فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وجعل الله الصيام بدلًا عن الهدى زيادة في الرخصة والرحمة ولذلك شرع الصوم مفرقًا فجعله عشرة أيام ثلاثة منها في أيام الحج وسبعة بعد الرجوع من الحج. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فقد طعن الملحدون لعنهم الله فيه من وجهين أحدهما: أن المعلوم بالضرورة أن الثلاثة والسبعة عشرة فذكره يكون إيضاحًا للواضح والثاني: أن قوله: {كَامِلَةٌ} يوهم وجود عشرة غير كاملة في كونها عشرة وذلك محال، والعلماء ذكروا أنواعًا من الفوائد في هذا الكلام الأول: أن الواو في قوله: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} ليس نصًا قاطعًا في الجمع بل قد تكون بمعنى أو كما في قوله: {مثنى وثلاث وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وكما في قولهم: جالس الحسن وابن سيرين أي جالس هذا أو هذا، فالله تعالى ذكر قوله: {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} إزالة لهذا الوهم النوع الثاني: أن المعتاد أن يكون البدل أضعف حالًا من المبدل كما في التيمم مع الماء فالله تعالى بين أن هذا البدل ليس كذلك، بل هو كامل في كونه قائمًا مقام المبدل ليكون الفاقد للهدي المتحمل لكلفة الصوم ساكن النفس إلى ما حصل له من الأجر الكامل من عند الله، وذكر العشرة إنما هو لصحة التوصل به إلى قوله: {كَامِلَةٌ} كأنه لو قال: تلك كاملة، جوز أن يراد به الثلاثة المفردة عن السبعة، أو السبعة المفردة عن الثلاثة، فلابد في هذا من ذكر العشرة، ثم اعلم أن قوله: {كَامِلَةٌ} يحتمل بيان الكمال من ثلاثة أوجه أحدها: أنها كاملة في البدل عن الهدي قائمة مقامه وثانيها: أنها كاملة في أن ثواب صاحبه كامل مثل ثواب من يأتي بالهدي من القادرين عليه وثالثها: أنها كاملة في أن حج المتمتع إذا أتى بهذا الصيام يكون كاملًا، مثل حج من لم يأت بهذا التمتع.
النوع الثالث: أن الله تعالى إذا قال: أوجبت عليكم الصيام عشرة أيام، لم يبعد أن يكون هناك دليل يقتضي خروج بعض هذه الأيام عن هذا اللفظ، فإن تخصيص العام كثير في الشرع والعرف، فلو قال: ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم، بقي احتمال أن يكون مخصوصًا بحسب بعض الدلائل المخصصة، فإذا قال بعده: تلك عشرة كاملة فهذا يكون تنصيصًا على أن هذا المخصص لم يوجد ألبتة، فتكون دلالته أقوى واحتماله للتخصيص والنسخ أبعد.
النوع الرابع: أن مراتب الأعداد أربعة: آحاد، وعشرات، ومئين، وألوف، وما وراء ذلك فأما أن يكون مركبًا أو مكسورًا، وكون العشرة عددًا موصوفًا بالكمال بهذا التفسير أمر يحتاج إلى التعريف، فصار تقدير الكلام: إنما أوجبت هذا العدد لكونه عددًا موصوفًا بصفة الكمال خاليًا عن الكسر والتركيب.
النوع الخامس: أن التوكيد طريقة مشهورة في كلام العرب، كقوله: {ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} [الحج: 46] وقال: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] والفائدة فيه أن الكلام الذي يعبر عنه بالعبارات الكثيرة ويعرف بالصفات الكثيرة، أبعد عن السهو والنسيان من الكلام الذي يعبر عنه بالعبارة الواحدة، فالتعبير بالعبادات الكثيرة يدل على كونه في نفسه مشتملًا على مصالح كثيرة ولا يجوز الإخلال بها، أما ما عبر عنه بعبارة واحدة فإنه لا يعلم منه كونه مصلحة مهمة لا يجوز الإخلال بها، وإذا كان التوكيد مشتملًا على هذه الحكمة كان ذكره في هذا الموضع دلالة على أن رعاية العدد في هذا الصوم من المهمات التي لا يجوز إهمالها ألبتة.
النوع السادس: في بيان فائدة هذا الكلام أن هذا الخطاب مع العرب، ولم يكونوا أهل حساب، فبين الله تعالى ذلك بيانًا قاطعًا للشك والريب، وهذا كما روي أنه قال في الشهر: هكذا وهكذا وأشار بيديه ثلاثًا، وأشار مرة أخرى وأمسك إبهامه في الثالثة منبهًا بالإشارة الأولى على ثلاثين، وبالثانية على تسعة وعشرين.
النوع السابع: أن هذا الكلام يزيل الإبهام المتولد من تصحيف الخط، وذلك لأن سبعة وتسعة متشابهتان في الخط، فإذا قال بعده تلك عشرة كاملة زال هذا الاشتباه.
النوع الثامن: أن قوله: {فَصِيَامُ ثلاثة أَيَّامٍ فِي الحج وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} يحتمل أن يكون المراد منه أن يكون الواجب بعد الرجوع أن يكمل سبعة أيام، على أنه يحسب من هذه السبعة تلك الثلاثة المتقدمة، حتى يكون الباقي عليه بعد من الحج أربعة سوى تلك الثلاثة المتقدمة، ويحتمل أن يكون المراد منه أن يكون الواجب بعد الرجوع سبعة سوى تلك الثلاثة المتقدمة، فهذا الكلام محتمل لهذين الوجهين، فإذا قال بعده تلك عشة كاملة زال هذا الإشكال، وبين أن الواجب بعد الرجوع سبعة سوى الثلاثة المتقدمة.
النوع التاسع: أن اللفظ وإن كان خبرًا لكن المعنى أمر والتقدير: فلتكن تلك الصيامات صيامات كاملة لأن الحج المأمور به حج تام على ما قال: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة لِلَّهِ} وهذه الصيامات جبرانات للخلل الواقع في ذلك الحج، فلتكن هذه الصيامات صيامات كاملة حتى يكون جابرًا للخلل الواقع في ذلك الحج، الذي يجب أن يكون تامًا كاملًا، والمراد بكون هذه الصيامات كاملة ما ذكرنا في بيان كون الحج تامًا، وإنما عدل عن لفظ الأمر إلى لفظ الخبر لأن التكليف بالشيء إذا كان متأكدًا جدًا فالظاهر دخول المكلف به في الوجود، فلهذا السبب جاز أن يجعل الإخبار عن الشيء بالوقوع كناية عن تأكد الأمر به، ومبالغة الشرع في إيجابه.
النوع العاشر: أنه سبحانه وتعالى لما أمر بصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد الرجوع من الحج، فليس في هذا القدر بيان أنه طاعة عظيمة كاملة عند الله سبحانه وتعالى، فلما قال بعده: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} دل ذلك على أن هذه الطاعة في غاية الكمال، وذلك لأن الصوم مضاف إلى الله تعالى بلام الاختصاص على ما قال تعالى: {الصوم لي} والحج أيضًا مضاف إلى الله تعالى بلام الإختصاص، على ما قال: {وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة لِلَّهِ} وكما دل النص على مزيد اختصاص لهاتين العبادتين بالله سبحانه وتعالى، فالعقل دل أيضًا على ذلك، أما في حق الصوم فلأنه عبادة لا يطلع العقل ألبتة على وجه الحكمة فيها، وهو مع ذلك شاق على النفس جدًا، فلا جرم لا يؤتى به إلا لمحض مرضاة الله تعالى، والحج أيضًا عبادة لا يطلع العقل ألبتة على وجه الحكمة فيها، وهو مع ذلك شاق جدًا لأنه يوجب مفارقة الأهل والوطن، ويوجب التباعد عن أكثر اللذات، فلا جرم لا يؤتى به إلا لمحض مرضاته، ثم إن هذه الأيام العشرة بعضه واقع في زمان الحج فيكون جمعًا بين شيئين شاقين جدًا، وبعضه واقع بعد الفراغ من الحج وهو انتقال من شاق إلى شاق، ومعلوم أن ذلك سبب لكثرة الثواب وعلو الدرجة فلا جرم أوجب الله تعالى صيام هذه الأيام العشرة، وشهد سبحانه على أنه عبادة في غاية الكمال والعلو، فقال: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فإن التنكير في هذا الموضع يدل على تعظيم الحال، فكأنه قال: عشرة وأية عشرة، عشرة كاملة، فقد ظهر بهذه الوجوه العشرة اشتمال هذه الكلمة على هذه الفوائد النفيسة، وسقط بهذا البيان طعن الملحدين في هذه الآية والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.قال الخازن:

{تلك عشرة كاملة} يعني في الثواب والأجر وقيل كاملة في قيامها مقام الهدي لأنه قد يحتمل أن يظن ظان أن الثلاثة قد قامت مقام الهدي فاعلم الله أن العشرة بكمالها هي القائمة مقام الهدي وقيل فائدة التكرار كقول الفرزدق:
ثلاث واثنتان فهن خمس ** وسادسة تميل إلى سهام

ولأن القرآن أنزل بلغة العرب والعرب تكرر الشيء تريد به التوكيد وقيل فائدة ذلك الفذلكمة في علم الحساب وهو أن يعلم العدد مفصلًا ثم يعلمه جملة ليحتاط به من جهتين فكذلك قوله تعالى: {فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} وقيل إن العرب لما كانوا لا يعلمون الحساب وكانوا يحتاجون إلى زيادة بيان وإيضاح فلذلك قال تلك عشرة كاملة وقيل لفظه خبر ومعناه أمر أي أكملوها ولا تنقصوها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {تلك عشرة كاملة} فذلكة الحساب أي جامعته فالحاسب إذا ذكر عددين فصاعدًا قال عند إرادة جمع الأعداد فذلك أي المعدود كذا فصيغت لهذا القول صيغة نحت مثل بسمل إذا قال باسم الله وحوقل إذا قال لا حول ولا قوة إلاّ بالله فحروف فذلكة متجمعة من حروف فذلك كما قال الأعشى:
ثلاثٌ بالغداة فهُنَّ حَسبي ** وستُّ حين يدْركني العِشاء

فذلك تسعة في اليوم رَيِّي ** وشُرْب المرء فوق الرَّيِّ داء

فلفظ فذلكة كلمة مولدة لم تسمع من كلام العرب غلب إطلاق اسم الفذلكة على خلاصة جمع الأعداد، وإن كان اللفظ المحكي جرى بغير كلمة ذلك كما نقول في قوله: {تلك عشرة كاملة} إنها فذلكة مع كون الواقع في المحكي لفظ تلك لا لفظ ذلك ومثله قول الفرزدق:
ثلاث واثنتان فتلك خمس ** وسادسة تَميل إلى الشِّمام

أي إلى الشم والتقبيل.
وفي وجه الحاجة إلى الفذلكة في الآية وجوه، فقيل هو مجرد توكيد كما تقول كتبت بيدي يعني أنه جاء على طريقة ما وقع في شعر الأعشى أي أنه جاء على أسلوب عربي ولا يفيد إلاّ تقرير الحكم في الذهن مرتين ولذلك قال صاحب الكشاف لما ذكر مثله كقول العرب علمان خير من علم. وعن المبرد أنه تأكيد لدفع توهم أن يكون بقي شيء مما يجب صومه.
وقال الزجاج قد يتوهم متوهم أن المراد التخيير بين صوم ثلاثة أيام في الحج أو سبعة أيام إذا رجع إلى بلده بدلًا من الثلاثة أزيل ذلك بجلية المراد بقوله: {تلك عشرة} وتبعه صاحب الكشاف فقال: الواو قد تجيء للإِباحة في نحو قولك: جالس الحسن وابن سيرين ففذلكت نفيًا لتوهم الإباحة اهـ وهو يريد من الإباحة أنها للتخيير الذي يجوز معه الجمع ولا يتعين.
وفي كلا الكلامين حاجة إلى بيان منشأ توهم معنى التخيير فأقول: إن هذا المعنى وإن كان خلاف الأصل في الواو حتى زعم ابن هشام أن الواو لا ترد له، وأن التخيير يستفاد من صيغة الأمر لا أنه قد يتوهم من حيث إن الله ذكر عددين في حالتين مختلفتين وجعل أقل العددين لأشق الحالتين وأكثرهما لأخفهما، فلا جرم طرأ توهم أن الله أوجب صوم ثلاثة أيام فقط وأن السبعة رخصة لمن أراد التخيير، فبين الله ما يدفع هذا التوهم، بل الإشارة إلى أن مراد الله تعالى إيجاب صوم عشرة أيام، وإنما تفريقها رخصة ورحمة منه سبحانه، فحصلت فائدة التنبيه على الرحمة الإلهية.
ونظيره قوله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشرٍ فتم ميقات ربه أربعين ليلة} [الأعراف: 142] إذ دل على أنه أراد من موسى عليه السلام مناجاة أربعين ليلة ولكنه أبلغها إليه موزعة تيسيرًا.
وقد سئلت عن حكمة كون الأيام عشرة فأجبت بأنه لعله نشأ من جمع سبعة وثلاثة؛ لأنهما عددان مباركان، ولكن فائدة التوزيع ظاهرة، وحكمة كون التوزيع كان إلى عددين متفاوتين لا متساويين ظاهرة؛ لاختلاف حالة الاشتغال بالحج ففيها مشقة، وحالة الاستقرار بالمنزل. وفائدة جعل بعض الصوم في مدة الحج جعل بعض العبادة عند سببها، وفائدة التوزيع إلى ثلاثة وسبعة أن كليهما عدد مبارك ضبطت بمثله الأعمال دينية وقضائية.
وأما قوله: {كاملة} فيفيد التحريض على الإتيان بصيام الأيام كلها لا ينقص منها شيء، مع التنويه بذلك الصوم وأنه طريق كمال لصائمه، فالكمال مستعمل في حقيقته ومجازه. اهـ.

.قال الألوسي:

المراد بالسبعة العدد دون الكثرة فإنها تستعمل بهذين المعنيين، فإن قلت: ما الحكمة في كونها كذلك حتى يحتاج إلى تفريقها المستدعي لما ذكر؟ أجيب بأنها لما كانت بدلًا عن الهدى والبدل يكون في محل المبدل منه غالبًا جعل الثلاثة بدلًا عنه في زمن الحج وزيد عليها السبعة علاوة لتعادله من غير نقص في الثواب لأن الفدية مبنية على التيسير، ولم يجعل السبعة فيه لمشقة الصوم في الحج، وللإشارة إلى هذا التعادل وصفت العشرة بأنها كاملة فكأنه قيل: تلك عشرة كاملة في وقوعها بدلا من الهدى وقيل: إنها صفة مؤكدة تفيد زيادة التوصية بصيامها وأن لا يتهاون بها ولا ينقص من عددها كأنه قيل تلك عشرة كاملة فراعوا كمالها ولا تنقصوها، وقيل: إنها صفة مبينة كمال العشرة فإنها عدد كمل فيه خواص الأعداد، فإن الواحد مبتدأ العدد، والاثنين أول العدد، والثلاثة أول عدد فرد، والأربعة أول عدد مجذور، والخمس أول عدد دائر، والستة أول عدد تام، والسبعة عدد أول، والثمانية أول عدد زوج الزوج، والتسعة أول عدد مثلث، والعشرة نفسها ينتهي إليها العدد فإن كل عدد بعدها مركب منها ومما قبلها قاله بعض المحققين. اهـ.
وقيل: جيء بعشرة توطئةً للخبرِ بعدها، لا أنها هي الخبرُ المستقلُّ بفائدةِ الإِسناد كما تقول: زيدٌ رجل صالح يعني أن المقصودَ الإِخبارُ بالصلاح، وجيء برجلٍ توطئةً، إذ معلومٌ أنه رجل. اهـ.
واعترض ابن الأثير على بعض هذه الوجوه فقال:
قوله تعالى: {تلك عشرة كاملة} بعد ثلاثة وسبعة تنوب مناب قوله ثلاثة وسبعة مرتين لأن عشرة هي ثلاثة وسبعة ثم قال: {كاملة} وذلك توكيد ثالث والمراد به إيجاب صوم الأيام السبعة عند الرجوع في الطريق على الفور لا عند الوصول إلى البلد كما ذهب إليه بعض الفقهاء وبيانه أني أقول إذا صدر الأمر من الآمر على المأمور بلفظ التكرير مجردا من قرينه تخرجه عن وصفه ولم يكن موقتا بوقت معين كان ذلك حثا على المبادرة إلى امتثال الأمر على الفور فإنك إذا قلت لمن تأمره بالقيام قم قم قم فإنما تريد بهذا اللفظ المكرر أن يبادر إلى القيام في تلك الحال الحاضرة فإن قلت الغرض بتكرير الأمر أن يتكرر في نفس المأمور أنه مراد منه وليس الغرض الحث على المبادرة إلى امتثال الأمر قلت في الجواب إن المرة الواحدة كافية في معرفة المأمور أن الذي أمر به مراد منه والزيادة على المرة الواحدة لا تخلو إما أن تكون دالة على ما دلت عليه المرة الواحدة أو دالة على زيادة معنى لم تكن في المرة الواحدة فإن كانت دالة على ما دلت عليه المرة الواحدة كان ذلك تطويلا في الكلام لا حاجة إليه وقد ورد مثله في القرآن الكريم كهذه الآية المشار إليها وغيرها من الآيات والتطويل في الكلام عيب فاحش عند البلغاء والفصحاء والقرآن معجز ببلاغته وفصاحته فكيف يكون فيه تطويل لا حاجة إليه فينبغي أن تكون تلك الزيادة دالة على معنى زائد على ما دلت عليه المرة الواحدة وإذا ثبت هذا فتلك الزيادة هي الحث على المبادرة إلى امتثال الأمر فإن سلمت لي ذلك وإلا فبين معنى تلك الزيادة ببيان غير ما ذكرته أنا ولا أراك تستطيع ذلك فإن قلت إن الواو في قوله تعالى: {وسبعة إذا رجعتم} لولا أن تؤكد بقوله: {تلك عشرة} لظن أنها وردت بمعنى أو أي فثلاثة أيام في الحج أو سبعة إذا رجعتم فلما قيل {تلك عشرة} زال هذا الظن وتحققت الواو أنها عاطفة وليست بمعنى أو قلت في الجواب هذا باطل من أربعة أوجه الوجه الأول أن الواو العاطفة لا تجعل بمعنى أو أين وردت من الكلام وإنما تجعل بمعنى أو حال ضرورة ترجيح جانبها على جانب جعلها عاطفة لأن الأصل فيها أن تكون عاطفة فإذا عدل بها عن أصلها احتاج إلى ترجيح ولا ترجيح هاهنا الوجه الثاني بلاغي وذاك أن القرآن الكريم منتهى البلاغة والفصاحة لمكان إعجازه فلو كان معنى الواو في هذه الآية بمعنى أو لقيل فثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ولم يحتج إلى هذا التطويل في قوله: {فثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} الوجه الثالث أن هذا الصوم حكم من أحكام العبادات والعبادات يجب فيها الاحتياط أن تؤدى على أكمل صورة لئلا يدخلها النقص وإذا كان الأمر على ذلك فكيف يظن أن الواو في هذه الآية بمعنى أو؟ الوجه الرابع أن السبعة ليست مماثلة للثلاثة حتى تجعل في قبالتها لأن معنى الآية إذا كانت الواو فيها بمعنى أو إما أن تصوموا ثلاثة أيام في الحج أو سبعة إذا رجعتم فإن قلت هذا تعبد لا يعقل معناه كغيره من التعبدات التي لا يعقل معناها قلت في الجواب إن لنا من التعبدات ما لا يعقل معناه كعدد ركعات الصلوات وعدد الطواف والسعي وأشباه ذلك ولنا ما يعقل معناه كهذه الآية فإنا نعقل التفاوت بين الصوم في الحضر والسفر ونعقل التفاوت بين العدد الكثير والعدد القليل وعلى هذا فلا يخلو إما أن يكون صوم الأيام السبعة عند الرجوع في الطريق أو عند الوصول إلى البلد فإذا كان في الطريق فإنه أشق من الصوم بمكة لأن الصوم في السفر أشق من الصوم في الحضر فكيف يجعل صوم سبعة أيام في السفر في مقابلة صوم ثلاثة أيام بمكة؟ وإن كان الصوم عند الوصول إلى البلد فلا فرق بين الصوم بمكة والصوم عند الوصول إلى البلد لأن كليهما صوم في المقام ببلد من البلاد لا تفاوت بينهما حتى يجعل الصوم ثلاثة أيام في مقابلة سبعة أيام على غير مثال ولا تساو فعلى كلا التقديرين لا يجوز أن تكون الواو في {وسبعة إذا رجعتم} بمعنى أو فتحقق إذا أنها للعطف خاصةِ وإذا كانت للعطف خاصة فتأكيدها بعشرة كاملة دليل على أن المراد وجود صوم الأيام السبعة في الطريق قبل الوصول إلى البلد. اهـ.