فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{كَذَّبَتْ عَادٌ المرسلين}.
أنثه باعتبار القبيلة وهو في الأصل اسم أبيهم.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ}.
{وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين} تصدير القصص بها دلالة على أن البعثة مقصورة على الدعاء إلى معرفة الحق والطاعة فيما يقرب المدعو إلى ثوابه ويبعده عن عقابه، وكان الأنبياء متفقين على ذلك وإن اختلفوا في بعض التفاريع مبرئين عن المطامع الدنيئة والأغراض الدنيوية.
{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ} بكل مكان مرتفع، ومنه ريع الأرض لارتفاعها. {ءايَةً} علمًا للمارة. {تَعْبَثُونَ} ببنائها إذ كانوا يهتدون بالنجوم في أسفارهم فلا يحتاجون إليها أو بروج الحمام، أو بنيانًا يجتمعون إليه للعبث بمن يمر عليهم، أو قصورًا يفتخرون بها.
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} مآخذ الماء وقيل قصورًا مشيدة وحصونًا. {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} فتحكمون بنيانها.
{وَإِذَا بَطَشْتُمْ} بسيف أو سوط. {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} متسلطين غاشمين بلا رأفة ولا قصد تأديب ونظر في العاقبة.
{فاتقوا الله} بترك هذه الأشياء. {وَأَطِيعُونِ} فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم.
{واتقوا الذي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} كرره مرتبًا على إمداد الله تعالى إياهم بما يعرفونه من أنواع النعم تعليلًا وتنبيهًا على الوعد عليه بدوام الإِمداد والوعيد على تركه بالإِنقطاع، ثم فصل بعض تلك النعم كما فصل بعض مساويهم المدلول عليها إجمالًا بالإِنكار في {أَلاَ تَتَّقُونَ} مبالغة في الإِيقاظ والحث على التقوى فقال: {أَمَدَّكُمْ بأنعام وَبَنِينَ وجنات وَعُيُونٍ} ثم أوعدهم فقال: {إِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} في الدنيا والآخرة، فإنه كما قدر على الإِنعام قدر على الإِنتقام.
{قَالُواْ سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مّنَ الواعظين} فإنا لا نرعوي عما نحن عليه، وتغيير شق النفي عما تقتضيه المقابلة للمبالغة في قلة اعتدادهم بوعظه.
{إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الأولين} ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين، أو ما خلقنا هذا إلا خلقهم نحيا ونموت مثلهم ولا بعث ولا حساب، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة {خُلُقُ الاولين} بضمتين أي ما هذا الذي جئت به إلا عادة الأولين كانوا يلفقون مثله، أو ما هذا الذي نحن عليه من الدين إلا خلق الأولين وعادتهم ونحن بهم مقتدون، أو ما هذا الذي نحن عليه من الحياة والموت إلا عادة قديمة لم تزل الناس عليها.
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} على ما نحن عليه.
{فَكَذَّبُوهُ فأهلكناهم} بسبب التكذيب بريح صرصر. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم كَذَّبَتْ ثَمُودُ المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالح أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ}.
{وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبّ العالمين أَتُتْرَكُونَ فِيمَا هَا هُنَا ءَامِنِينَ} إنكار لأن يتركوا كذلك أو تذكير للنعمة في تخلية الله إياهم وأسباب تنعمهم آمنين ثم فسره بقوله: {فِي جنات وَعُيُونٍ}.
{وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} لطيف لين للطف الثمر، أو لأن النخل أنثى وطلع وإناث النخل ألطف وهو ما يطلع منها كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو، أو متدل منكسر من كثرة الحمل، وإفراد ال {نَخْلٍ} لفضله على سائر أشجار الجنات أو لأن المراد بها غيرها من الأشجار.
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتًا فارهين} بطرين أو حاذقين من الفراهة وهي النشاط، فإن الحاذق يعمل بنشاط وطيب قلب. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {فرهين} وهو أبلغ من فارهين.
{فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ المسرفين} استعير الطاعة التي هي انقياد الأمر لامتثال الأمر، أو نسب حكم الآمر إلى أمره مجازًا.
{الذين يُفْسِدُونَ فِي الأرض} وصف موضح لإِسرافهم ولذلك عطف: {وَلاَ يُصْلِحُونَ} على يفسدون دلالة على خلوص فسادهم.
{قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين} الذين سحروا كثيرًا حتى غلب على عقلهم، أو من ذوي السحر وهي الرئة أي من الأناسي فيكون:
{مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} تأكيدًا له. {فَأْتِ بِئَايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} في دعواك.
{قَالَ هذه نَاقَةٌ} أي بعدما أخرجها الله من الصخرة بدعائه كما اقترحوها. {لَّهَا شِرْبٌ} نصيب من الماء كالسقي والقيت للحظ من السقي والقوت وقرئ بالضم. {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} فاقتصروا على شربكم ولا تزاحموها في شربها.
{وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء} كضرب وعقر. {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} عظم اليوم لعظم ما يحل فيه، وهو أبلغ من تعظيم العذاب.
{فَعَقَرُوهَا} أسند العقر إلى كلهم لأن عاقرها إنما عقرها برضاهم ولذلك أخذوا جميعًا. {فَأَصْبَحُواْ نادمين} على عقرها خوفًا من حلول العذاب لا توبة، أو عند معاينة العذاب ولذلك لم ينفعهم.
{فَأَخَذَهُمُ العذاب} أي العذاب الموعود. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ} في نفي الإِيمان عن أكثرهم في هذا المعرض إيماء بأنه لو آمن أكثرهم أو شطرهم لما أخذوا بالعذاب، وإن قريشًا إنما عصموا من مثله ببركة من آمن منهم.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ}.
{وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبّ العالمين أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين} أتأتون من بين من عداكم من العالمين الذكران لا يشارككم فيه غيركم، أو أتأتون الذكران من أولاد آدم مع كثرتهم وغلبة الإِناث فيهم كأنهن قد أعوزنكم، فالمراد ب {العالمين} على الأول كل من ينكح وعلى الثاني الناس.
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ} لأجل استمتاعكم. {رَبُّكُمْ مّنْ أزواجكم} للبيان إن أريد به جنس الإناث، أو للتبعيض إن أريد به العضو المباح منهن فيكون تعريضًا بأنهم كانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم أيضًا. {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} متجاوزون عن حد الشهوة حيث زادوا على سائر الناس بل الحيوانات، أو مفرطون في المعاصي وهذا من جملة ذاك، أو أحقاء بأن توصفوا بالعدوان لارتكابكم هذه الجريمة.
{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يالوط} عما تدعيه أو عن نهينا وتقبيح أمرنا. {لَتَكُونَنَّ مِنَ المخرجين} من المنفيين من بين أظهرنا، ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على عنف وسوء حال.
{قَالَ إِنّي لِعَمَلِكُمْ مّنَ القالين} من المبغضين غاية البعض لا أقف عن الإِنكار عليه بالإِبعاد، وهو أبلغ من أن يقول: {إِنّي لِعَمَلِكُمْ} قال لدلالته على أنه معدود في زمرتهم مشهور بأنه من جملتهم.
{رَبّ نَّجِنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ} أي من شؤمه وعذابه.
{فنجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ} أهل بيته والمتبعين له على دينه بإخراجهم من بينهم وقت حلول العذاب بهم.
{إِلاَّ عَجُوزًا} هي امرأة لوط. {فِى الغابرين} مقدرة في الباقين في العذاب إذ أصابها حجر في الطريق فأهلكها لأنها كانت مائلة إلى القوم راضية بفعلهم.
وقيل كائنة فيمن بقي في القرية فإنها لم تخرج مع لوط.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين} أهلكناهم.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} وقيل أمطر الله على شذاذ القوم حجارة فأهلكهم. {فَسَاءَ مَطَرُ المنذرين} اللام فيه للجنس حتى يصح وقوع المضاف إليه فاعل ساء والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
{كَذَّبَ أصحاب لْئَيْكَةِ المرسلين} الأيكة غيضة تنبت ناعم الشجر يريد غيضة بقرب مدين تسكنها طائفة فبعث الله إليهن شعيبًا كما بعثه إلى مدين وكان أجنبيًا منهم فلذلك قال: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ} ولم يقل أخوهم شعيب. وقيل الأيكة شجرة ملتف وكان شجرهم الدوم وهو المقل، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر {ليكة} بحذف الهمزة وإبقاء حركتها على اللام وقرئت كذلك مفتوحة على أنها ليكة وهي اسم بلدتهم، وإنما كتبت ها هنا وفي ص بغير ألف اتباعًا للفظ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبّ العالمين}.
{أَوْفُواْ الكيل} أتموه. {وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين} الناقصين حقوق الناس بالتطفيف.
{وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم} بالميزان السوي، وهو وإن كان عربيًا فإن كان من القسط ففعلاس بتكرير العين وإلا ففعلال. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف. {وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ} ولا تنقصوا شيئًا من حقوقهم. {وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرض مُفْسِدِينَ} بالقتل والغارة وقطع الطريق.
{واتقوا الذي خَلَقَكُمْ والجبلة الأولين} وذوي الجبلة الأولين يعني من تقدمهم من الخلائق.
{قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} أتوا بالواو للدلالة على أنه جامع بين وصفين متنافين للرسالة مبالغة في تكذيبه. {وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين} في دعواك.
{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مّنَ السماء} قطعة منها، ولعله جواب لما أشعر به الأمر بالتقوى من التهديد. وقرأ حفص بفتح السين. {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في دعواك.
{قَالَ رَبّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} وبعذابه منزل عليكم ما أوجبه لكم عليه في وقته المقدر له لا محالة.
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} على نحو ما اقترحوا بأن سلط الله عليهم الحر سبعة أيام حتى غلت أنهارهم وأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارًا فاحترقوا. {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم} هذا آخر القصص السبع المذكورة على سبيل الاختصار تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديدًا للمكذبين به، وإطراد نزول العذاب على تكذيب الأمم بعد إنذار الرسل به، واقتراحهم له استهزاء وعدم مبالاة به يدفع أن يقال إنه كان بسبب اتصالات فلكية أو كان إبتلاء لهم لا مؤاخدة على تكذيبهم. اهـ.