فصل: قال ابن الجوزي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {هل يَسْمَعُونكم} والمعنى: هل يَسمعون دعاءكم.
وقرأ سعيد بن جبير، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: {هل يُسْمِعونكم} بضم الياء وكسر الميم، {إِذ تَدْعُون} قال الزجاج: إِن شئت بيَّنت الذال، وإِن شئت أدغمتها في التاء وهو أجود في العربية، لقرب الذال من التاء.
قوله تعالى: {أو يَنْفَعونكم} أي: إِن عبدتموهم {أو يَضُرُّونَ} إِن لم تعبدوهم؟ فأخبروا عن تقليد آبائهم.
قوله تعالى: {فإنَّهم عَدُوٌّ لي} فيه وجهان:
أحدهما: أن لفظه لفظ الواحد والمراد به الجميع؛ فالمعنى: فانهم أعداءٌ لي.
والثاني: فإن كلَّ معبود لكم عدوٌّ لي.
فإن قيل: ما وجه وصف الجماد بالعداوة؟
فالجواب: من وجهين.
أحدهما: أن معناه: فانهم عدوٌّ لي يوم القيامة إِن عبدتُهم.
والثاني: أنه من المقلوب؛ والمعنى: فإنِّي عدوٌّ لهم، لأن مَنْ عاديتَه عاداكَ، قاله ابن قتيبة.
وفي قوله: {إِلاّ رَبَّ العالَمِين} قولان.
أحدهما: أنه استثناء من الجنس، لأنه عَلِم أنهم كانوا يعبُدون الله مع آلهتهم، قاله ابن زيد.
والثاني: أنه من غير الجنس؛ والمعنى: لكن ربّ العالمين ليس كذلك، قاله أكثر النحويين.
قوله تعالى: {الذي خلقني فهو يَهْدِين} أي: إِلى الرّشد، لا ما تعبُدون، {والذي هو يُطْعِمُني وَيَسْقين} أي: هو رازقي الطعام والشراب.
فإن قيل: لم قال: {مرضتُ}، ولم يقل أمرضَني؟
فالجواب: أنه أراد الثناء على ربّه فأضاف إِليه الخير المحض، لأنه لو قال: أمرضَني لعدَّ قومُه ذلك عيبًا، فاستعمل حُسن الأدب؛ ونظيره قصة الخضر حين قال في العيب: {فأردتُ} [الكهف: 79]، وفي الخير المحض: {فأراد ربُّكَ} [الكهف: 82].
فإن قيل: فهذا يردُّه قوله: {والذي يُميتني}.
فالجواب: أن القوم كانوا لا يُنكرون الموت، وإِنما يجعلون له سببًا سوى تقدير الله عز وجل، فأضافه إِبراهيم إِلى الله عز وجل، وقوله: {ثم يُحيين} يعني للبعث: وهو أمرٌ لا يُقِرُّون به، وإِنما قاله استدلالًا عليهم؛ والمعنى: أن ما وافقتموني عليه موجب لِصِحَّة قولي فيما خالفتموني فيه.
قوله تعالى: {والذي أَطْمَعُ أن يَغْفِر لي خطيئتي} يعني: ما يجري على مِثْلِي من الزَّلل؛ والمفسرون يقولون: إِنما عنى الكلمات الثلاث التي ذكرناها في [الأنبياء: 63]، {يومَ الدِّين} يعني: يوم الحشر والحساب؛ وهذا احتجاج على قومه أنه لا تصلحُ الإِلهية إِلا لِمَنْ فَعَلَ هذه الأفعال.
قوله تعالى: {هَبْ لِي حُكْمًا} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: النبوَّة، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: اللُّبّ، قاله عكرمة.
والثالث: الفَهْم والعِلْم، قاله مقاتل، وقد بيَّنَّا معنى {وأَلحِقْني بالصَّالِحِين} في سورة [يوسف: 101]، وبيَّنَّا معنى {لِسَانَ صِدْقٍ} في [مريم: 50] والمراد بالآخِرِين: الذين يأتون بعده إِلى يوم القيامة.
قوله تعالى: {واغفر لأبي} قال الحسن: بلغني أن أُمَّه كانت مسلمة على دينه، فلذلك لم يذكُرها.
فإن قيل: فقد قال: {اغفر لي ولوالديَّ} [ابراهيم: 41].
قيل: أكثر الذِّكْر إِنما جرى لأبيه، فيجوز أن يسأل الغفران لأمِّه وهي مؤمنة، فأما أبوه فلا شك في كفره.
وقد بيَّنَّا سبب استغفاره لأبيه في [براءة: 113]، وذكرنا معنى الخزي في [آل عمران: 192].
قوله تعالى: {يَوْمَ يُبْعَثُون} يعني: الخلائق.
قوله تعالى: {إِلا مَنْ أتى اللّهَ بقلب سليم} فيه ستة أقوال.
أحدها: سليم من الشِّرك، قاله الحسن، وابن زيد.
والثاني: سليم من الشَّكّ، قاله مجاهد.
والثالث: سليم، أي: صحيح، وهو قلب المؤمن، لأن قلب الكافر والمنافق مريض، قاله سعيد بن المسيب.
والرابع: أن السَّليم في اللغة: اللديغ، فالمعنى: كاللديغ من خوف الله تعالى، قاله الجنيد.
والخامس: سليم من آفات المال والبنين، قاله الحسين بن الفضل.
والسادس: سليم من البدعة، مُطْمئنّ على السُّنَّة، حكاه الثعلبي. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69)}.
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فنظل لها عاكفين} قال: عابدين {قال هل يسمعونكم إذ تدعون} يقول: هل تجيبكم آلهتكم إذا دعوتموهم.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {إذ يسمعونكم} قال: هل يسمعون أصواتكم.
{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان يقال أول نعمة الله على عبده حين خلقه.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} قال: قوله: {إني سقيم} [الصافات: 29] وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا} [الأنبياء: 63] وقوله لسارة: إنها أختي. حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وألحقني بالصالحين} يعني أهل الجنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} قال: يؤمن بإبراهيم كل ملة.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر، وابن مردويه من طريق الحسن عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ العبد لصلاة مكتوبة فاسبغ الوضوء ثم خرج من باب داره يريد المسجد، فقال حين يخرج: بسم الله الذي خلقني فهو يهدين. هداه الله للصواب» ولفظ ابن مردويه: «لصواب الأعمال والذي هو يطعمني ويسقين. أطعمه الله من طعام الجنة، وسقاه من شراب الجنة، وإذا مرضت فهو يشفين. شفاه الله وجعل مرضه كفارة لذنوبه، والذي يميتني ثم يحيين. أحياه الله حياة السعداء، وأماته ميتة الشهداء، والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين. غفر الله خطاياه كلها وإن كانت أكثر من زبد البحر، رب هب لي حكمًا وألحقني بالصالحين. وهب الله له حكمًا وألحقه بصالح من مضى وصالح من بقي، واجعل لي لسان صدق في الآخرين. كتب في ورقة بيضاء أن فلان بن فلان من الصادقين، ثم وفقه الله بعد ذلك للصدق، واجعلني من ورثة جنة النعيم. جعل الله له القصور والمنازل في الجنة» وكان الحسن يزيد فيه- واغفر لوالدي كما ربياني صغيرًا.
وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله أن ابن جدعان كان يقري الضيف، ويصل الرحم، ويفعل ويفعل. أينفعه ذلك؟ قال: «لا إنه لم يقل يومًا قط: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين».
{وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {واغفر لأبي} قال: امنن عليه بتوبة يستحق بها مغفرتك.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولا تخزني يوم يبعثون} قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليجيئن رجل يوم القيامة من المؤمنين آخذًا بيد أب له مشرك حتى يقطعه النار، ويرجو أن يدخله الجنة، فيناديه مناد: أنه لا يدخل الجنة مشرك. فيقول: رب أبي، ووعدت أن لا تخزيني. قال: فما يزال متشبثًا به حتى يحوله الله في صورة سيئة وريح منتنة في سورة ضبعان، فإذا رآه كذلك تبرأ منه وقال: لست بأبي قال: فكنا نرى أنه يعني إبراهيم وما سمى به يومئذ».
وأخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصيني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم: رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد. فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين. ثم يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار».
وأخرج أحمد عن رجل من بني كنانة قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح فسمعته يقول «اللهم لا تخزني يوم القيامة».
{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}.
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس في قوله: {إلا من أتى الله بقلب سليم} قال: شهادة أن لا إله إلا الله.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {إلا من أتى الله بقلب سليم} قال: كان يقال: سليم من الشرك.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {إلا من أتى الله بقلب سليم} قال: من الشرك. ليس فيه شك في الحق.
وأخرج عبد بن حميد عن عون قال: ذكروا الحجاج عند ابن سيرين فقال: غير ما تقولون أخوف على الحجاج عندي منه قلت: وما هو قال: إن كان لقي الله بقلب سليم فقد أصاب الذنوب خير منه قلت: وما القلب السليم؟ قال: إن يعلم أنه لا إله إلا الله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)}.
قوله: {عَدُوٌّ}: اللغةُ العاليةُ إفرادُ {عَدُوّ} وتذكيرُه. قال تعالى: {هُمُ العدو} [المنافقون: 4]. وإنما فُعِل به ذلك تَشْبيهًا بالمصادرِ نحو: الوَلُوع والقَبُول. وقد يُقال: أعداءٌ وعَدُوَّة. وقوله: {عَدُوٌّ لي} على أصلِه مِنْ غيرِ تقديرِ مضافٍ ولا قلبٍ. وقيل: الأصنامُ لا تُعادِي لأنها جَمادٌ، فالتقديرُ: فإنَّ عُبَّادَهم عدوُّ لي. وقيل: بل في الكلامِ قَلْبٌ، تقديرُه: فإنِّي عدوٌّ لهم وهذان مرجوحان لاستقامةِ الكلامِ بدونِهما.
قوله: {إِلاَّ رَبَّ العالمين} فيه وجهان، أحدُهما: أنَّه منقطعٌ أي: لكنْ ربُّ العالمين ليس بعدُوّ لي. وقال الجرجاني: فيه تقديمٌ وتأخيرٌ أي: أفَرَأَيْتُمْ ما كنتم تَعْبُدُوْنَ أنتم وآباؤكم الأَقْدمون، إلاَّ ربَّ العالمين فإنهم عدوٌّ لي، و{إلاَّ} بمعنى دون وسوى. والثاني: أنه متصلٌ. وهو قول الزجاج؛ لأنهم كانوا يَعْبدون اللهَ تعالى والأصنامَ.
{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78)}.
قوله: {الذي خَلَقَنِي}: يجوز فيه أوجهٌ: النصبُ على النعتِ ل {رَبَّ العالمَين} أو البدلِ، أو عطفِ البيانِ، أو على إضمارِ أعني. والرفعُ على خبرِ ابتداءِ مضمرٍ أي: هو الذي خلقني أو على الابتداءِ.