فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ}.
وكانوا من أصهاره عليه السلام.
{أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين} إنكار وتوبيخ والاتيان كناية عن الوطء.
و{الذكران} جمع ذكر مقابل الأنثى والظاهر أن {مّن العالمين} متصل به أي أتأتون الذكران من أولاد بني آدم على فرط كثرتهم وتفاوت أجناسهم وغلبة إناثهم على ذكرانهم كأن الإناث قد أعوزتكم فالمراد بالعالمين الناس لأن المأتى الذكور منهم خاصة والقرينة إيقاع الفعل والجمع بالواو والنون من غير نظر إلى تغليب وأما خروج الملك والجن فمن الضرورة العقلية ويجوز أن يكون متصلًا بتأتون أي أتأتون من بين من عداكم من العالمين الذكر أن لا يشارككم غبه غيركم فالمراد بالعالمين كل من يتأتى منه الإتيان والعالم على هذا ما يعلم به الخالق سبحانه والجمع للغليب وخروج غيره لما مر ولا يضر كون الحمار والخنزير يأتيان الذكور في أمر الاختصاص للندرة أو لاسقاطهما عن حيز الاعتبار، وجوز أن يراد بالعالمين على الوجه الثاني الناس أيضًا، وإذا قيل بشمولهم لمن تقدم من العالمين تفيد الآية أنهم أول من سن هذه السنة السيئة كما يفصح عنه قوله تعالى: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن العالمين} [الأعراف: 80].
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ} لأجل استمتاعكم، وكلمة {مِنْ} في قوله تعالى: {مّنْ أزواجكم} للبيان إن أريد بما جنس الإناث، ولعل في الكلام حينئذ مضافين محذوفين أي وتذرون إتيان فروج ما خلق لكم أو للتبعيض إن أريد بما العضو المباح من الأزواج.
ويؤيده قراءة ابن مسعود {مَا إصلاح لَكُمْ رَبُّكُمْ مّنْ أزواجكم} وحينئذ يكتفي بتقدير مضاف واحد أي وتذرون اتيان ما خلق.
ويكون في الكلام على ما قيل تعريض بأنهم كانوا يأتون نساءهم أيضًا في محاشهن ولم يصرح بإنكاره كما صرح بإنكار إتيان الذكران لأنه دونه في الإثم وهو على المشهور عند أهل السنة حرام بل كبيرة.
وقيل: هو مباح، وقد تقدم الكلام في ذلك مبسوطًا عند الكلام في قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223] وقيل: ليس في الكلام مضاف محذوف أصلًا، والمراد ذمهم بترك ما خلق لهم وعدم الالتفات إليه بوجه من الوجوه فضلًا عن الإتيان، وأنت تعلم أن المعنى ظاهر على التقدير، وقوله تعالى: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} اضراب انتقالي والعادي المتعدى في جميع المعاصي وهذا من جملتها أو متجاوزون عن حد الشهوة حيث زدتم على سائر الناس بل أكثر الحيوانات.
وقيل: متجاوزون الحد في الظلم حيث ظلمتم باتيان ما لم يخلق للاتيان وترك اتيان ما خلق له، وفي البحر أن تصدير الجملة بضمير الخطاب تعظيمًا لفعلهم وتنبيهًا على أنهم محتصون بذلك كأنه قيل: بل أنتم قوم عادون لا غيركم.
{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يا لوط لُوطٍ} عن توبيخنا وتقبيح أمرنا أو عما أنت عليه من دعوى الرسالة ودعوتنا إلى الإيمان وإنكار ما أنكرته من أمرنا {لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} أي من المنفيين من قريتنا المعهودين، وكأنهم كانوا يخرجون من غضبوا عليه بسبب من الأسباب، وقيل: بسبب إنكار تلك الفاحشة من بينهم على عنف وسوء حال، ولهذا هددوه عليه السلام بذلك، وعدلوا عن لنخرجنك الأخصر إلى ما ذكر؛ ولا يخفى ما في الكلام من التأكيد.
{قَالَ إِنّى لِعَمَلِكُمْ مّنَ القالين} أي من المبغضين غاية البغض، قال الراغب: يقال قلاه ويقليه فمن جعله من الواو فهو من القلو أي الرمى من قولهم: قلت الناقة براكبها قلوا وقلوت بالقلة إذا رميتها فكأن المقلو يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله.
ومن جعله من الياء فهو من قليت السويق على المقلاة فكأن شدة البغض تقلى الفؤاد والكبد وتشويهما، فقول أبي حيان: أن قلى بمعنى أبغض يائي، والذي بمعنى طبح وسوى واوى ناش من قلة الاطلاع، والعدول عن قالى إلى ما في النظم الجليل لأنه أبلغ فإنه إذا قيل: قالي لم يفد أكثر من تلبسه بالفعل بخلاف قوله: {مّنَ القالين} إذ يفيد أنه مع تلبسه من قوم عرفوا واشتهروا به فيكون راسخ القدم عريق العرف فيه، وقد صرح بذلك ابن جنى وغيره، واللام في {لعملكم} قيل للتبيين كما في سقيالك فهو متعلق بمحذوف أعني أعني، وقيل: هي للتقوية ومتعلقها عند من يرى تعلق حرف التقوية محذوف أي إني من القالين لعملكم من القالين.
وقيل: هي متعلقة بالقالين المذكور ويتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها فتقدم حيث لا يقدم غيرها، والمراد بعملهم إما ما أنكره عليه السلام عليهم من اتيان الذكرتن وترك ما خلق ربهم سبحانه لهم وإما ما يشمل ذلك وسائر ما نهاهم عنه وأمرهم بضده من الأعمال القلبية والقالبية، وقابل عليه السلام تهديدهم ذلك بما ذكر تنبيهًا على عدم الاكتراث به وأنه راغب في الخلاص من سوء جوارهم لشدة بغضه لعملهم ولذلك أعرض عن محاورتهم وتوجه إلى الله تعالى قائلًا: {رَبّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ} أي من شؤم عملهم أو الذي يعملونه وعذابه الدنيوي.
وقيل: يحتمل أن يكون دعاء بالنجاة من التلبس بمثل عملهم وهو بالنسبة إلى الأهل دونه عليه السلام إذ لا يخشى تلبسه بذلك لمكان العصمة.
واعتراض بأن العذاب كذلك إذ لا يعذب من لم يجن وفيه منع ظاهر.
كيف وقد قال سبحانه: {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25].
وقيل: قد يدعو المعصوم بالحفظ عن الوقوع فيما عصم عنه كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {واجنبنى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاصنام} [إبراهيم: 35] وهو مسلم إلا أن الظاهر أن المراد النجاة مما ينالهم بسبب عملهم من العذاب الدنيوي.
ويؤيده ظاهر قوله تعالى: {فنجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عَجُوزًا في الغابرين}.
والظاهر أن المراد بأهل بيته.
وجوز أن يكون المراد بهم من تبع دينه مجازًا فيشمل أهل بيته المؤمنين وسائر من آمن به.
وقيل: لا حاجة إلى هذا التعميم إذ لم يؤمن به عليه السلام إلا أهل بيته.
والمراد بهذه العجوز امرأته عليه السلام وكانت كافرة مائلة إلى القوم راضية بفعلهم.
والتعبير عنها بالعجوز للإيماء إلى أنه مما لا يشق أمر هلاكها على لوط عليه السلام وسائر أهله بمقتضى الطبيعة البشرية.
وقيل: للإيماء إلى أنها قد عسيت في الكفر ودامت فيه إلى أن صارت عجوزًا، والغابر الباقي بعد مضي من معه.
وأنشد ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيذلك قول عبيد بن الأبرص:
ذهبوا وخلفني المخلف فيهم ** فكأنني في الغابرين غريب

والمراد فنجيناه وأهله من العذاب بإخراجهم من بينهم ليلًا عند مشارفة حلوله بهم إلا عجوزًا مقدرة في الباقين في العذاب بعد سلامة من خرج.
وإنما اعتبر البقاء في العذاب دون البقاء في الدار لما روي أنها خرجت مع لوط عليه السلام فأصابها حجر في الطريق فهلكت، وقيل: المراد من الباقين في الدار بناء على أنها لهلاكها كأنها ممن بقي فيها أو أنها خرجت ثم رجعت فهلكت كما في بعض الروايات أو أنها لم تخرج مع لوط عليه السلام أصلًا كما في البعض الآخر منها.
وقيل: الغابر طويل العمر وكأنه إنما أطلق عليه ذلك لبقائه مع مضي من كان معه والمراد وصف العجوز بأنها طاعنة في السن.
وقرأ عبد الله كما روي عنه مجاهد: {وواعدنا أن نؤتيه أهله أجمعين إلا عجوزًا في الغابرين}.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172)}: أهلكناهم أشدا هلاك وأفظعه وكان ذلك الائتفاك.
والظاهر العطف على {نَجَّيْنَا} [الشعراء: 170] والتدمير متراخ عن التنجية من مطلق العذاب فلا حاجة إلى القول بأن المراد أردنا تنجيته أو حكمنا بها أو معنى {فنجيناه} فاستجبنا دعاءه في تنجيته وكل ذلك خلاف الظاهر.
وجوز الطيبي كون {ثُمَّ} للتراخي في الرتبة.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173)}.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} أي نوعا من المطر غير معهود فقد كان حجارة من سجيل كما صرح به في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ} [هود: 82] وجمع الأمران لهم زيادة في اهانتهم.
وقيل: كان الائتفاك لطائفة والأمطار لأخرى منهم.
وكانت هذه على ما روي عن مقاتل للذين كانوا خارجين من القرية لبعض حوائجهم ولعله مراد قتادة بالشذاذ فيما روي عنه {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} اللام فيه للجنس وبه يتسنى وقوع المضاف إليه فاعل ساء بناء على أنها بمعنى بئس.
والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم وإذا لم تكن ساء كذلك جاز كونها للعهد. اهـ.

.قال القاسمي:

{فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزًا} وهي امرأته. كما بينت في آيات: {فِي الْغَابِرِينَ} أي: مقدّرًا كونها من الباقين في العذاب. لأنها كانت راضية بعمل قومها.
لطيفة:
قال الناصر في الانتصاف: كثيرًا ما ورد في القرآن، خصوصًا في هذه السورة، العدول عن التعبير بالفعل إلى التعبير بالصفة المشتقة. ثم جعل الموصوف بها واحدًا من جمعٍ. كقول فرعون: {لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} (29)، وقولهم: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} (136)، وقولهم: {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} (116)، وقوله: {إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} (168)، وقوله تعالى في غيرها: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: 87]، وكذلك: {ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 86] وأمثاله كثيرة والسر في ذلك، والله أعلم، أن التعبير بالفعل، إنما يفهم وقوعه خاصة. وأما التعبير بالصفة، ثم جعل الموصوف بها واحدًا من جمع، فإنه يُفهم أمرًا زائدًا على وقوعه. وهو أن الصفة المذكورة، كالسمة للموصوف ثابتة العلوق به. كأنها لقب. وكأنه من طائفة صارت كالنوع المخصوص المشهور ببعض السمات الرديئة. واعتبر ذلك لو قلت: رضوا بأن يتخلفوا، لما كان في ذلك مزيد على الإخبار بوقوع التخلف منهم لا غير. وانظر إلى المساق وهو قوله: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} كيف ألحقهم لقبًا رديئًا، وصيرهم من نوع رذل مشهور بسمة التخلف، حتى صارت لقبًا لاحقًا به. وهذا الجواب عام في جميع ما يرد عليك من أمثال ذلك. فتأمله واقدره قدره: {ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ} أي: أهلكناهم أشد إهلاك وأفظعه.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} أي: عظيمًا غير معهود، هلكوا به: {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} وهم أهل مدين. ووهمَ من زعم أنهما أمتان أرسل إليهما شعيب عليه السلام: فإنهم أمة واحدة كانوا يقطنون مدين أضيفوا إليها تارة وأخرى إلى ما حوتها من الأيكة، وهي الأشجار الكثيرة الملتفة المجتمعة في مكان واحد.
قال الحافظ ابن كثير: والصحيح أنهم أمة واحدة. وصفوا في كل مقام بشيء. ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان، كما في قصة مدين سواء بسواء. فدل ذلك على أنهما أمة واحدة. اهـ.