فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال قتادة: برك الماء.
وقيل: بروج الحمام.
وقيل: المنازل.
واتخذ هنا بمعنى عمل، أي ويعملون مصانع، أي تبنون.
وقال لبيد:
وتبقى جبال بعدنا ومصانع

{لعلكم تخلدون}: الظاهر أن لعل على بابها من الرجاء، وكأنه تعليل للبناء والاتخاذ، أي الحامل لكم على ذلك هو الرجاء للخلود ولا خلود.
وفي قراءة عبد الله: كي تخلدون، أو يكون المعنى يشبه حالكم حال من يخلد، فلذلك بنيتم واتخذتم.
قال ابن زيد: معناه الاستفهام على سبيل التوبيخ والهزء بهم، أي هل أنتم تخلدون: وكون لعل للاستفهام مذهب كوفي.
قال ابن عباس: المعنى كأنكم خالدون، وفي حرف أبي: كأنكم تخلدون.
وقرىء: كأنكم خالدون.
وقرأ الجمهور: تخلدون، مبنيًا للفاعل؛ وقتادة: مبنيًا للمفعول.
ويقال: خلد الشيء وأخلده: غيره.
وقرأ أبيّ، وعلقمة، وأبو العالية، مبنيًا للمفعول مشددًا، كما قال الشاعر:
وهل ينعمن إلا سعيد مخلد ** قليل الهموم ما يبيت بأوجال

{وإذا بطشتم}: أي أردتم البطش، وحمل على الإرادة لئلا يتحد الشرط وجوابه، كقوله:
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة

أي متى أردتم بعثها.
قال الحسن: بادروا تعذيب الناس من غير تثبت ولا فكر في العواقب.
وقيل: المعنى أنكم كفار الغضب، لكم السطوات المفرطة والبوادر.
فبناء الأبنية العالية تدل على حب العلو، واتخاذ المصانع رجاء الخلود يدل على البقاء، والجبارية تدل على التفرد بالعلو، وهذه صفات الإلهية، وهي ممتنعة الحصول للعبد.
ودل ذلك على استيلاء حب الدنيا عليهم بحيث خرجوا عن حد العبودية، وحب الدنيا رأس كل خطيئة.
ولما نبههم ووبخهم على أفعالهم القبيحة، أمرهم ثانيًا بتقوى الله وطاعة نبيه.
ثم أمرهم ثالثًا بالتقوى تنبيهًا لهم على إحسانه تعالى إليهم، وسبوغ نعمته عليهم.
وأبرز صلة {الذي} متعلقة بعلمهم، تنبيهًا لهم وتحريضًا على الطاعة والتقوى، إذ شكر المحسن واجب، وطاعته متعينة، ومشيرًا إليهم بأن من أمد بالإحسان هو قادر على سلبه، وعلى تعذيب من لم يتقه، إذ هذا الإمداد ليس من جهتكم، وإنما هو من تفضله تعالى عليكم بحيث أتبعكم إحسانه شيئًا بعد شيء.
ولما أتى بذكر ما أمدهم به مجملًا محالًا على علمهم، أتى به مفصلًا.
فبدأ بالأنعام، وهي التي تحصل بها الرئاسة في الدنيا، والقوة على من عاداهم، والغنى هو السبب في حصول الذرية غالبًا لوجده.
وبحصول القوة أيضًا بالبنين، فلذلك قرنهم بالأنعام، ولأنهم يستعينون بهم في حفظها والقيام عليها.
واتبع ذلك بالبساتين والمياه المطردة، إذ الإمداد بذلك من إتمام النعمة.
{وبأنعام}: ذهب بعض النحويين إلى أنه بدل من قوله: {بما تعلمون}، وأعيد العامل كقوله: {اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم} والأكثرون لا يجعلون مثل هذا بدلًا وإنما هو عندهم من تكرار الجمل، وإن كان المعنى واحدًا، ويسمى التتبيع، وإنما يجوز أن يعاد عندهم العامل إذا كان حرف جر دون ما يتعلق به، نحو: مررت بزيد بأخيك، ثم حذرهم عذاب الله، وأبرز ذلك في صورة الخوف لا على سبيل الجزم، إذ كان راجيًا لإيمانهم، فكان من جوابهم أن قالوا: {سواء علينا} وعظك وعدمه، وجعلوا قوله وعظًا، إذ لم يعتقدوا صحة ما جاء به، وأنه كاذب فيما ادعاه، وقولهم ذلك على سبيل الاستخفاف وعدم المبالاة بما خوفهم به.
وقرأ الجمهور: وعظت، بإظهار الظاء.
وروي عن أبي عمرو، والكسائي، وعاصم: إدغام الظاء في التاء.
وبالإدغام، قرأ ابن محيصن، والأعمش؛ إلا أن الأعمش زاد ضمير المفعول فقرأ: أوعظتنا.
وينبغي أن يكون إخفاء، لأن الظاء مجهورة مطبقة، والتاء مهموسة منفتحة، فالظاء أقوى من التاء، والإدغام إنما يحسن في المتماثلين، أو في المتقاربين، إذا كان الأول أنقص من الثاني.
وأما إدغام الأقوى في الأضعف، فلا يحسن.
على أنه قد جاء من ذلك أشياء في القرآن بنقل الثقات، فوجب قبولها، وإن كان غيرها هو أفصح وأقيس.
وعادل {أوعظت} بقوله: {أم لم تكن من الواعظين}، وإن كان قد يعادله: أم لم تعظ.
كما قال: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا} لأجل الفاصلة، كما عادلت في قوله: {سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون} ولم يأت التركيب أم صمتم، وكثيرًا ما يحسن مع الفواصل ما لا يحسن دونه.
وقال الزمخشري: بينهما فرق، يعني بين ما جاء في الآية وهي: أم لم تعظ، قال: لأن المراد سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلًا من أهله ومباشرته، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظ من قولك: أم لم تعظ.
ولما لم يبالوا بما أمرهم به، وبما ذكرهم من نعم الله وتخويفه الانتقام منهم، أجابوه بأن قالوا: {إن هذا إلا خلق الأولين}.
وقرأ عبد الله، وعلقمة، والحسن، وأبو جعفر، وأبو عمرو، وابن كثير، والكسائي: خلق، بفتح الخاء وسكون اللام، فهو يحتمل أن يكون المعنى: إن هذا الذي تقوله وتدعيه إلا اختلاق الأولين من الكذبة قبلك، فأنت على مناهجهم.
وروى علقمة عن عبد الله: أن هذا إلا اختلاق الأولين.
ويحتمل أن يكون المعنى: ما هي البنية التي نحن عليها إلا البنية التي عليها الأولون، حياة وموت ولا بعث ولا تعذيب.
وقرأ باقي السبعة: خلق، بضمتين؛ وأبو قلابة، والأصمعي عن نافع: بضم الخاء وسكون اللام؛ وتحتمل هذه القراءة ذينك الاحتمالين اللذين في خلق. اهـ.

.قال أبو السعود:

{كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين}.
أُنِّثَ عادٌ باعتبار القبيلةِ وهو اسمُ أبيهم الأقصى.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ} الكلام في أنَّ المرادَ بتكذبيهم وبما وقعَ فيه من الزَّمانِ ماذا كما مرَّ في صدر قصَّة نوحٍ عليه السَّلامُ أي لا تتقون الله تعالى فتفعلون ما تفعلونَ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين} الكلام فيه كالذي مرَّ، وتَصديرُ القصص به للتنبيه على أنَّ مبنى البعثةِ هو الدُّعاءِ إلى معرفةِ الحقِّ والطَّاعةِ فيما يُقرب المدعوَّ إلى الثَّوابِ ويُبعده من العقابِ وأنَّ الأنبياءَ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ مُجمعون على ذلك وإن اختلفُوا في بعض فروع الشَّرائعِ المختلفة باختلاف الأزمنةِ والأعصارِ وأنَّهم متنزِّهون عن المطامعِ الدنيةِ والأعراضِ الدُّنيويةِ بالكُلِّية.
{أَتَبْنُونَ بِكُلّ رِيعٍ} أي مكانٍ مرتفعٍ ومنه رِيعُ الأرض لارتفاعِها {ءايَةً} عَلَمًا للمارة {تَعْبَثُونَ} أي ببنائها إذْ كانُوا يهتدون بالنُّجومِ في أسفارِهم فلا يحتاجُون إليها أو بروج الحمام أو بُنيانًا يجتمعون إليه ليعبثُوا بمن مرَّ عليهم أو قُصورًا عاليةً يفتخرونَ بها.
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} أي مآخذَ الماءِ وقيل: قُصورًا مشيَّدة وحصونًا {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أي راجين أنْ تُخلدوا في الدُّنيا أي عاملين عملَ مَنْ يرجُو ذلك فلذلك تحكمُون بنيانها.
{وَإِذْا بَطَشْتُمْ} بسوطٍ أو سيفٍ {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} متسلِّطين غاشمينَ بلا رأفةٍ ولا قصدِ تأديبٍ ولا نظرٍ في العاقبةِ.
{فاتقوا الله} واتركُوا هذه الأفعالَ {وَأَطِيعُونِ} فميا أدعُوكم إليه فإنَّه أنفعُ لكم.
{واتقوا الذي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} من أنواع النَّعماء وأصنافِ الآلاءِ، أجملَها أوَّلًا ثم فصَّلها بقوله: {أَمَدَّكُمْ بأنعام وَبَنِينَ} بإعادة الفعل لزيادةِ التَّقريرِ فإنَّ التَّفصيلَ بعد الإجمال والتَّفسيرَ إثر الإبهامِ أدخلُ في ذلك.
{وجنات وَعُيُونٍ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ} إنْ لم تقوموا بشكرِ هذهِ النِّعم {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} في الدُّنيا والآخرةِ فإنَّ كُفران النِّعمةِ مستتبعٌ للعذاب كما أنَّ شكرَها مستلزمٌ لزيادتِها قال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ}، {قَالُواْ سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مّنَ الواعظين} فإنَّا لنْ نرعويَ عمَّا نحن عليه، وتغييرُ الشِّقِّ الثِّاني عن مقابله للمبالغة في بيان قلَّةِ اعتدادِهم بوعظه كأنَّهم قالُوا أم لم تكُن من أهلِ الوعظ ومباشريهِ أصلًا.
{إِنَّ هَذَا} ما هذا الذي جئتنا به {إِلاَّ خُلُقُ الأولين} أي عاداتُهم كانوا يلفِّقون مثلَه ويسطرونَه أو ما هذا الذي نحنُ عليه من الدِّين إلَّا خُلُق الأولين وعادتهم ونحن بهم مقتدون أو ما هذا الذي نحن عليه من الموتِ والحياةِ إلا عادةٌ قديمةٌ لم يزل النَّاسُ عليها. وقرئ خَلْق الأوَّلين بفتح الخاء أي اختلافُ الأولَّينَ كما قالوا أساطيرُ الأوَّلينَ أو ما خلقُنا هذا إلا خلقُهم نحيا كما حيُوا ونموت كما ماتُوا ولا بعثَ ولا حسابَ.
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} على ما نحنُ عليه من الأعمالِ.
{فَكَذَّبُوهُ} أي أصرُّوا على ذلك {فأهلكناهم} بسببه بريحٍ صرصرٍ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}. اهـ.

.قال الألوسي:

{كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين}.
تأنيث الفعل هنا باعتبار أن المراد بعاد القبيلة وهو اسم أبيهم الأقصى، وكثيرًا ما يعبر عن القبيلة إذا كانت عظيمة بالأب وقد يعبر عنها ببني أو بآل مضافًا إليه فيقال: بنو فلان أو آل فلان، وكذا الكلام في قوله سبحانه: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين} وحكاية الأمر بالتقوى والإطاعة ونفي سؤال الأجر في القصص الخمس وتصديرها بذلك للتنبيه على أن مبني البعثة هو الدعاء إلى معرفة الحق والطاعة فيما يقرب المدعو إلى الثواب ويبعده من العقاب وأن الأنبياء عليهم السلام مجتمعون على ذلك وإن اختلفوا في بعض فروع الشرائع المختلفة باختلاف الأزمنة والأعصار وإنهم عليهم السلام منزهون عن المطامع الدنيوية بالكلية ولعله لم يسلك هذا المسلك في قصتي موسى وإبراهيم عليهما السلام تفننًا مع ذكر ما يشعر بذلك، وقيل: إن ما ذكر ثمة أهم وكانت منازل عاد بين عمان وحضرموت وكانت أخصب البلاد وأعمرها فجعلها الله تعالى مفاوز ورمالًا، ويشير إلى عمارتها قوله تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلّ رِيعٍ} أي طريق كما روي عن ابن عباس وقتادة وأخرج ابن جرير وجماعة عن مجاهد أن الريع الفج بين الجبلين.
وعن أبي صخر أنه الجبل والمكان المرتفع عن الأرض وعن عطاء أنه عين الماء.
والأكثرون على أنه المكان المرتفع وهو رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ومنه ريع النبات وهو ارتفاعه بالزيادة والنماء.
وقرأ ابن أبي عبلة {رِيعٍ} بفتح الراء {ءايَةً} أي علمًا كما روي عن الحبر رضي الله تعالى عنه، وقيل: قصرًا عاليًا مشيدًا كأنه علم وإليه ذهب النقاش وغيره واستظهره ابن المنير؛ ويمكن حمل ما روي عن الحبر عليه وحينئذٍ فقوله تعالى: {تَعْبَثُونَ} على معنى تعبثون ببنائها لما أنهم لم يكونوا محتاجين إليها وإنما بنوها للفخر بها.
والعبث ما لا فائدة فيه حقيقة أو حكمًا، وقد ذم رفع البناء لغير غرض شرعي في شريعتنا أيضًا، وقيل: إن عبثهم في ذلك من حيث أنهم بنوها ليهتدوا بها في أسفارهم والنجوم تغني عنها.
واعترض بأن الحاجة تدعو لذلك لغيم مطبق أو ما يجري مجراه.
وأجيب بأن الغيم نادر لاسيما في ديار العرب مع أنه لو احتيج إليها لم يحتج إلى أن تجعل في كل ريع فيكون بناؤها كذلك عبثًا.