فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وإنهم لنا لغائظون}.
فهم يأتون من الأفعال والأقوال ما يغيظ ويغضب ويثير!
وإذن فلهم شأن وخطر على كل حال! فليقل العملاء: إن هذا لا يهم فنحن لهم بالمرصاد:
{وإنا لجميع حاذرون}.
مستيقظون لمكائدهم، محتاطون لأمرهم، ممسكون بزمام الأمور!
إنها حيرة الباطل المتجبر دائمًا في مواجهة أصحاب العقيدة المؤمنين!
وقبل أن يعرض المشهد الأخير، يعجل السياق بالعاقبة الأخيرة من إخراج فرعون وملئه مما كانوا فيه من متاع. ووراثة بني إسرائيل المستضعفين.
{فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل}.
لقد خرجوا يتبعون خطا موسى وقومه ويقفون أثرهم. فكانت خرجتهم هذه هي الأخيرة. وكانت إخراجًا لهم من كل ما هم فيه من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم؛ فلم يعودوا بعدها لهذا النعيم! لذلك يذكر هذا المصير الأخير عقب خروجهم يقفون أثر المؤمنين. تعجيلًا بالجزاء على الظلم والبطر والبغي الوخيم.
{وأورثناها بني إسرائيل}.
ولا يعرف أن بني إسرائيل عادوا إلى مصر بعد خروجهم إلى الأرض المقدسة؛ وورثوا ملك مصر وكنوز فرعون ومقامه. لذلك يقول المفسرون: إنهم ورثوا مثل ما كان لفرعون وملئه. فهي وراثة لنوع ما كانوا فيه من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم.
وبعد هذا الاعتراض يجيء المشهد الحاسم الأخير:
{فأتبعوهم مشرقين فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين}.
لقد أسرى موسى بعباد الله، بوحي من الله وتدبير. فأتبعهم جنود فرعون في الصباح بمكر من فرعون وبطر. ثم ها هو ذا المشهد يقترب من نهايته. والمعركة تصل إلى ذروتها، إن موسى وقومه أمام البحر ليس معهم سفين ولا هم يملكون خوضه وما هم بمسلحين. وقد قاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم ولا يرحمون!
وقالت دلائل الحال كلها: أن لا مفر والبحر أمامهم والعدو خلفهم:
{قال أصحاب موسى إنا لمدركون}.
وبلغ الكرب مداه، وإن هي إلا دقائق تمر ثم يهجم الموت ولا مناص ولا معين!
ولكن موسى الذي تلقى الوحي من ربه، لا يشك لحظة وملء قلبه الثقة بربه، واليقين بعونه، والتأكد من النجاة، وإن كان لا يدري كيف تكون.
فهي لابد كائنة واللّه هو الذي يوجهه ويرعاه.
{قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ}.
كلا في شدة وتوكيد كلا لن نكون مدركين كلا لن نكون هالكين كلا لن نكون مفتونين. كلا لن نكون ضائعين {كلا إن معي ربي سيهدين} بهذا الجزم والتأكيد واليقين.
وفي اللحظة الأخيرة ينبثق الشعاع المنير في ليل اليأس والكرب، وينفتح طريق النجاة من حيث لا يحتسبون:
{فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ}.
ولا يتمهل السياق ليقول إنه ضرب بعصاه البحر. فهذا مفهوم. إنما يعجل بالنتيجة:
{فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}.
ووقعت المعجزة، وتحقق الذي يقول عنه الناس: مستحيل. لأنهم يقيسون سنة اللّه على المألوف المكرور.
واللّه الذي خلق السنن قادر على أن يجريها وفق مشيئته عند ما يريد.
وقعت المعجزة وانكشف بين فرقي الماء طريق. ووقف الماء على جانبي الطريق كالطود العظيم. واقتحم بنو إسرائيل.
ووقف فرعون مع جنوده مبغوتا مشدوها بذلك المشهد الخارق، وذلك الحادث العجيب.
ولا بد أن يكون قد وقف مبهوتا فأطال الوقوف- وهو يرى موسى وقومه يعبرون الخضم في طريق مكشوف- قبل أن يأمر جنوده بالاقتحام وراءهم في ذلك الطريق العجيب.
وتم تدبير اللّه. فخرج بنو إسرائيل من الشاطئ الآخر، بينما كان فرعون وجنوده بين فرقي الماء أجمعين.
وقد قربهم اللّه لمصيرهم المحتوم:
{وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ}.
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ}!!! ومضت آية في الزمان، تتحدث عنها القرون. فهل آمن بها الكثيرون؟
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}.
فالآيات الخارقة لا تستتبع الإيمان حتما. وإن خضع لها الناس قسرا. إنما الإيمان هدي في القلوب.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
التعقيب المعهود في السورة بعد عرض الآيات والتكذيب. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: ثم إن الله أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل فقال: {أسر بعبادي ليلًا} فأمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا، وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط، وأمر أن لا ينادي أحد منهم صاحبه، وأن يسرجوا في بيوتهم حتى الصبح، وأن من خرج منهم أمام بابه يكب من دم حتى يعلم أنه قد خرج، وأن الله قد أخرج كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إلى بني إسرائيل، وأخرج كل ولد زنا في بني إسرائيل من القبط حتى أتوا آباءهم. ثم خرج موسى ببني إسرائيل ليلًا والقبط لا يعلمون، وألقى على القبط الموت فمات كل بكر رجل منهم، فأصبحوا يدفنونهم فشغلوا عن طلبهم حتى طلعت الشمس، وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألفًا. لا يعدون ابن عشرين لصغره، ولا ابن ستين لكبره، وإنما عدوا ما بين ذلك سوى الذرية.
وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان ليس فيها ماذيانة وذلك حين يقول الله {فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون} فكان موسى على ساقة بني إسرائيل، وكان هارون أمامهم يقدمهم فقال المؤمن لموسى: أين أمرت؟ قال: البحر. فأراد أن يقتحم فمنعه موسى.
فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردفهم قالوا: يا موسى {إنا لمدركون} قال موسى {كلا إن معي ربي سيهدين} يقول: سيكفين. فتقدم هارون فضرب البحر فأبى البحر أن ينفتح وقال: من هذا الجبار الذي يضربني؟ حتى أتاه موسى، فكناه أبا خالد وضربه {فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} يقول: كالجبل العظيم، فدخلت بنو إسرائيل وكان في البحر اثنا عشر طريقًا في كل طريق سبط، وكانت الطرق إذا انفلقت بجدران فقال كل سبط: قد قتل أصحابنا. فلما رأى ذلك موسى صلى الله عليه وسلم دعا الله، فجعلها لهم قناطر كهيئة الطبقات ينظر آخرهم إلى أولها حتى خرجوا جميعًا، ثم دنا فرعون وأصحابه فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقًا قال: ألا ترون إلى البحر منفلقًا قد فرق مني، فانفتح لي حتى أدرك أعدائي فاقتلهم، فلما قام فرعون على أفواه الطرق أبت خيله أن تقتحم، فنزل على ماذيانة، فشامت الحصن ريح الماذيانة فاقتحمت في أثرها حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل آخرهم. أمر الله البحر أن يأخذهم، فالتطم عليهم وتفرد جبريل بفرعون يمقله من مقل البحر، فجعل يدسها في فيه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} قال: ذكر لنا أن بني إسرائيل الذين قطع بهم موسى البحر كانوا ستمائة ألف مقاتل وعشرين ألفًا فصاعدًا.
واتبعهم فرعون على ألف ألف حصان ومائتي ألف حصان.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} قال ستمائة ألف وسبعون ألفًا.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي عبيدة. مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} قال: كانوا ستمائة ألف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لشرذمة} قال: قطعة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {لشرذمة} قال: الفريد من الناس.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان أصحاب موسى الذين جاوزوا البحر اثني عشر سبط، فكان في كل طريق اثنا عشر ألفًا كلهم ولد يعقوب عليه السلام».
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} قال: هم يومئذ ستمائة ألف. ولا يحصى عدد أصحاب فرعون.
وأخرج ابن مردويه بسندٍ واهٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان فرعون عدو الله حيث غرقه الله هو وأصحابه في سبعين قائد، مع كل قائد سبعون ألفًا. وكان موسى مع سبعين ألفًا حين عبروا البحر».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: أوحى الله إلى موسى: أن أجمع بني إسرائيل كل أربعة أبيات من بني إسرائيل في بيت، ثم اذبح أولاد الضان فاضرب بدمائها على كل باب، فإني سآمر الملائكة أن لا تدخل بيتًا على بابه دم، وسآمر الملائكة فتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأهليهم، ثم اخبزوا خبز فطيرا فإنه أسرع لكم، ثم سر حتى تأتي البحر، ثم قف حتى يأتيك أمري. فلما أن أصبح فرعون قال: هذا عمل موسى وقومه، قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأهلينا.
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر عن يحيى بن عروة بن الزبير قال: إن الله أمر موسى أن يسير ببني إسرائيل، وقد كان موسى وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع القمر، فدعا الله أن يؤخر طلوعه حتى يفرغ، فلما سار موسى ببني إسرائيل، أذن فرعون في الناس {إن هؤلاء لشرذمة قليلون}.
وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب قال: خرج موسى من مصر ومعه ستمائة ألف من بني إسرائيل لا يعدون فيهم أقل من ابن عشرين ولا ابن أكثر من أربعين سنة فقال فرعون: {إن هؤلاء لشرذمة قليلون} وخرج فرعون على فرس حصان أدهم ومعه ثمانمائة ألف على خيل أدهم سوى ألوان الخيل، وكان جبريل عليه السلام على فرس شائع يسير بين يدي القوم ويقول: ليس القوم بأحق بالطريق منكم.
وفرعون على فرس أدهم حصان. وجبريل على فرس أنثى. فاتبعها فرس فرعون، وكان ميكائيل في أخرى القوم يقول: الحقوا أصحابكم حتى دخل آخرهم، وأراد أولهم أن يخرجوا فأطبق عليهم البحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون قال: لما أراد موسى أن يخرج ببني إسرائيل من مصر بلغ ذلك فرعون فقال: أمهلوهم حتى إذا صاح الديك فأتوهم. فلم يُصِحْ في تلك الليلة الديك، فخرج موسى ببني إسرائيل وغدا فرعون، فلما أصبح فرعون أمر بشاة فأتي بها فأمر بها أن تذبح ثم قال: لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع عندي خمسمائة ألف فارس. فاجتمعوا إليه فاتبعهم، فلما انتهى موسى إلى البحر قال له: وصيه يا نبي الله أين أمرت؟ قال: هاهنا في البحر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان طلائع فرعون الذين بعثهم في أثرهم ستمائة ألف ليس فيهم أحد إلا على بهيم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت سيما خيل فرعون الخرق البيض في أصداغها، وكانت جريدته مائة ألف حصان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار قال: اجتمع آل يعقوب إلى يوسف وهم ستة وثمانون انسانًا ذكرهم وأنثاهم. فخرج بهم موسى يوم خرج وهم ستمائة ألف ونيف. وخرج فرعون على أثرهم يطلبهم على فرس أدهم على لونه من الدهم ثمانمائة ألف أدهم سوى ألوان الخيل، وحالت الريح الشمال. وتحت جبريل فرس وريق وميكائيل يسوقهم لا يشذ منهم شاذة إلا ضمه فقال القوم: يا رسول الله قد كنا نلقى من فرعون من التعس والعذاب ما نلقى فكيف إن صنعا ما صنعنا فأين الملجأ؟ قال: البحر.