فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

{أَسْرِ بعبادي} يعني بين إسرائيل {إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ} إخبار باتباع فرعون {لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} الشرذمة الطائفة من الناس، وفي هذا احتقار لهم على أنه روي أنهم كانوا ستمائة ألف، ولكن جنود فرعون أكثر منهم بكثير {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} يعني التي بمصر، والعيون الخلجان الخارجة من النيل، وكانت ثم عيون في ذلك الزمان، وقيل يعني الذهب والفضة وهو بعيد {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} مجالس الأمراء والحكام، وقيل: المنابر، وقيل: المساكن الحسان {كَذَلِكَ} في موضع خفض صفة لمقام أو في موضع نصب على تقدير: أخرجناهم مثل ذلك الإخراج، أو في موضع رفع أنه خبر ابتداء تقديره: الأمر كذلك {وَأَوْرَثْنَاهَا بني إِسْرَائِيلَ} أي أورثهم الله مواضع فرعون بمصر، على أن التواريخ لم يذكر فيها ملك بني إسرائيل لمصر، وإنما المعروف أنهم ملكوا الشام، فتأويله على هذا أورثهم مثل ذلك بالشام {فَأَتْبَعُوهُم} أي لحقوهم، وضمير الفاعل لفرعون وقومه، وضمير المفعول لبني إسرائيل {مُّشْرِقِينَ} معناه داخلين في وقت الشروق وهو طلوع الشمس، وقيل: معناه نحو المشرق وانتصابه على الحال.
{تَرَاءَى الجمعان} وزن تراء تفاعل، وهو منصوب من الرؤية، والجمعان جمع موسى وجمع فرعون، أي رأى بعضهم بعضًا {فانفلق} تقدير الكلام فضرب موسى البحر فانفلق {كُلُّ فِرْقٍ} أي كل جزء منه والطود الجبل، ورُوي أنه صار في البحر اثنا عشر طريقًا، لكل سبط من بني إسرائيل طريق {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين} يعني بالآخرين فرعون وقومه، ومعنى {أَزْلَفْنَا}: قربناهم من البحر ليغرقوا، وثم هنا ظرف يراد به حيث انفلق البحر وهو بحر القلزم الأحمر {مَا تَعْبُدُونَ} إنما سألهم مع علمه بأنهم يعبدن الأصنام ليبين لهم أن ما يعبدونه ليس بشيء، ويقيم عليهم الحجة {قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَامًا} إن قيل: لم صرحوا بقولهم نعبد، مع أن السؤال وهو قوله: {مَا تَعْبُدُونَ} يغني عن التصريح بذلك، وقياس مثل هذا الاستغناء بدلالة السؤال كقوله: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} [النحل: 30]؟ قالوا: {خَيْرًا} [النحل: 30]، فالجواب أنهم صرحوا بذلك على وجه الافتخار والابتهاج بعبادة الأصنام، ثم زادوا قولهم: {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} مبالغة في ذلك {بَلْ وَجَدْنَآ آبَاءَنَا} اعتراف بالتقليد المحض {إِلاَّ رَبَّ العالمين} استثناء منقطع وقيل: متصل لأن في آبائهم من عبد الله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} أسند المرض إلى نفسه وأسند الشفاء إلى الله تأدبًا مع الله.
{أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} قيل أراد كذباته الثلاثة الواردة في الحديث وهي قوله في سارة زوجته: هي أختي، وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الأنبياء: 63] أراد الجنس على الإطلاق؛ لأن هذه الثلاثة من المعاريض فلا إثم فيها {لِسَانَ صِدْقٍ} ثناء جميلًا {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ} وما بعده منقطع عن كلام إبراهيم، وهو من كلام الله تعالى، ويحتمل أن يكون أيضًا من كلام إبراهيم {إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، قيل: سليم من الشرك والمعاصي وقيل: الذي يلقى ربه وليس في قلبه شيء غيره وقيل: بقلب لديغ من خشية الله، والسليم هو اللديغ: لغة، وقال الزمخشري: هذا من بدع التفاسير، وهذا الاستثناء يحتمل أن يكون متصلًا فيكون: {مَنْ أَتَى الله} مفعولًا، بقوله: {لاَ يَنفَعُ} والمعنى على هذا أن المال لا ينفع إلا من أنفقه في طاعة الله وأن النبيين لا ينفعون إلا من علمهم الدين وأوصاهم بالحق ويحتمل أيضا أن يكون متصلًا ويكون قوله: {مَنْ أَتَى الله} بدلًا من قوله: {مَالٌ وَلاَ بَنُونَ} على حذف مضاف تقديره: إلا مال من أتى الله وبنوه ويحتمل أن يكون منقطعًا بمعنى لكن {وَأُزْلِفَتِ الجنة} أي قربت.
{وَبُرِّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ} يعني المشركين بدلالة ما بعده {فَكُبْكِبُواْ فِيهَا} كبكبوا: مضاعف من كب كررت حروفه دلالة على تكرير معناه: أي كبهم الله في النار مرة بعد مرة، والضمير للأصنام، والغاوون هم المشركون، وقيل: الضمير للمشركين، والغاوون هم الشياطين {نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ العالمين} أي نجعلكم سواء معه {وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ المجرمون} يعني كبراءهم، وأهل الجرم والجراءة منهم {حَمِيمٍ} أي خالص الودّ، قال الزمخشري: جمع الشفعاء ووحد الصديق لكثرة الشفعاء في العادة، وقلة الأصدقاء {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين} أسند الفعل إلى القوم، وفيه علامة التأنيث، لأن القوم في معنى الجماعة والأمة، فإن قيل: كيف قال المرسلين بالجمع وإنما كذبوا نوحًا وحده؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أنه أراد الجنس كقولك: فلان يركب الخيل وإنما لم يركب إلى فرسًا واحدًا والآخر أن من كذب نبيًا واحدًا فقد كذب جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأن قولهم واحد ودعوتهم سواء، وكذلك الجواب في: كذبت عاد المرسلين وغيره {واتبعك الأرذلون} جمع أرذل، وقد تقدّم الكلام عليه في قوله: {أَرَاذِلُنَا} في [هود: 27] {وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين} يعني الذين سموهم أرذلين، فإنّ الكفار أرادوا من نوح أن يطردهم، كما أرادت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرد عمار بن ياسر وصهيبًا وبلالًا وأشباههم من الضعفاء {المرجومين} يحتمل أن يريدوا الرجم بالحجارة، أو بالقول وهو الشتم.
{فافتح بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ} أي احكم بيننا {فِي الفلك المشحون} أي المملوء. اهـ.

.قال النسفي:

{وَأَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ}.
وبوصل الهمزة: حجازي {بِعِبَادِى} بني إسرائيل سماهم عباده لإيمانهم بنبيه أي سر بهم ليلًا وهذا بعد سنين من إيمان السحرة {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} يتبعكم فرعون وقومه علل الأمر بالإسراء باتباع فرعون وجنوده آثارهم يعني إني بنيت تدبير أمركم وأمرهم على أن تتقدموا ويتبعوكم حتى يدخلوا مدخلكم من طريق البحر فأهلكهم.
وروي أنه مات في تلك الليلة في كل بيت من بيوتهم ولد فاشتغلوا بموتاهم حتى خرج موسى بقومه.
وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل كل أربعة أبيات في بيت ثم اذبح الجداء واضربوا بدمائها على أبوابكم فإني سآمر الملائكة أن لا يدخلوا بيتًا على بابه دم وسآمرهم بقتل أبكار القبط، واخبزوا خبزًا فطيرًا فإنه أسرع لكم، ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر فيأتيك أمري.
{فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ في المدائن حاشرين} أي جامعين للناس بعنف، فلما اجتمعوا قال: {إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} والشرذمة الطائفة القليلة ذكرهم بالاسم الدال على القلة، ثم جعلهم قليلًا بالوصف، ثم جمع القليل فجعل كل حزب منهم قليلًا.
واختار جمع السلامة الذي هو للقلة أو أراد بالقلة الذلة لا قلة العدد أي أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا تتوقع غلبتهم.
وإنما استقل قوم موسى وكانوا ستمائة ألف وسبعين ألفًا لكثرة من معه.
فعن الضحاك: كانوا سبعة الآف ألف {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} أي أنهم يفعلون أفعالًا تغيظنا وتضيق صدورنا وهي خروجهم من مصرنا وحملهم حلينا وقتلهم أبكارنا {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذرون} شامي وكوفي وغيرهم {حذرون} فالحذر المتيقظ والحاذر الذي يجدد حذره.
وقيل: المؤدي في السلاح وإنما يفعل ذلك حذرًا واحتياطًا لنفسه يعني ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن به العجز والفتور.
{فأخرجناهم مّن جنات} بساتين {وَعُيُونٍ} وأنهار جارية {وَكُنُوزٍ} وأموال ظاهرة من الذهب والفضة وسماها كنوزًا لأنهم لا ينفقون منها في طاعة الله تعالى {وَمَقَامٍ} ومنزل {كَرِيمٌ} بهي بهيج.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: المنابر {كذلك} يحتمل النصب على {أخرجناهم} مثل ذلك الآخراج الذي وصفنا، والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك {وأورثناها بَنِى إسراءيل} عن الحسن: لما عبروا النهر رجعوا وأخذوا ديارهم وأموالهم {فَأَتْبَعُوهُم} فلحقوهم {فاتبعوهم} يزيد {مُشْرِقِينَ} حال أي داخلين في وقت شروق الشمس وهو طلوعها أدرك قوم فرعون موسى وقومه وقت طلوع الشمس.
{فَلَمَّا تَرَاءا الجمعان} أي تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه والمراد بنو إسرائيل والقبط {قَالَ أصحاب موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} أي قرب أي يلحقنا عدونا وأمامنا البحر {قَالَ} موسى عليه السلام ثقة بوعد الله إياه {كَلاَّ} ارتدعوا عن سوء الظن بالله فلن يدركوكم {إِنَّ مَعِىَ} {مَعِىَ} حفص {رَبّى سَيَهْدِينِ} أي سيهديني طريق النجاة من إدراكهم وإدرارهم {سيهديني} بالياء: يعقوب {فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر} أي القلزم أو النيل {فانفلق} أي فضرب فانفلق وانشق فصار اثني عشر فرقًا على عدد الأسباط {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ} أي جزء تفرق منه {كالطود العظيم} كالجبل المنطاد في السماء {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ} حيث انفلق البحر {الآخرين} قوم فرعون أي قربناهم من بني إسرائيل أو من البحر {وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ} من الغرق {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين} فرعون وقومه، وفيه إبطال القول بتأثير الكواكب في الآجال وغيرها من الحوادث فإنهم اجتمعوا في الهلاك مع اختلاف طوالعهم.
روي أن جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون فكان يقول لبني إسرائيل: ليلحق آخركم بأولكم.
ويستقبل القبط فيقول: رويدكم يلحق آخركم بأولكم.
فلما انتهى موسى إلى البحر قال يوشع لموسى: أين أمرت فهذا البحر أمامك وغشيك آل فرعون؟ قال موسى: ههنا.
فخاض يوشع الماء وضرب موسى بعصاه البحر فدخلوا.
وروي أن موسى عليه الصلاة والسلام قال عند ذلك: يا من كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء والكائن بعد كل شيء.
{إِنَّ في ذَلِكَ} أي فيما فعلنا بموسى وفرعون {لآيَةً} لعبرة عجيبة لا توصف {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ} أي المغرقين {مُّؤْمِنِينَ} قالوا: لم يؤمن منهم إلا آسية وحزقيل مؤمن آل فرعون ومريم التي دلت موسى على قبر يوسف {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} بالانتقام من أعدائه {الرحيم} بالإنعام على أوليائه.