فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160)}.
قال النقاش إن في مصحف ابن مسعود وأبي وحفصة {إذ قال لهم لوط} وسقط أخوهم واختصرت الياء في الخط واللفظ من قوله: {وأطيعون} مراعاة لرءوس الآي أن تتناسب، ثم وقفهم على معصيتهم البشعة في إتيان {الذكران} وترك فروج الأزواج والمعنى ويذر ذلك العاصي في حين معصيته لا أن معناه تركوا النساء جملة، وفي قراءة ابن مسعود {ما أصلح لكم ربكم} و{عادون}، معناه ظالمون مرتكبون للحظر. فتوعدون بالإخراج من أرضه وداره فلا يتهم عند ذلك واقتصر على الإخبار بأنه قال لعملهم، والقلى بغض الشيء وتركه، ثم دعا في النجاة فنجاه الله بأن أمره بالرحلة ليلًا، وكانت امرأته كافرة تعين عليه قومه فأصابها حجر فهلكت فيمن هلك، وقوله: {في الغابرين} معناه في الباقين، فإما أن يريد في الباقين من لداتها وأهل سنها وهذا تأويل أبي عبيدة، وإما أن يريد في الباقين في العذاب النازل بهم غابر وهذا تأويل قتادة، والمشهور في غبرانها بمعنى بقي، وغابر الزمان مستقبله، ولكن الأعشى قد استعمل غابر الزمان بمعنى ماضيه في شعر المنافرة المشهور، وقال الزهراوي يقال للذاهب غابر واللباقي غابر، والتدمير الإهلاك بإمطار الحجارة وبذلك جرت السنين في رجم اللوطي وباقي الآية بين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أتأتون الذُّكْران} وهو جمع ذَكَر {مِنَ العالَمِينَ} أي: من بني آدم، {وتَذَرونَ ما خَلَقَ لكم ربُّكم مِنْ أزواجكم} قال الزجاج: وقرأ ابن مسعود: {ما أَصلح لكم ربُّكم من أزواجكم} يعني به الفروج.
وقال مجاهد: تركتم أقبال النساء إِلى أدبار الرجال.
قوله تعالى: {بل أنتم قوم عادُون} أي: ظالمون معتدون {قالوا لئن لم تَنْته يالوط} أي: لئن لم تسكت عن نهينا {لتكونَنَّ مِنَ المُخْرَجِين} من بلدنا.
{قال إِنِّي لعملكم} يعني: إِتيان الرجال {من القالِين} قال ابن قتيبة: أي من المُبْغِضِين، يقال: قَلَيْتُ الرجلَ: إِذا أبغضتَه.
قوله تعالى: {ربِّ نجِّني وأهلي مما يعملون} أي: من عقوبة عملهم، {فنجَّيناه وأهلَه} وقد ذكرناهم في [هود: 80]، {إِلا عجوزًا} يعني: امرأته {في الغابرِين} أي: الباقين في العذاب.
{ثم دمَّرْنا الآخَرِين} أهلكناهم بالخَسْف والحَصْب، وهو قوله: {وأَمْطَرْنا عليهم مطرًا} يعني الحجارة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين} مضى معناه وقصته في الأعراف وهود مستوفى والحمد لله.
قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين} كانوا ينكحونهم في أدبارهم وكانوا يفعلون ذلك بالغرباء على ما تقدّم في الأعراف.
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ} يعني فروج النساء فإن الله خلقها للنكاح.
قال إبراهيم بن مهاجر: قال لي مجاهد كيف يقرأ عبد الله {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ} قلت: {وتذرون ما أصلح لكم ربكم من أزواجِكم} قال: الفرج؛ كما قال: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله} [البقرة: 222].
{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} أي متجاوزون لحدود الله.
{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط} عن قولك هذا.
{لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} أي من بلدنا وقريتنا.
{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ} يعني اللواط {مِّنَ القالين} أي المبغضين والقلي البغض؛ قليته أقلِيه قِلىً وقَلاء.
قال:
فلستُ بمقلِّي الخِلالِ ولا قَالِي

وقال آخر:
عليك السلامُ لا مُلِلتِ قرِيبةً ** ومَالَكِ عندي إن نأيتِ قَلاَءُ

{رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} أي من عذاب عملهم.
دعا الله لما أيس من إيمانهم ألا يصيبه من عذابهم.
قال تعالى: {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} ولم يكن إلا ابنتاه على ما تقدّم في هود.
{إِلاَّ عَجُوزًا فِي الغابرين} روى سعيد عن قتادة قال: غبرت في عذاب الله عز وجل أي بقيت.
وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من الباقين في الهَرَم أي بقيت حتى هَرِمت.
قال النحاس: يقال للذاهب غابر والباقي غابر كما قال:
لا تَكْسَعِ الشَّوَل بأَغْبَارِهَا ** إنّكَ لا تَدْرِي مَنِ النَّاتِجُ

وكما قال:
فما وَنَى محمدٌ مذ انْ غَفَرْ ** له الإلهُ ما مَضَى وما غَبَرْ

أي ما بقي.
والأغبار بقيات الألبان.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين} أي أهلكناهم بالخسف والحصب؛ قال مقاتل: خسف الله بقوم لوط وأرسل الحجارة على من كان خارجًا من القرية.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا} يعني الحجارة {فَسَاءَ مَطَرُ المنذرين}.
وقيل: إن جبريل خسف بقريتهم وجعل عاليها سافلها، ثم أتبعها الله بالحجارة.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} لم يكن فيها مؤمن إلا بيت لوط وابنتاه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160)}.
{أتأتون}: استفهام إنكار وتقريع وتوبيخ؛ {والذكران}: جمع ذكر، مقابل الأنثى.
والإتيان: كناية عن وطء الرجال، وقد سماه تعالى بالفاحشة فقال: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} هو مخصوص بذكران بني آدم.
وقيل: مخصوص بالغرباء.
{وتذرون ما خلق}: ظاهر في كونهم لا يأتون النساء، إما البتة، وإما غلبة.
{ما خلق لكم ربكم}: يدل على الإباحة بشرطها.
{من أزواجكم}: أي من الإناث.
ومن إما للتبيين لقوله: {ما خلق}، وإما للتبعيض: أي العضو المخلوق للوطء، وهو الفرج، وهو على حذف مضاف، أي وتذرون إتيان.
فإن كان ما خلق لا يراد به العضو، فلابد من تقدير مضاف آخر، أي وتذرون إتيان فروج ما خلق.
{بل أنتم قوم عادون}: أي متجاوزون الحد في الظلم، وهو إضراب بمعنى الانتقال من شيء إلى شيء، لا أنه إبطال لما سبق من الإنكار عليهم وتقبيح أفعالهم واعتداؤهم؛ إما في المعاصي التي هذه المعصية من جملتها، أو من حيث ارتكاب هذه الفعلة الشنيعة.
وجاء تصدير الجملة بضمير الخطاب تعظيمًا لقبح فعلهم وتنبيهًا على أنهم هم مختصون بذلك، كما تقول: أنت فعلت كذا، أي لا غيرك.
ولما نهاهم عن هذا الفعل القبيح توعدوه بالإخراج، وهو النفي من بلده الذي نشأ فيه، أي: {لئن لم تنته} عن دعواك النبوة، وعن الإنكار علينا فيما نأتيه من الذكران، لننفينك كما نفينا من نهانا قبلك.
ودل قوله: {من المخرجين} على أنه سبق من نهاهم عن ذلك، فنفوه بسبب النهي، أو من المخرجين بسبب غير هذا السبب، كأنه من خالفهم في شيء نفوه، سواء كان الخلاف في هذا الفعل الخاص، أم في غيره.
{قال إني لعملكم}: أي للفاحشة التي أنتم تعملونها.
ولعملكم يتعلق إما بالقالين، وإن كان فيه أل، لأنه يسوغ في المجرورات والظروف ما لا يسوغ في غيرها، لاتساع العرب في تقديمها، حيث لا يتقدم غيرها؛ وإما بمحذوف دل عليه القالين تقديره: إني قال لعملكم؛ وإما أن تكون للتبيين، أي لعملكم، أعني من القالين.
وكونه بعض القالين يدل على أنه يبغض هذا الفعل ناس غيره هو بعضهم، ونبه ذلك على أن هذا الفعل موجب للبغض حتى يبغضه الناس.
ومن القالين أبلغ من قال لما ذكرنا من أن الناس يبغضونه، ولتضمنه أنه معدود ممن يبغضه.
ألا ترى إن قولك: زيد من العلماء، أبلغ من: زيد عالم، لأن في ذلك شهادة بأنه معدود في زمرتهم.
وقال أبو عبد الله الرازي: القلى: البغض الشديد، كأنه بغض فقلي الفؤاد والكبد. انتهى.
ولا يكون قلى بمعنى أبغض.
وقلا من الطبخ؛ والشيء من مادّة واحدة لاختلاف التركيب.
فمادة قلا من الشيّ من ذوات الواو، وتقول: قلوت اللحم فهو مقلو.
ومادّة قلى من البغض من ذوات الياء، قليت الرجل، فهو مقلي.
قال الشاعر:
ولست بمقلي الخلال ولا قال

ولما توعدوه بالإخراج، أخبرهم ببغض عملهم، ثم دعا ربه فقال: {رب نجني وأهلي مما يعملون}: أي من عقوبة ما يعملون من المعاصي.
ويحتمل أن يكون دعاء لأهله بالعصمة من أن يقع واحد منهم في مثل فعل قومه.
ودل دعاؤه بالتنجية لأهله على أنهم كانوا مؤمنين.
ولما كانت زوجته مندرجة في الأهل، وكان ظاهر دعائه دخولها في التنجية، وكانت كافرة استثنيت في قوله: {فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزًا في الغابرين}، ودل قوله: {عجوزًا} على أنها قد عسيت في الكفر ودامت فيه إلى أن صارت عجوزًا.
ومن الغابرين صفة، أي من الباقين من لداتها وأهل بيتها، قاله أبو عبيدة.
وقال قتادة: من الباقين في العذاب النازل بهم.
وتقدّم القول في غبر، وأنه يستعمل بمعنى بقي، وهو المشهور، وبمعنى مضى.
ونجاته عليه السلام أن أمره تعالى بالرّحلة ليلًا، وكانت امرأته كافرة تعين عليه قومه، فأصابها حجر، فهلكت فيمن هلك.
قال قتادة: أمطر الله على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكهم.
وقال قتادة: أتبع الائتفاك مطرًا من الحجارة.
وساء: بمعنى بئس، والمخصوص بالذم محذوف، أي مطرهم.
وقال مقاتل: خسف الله بقوم لوط، وأرسل الحجارة إلى من كان خارجًا من القربة، ولم يكن فيها مؤمن إلا بيت لوط. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين} أي أتأتون من بينِ منَ عداكم من العالمين الذاكرانَ لا يشارككم فيه غيرُكم أو أتأتون الذكران من أولادِ آدمَ مع كثرتِهم وغلبة النَّساءِ فيهم مع كونهنَّ أليقَ بالاستمتاعِ. فالمرادُ بالعالمين على الأوَّل كلُّ ما يُنكح من الحيوانِ وعلى الثَّاني الناسُ {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ} لأجل استمتاعِكم، وكلمة مِن في قوله تعالى: {مّنْ أزواجكم} للبيان إنْ أُريد بها جنسُ الإناثِ وهو الظَّاهرُ وللتبعيضِ إنْ أُريد بها العُضو المباحُ منهنَّ تعريضًا بأنَّهم كانُوا يفعلون ذلك بنسائِهم أيضًا {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} متعدُّون متجاوزونَ الحدَّ في جميعِ المعاصي وهذا من جُملتها وقيل متجاوزونَ عن حدِّ الشَّهوةِ حيث زادُوا على سائرِ النَّاسِ بل الحيواناتِ.
{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط} أي عن تقبيح أمرِنا أو نهينا عنه أو عن دَعْوى النُّبوة التي من جُملةِ أحكامِها التَّعرضُ لنا {لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} أي من المنفيينَ من قريتنا وكأنَّهم كانوا يخرجون منَ أخرجوه من بينهم على عنفٍ وسوءِ حالٍ.
{قَالَ إِنّى لِعَمَلِكُمْ مّنَ القالين} أي من المُبغضين غايةَ البغضِ كأنه يقْلى الفؤادَ والكبدَ لشدَّتِه وهو أبلغُ من أنْ يُقال إنِّي لعملِكم قالٍ لدلالتِه على أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من زُمرةِ الرَّاسخين في بغضِه المشهورينَ في قِلاه، ولعلَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أراد إظهارَ الكراهة في مُساكنتِهم والرَّغبةِ في الخلاصِ من سوءِ جوارهم ولذلك أعرضَ عن محاورتِهم وتوجَّه إلى الله تعالى قائلًا {رَبّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ} أي من شؤمِ عملهم وغائلتِه.
{فنجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} أي أهلَ بيتهِ ومَن اتبعه في الدِّين بإخراجِهم من بينهم عند مشارفةِ حُلولِ العذابِ بهم.
{إِلاَّ عَجُوزًا} هي امرأةُ لوطٍ استُثنيث من أهله فلا يضرُّه كونُها كافرةً لأنَّ لها شركةً في الأهلية بحقِّ الزَّواجِ {فِى الغابرين} أي مقدَّر كونُها من الباقين في العذابِ لأنَّها كانت مائلةً إلى القوم راضيةً بفعلهم وقد أصابها الحجرُ في الطَّريقِ فأهلكها كما مرَّ في سُورة الحجرِ وسُورة هودٍ، وقيل: كانت فيمن بقيَ في القريةِ ولم تخرجْ مع لوطٍ عليه السلام.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين} أهلكناهم أشدَّ إهلاكٍ وأفظَعه.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} أي مطرًا غيرَ معهودٍ قيل: أمطر الله تعالى على شُذّاذ القوم حجارةً فأهلكتهم {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} اللام فيه للجنسِ وبه يتسنَّى وقوعُ المضاف إليه فاعلَ ساءَ والمخصوص بالذمِّ محذوفٌ وهو مطرهم. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}. اهـ.