فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الأولين} فيحتمل هذه الأخبار خاصة، ويحتمل أن يكون المراد صفة القرآن، ويحتمل صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون المراد وجوه التخويف، لأن ذكر هذه الأشياء بأسرها قد تقدم.
{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)}.
اعلم أن قوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ ءايَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِى إسرائيل} المراد منه ذكر الحجة الثانية على نبوته عليه السلام وصدقه، وتقريره أن جماعة من علماء بني إسرائيل أسلموا ونصوا على مواضع في التوراة والإنجيل ذكر فيها الرسول عليه الصلاة والسلام بصفته ونعته، وقد كان مشركو قريش يذهبون إلى اليهود ويتعرفون منهم هذا الخبر، وهذا يدل دلالة ظاهرة على نبوته لأن تطابق الكتب الإلهية على نعته ووصفه يدل قطعًا على نبوته، واعلم أنه قرئ {يَكُنِ} بالتذكير، وآية النصب على أنها خبره و{أن يعلمه} هو الاسم، وقرئ {تَكُنْ} بالتأنيث وجعلت {آية} اسمًا و{أن يعلمه} خبرًا، وليست كالأولى لوقوع النكرة اسمًا والمعرفة خبرًا، ويجوز مع نصب الآية تأنيث يكن كقوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [الأنعام: 23].
وأما قوله: {وَلَوْ نزلناه على بَعْضِ الأعجمين} فاعلم أنه تعالى لما بين بالدليلين المذكورين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق لهجته بين بعد ذلك أن هؤلاء الكفار لا تنفعهم الدلائل ولا البراهين، فقال: {وَلَوْ نزلناه على بَعْضِ الأعجمين} يعني إنا أنزلنا هذا القرآن على رجل عربي بلسان عربي مبين، فسمعوه وفهموه وعرفوا فصاحته، وأنه معجز لا يعارض بكلام مثله، وانضم إلى ذلك بشارة كتب الله السالفة به، فلم يؤمنوا به وجحدوه، وسموه شعرًا تارة وسحرًا أخرى، فلو نزلناه على بعض الأعجمين الذي لا يحسن العربية لكفروا به أيضًا ولتمحلوا لجحودهم عذرًا، ثم قال: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ المجرمين} أي مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم، وهكذا مكناه وقررناه فيها وكيفما فعل بهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من الجحود والإنكار، وهذا أيضًا مما يفيد تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه إذا عرف رسول الله إصرارهم على الكفر، وأنه قد جرى القضاء الأزلي بذلك حصل اليأس، وفي المثل: اليأس إحدى الراحتين.
المسألة الرابعة:
قوله: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ المجرمين} يدل على أن الكل بقضاء الله وخلقه، قال صاحب الكشاف: أراد به أنه صار ذلك التكذيب متكمنًا في قلوبهم أشد التمكن فصار ذلك كالشيء الجبلي والجواب: أنه إما أن يكون قد فعل الله فيهم ما يقتضي رجحان التكذيب على التصديق أو ما فعل ذلك فيهم، فإن كان الأول فقد دللنا في سورة الأنعام على أن الترجيح لا يتحقق ما لم ينته إلى حد الوجوب وحينئذ يحصل المقصود، فإن لم يفعل فيهم ما يقتضي الترجيح ألبتة، امتنع قوله: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} كما أن طيران الطائر لما لم يكن له تعلق بكفرهم، امتنع إسناد الكفر إلى ذلك الطيران.
المسألة الخامسة:
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما موقع {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} من قوله: {سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ المجرمين}؟ قلت موقعه منه موقع الموضح والمبين، لأنه مسوق لبيانه مؤكد للجحود في قلوبهم، فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به حتى يعاينوا الوعيد.
{فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203)}.
اعلم أنه تعالى لما بين أنهم لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم، وأنه يأتيهم العذاب بغتة أتبعه بما يكون منهم عند ذلك على وجه الحسرة فقال: {فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} كما يستغيث المرء عند تعذر الخلاص، لأنهم يعلمون في الآخرة أن لا ملجأ، لكنهم يذكرون ذلك استرواحًا.
فأما قوله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} فالمراد أنه تعالى بين أنهم كانوا في الدنيا يستعجلون العذاب، مع أن حالهم عند نزول العذاب طلب النظرة ليعرف تفاوت الطريقين فيعتبر به، ثم بين تعالى أن استعجال العذاب على وجه التكذيب إنما يقع منهم ليتمتعوا في الدنيا، إلا أن ذلك جهل، وذلك لأن مدة التمتع في الدنيا متناهية قليلة، ومدة العذاب الذي يحصل بعد ذلك غير متناهية، وليس في العقل ترجيح لذات متناهية قليلة على آلام غير متناهية، وعن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف، فقال له عظني، فلم يزد على تلاوة هذه الآية، فقال ميمون: لقد وعظت فأبلغت، وقرئ {يُمَتَّعُونَ} بالتخفيف. اهـ.

.قال الجصاص:

وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلَى قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ}.
أَخْبَرَ عَنْ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ تَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ بِهَذِهِ اللُّغَةِ فَهَذَا مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فِي أَنَّ نَقْلَهُ إلَى لُغَةٍ أُخْرَى لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا لِإِطْلَاقِ اللَّهِ اللَّفْظَ بِأَنَّهُ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ مَعَ كَوْنِهِ فِيهَا بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ} يعني القرآن.
{الرُّوحُ الأمِينُ} يعني جبريل.
{عَلَى قَلْبِكَ} يعني محمد صلى الله عليه وسلم.
{لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} يعني لأمتك.
{بِلِسَانٍ عَرَبِّيٍ مُبِينٍ} يعني أن لسان القرآن عربي مبين لأن المنزل عليه عربي، والمخاطبون به عرب ولأنه تحدى بفصاحته فصحاء العرب.
وفي اللسان العربي قولان:
أحدهما: لسان جرهم، قاله أبو برزة.
الثاني: لسان قريش، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} يعني كتب الأولين من التوراة والإنجيل وغيرها من الكتب.
وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المراد به ذكر القرآن في زبر الأولين، قاله قتادة.
الثاني: بعث محمد صلى الله عليه وسلم في زبر الأولين، قاله السدي.
الثالث: ذكر دينك وصفة أمتك في زبر الأولين، قاله الضحاك.
قوله تعالى: {كَذلِكَ سَلَكْنَاهُ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: كذلك أدخلنا الشرك، قاله أنس بن مالك.
الثاني: التكذيب، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: القسوة، قاله عكرمة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)}.
الضمير في {إنه} للقرآن، أي إنه ليس بكهانة ولا سحر وإنما هو من عند الله تعالى، و{الروح الأمين}، جبريل عليه السلام بإجماع، ونزل باللفظ العربي والمعاني الثابتة في الصدور والمصاحف، وعلى ذلك كله يعود الضمير في {به} واللسان، عبارة عن اللغة، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص {نزَل} خفيفة الزاي {الروحُ} رفع، وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي بشد الزاي {الروحَ} نصبًا ورجحها أبو حاتم بقوله تعالى: {فإنه نزله على قلبك} [البقرة: 97]. وبقوله: {لتنزيل رب العالمين}. وقوله، {به} في موضع الحال كقوله تعالى: {وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به} [المائدة: 61]، وقوله: {على قلبك} إشارة إلى حفظه إياه، وعلل النزول على قلبه بكونه {من المنذرين} لأنه لا يمكن أن ينذر به إلا بعد حفظه، وقوله: {بلسان} يمكن أن تتعلق الباء ب {نزل به} وهذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يسمع من جبريل حروفًا عربية وهو القول الصحيح، وتكون صلصلة الجرس صفة لشدة الصوت وتداخل حروفه وعجلة مورده وإغلاظه، ويمكن أن يتعلق بقوله: {لتكون} وتمسك بهذا من رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع مثل صلصلة الجرس يتفهم له منه القرآن.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول ضعيف مقتضاه أن بعض ألفاظ القرآن من لدن النبي عليه السلام وهذا مردود، وقوله: {وإنه لفي زبر الأولين}، أي في كتبهم يريد القرآن أنه مذكور في الكتب المنزلة القديمة منبه عليه مشار إليه، وقرأ الجمهور {زبُر} بضم الباء، وقرأ الأعمش بسكونها ثم احتج عليهم بأنهم كان ينبغي أن يصحح عندهم أمره كون علماء بني إسرائيل يعلمونه كعبد الله بن سلام ونحوه قاله ابن عباس ومجاهد، وقال ابن عباس أيضًا فيما حكى عنه الثعلبي أن أهل مكة بعثوا إلى الأحبار بيثرب يسألونهم عن النبي عليه السلام فقالوا هذا زمانه ووصفوا نعته ثم خلطوا في أمر محمد عليه السلام فنزلت الآية في ذلك.
قال القاضي أبو محمد: ويؤيد هذا كون الآية مكية، وقال مقاتل هذه الآية مدنية، فمن قال إنها مكية ذهب إلى أن علماء بني إسرائيل ذكروا في التوراة صفة النبي الأمي فهذه الإشارة إلى ذلك وكلهم قرأ: {يكن} بالياء {آيةً} نصبًا غير ابن عامر فإنه قرأ: {تكن} بالتاء من فوق {آيةٌ} رفعًا وهي قراءة عاصم الجحدري، وقرأ جمهور الناس {أن يعلمه} بالياء من تحت، وقرأ الجحدري {تعلمه} بالتاء من فوق، ثم سلى محمدًا صلى الله عليه وسلم عن صدود قومه عن الشرع بأن أخبر أن هذا القرآن العربي لو سمعوه من أعجمي أي من حيوان غير ناطق أو من جماد، والأعجم كل ما لا يفصح، ما كانوا يؤمنون أي قد ختم الكفر عليهم فلا سبيل إلى إيمانهم، والأعجمون جمع أعجم وهو الذي لا يفصح وإن كان عربي النسب يقال له أعجم، وكذلك يقال للحيونات والجمادات ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «جرح العجماء جبار» وأسند الطبري عن عبد الله بن مطيع أنه قال حين قرأ هذه الآية وهو واقف بعرفة: جملي هذا أعجم فلو أنزل عليه ما كانوا يؤمنون، والعجمي هو الذي نسبه في العجم وإن كان أفصح الناس، وقرأ الحسن الأعجميين.
قال أبو حاتم أراد جمع الأعجمي المنسوب، وقال بعض النحويين الأعجمون جمع أعجم أضيف فقويت بالإضافة رتبته في الأسماء فجمع وليس بأعجمي النسبة إلى العجم، وقرأ جمهور الناس {أو لم يكن} بالياء {لهم آيةً} بالنصب، وقرأ: {أو ليس لم يكن آية} ابن مسعود، والأعمش، وفي مصحف أبي {أليس} بغير واو، وقرأت فرقة {تكن} بالتاء من فوق {آيةٌ} رفعًا، وقرأ بعض من قرأ بالياء {آيةً} بالنصب وسائرهم بالرفع، وقد مضى ذكرها في السبع وذكر الطبري أن الضمير في قوله: {وإنه لتنزيل} عائد على الذكر في قوله: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم} [الأنبياء: 2].
{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200)}.
الإشارة بذلك إلى يتحصل لسامع الآية المتقدمة من الحتم عليهم بأنهم لا يؤمنون وهي قوله تعالى: {ولو نزلناه على بعض الأعجمين} [الشعراء: 198]، و{سلكناه} معناه أدخلناه، والضمير فيه للكفر الذي يتضمنه قوله: {ما كانوا به مؤمنين} [الشعراء: 198] قاله الحسن. قال الرماني لا وجه لهذا لأنه لم يجر ذكره وإنما الضمير للقرآن وإحضاره بالبال، وحكى الزهراوي أن الضمير للتكذيب المفهوم وحكاه الثعلبي، وقرأ ابن مسعود {كذلك جعلناه في قلوب} وروي عنه {نجعله} والمجرمون أراد بهم مجرمي كل أمة، أي إن هذه عادة الله تعالى فيهم، أنهم لا يؤمنون {حتى يروا العذاب} فلا ينفعهم الإيمان بعد تلبس العذاب بهم وهذا على جهة المثال لقريش أي هؤلاء كذلك، وكشف الغيب ما تضمنته هذه الآية يوم بدر، وقرأ الجمهور {فيأتيهم} بالياء أي العذاب، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {فتأتيهم} بالتاء من فوق يعني الساعة، وفي قراءة أبي بن كعب {فيروه بغتة} ومن قول كل أمة معذبة {هل نحن منظرون} أي مؤخرون، وهذا على جهة التمني منهم والرغبة حيث لا تنفع الرغبة، ثم رجع لفظ الآية إلى توبيخ قريش على استعجالهم عذاب الله تعالى في طلبهم سقوط السماء كسفًا وغير ذلك وقولهم لمحمد صلى الله عليه وسلم أين ما تعدنا أي إنه لا ينبغي لهم ذلك لأن عذابنا بالمرصاد إذا حان أجله، ثم خاطب محمدًا صلى الله عليه وسلم بإقامة الحجة عليهم في أن مدة الإرجاء والإمهال والإملاء لا تغني مع نزول العذاب بعدها ووقوع النقمة، وذلك في قوله تعالى: {أفرأيت إن متعناهم} الآية، قال عكرمة {سنين} يريد عمر الدنيا، ولأبي جعفر المنصور، قصة في هذه الآية، ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية من القرى إلا بعد إرسال من ينذرهم، عذاب الله عز وجل. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإِنَّه} يعني القرآن {لَتَنْزِيلُ ربِّ العالَمِين نَزَلَ به الرُّوحُ الأمينُ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: {نَزَل به} خفيفًا {الرُّوحُ الأمينُ} بالرفع.