فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113)}.
يعني: ما دام الحساب على ربي وهم يريدون الإيمان، فلابد أنْ يأخذوا جزاءهم وافيًا {لَوْ تَشْعُرُونَ} [الشعراء: 113].
{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)}.
وقد طلبوا منه أن يطرد هؤلاء المؤمنين من مجلسه ليُجلِسهم هم، وفي آية أخرى قال سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظالمين} [الأنعام: 52].
{إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115)}.
فمَنْ يسمع إنذاري، ويسمع بشارتي، ويأتي مجلسي، فعلى عيني أرافقه. فالله ما أرسلني لأخص ذوي الغنى دون الفقراء بمجلسي، إنما أرسلني لأبلغكم ما أرسلت به، فمن أطاعني فذلك السعيد عند الله، وإن كان فقيرًا.
{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)}.
وهكذا أعلنوا الحرب على نبي الله نوح، يقولون: لا فائدةَ من تحذيرك، وما زِلْتَ مُصِرًا على دعوتك {لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ} [الشعراء: 116] عما تدعيه من الرسالة، وما تقول به من تقوى الله وطاعته، وما تفعله من تقريب الأرذلين إلى مجلسك، لتكوِّن جمهورًا من صغار الناس.
{لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} [الشعراء: 116] أي: إذا لم تنتهِ فسوف نرجمك، إنه تهديد صريح للرسول الذي جاءهم من عند الله يدعوهم إلى الخير في الدنيا والآخرة.
كما قال سبحانه: {يا أيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
وهذا التهديد منهم لرسول الله يدلُّ على أنهم كانوا أقوياء، وأصحابَ جاه وبطْشٍ.
{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118)}.
تأمل هنا أدب نوح عليه السلام حين يشكو قومه إلى الله ويرفع إليه ما حدث منهم، كل ما قاله: {إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} [الشعراء: 117] ولم يذكر شيئًا عن التهديد له بالرجم، وإعلان الحرب على دعوته، لماذا؟ لأن ما يهمه في المقام الأول أن يُصدِّقه قومه، فهذا هو الأصل في دعوته.
وقوله: {فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا} [الشعراء: 118] الفتح في الشيء إما: حسيًا وإما معنويًا، فمثلًا الباب المغلَق بقُفْل نقول: نفتح الباب: أي نزيل أغلاقه.
فإنْ كان الشيء مربوطًا نزيل الأشكال ونفكّ الأربطة.
ومن ذلك قوله تعالى في قصة يوسف: {وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} [يوسف: 65] أي: أزالوا الرباط عن متاعهم، هذا هو الفتح الحسِّيّ.
أما الفتح المعنوي فنُزيل الأغلاق والأشكال المعنوية ليأتي الخير وتأتي البركة، كما في قوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السماء والأرض} [الأعراف: 96].
وفي آية أخرى: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [فاطر: 2].
والخير الذي يفتح الله به على الناس قد يكون خيرًا ماديًا، وقد يكون عِلْمًا، كما في قوله تعالى: {أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} [البقرة: 76].
أي: من العلم في التوراة، يخافون أن يأخذه المؤمنون، ويجعلوه حجة على أهل التوراة إذا ما كان لهم الفتح والغَلَبة، فمعنى: {بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ} [البقرة: 76] أي: بما علَّمكم من علم لم يعلموه هم.
وقد يكون الفتح بمعنى الحكم، مثل قوله سبحانه: {رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق وَأَنتَ خَيْرُ الفاتحين} [الأعراف: 89].
ويكون الفتح بمعنى النصر، كما في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله والفتح} [النصر: 1].
ثم يقول نوح عليه السلام: {وَنَجِّنِي} [الشعراء: 118] من كيدهم وما يُهدِّدونني به من الرَّجْم {وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين} [الشعراء: 118] لأن الإيذاء قد يتعدّاه إلى المؤمنين معه، وتأتي الإجابة سريعة: {فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ} وقد وردتْ قصة السفينة في الأعراف، وفي هود، ولنوح عليه السلام سورة خاصة هي سورة نوح مثل سورة محمد؛ ذلك لأن له في تاريخ الرسالات ألف سنة إلا خمسين عامًا، ويستحق أنْ يخصَّه الله تعالى بسورة بأسمه.
لذلك عندما يكرر أحد الناس لك الكلام، ويُعيده عليك، تقول له هيَّه سورة، فكلام العامة والأُميين له أَصْلٌ من استعمال اللغة.
وفي موضع آخر ذكر الحق تبارك وتعالى قصة صُنْع السفينة في قوله تعالى: {وَيَصْنَعُ الفلك وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ} [هود: 38] وهذا دليل على أنها كانت أول سفينة يصنعها الإنسان، وقد صنع نوح سفينته بأمر الله ووحيه وتحت عينه تعالى، وفي رعايته: {واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود: 37].
وما كان الله تعالى ليُكلِّفه بصُنْع السفينة ثم يتركه، إنما تابعه، حتى إذا ما حدث خطأ نبَّهه إليه من البداية، كما قال تعالى لسيدنا موسى: {وَلِتُصْنَعَ على عيني} [طه: 39].
وبمثل هذه الآيات نردُّ على الذين يقولون: إن الله تعالى زاول سلطانه في مُلْكه مرة واحدة فخلق الخَلْق، ثم ترك القوانين تسيره، ولو كان الأمر كذلك لوجدنا العالم كله يسير بحركة ميكانيكية، لكن ظواهر الكون وما فيه من معجزات تدلُّ على قيوميته تعالى على خَلْقه.
لذلك يقول لهم: ناموا ملء جفونكم، فإن لكم ربًا لا ينام، كيف لا وأنت إذا استأجرتَ حارسًا لمنزلك مثلًا تنام مطمئنًا اعتمادًا على أنه يَقِظ؟ وكيف إذا حرسك ربُّك عز وجل الذي لا تأخذه سِنَة ولا نَوْمٌ؟ وأَلاَ يدلُّ ذلك على قيوميته تعَالى؟
هذه القيومية التي تنقضُ العزائم، وتفسَح القوانين، قيومية تقول للنار كوني بردًا وسلامًا فتكون، وتقول للماء: تجمَّد حتى تكون جبلًا فيتجمد، تقول للحجر: انفلق فينفلق، ولو كان الأمر ميكانيكيًا كما يقولون لما حدث هذا، ولما تخلَّف قانون واحد من قوانين الكون.
والمشحون: الذي امتلأ، ولم يَبْقَ به مكان خَالٍ، فكانت السفينة مشحونة بما حمل فيها، لأنها صُنِعَتْ بحساب دقيق، لا يتسع إلا لمن كُلِّف نوح بحملهم في سفينته، وكانوا ثمانين رجلًا وثمانين امرأة ومن كل حيوان زوجين اثنين.
والفلك المشحون يُطلَق ويُراد به الواحدة، ويُطلَق ويراد به الجماعة كما في قوله سبحانه: {حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس: 22].
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)}.
وهم الكافرون الذين لم يركبوا معه، و{بَعْدُ} [الشعراء: 120] أي: بعد ما ركب من ركب، وبعد {فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السماء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُونًا فَالْتَقَى الماء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 11- 12].
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121)}.
والآية: الأمر العجيب الذي يجب الالتفات إليه والاعتبار به، لكن مَنْ سيعتبر بعد أنْ غرق الباقون؟ سيعتبر بهذه الآية المؤمنون الذين ركبوا السفينة حين يروْنَ نتيجة التكذيب، ومصير المكذِّبين الكافرين.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)} أي: ورغم كُفْرهم وتكذيبهم، ورغم أنه ما كان أكثرهم مؤمنين، فالله تعالى هو العزيز الذي يَغْلِب ولا يُغْلَب، وهو سبحانه الرحيم بعباده الذي يتوب على مَنْ تاب منهم. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {وَأَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى} يعني: ببني إسرائيل {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} يعني: يتبعكم فرعون وقومه ويقال أسرى يسري إسراء إذا سار ليلًا، يعني اذهبْ بهم بالليل {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ في المدائن حاشرين} يحشرون الناس لقتال موسى عليه السلام وخرج في طلبه.
وقال: {إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} يعني: طائفة وعصبة وجماعة قليلون.
وقال الزجاج الشرذمة في كلام العرب القليل.
ويروى أنهم كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفًا {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} يعني: لمبغضين ويقال: إنا لغائظون بخلافهم لنا، وذهابهم بحيلتنا.
ثم قال عز وجل: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذرون} أي: مودون شاكون في السلاح.
قرأ ابن كثير ونافع {حاذرون} بغير ألف، والباقون بالألف، {حاذرون}، والحاذر المستعد، والحذر المستيقظ.
ويقال: الحاذر الذي يحذر في الفور، والحذر الذي لا تلقاه إلا حذرًا.
وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: {حاذرون} بالألف، وكان يقول: يعني ذا أداة من السلاح.
ومعناه: إنا قد أخذنا حذرنا من عدونا بسلاحنا قال الله تعالى: {فأخرجناهم} يعني: فرعون وقومه {مّن جنات} يعني: البساتين {وَعُيُونٍ} يعني: الأنهار الجارية {وَكُنُوزٍ} يعني: من الأموال الكثيرة {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} يعني: المنازل الحسنة.
ويقال: المنابر التي يعظم عليها فرعون.
قرأ أبو عمرو ونافع وعاصم وعيون بضم العين في جميع القرآن، والباقون بالكسر، وهما لغتان، وكلاهما جائز.
وقال بعضهم: {فأخرجناهم مّن جنات وَعُيُونٍ} كلام فرعون إنا أخرجنا بني إسرائيل من أرض مصر والطريق الأول أشبه كما قال في آية أخرى: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جنات وَعُيُونٍ} [الدخان: 25] الآية.
ثم قال: {كذلك} يعني: هكذا أفعل بمن عصاني.
ثم استأنف فقال عز وجل: {وأورثناها} ويقال لك: أورثناها يعني: هكذا أنزلنا في مساكن فرعون {بَنِى إسراءيل} بعد ما غرق فرعون، ثم قال: {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} يعني: طلوع الشمس.
قوله عز وجل: {فَلَمَّا تَرَاءا الجمعان} يعني: تقاربا ورأى بعضهم بعضًا، وذلك أن فرعون أرسل في المدائن حاشرين ليحشروا الناس، فركب وركب معه ألف ألف ومائتا ألف فارس سوى الرحالة، أي المشاة، فلما دنوا من عسكر موسى {قَالَ أصحاب موسى} لموسى عليه السلام {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} يعني: يدركنا فرعون {قَالَ} موسى {كَلاَّ} لا يدرككم {إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ} يعني: سينجيني ويهديني إلى طريق النجاة.
قوله عز وجل: {فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق} يعني: وفي الآية مضمر، ومعناه فضربه بالعصا فانفلق البحر {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم} يعني: كالجبل العظيم {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الاخرين} يعني: قربنا قوم فرعون إلى البحر، وأدنيناهم إلى الغرق، ومنه قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء: 90] أي أدنيت وقربت.
وروي عن الحسن قال: وأزلفنا.
يعني: أهلكنا.
وقال غيره: وأزلفنا، أي جمعناهم في البحر حتى غرقوا، ومنه قوله قبل الجمع المزدلفة.
{وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ} يعني: من البحر {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الاخرين} يعني: فرعون وقومه، وقد ذكرنا القصة في موضع آخر ثم قال: {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً} يعني: فيما صنع لآية، يعني: لعبرة لمن بعدهم {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ} يعني: مصدقين يعني: لو كان أكثرهم مؤمنين لم يهلكهم الله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} بالنعمة {الرحيم} لمن تاب.
قوله عز وجل: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ إبراهيم} يعني: أخبر أهل مكة خبر إبراهيم {إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} أي: كيف قال لقومه ثم أخبرهم عن ذلك وذلك أن إبراهيم عليه السلام، لما ولدته أمه في الغار، فلما كبر وخرج دخل المصر، فأراد أن يعلم على أي مذهب هم وهكذا ينبغي للعاقل إذا دخل بلدة أن يسألهم عن مذهبهم، فإن وجدهم على الاستقامة، دخل معهم، وإن وجدهم على غير الاستقامة، أنكر عليهم.
فقال لهم إبراهيم: ما تعبدون؟ {قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عاكفين} أي: نقوم عليها عابدين، فأراد أن يبين عيب فعلهم فقال: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ} يعني: هل تجيبكم الآلهة، سمَّى الإجابة سمعًا، لأن السمع سبب الإجابة {إِذْ تَدْعُونَ} يعني: هل يجيبوكم إذا دعوتموهم {أَوْ يَنفَعُونَكُمْ} إذا عبدتموهم {أَوْ يَضُرُّونَ} يعني: يضرونكم إن لم تعبدوهم {قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} يعني: وجدنا آباءنا يعبدونهم، هكذا فنحن نعبدهم.