فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يقال: غبر الشيء إذا مضى، وغبر الشيء إذا بقي: وقال بعض أهل اللغة: القالي التارك للشيء، الكاره له غاية الكراهية {ثُمَّ دَمَّرْنَا الاخرين} يعني: أهلكنا الباقين {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} يعني: الحجارة {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} يعني: بئس مطر من أنذر، فلم يؤمن {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً} يعني: لعبرة لمن عمل الفواحش، أي وارتكب الحرام {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم} يعني: المنيع بالنقمة لمن ارتكب الفواحش، وعمل الحرام رحيم لمن تاب، وقد ذكرناه.
قوله عز وجل: {كَذَّبَ أصحاب لْئَيْكَةِ} قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي {لْئَيْكَةِ} بكسر الهاء والألف، والباقون {ليكة} بغير ألف ونصب الهاء اسم بلد، ولا ينصرف.
من قرأ الأيكة فلأنها عرفت بالألف واللام، فيصير خفضًا بالإضافة في الشاذ ليكة بكسر الهاء بغير ألف، لأن الأصحاب مضاف إلى ليكة، فصار اسمًا واحدًا.
ويقال: الأيكة هي الشجرة الملتفة يقال: أيك وأيكة، مثل أجم وأجمة، ويقال: شجرة الدوم، وهو شجر المقل.
ثم قال عز وجل: {المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} ولم يقل أخوهم قال بعضهم: كان شعيب بعث إلى قومين أحدهما مدين، وكان شعيب منهم، فسماه أخاهم حيث قال: {وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يا قوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان إنى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وإنى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} [هود: 84]، والآخر أصحاب الأيكة، ولم يكن شعيب عليه السلام منهم، فلم يقل أخوهم وقال بعضهم: كان مدين، والأيكة واحدًا، وهو الغيضة بقرب مدين، فذكره في موضع أخوهم، ولم يذكره في الآخر.
ثم قال: {أَلاَ تَتَّقُونَ} يعني: ألا تخافون الله تعالى فتوحدوه {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين} وقد ذكرناه.
ثم قال عز وجل: {أَوْفُواْ الكيل وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين} يعني: من الناقصين في الكيل والوزن، وفي هذا دليل على أنه أراد بهذا أهل مدين، لأنه ذكر في تلك الآية {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا وَلَوْ كَانَ ذَا قربى وَبِعَهْدِ الله أَوْفُواْ ذلكم وصاكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152] كما ذكرها هنا ثم قال: {وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم} يعني: بميزان العدل بلغة الروم.
ويقال: هو القبان {وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءهُمْ} يعني: لا تنقصوا الناس حقوقهم قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص {بالقسطاس} بكسر القاف، والباقون بالضم، وهما لغتان.
ثم قال: {وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرض مُفْسِدِينَ} يعني: لا تسعوا فيها بالمعاصي.
يقال: عثى يعثو وعاث يعيث، وعثى يعثي إذا ظهر الفساد.
ثم قال عز وجل: {واتقوا الذي خَلَقَكُمْ والجبلة الاولين} يعني: الخليقة الأولى {قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} وقد ذكرنا {وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين} يعني: ما نظنك إلا من الكاذبين {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مّنَ السماء} أي جانبًا من السماء، وقرئ {كِسَفًا} بنصب السين، أي قطعًا، وهو جمع كسفة {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين قَالَ} لهم شعيب عليه السلام: {رَبّى أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من نقصان الكيل {فَكَذَّبُوهُ} في العذاب {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} لأنه أصابهم حر شديد، فخرجوا إلى غيضة، فاستظلوا بها، فأرسل عليهم نارًا، فأحرقت الغيضة، فاحترقوا كلهم {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} صار العذاب نصبًا، لأنه خبر كان {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً} يعني: لعبرة لمن نقص في الكيل والوزن {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ} يعني: قوم شعيب {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} بالنقمة لمن نقص الكيل والوزن {الرحيم} لمن تاب ورجع. اهـ.

.قال الثعلبي:

{كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}.
على الرسالة، وقال الكلبي: أمين فيكم قبل الرسالة فكيف تتّهموني اليوم؟ {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ}.
قال الوالبي عن ابن عباس: بكل شرف.
قتادة والضحّاك ومقاتل والكلبي: طريق، هي رواية العوفي عن ابن عباس.
ابن جريج عن مجاهد: هو الفجّ بين الجبلين.
ابن أبي نجيح عنه: هو الثقبة الصغيرة وعنه أيضًا عكرمة: واد.
مقاتل بن سليمان: كانوا يسافرون ولا يهتدون إلاّ بالنجوم فبنوا على الطرق أميالًا طوالًا عبثًا ليهتدوا بها، يدلّ عليه قوله: {آيَةً} أي علامة.
وروي عن مجاهد أيضًا قال: الريع بنيان الحمام، دليلهُ وقوله: {تَعْبَثُونَ} أي تلعبون، أبو عبيد: هو المكان المرتفع، وأنشد لذي الرمّة:
طراق الخوافي مشرف فوق ريعه ** ندى ليلة في ريشه يترقرق

وفيه لغتان رِيع ورَيع بكسر الراء وفتحها وجمعهُ أرياع وريعه.
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ}.
قال ابن عباس ومجاهد: قصور مشيّدة معمر عنه: الحصون.
ابن أبي نجيح عنه: بروج الحمام، قتادة: مآخذ للماء، الكلبي: منازل، عبد الرزاق: المصانع عندنا بلغة اليمن: القصور العاديّة واحدتها مصنع.
{لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} قال ابن عباس وقتادة: يعني كأنكّم تبقون فيها خالدين، ابن زيد: لعلّ استفهام، يعني فهل تخلدون حين تبنون هذه الأشياء؟ الفرّاء: كيما تخلدون.
{وَإِذَا بَطَشْتُمْ} أي سطوتم وأخذتم {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} قتّالين من غير حقّ.
قال مجاهد: قتلًا بالسيف وضربًا بالسوط، والجبّار: الذي يقتل ويضرب على الغضب.
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ واتقوا الذي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ}.
ثمَّ ذكر ما أعطاهم فقال: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالُواْ سَوَاءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ}.
روى العباس عن ابن عمير، وواقد عن الكسائي بإدغام الطاء في التاء، الباقون: بالإظهار وهو الاختيار.
{أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الواعظين إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين} قرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وأيّوب وأبي عبيد وأبي حاتم بفتح الخاء، لقوله: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت: 17] وقوله: {إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق} [ص: 7] ومعناه: إن هذا إلاّ دأب الأوّلين وأساطيرهم وأحاديثهم، وقرأ الباقون: بضم الخاء واللام أي عبادة الأوّلين من قبلنا، يعيشون ماعاشوا ثمّ يموتون ولا بعث ولا حساب، وهذا تأويل قتادة.
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ} أي في الدنيا {آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا} ثمرها {هَضِيمٌ}. قال ابن عباس: لطيف مادام في كفراه، ومنه قيل: هضيم الكشح إذا كان لطيفًا، وهضمَ الطعام إذا لطف واستحال على شكله، عطيّة عنه: يانع نضيج، قتادة وعكرمة: الرطب الليّن، الحسن: رخو.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شبنة قال: حدّثنا ابن ماهان قال: حدّثنا الطنافسي قال: حدّثنا وكيع عن سلام عن أبي إسحاق عن أبي العلاء، طلعها هضيم قال: مذنّب، مجاهد: متهشم متفتت وذلك حين يطلع يفيض عليه فيهضمه، وهو مادام رطبًا فهو هضيم فإذا يبس فهو هشيم، أبو العالية: يهشهش في الفم. الضحاك ومقاتل: متراكم ركب بعضه بعضًا حتى هضم بعضه بعضًا، وأصله من الكسر.
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا فَارِهِينَ} قرأ أهل الشام والكوفة فارهين بالألف، وهي قراءة أصحاب عبد الله واختيار أبي عبيد أي حاذقين بتخيّرها.
وقال عطيّة وعبد الله بن شداد: متخيرين لمواضع نحتها، وقرأ الباقون: فرهين بغير ألف وهو اختيار أبي حاتم. واختلفوا في معناه فقال ابن عباس: أشرين، الضحّاك: كيّسين، قتادة: معجبين بصنعكم، مجاهد: شرهين، عكرمة: ناعمين، السدّي: متحيرين، ابن زيد: أقوياء، الكسائي: بطرين، أبو عبيدة: فرحين، الأخفش: فرحين، والعرب تعاقب بين الحاء والهاء مثل: مدحته ومدهته، ويجوز أن يكون فرهين وفارهين بمعنى واحد مثل قوله: {عِظَامًا نَّخِرَةً} [النازعات: 11] وناخرة، ونحوها.
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَلاَ تطيعوا أَمْرَ المسرفين} المشركين {الذين يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين} أي المسحورين المخدوعين عن مجاهد وقتادة.
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: من المعلّلين بالطعام والشراب، وأنشد الكلبي قول لبيد:
فإنْ تسألينا فيم نحن فإننّا ** عصافير من هذا الأنام المسحّر

وقال آخر:
ويسحر بالطعام وبالشراب

أي يعلّل ويخدع، وهو على هذين القولين من السِّحر بكسر السين.
وقال بعضهم: من السَّحر بفتح السين أي أصحاب الرؤية، يدلّ عليه قوله: {مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ} على صحة ما يقول: {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين قَالَ هذه نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ} حظ ونصيب من الماء {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء} بعقر {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ} على عقرها حين رأوا العذاب.
{فَأَخَذَهُمُ العذاب إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} مجاوزون الحلال إلى الحرام.
{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} من بلدنا {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ} يعني اللواط {مِّنَ القالين} المبغضين.
ثمَّ دعا فقال: {رَبِّ نَّجِنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} عند نزول العذاب {إِلاَّ عَجُوزًا فِي الغابرين} وهي امرأة لوط بقيت في العذاب والهلاك.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ المنذرين} فقال: سمعت وهب بن منبه يقول: الكبريت والنار.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
{كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيكة} الغيضة وهم قوم شعيب والليكة والأيكة لغتان قرئتا جميعًا {المرسلين}.
قال أبو زيد: بعث الله سبحانه شعيبًا إلى قومه وأهل مدين وإلى أهل البادية وهم أصحاب الأيكة.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ} ولم يقل أخوهم شعيب لأنّه لم يكن من أصحاب الأيكة في النسب، فلمّا ذكر مدين قال: {أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85] [هود: 84] [العنكبوت: 36] لأنه كان منهم.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين} وإنّما دعوة هؤلاء الأنبياء كلّهم فيما حكى الله سبحانه عنهم على صيغة واحدة للإخبار بأنّ الحقّ الذي يدعون إليه واحد، وأنّهم متّفقون على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة والامتناع من أخذ الأجر على الدعوة وتبليغ الرسالة.
{أَوْفُواْ الكيل وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين} الناقصين للكيل والوزن.
{وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ واتقوا الذي خَلَقَكُمْ والجبلة} الخليقة {الأولين}. والجبلّ: الخلق، قال الشاعر:
والموت أعظم حادث ** مما يمرّ على الجبلّة

{قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين وَمَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السماء إِن كُنتَ مِنَ الصادقين قَالَ ربي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} وهو مُجازيكم به وما عليَّ إلاّالدعوة.
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} وذلك أنّ الله سبحانه حبس عنهم الريح سبعة أيّام وسلّط عليهم الحرّ حتى أخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظلّ ولا ماء، وكانوا يدخلون الأسراب ليتبرّدوا فيها فإذا دخلوها وجدوها أشدّ حرًا من الظاهر، فخرجوا هرابًا الى البرية فأظلّتهم سحابة وهي الظلّة، فوجدوا لها بردًا ونسيمًا فنادى بعضهم بعضًا حتى إذا اجتمعوا تحتها أمطرت عليهم نارًا فاحترقوا.
قال قتادة: بعث الله سبحانه شعيبًا إلى أُمّتين: أصحاب الأيكة وأهل مدين، فأمّا أصحاب الأيكة فأُهلكوا بالظلّة وأمّا أهل مدين فأخذتهم الصيحة، صاح بهم جبرئيل صيحة فهلكوا جميعًا.
أخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا الحسن بن علويه قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا المسيّب عن برد الجريري قال: سلّط الحرّ عليهم سبعة أيام ولياليهن، ثم رفع لهم جبل من بعيد، فأتاه رجل منهم فإذا تحته أنهار وعيون وماء بارد فتمكّن تحته وأخذ ما يكفيه ثم جاء إلى أهل بيته فآذنهم فجاءوا فأخذوا ما يكفيهم وتمكّنوا، ثم آذن بقيّة الناس فاجتمعوا تحته كلّهم فلم يغادر منهم أحدًا، فوقع ذلك الجبل عليهم فذلك قوله سبحانه {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}. اهـ.