فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا} وهو البيان على الشيء على ما توجبه الحكمة، وقال مقاتل: فهمًا وعلمًا، والكلبي: النبوّة.
{وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} بمن قبلي من النبيين في الدرجة والمنزلة. وقال ابن عباس: بأهل الجنة.
{واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين} أي ذكرًا جميلًا وثناءً حسنًا وقبولًا عامًا في الأُمم التي تجيء بعدي، فأعطاه الله سبحانه وتعالى ذلك، فكلّ أهل الأديان يتولّونه ويبنون عليه.
قال القتيبي: ووضع اللسان موضع القول على الاستعارة؛ لأن القول يكنى بها، والعرب تسمّي اللغة لسانًا. وقال أعشى باهله:
إنّي أتتني لسان لا أُسرُّ بها ** من علو لا عجب منها ولا سخر

{واجعلني مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم واغفر لأبي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضآلين} وقد بيّنا المعنى الذي من أجله استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه في سورة التوبة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
{وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ}.
{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} خالص من الشرك والشك، فأمّا الذنوب فليس يسلم منها أحد هذا قول أكثر المفسّرين.
وقال سعيد بن المسيّب: القلب السليم هو الصحيح، وهو قلب المؤمن لأنّ قلب الكافر والمنافق مريض، قال الله سبحانه {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [البقرة: 10].
وقال أبو عثمان النيسابوري: هو القلب الخالي من البدعة، المطمئن على السنّة.
وقال الحسين بن الفضل: سليم من آفة المال والبنين.
وقال الجنيد: السليم في اللغة اللديغ فمعناه: كاللّديغ من خوف الله.
{وَأُزْلِفَتِ} وقُرّبت {الجنة لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ} وأُظهرت {الجحيم لِلْغَاوِينَ} للكافرين {وَقِيلَ لَهُمْ} يوم القيامة {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ} لأنفسهم {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا}.
قال ابن عباس: جمعوا، مجاهد: ذهبوا، مقاتل: قذفوا، وأصله كببوا فكررت الكاف فيه مثل قولك: تهنهني وريح صرصر ونحوهما.
{هُمْ والغاوون} يعني الشياطين، عن قتادة ومقاتل، الكلبي: كَفَرة الجن.
{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} وهم أتباعه ومن أطاعهُ من الجن والإنس قالوا للشياطين والمعبودين {تالله إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم} نعدلكم {بِرَبِّ العالمين} فنعبدكم من دونه {وَمَآ أَضَلَّنَآ} أي دعانا إلى الضلال وأمرنا به {إِلاَّ المجرمون} يعني الشياطين، عن مقاتل، والكلبي: أوّلونا الذين اقتدينا بهم، أبو العاليه وعكرمة: يعني إبليس وابن آدم القاتل؛ لأنه أوّل مَن سنَّ القتال وأنواع المعاصي.
{فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} قريب ينفعنا ويشفع لنا، وذلك حين يشفع الملائكة والنبيّون والمؤمنون.
أخبرني الحسين بن محمد الفنجوي قال: حدّثنا محمد بن الحسين بن علي اليقطيني قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يزيد العقيلي قال: حدّثنا صفوان بن صالح قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا من سمع أبا الزبير يقول: أشهد لسمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الرجل ليقول في الجنة: ربّ ما فعل صديقي فلان وصديقه في الحميم؟ فيقول الله سبحانه: أخرجوا له صديقه الى الجنة فيقول مَنْ بقي {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ}».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا سمعان بن أبي مسعود قال: حدّثنا المضّاء بن الجارود قال: حدّثنا صالح المرّي عن الحسن قال: ما اجتمع ملأ على ذكر الله تعالى فيهم عبد من أهل الجنة إلاّ شفّعه الله فيهم وإنّ أهل الإيمان شفعاء بعضهم في بعض، وهم عند الله شافعون مشفّعون.
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} رجعة الى الدنيا تمنّوا حين لم ينفعهم {فَنَكُونَ مِنَ المؤمنين إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} ادخلت ألتاء للجماعة كقوله: {قَالَتِ الأعراب} [الحجرات: 14].
{المرسلين} يعني نوحًا وحده كقوله: {يا أيها الرسل} [المؤمنون: 51].
وأخبرني أبو عبد الله الدينوري قال: حدّثنا أبو علىّ المقري قال: حدّثنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب قال: حدّثنا الحسن بن محمد الصباح قال: حدّثنا عبد الوهاب عن إسماعيل عن الحسين قال: قيل له: يا أبا سعيد أرأيت قوله عزَّ وجل {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} و{كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين} [الشعراء: 123] و{كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين} [الشعراء: 141] وإنما أرسل إليهم رسولًا واحدًا؟
قال: انّ الآخر جاء بما جاء به الأوّل، فإذا كذّبوا واحدًا فقد كذّبوهم أجمعين.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ} في النسبة لا في الدين {نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} على الوحي {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك} قراءة العامة، وقرأ يعقوب: وأتباعك {الأرذلون} يعني السفلة عن مقاتل وقتادة والكلبي. ابن عباس: الحاكة.
وأخبرني الحسين بن محمد الفنجوي قال: حدّثنا محمد بن الحسين الكعبي قال: حدّثنا حسين بن مزاحم عن ابن عباس في قول الله سبحانه {واتبعك الأرذلون} قال: الحاكة، عكرمة: الحاكة والأسالفة.
{قَالَ} نوح {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إنما لي منهم ظاهر أمرهم، وعليَّ أن أدعوهم وليس علىّ من خساسة أحوالهم ودناءة مكاسبهم شيء، ولم أُكلّف ذلك إنّما كُلّفت أن أدعوهم.
{إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ على رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} وقيل: معناه أي لم أعلم أنّ اللّه يهديهم ويضلكم، ويوفّقهم ويخذلكم.
{وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانوح} عمّا تقول وتدعو إليه {لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} يعني المشؤومين عن الضحّاك، قتادة: المضروبين بالحجارة.
قال ابن عباس ومقاتل: من المقتولين.
الثمالي: كلّ شيء في القرآن من ذكر المرجومين فإنّه يعني بذلك القتل إلاّ التي في سورة مريم {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ} [مريم: 46] فإنّه يعني لاشتمنّك.
{قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فافتح} فاحكم {بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ المؤمنين فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الفلك المشحون} يعني الموقّر المجهّز عن ابن عباس. مجاهد: المملوء، المفروغ منه، عطاء: المُثقل، قتادة: المُحمل.
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الباقين إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة الشعراء: آية 52]:

{وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52)}.
قرئ: أسر، بقطع الهمزة ووصلها. وسر {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} علل الأمر بالإسراء باتباع فرعون وجنوده آثارهم. والمعنى: أنى بنيت تدبير أمركم وأمرهم على أن تتقدّموا ويتبعوكم، حتى يدخلوا مدخلكم، ويسلكوا مسلككم من طريق البحر، فأطبقه عليهم فأهلكهم.
وروي أنه مات في تلك الليلة في كل بيت من بيوتهم ولد، فاشتغلوا بموتاهم حتى خرج موسى بقومه.
وروى: أنّ اللّه أوحى إلى موسى: أن اجمع بنى إسرائيل، كل أربعة أبيات في بيت، ثم اذبحوا الجداء واضربوا بدمائها على أبوابكم، فإنى سآمر الملائكة أن لا يدخلوا بيتا على بابه دم، وسآمرهم بقتل أبكار القبط، واخبزوا خبزا فطيرا فإنه أسرع لكم، ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر فيأتيك أمرى، فأرسل فرعون في أثره ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسوّر، مع كل ملك ألف، وخرج فرعون في جمع عظيم، وكانت مقدّمته سبعمائة ألف: كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة. وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: خرج فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث، فلذلك استقل قوم موسى عليه السلام وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفا، وسماهم شرذمة قليلين {إِنَّ هؤُلاءِ} محكي بعد قول مضمر. والشرذمة: الطائفة القليلة. ومنها قولهم:
ثوب شراذم، للذي يلي وتقطع قطعا، ذكرهم بالاسم الدال على القلة. ثم جعلهم قليلا بالوصف، ثم جمع القليل فجعل كل حزب منهم قليلا، واختار جمع السلامة الذي هو للقلة، وقد يجمع القليل على أقلة وقلل. ويجوز أن يريد بالقلة: الذلة والقماءة، ولا يريد قلة العدد. والمعنى:
أنهم لقلتهم لا يبالى بهم ولا يتوقع غلبتهم وعلوهم، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا وتضيق صدورنا، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور، فإذا خرج علينا خارج، سارعنا إلى حسم فساده، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن، لئلا يظنّ به ما يكسر من قهره وسلطانه. وقرئ: حذرون وحاذرون وحادرون، بالدال غير المعجمة. فالحذر:
اليقظ، والحاذر: الذي يجدّد حذره. وقيل: المؤدى في السلاح، وإنما يفعل ذلك حذرا واحتياطا لنفسه. والحادر: السمين القوى. قال:
أحبّ الصّبىّ السوء من أجل ** أمّه وأبغضه من بغضها وهو حادر

أراد أنهم أقوياء أشداء. وقيل مدججون في السلاح، قد كسبهم ذلك حدارة في أجسامهم.

.[سورة الشعراء الآيات: 57- 60]:

{فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (58) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)}.
وعن مجاهد: سماها كنوزا لأنهم لم ينفقوا منها في طاعة اللّه. والمقام: المكان، يريد:
المنازل الحسنة والمجالس البهية. وعن الضحاك: المنابر. وقيل السر في الحجال {كَذلِكَ} يحتمل ثلاثة أوجه: النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه. والجر على أنه وصف لمقام، أي: مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم. والرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف، أي: الأمر كذلك. {فَأَتْبَعُوهُمْ} فلحقوهم. وقرئ: {فاتبعوهم مُشْرِقِينَ} داخلين في وقت الشروق، من شرقت الشمس شروقا إذا طلعت.

.[سورة الشعراء الآيات: 61- 68]:

{فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)}.
{سَيَهْدِينِ} طريق النجاة من إدراكهم وإضرارهم. وقرئ، فلما تراءت الفئتان. {إنا لمدّركون}: بتشديد الدال وكسر الراء، من ادّرك الشيء إذا تتابع ففنى. ومنه قوله تعالى {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} قال الحسن: جهلوا علم الاخرة. وفي معناه بيت الحماسة:
أبعد بنى أمّى الّذين تتابعوا ** أرجّى الحياة أم من الموت أجزع

والمعنى: إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم، حتى لا يبقى منا أحد. الفرق: الجزء المتفرّق منه.
وقرئ: كل فلق. والمعنى واحد. والطود: الجبل العظيم المنطاد في السماء {وَأَزْلَفْنا ثَمَّ} حيث انفلق البحر {الْآخَرِينَ} قوم فرعون، أي: قربناهم من بنى إسرائيل: أو أدنينا بعضهم من بعض، وجمعناهم حتى لا ينجو منهم أحد، أو قدمناهم إلى البحر. وقرئ: وأزلقنا، بالقاف، أي: أزللنا أقدامهم. والمعنى: أذهبنا عزهم، كقوله:
تداركتما عبسا وقد ثلّ عرشها ** وذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل

لأبى الحناك البراء ربعي الفقعسي، والهمزة للاستفهام الإنكاري، والمراد التحسر والتحزن، وتتابعوا أي انقرضوا واحدا بعد واحد. أرحى: أي أرتجى حياة أم أجزع من الموت، أي: لا أفعل ذلك بعدهم وقال: بى أمى، لأن المقام مقام رقة ورحمة، فهم ثمانية كانوا رؤساء قومهم، كالذؤابة الرأس، وهي شعرها الذي يتحرك حولها، فهو تشبيه بليغ، ثم قال: كنت بهم أفعل ما أريد من الإعطاء والمنع. ويجوز بناء الفعلين للمجهول، فالمعنى: كنت بهم أنال ما أشاء وأكفى شر ما أشاء، ورزأته أصبته في ماله. ورزأته ماله. ورزأتهم: مبنى للمجهول، أي: نقصني الدهر إياهم وأخذهم منى، فلا قوة لي بعدهم، كما أن الكف إذا فقدت أصابعها بطلت قوتها، لأن بطشها ليس إلا بالأصابع منتظمة مرتبة، فهم لي كالأصابع للكف.
وزلت النعل بالقدم: زلقت عن مقرها، وهذا أيضا تمثيل لاختلال أمرهم وفساد رأيهم.
وفي البيت شبه الطباق، حيث أن الأولى أتاها العذاب من فوق رءوسها، والثانية: أتاها من تحت أرجلها.
ويحتمل أن يجعل اللّه طريقهم في البحر على خلاف ما جعله لبنى إسرائيل يبسا فيزلقهم فيه. عن عطاء بن السائب أن جبريل عليه السلام كان بين بنى إسرائيل وبين آل فرعون، فكان يقول لبنى إسرائيل: ليلحق آخركم بأولكم. ويستقبل القبط فيقول: رويدكم يلحق آخركم. فلما انتهى موسى إلى البحر قال له مؤمن آل فرعون- وكان بين يدي موسى: أين أمرت فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون؟ قال: أمرت بالبحر ولا يدرى موسى ما يصنع، فأوحى اللّه تعالى إليه: أن اضرب بعصاك البحر. فضربه فصار فيه اثنا عشر طريقا: لكل سبط طريق.
وروى أنّ يوشع قال: يا كليم اللّه، أين أمرت فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا؟ قال موسى:
هاهنا. فخاض يوشع الماء وضرب موسى بعصاه البحر فدخلوا. وروى أنّ موسى قال عند ذلك:
يا من كان قبل كل شيء، والمكوّن لكل شيء، والكائن بعد كل شيء. ويقال: هذا البحر هو بحر القلزم. وقيل: هو بحر من وراء مصر، يقال له: أساف {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً} أية آية، وآية لا توصف، وقد عاينها الناس وشاع أمرها فيهم، وما تنبه عليها أكثرهم، ولا آمن باللّه.
وبنو إسرائيل: الذين كانوا أصحاب موسى المخصوصين بالإنجاء قد سألوه بقرة يعبدونها، واتخذوا العجل، وطلبوا رؤية اللّه جهرة {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} المنتقم من أعدائه {الرَّحِيمُ} بأوليائه.