَ رَبُّ المشرق والمغرب وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} فتستدلون بما أقول فتعرفون ربكم، وهذا غاية الإرشاد حيث عمم أولًا بخلق السماوات والأرض وما بينهما، ثم خصص من العام للبيان أنفسهم وآباءهم لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته، ثم خصص المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الآخر على تقدير مستقيم في فصول السنة وحساب مستوٍ من أظهر ما استدل به، ولظهوره انتقل إلى الاحتجاج به خليل الرحمن عن الاحتجاج بالأحياء والإماتة على نمروذ بن كنعان.
وقيل: سأله فرعون عن الماهية جاهلًا عن حقيقة سؤاله، فلما أجاب موسى بحقيقة الجواب وقع عنده أن موسى حاد عن الجواب حيث سأله عن الماهية وهو يجيب عن ربوبيته وآثار صنعه فقال معجبًا لهم من جواب موسى: ألا تستمعون؟ فعاد موسى إلى مثل قوله الأول فجننه فرعون زاعمًا أنه حائد عن الجواب، فعاد ثالثًا إلى مثل كلامه الأول مبينًا أن الفرد الحقيقي إنما يعرف بالصفات وأن السؤال عن الماهية محال وإليه الإشارة في قوله تعالى {إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} أي إن كان لكم عقل علمكم أنه لا تمكن معرفته إلا بهذا الطريق، فلما تجير فرعون ولم يتهيأ له أن يدفع ظهور آثار صنعه.
{قَالَ لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِى} أي غيري إلهًا {لأجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} أي لأجعلنك واحدًا ممن عرفت حالهم في سجوني، وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فردًا لا يبصر فيها ولا يسمع، فكان ذلك أشد من القتل.
ولو قيل لأسجننك لم يؤد هذا المعنى وإن كان أخصر {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ} الواو للحال دخلت عليها همزة الاستفهام أي أتفعل بي ذلك ولو جئتك {بِشيء مُّبِينٍ} أي جائيًا بالمعجزة {قَالَ فَأْتِ بِهِ} بالذي يبين صدقك {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} أن لك بينة وجواب الشرط مقدر أي فأحضره {فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هي ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} ظاهر الثعبانية لا شيء يشبه الثعبان كما تكون الأشياء المزورة بالشعوذة والسحر.
روي أن العصا ارتفعت في السماء قدر ميل ثم انحطت مقبلة إلى فرعون وجعلت تقول: يا موسى مرني بما شئت.
ويقول فرعون: أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها، فأخذها فعادت عصا.
{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هي بَيْضَاء للناظرين} فيه دليل على أن بياضها كان شيئًا يجتمع النظارة على النظر إليه لخروجه عن العادة وكان بياضها نوريًا.